اسم الكتاب: التقريرُ في أسانيدِ التَّفسير.
اسم المؤلف: عبد العزيز بن مرزوق الطريفي.
عدد الصفحات: 96 صفحة.
الناشر: مكتبة دار المنهاج للنشر والتوزيع – الرياض.
نبذة عن الكتاب:
علمُ التَّفسيرِ مِن أشرَفِ العُلومِ على الإطلاقِ؛ لارتباطه بكتابِ الله تعالى، فإنَّ شَرَف العِلمِ بِشَرفِ المعلومِ؛ ولهذا كان الاهتمامُ به، والعنايةُ بتفاصيلِه ومقاصِدِه ودلائِلِه مِن مُهِمَّاتِ الأمور، وأولويَّاتِ العلوم، وأمَّا قراءةُ القرآنِ، فإنَّه قد يُحسِنُها البَرُّ والفاجر، وما من طائفةٍ من طوائفِ أهلِ الضَّلالِ إلَّا وحُجَّتُها القرآنُ؛ وذلك لِبُعدِهم عن فَهمِه كما فَهِمَه الأوَّلون، والعَرَبُ العَرْباءُ، وأصحابُ اللُّغةِ الفُصَحاء، الذين- مع علوِّ شَأنِهم- توقَّفوا عن ألفاظٍ لم يَعرِفوا معناها، فلم يقولوا فيها شيئًا، وهم أهلُ البيان والبلاغة والفَصاحة والبَراعة، فرَجَعوا فيها إلى أفصَحِ العَرَب وأعذَبِهم كلامًا صلَّى الله عليه وسلَّم.
ومع تقادُمِ الزَّمان ودُخولِ العُجمةِ على اللِّسان، أصبح من المهمِّ مَعرفةُ كيفيَّةِ التعامُلِ مع أسانيدِ التَّفسيرِ التي تنقُلُ لنا ما قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، والسَّلَفُ السَّابقون أصحابُ الألسُنِ الفَصيحة في تفسيرِ القرآنِ؛ حتى تتَّضحَ معانيه، وتتبيَّن دلائِلُه، ولا يكون هناك مجالٌ لأصحاب الأهواءِ والضَّلالاتِ لِدَسِّ تحريفاتِهم وخُزَعبلاتِهم، ولا يكون كذلك لِما انتشَرَ مِن العُجمة والرَّكاكة أن تؤثِّرَ في فهمِ معاني القرآن؛ فالحاجةُ إذن ماسَّةٌ إلى معرفةِ تَفسيرِ الأوائِلِ؛ لِسَلامةِ اللِّسان، وقُربِ الزَّمانِ من التَّنزيل.
وهذا الكتاب يسلِّطُ الضَّوءَ على الأسانيد التي وردت بها النُّصوصُ التي تفسِّرُ كتاب الله تعالى، وأصلُه محاضرةٌ بعنوان (أسانيد التفسير) أُلقِيَت في مدينة الرياض، بيَّنَ فيها الشيخ مناهِجَ النقَّاد في قَبولِ أسانيدِ التَّفسيرِ أو ردِّها، على طريقةِ الاختصارِ والارتجالِ، ثمَّ بعد ذلك ولكي تخرُجَ على صورةِ هذا الكتابِ صحَّحَ الشيخ فيها، ورتب وزاد ما لا يتَّسِعُ مقامُ الارتجالِ له، والحاجة الماسَّة تدعو إليه.
تطرَّق المؤلِّفُ لكثيرٍ من المواضيعِ المهمَّة، بأسلوبٍ رائع وواضح، فمِن تلك العناوين التي تكلَّم عنها: أنواعُ التفسير، وبناه على قولِ ابن عباس رضي الله عنه: ((التفسيرُ على أربعةِ أوجُهٍ: وجهٌ تعرِفُه العرَبُ مِن كلامِها، وتفسيرٌ لا يُعذَرُ أحَدٌ بجهالتِه، وتفسيرٌ يعلَمُه العُلَماءُ، وتفسيرٌ لا يَعلَمُه إلَّا الله)) فبيَّنَ كلَّ قِسمٍ بيانًا مُختصَرًا وكافيًا، ثم ختم هذا المبحثَ بنقطةٍ مهمَّةٍ، وهي أنَّ التفسيرَ وأسانيدَه من المهمَّاتِ التي ينبغي لطالب العِلم أن يعتنيَ بها، ويتفقَّهَ فيها، ويعرِفَ الصحيحَ منها والضعيف؛ فإنَّ كثيرًا من طلبةِ العِلمِ يَجهلونَ هذا الفن، ولا يعتنونَ به، والغالِبُ على أحكامِ المتعَلِّمين للتفسيرِ الاعتمادُ على إطلاقاتِ المحَدِّثين في علومِ الحَديثِ وقواعِدِه، وهذا مُشكِلٌ في أسانيدِ الأحكامِ، فضلًا عن أسانيدِ التَّفسير.
كذلك ممَّا تطرَّقَ إليه: التفسيرُ المرفوعُ عن رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وبيَّنَ أنه قليل، وأنَّ ما جاء عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم من التفسيرِ، فهو حجَّةٌ قاطعة، وهو أولى ما يؤخَذُ ويُعمَل به، وهو مُقدَّمٌ على قولِ كلِّ أحدٍ؛ لأنَّ الله ما جعلَ الحُجَّةَ في قولِ أحدٍ إلَّا في قولِ نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم.
ومن أبرَزِ المواضيعِ التي ذكرها الشَّيخُ أنَّ السَّلَف والأئمَّة كانوا يتساهلون في التَّفسيرِ، ولا يتساهلونَ في الأحكامِ، وذكر بعض نصوصِهم التي تدلُّ على ذلك.
وأبان الشيخُ في أحدِ تلك المواضيعِ المهمَّة التي تطرَّق لها أنَّ الإجماعَ في التفسيرِ قليلٌ جِدًّا، فهو من أقلِّ أبواب العلم إجماعًا، ولا يلزم من ذلك كثرةُ الخلاف وغَلَبَته، فإنَّ القرآن جاء ليُحمَلَ على وجوهٍ تتَّفِقُ في الأصل والمقصِد، وتختلف في اللَّفظ، فاختلافُ ألفاظ المفسِّرين للقرآنِ، هو من اختلاف التنوُّع لا اختلاف التضادِّ في الغالب، وأكثَرُ القرآن- كما قال الشيخُ- مُجمَعٌ على تفسيرِه بمعانٍ مَنصوصةٍ، لكنْ لا ينصُّونَ على الإجماعِ في الواضحِ البيِّن، وإنَّه إن عُلِمَ أنَّ في المسألةِ إجماعًا على تأويلِ آيةٍ أو اتِّفاقًا على سببِ نزولٍ، فلا يُعتمَدُ ما يخالفُها.
كذلك تكلَّم عن اختلاف المفسِّرين، وذكر أنَّ الخلافَ فيه على نوعين: خلافُ تنوُّعٍ، وخلاف تضادٍّ، وأنَّ الخلاف المرويَّ عن المفسِّرين، جُلُّه من خلاف التنوُّع، لا من خلاف التضادِّ، كما نص عليه سفيانُ الثوري، وابن قتيبة، والشاطبي وابن تيمية.
وخلافُ التضادِّ عند مفسِّري السَّلَف أكثَرُ ما يقع في تفسير آيات الأحكام، وقد تجدُ التفسيرَ عن الواحدِ مِن الصحابة والتابعينَ في الآيةِ الواحدة بلفظينِ مُختَلفينِ، وعند النظَرِ في المعنى تجد ثمَّة أصلًا يجمَعُهما، وهو المقصود بالتفسير.
وبيَّنَ هنا أمرًا مُهمًّا، وهو أنَّه لَمَّا كان كثيرٌ مِن التفسيرِ مِن اختلاف التنوُّع، تساهل العلماءُ بالرِّواية عَن الضُّعَفاء؛ لأنَّ الأصل الأصيل والمقصِدَ العليَّ من النقدِ والتعليلِ خَوْفُ ورودِ شيءٍ من المعاني المنكرة، والتي تخالِفُ الأصولَ الثابتةَ، ولأنَّ تفاسيرَهم لا تخرجُ عن الوجوهِ المشروعة، واعتمادَهم كلَّه على لغةِ العَرَب.
كما تطرَّقَ بعد ذلك لأسبابِ التساهُل في الرواية عن الضعفاء في التفسير، وذكر بعض القرائن التي لأجلها تسامَحوا في رواية التفسيرِ وكتابتِه، وأطال النَّفَسَ فيها نوعًا ما.
وأيضا عرَّجَ على موقوفاتِ الصحابة وحُكمِها، وتفسير الراوي الضَّعيف، وتكلَّم عن أنواع التفسير المُسنَد، وخصَّص للتفاسيرِ الموقوفةِ مَبحثًا أفاض فيه بإسهابٍ.
ومن المواضيعِ التي لم يُغفِلْها الكِتابُ طبقاتُ المفسِّرين التابعين، وأيضا تكلَّم فيه بشيءٍ من التفصيل.
ثم ختم هذا الكتابَ بمسألتينِ يُحتاجُ إليهما، وهما:
المسألة الأولى: هل للإنسانِ أن يفسِّرَ القرآنَ على وجهٍ لم يُسبَقْ إليه أم لا؟ وكان جوابُه عن هذه المسألة: أنْ نعم، له ذلك، وذكَرَ أنه تكلَّم عنها الشنقيطيُّ في تفسيره، وأورد فيه ما رواه البخاري من حديثِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ، أنه قال: ((إنَّ ممَّا تركه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم، قال: إلَّا فَهمًا يؤتيه اللهُ عزَّ وجَلَّ عبدًا في كتابِه)) وهذا دليلٌ على أنَّ الإنسانَ له أن يفسِّرَ القرآنَ على وجهٍ لا يعارِضُ شيئًا صريحًا من الكتابِ والسنَّة، أو ما أُجمِعَ على تأويلِه.
المسألة الثانية: الإسرائيليَّات، ووضَّحَ أنها نسبةٌ إلى نبي الله إسرائيلَ، وهو يعقوبُ عليه السَّلامُ، وقد سمَّاه الله تعالى بذلك، فقال: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} [آل عمران: 93]، وذكر أنَّ الإسرائيليَّات عند المكِّيينَ أكثَرُ من غيرهم، وهي في التفسيرِ كثيرةٌ، وقد عُرِفَ عن بعضِ الصحابة مَن له رواياتٌ للإسرائيليَّات، كعبدِ الله بن عبَّاس، وجاء عن أبيِّ بن كعبٍ شيءٌ قليلٌ عن أهل الكتاب.
وبالجملة: فمن اشتهر عنه القُربُ من أهل الكتابِ، ثم دخل الإسلامَ كعبدِ اللهِ بن سلامٍ، وكعبِ الأحبارِ، ووهبِ بنِ منبِّه، هؤلاء كانوا يهودًا ثم أسلموا، فاعتَنَوا بحكايةِ ما لديهم من علمٍ مِن أهلِ الكتابِ ممَّا يوافِقُ كلامَ الله سبحانه وتعالى، ونقَلَ عنهم الكثيرُ من الأئمَّة مِن الصحابة والتابعين، وممَّن جاء بعدهم، فهؤلاء أجودُ سياقًا وضبطًا؛ لِمَعرفَتِهم بدِينِهم وعقيدتِهم.
ثم عدَّدَ المُكثرينَ من روايةِ الإسرائيليَّات من التابعين، وذكر أنَّه من الغلط طرحُ هذه الرِّواياتِ الإسرائيلية؛ فالنبيُّ صلَّى الله عليه وسلم لم يَطرَحْها، وقد جاء عند ابنِ ماجه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم استمَعَ لبعض أقوالِ عبدِ الله بنِ سَلامٍ رَضِيَ الله عنه فيما يَجِدُه في التوراةِ: منها ساعةُ الجُمُعةِ، ومنها بعضُ القَصَص ممَّا قد اعتمَدَ عليه بعضُ الصحابة، كما جاء في تأويلِ قِصَّةِ سليمانَ مع الجِنِّ، وغيره ممَّا لم يأتِ فيه نصٌّ في كلامِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد قال النبيُّ عليه الصَّلاةُ والسلامُ: ((حدِّثوا عن بني إسرائيلَ ولا حرَجَ)).
المصدر: الدرر السنية.