التعليم الإسلامي في الأمريكتين .. مساعٍ وتحديات
إعداد محمد سرحان
أصعب شيء في الحياة أن يعيش الإنسان بين عاملين أو طرفين لم يلتقيا بعد، وهو مجبور أن يخضع للاثنين معاً، رغم ما بينهما من تناقض أو على الأقل عدم تلاقٍ، فيبقى حائراً بين تأثير قوتيهما أيهما أكثر جذباً أو أكثر تأثيراً في سلوكه.. هذا بالضبط ما يعيشه أبناء المسلمين في الغرب بين المدارس الرسمية ومدارس آخر الأسبوع الملحقة بالمساجد، أو حتى بين مناهج المدارس الإسلامية وتحدياتها، ومنظومة المدارس الرسمية الحكومية، وما يتعرضون له من ثقافات مغايرة لتلك القيم الموجودة في البيت.
أولاً: أمريكا الشمالية:
نتناول التعليم الإسلامي في أمريكا الشمالية بالتركيز على خطوط عامة لهذا النوع من التعليم في الولايات المتحدة، التي يتسع الوجود الإسلامي فيها ويمتد بين عدة ولايات.
الولايات المتحدة:
حول واقع التعليم الإسلامي وتحدياته بالولايات المتحدة، يقول «شاكر السيد»، المدير السابق لدائرة المدارس الإسلامية بالاتحاد الإسلامي لأمريكا الشمالية (إسنا): لا شك أن للتعليم الإسلامي دوراً حيوياً في حفظ الهوية الإسلامية، فالأولاد الذين ينشؤون في التعليم الأمريكي العام، يتربون على قيم ومنظومات فكرية لا تمت للإسلام بصلة؛ وبالتالي يتفلتون من الهوية الإسلامية، ويكون هؤلاء الأبناء ضحية للاضطراب والتناقض بين القيم الإسلامية التي يجدونها في البيت، والقيم الغربية التي يتعرضون لها نحو 8 ساعات يومياً بمدارسهم.
وأوضح «السيد» أنه رغم التحديات، فإن المدارس الإسلامية تشهد إقبالاً واسعاً في الولايات المتحدة، وأن هناك أبناء على قوائم الانتظار، وبعض المدارس تضطر من الإقبال عليها لإقامة فروع لها في مدن أخرى.
وقال «السيد»: رغم الإقبال على المدارس الإسلامية، فإن هذا لا يمنع وجود تحديات تتطلب الوقوف أمامها، من أهمها أن هذه المدارس تكاد تكون محصورة على الأغنياء فقط، بحكم ارتفاع تكاليفها، فالسكن يمثل نحو 30% من دخل الأسرة، ومسألة توصيل الأولاد والمجيء بهم من المدرسة يستهلك وقتاً أيضاً، ورواتب المدرسين على بساطتها تضيف عبئاً جديداً على المدرسة ينعكس على أولياء الأمور في الرسوم الدراسية، وهذا جعل كثيراً من الأسر تنصرف عن التقديم لأبنائها في المدارس الإسلامية.
من التحديات أيضاً غياب المعلم المؤهل، وإن كان هناك تحسن عن السنوات الماضية بفضل الدورات التدريبية والتأهيلية، بالإضافة إلى بُعد المدارس، وبالتالي فالأسرة مطالبة يومياً بتوصيل أبنائها إلى المدرسة والمجيء بهم، وهذا بلا شك ليس في مقدور كل الأسر، بحكم العمل وأوقاته، فهناك بعض الاعتبارات تشغل الأسرة المسلمة في الولايات المتحدة في مسألة السكن، وهي اختيار مكان للسكن قرب عمل الأب، وكذلك الأم إذا كانت تعمل، واختيار سكن بالقرب من المسجد، وبالقرب من المدرسة، وطبعاً من الصعب أن تتوافر كل هذه الاعتبارات لدى كثير من الأسر.
وفي رأي «السيد»، فإن من أهم التحديات التوازن بين المناهج الإسلامية والحياتية، فبعض المدارس تضع الأولوية للمناهج الإسلامية على العلوم العصرية الحياتية، فتضيع على الطلاب النواحي العلمية الحياتية من العلوم الطبيعية، وبعض المدارس تفعل العكس، وبالتالي فالتوازن بين المناهج الإسلامية والعصرية مهم للغاية، وهذا ما تفشل فيه كثير من المدارس، فمعرفة العلوم الإسلامية لا تغني عن العلوم الطبيعية والأكاديمية.
ثانياً: أمريكا الجنوبية:
وبالاتجاه إلى أمريكا الجنوبية، التي يمتد فيها الوجود الإسلامي بنسب متفاوتة بين دولها، وإن كانت أكثر دول أو مدن أمريكا الجنوبية لا يتوافر فيها تعليم إسلامي، وهذه قضية مهمة خصصنا لها موضوعاً بذاته، لكننا هنا في محاولة للتعرف على واقع التعليم الإسلامي بأمريكا الجنوبية بالتعرض لنموذجي البرازيل وفنزويلا.
المدرسة الإسلامية البرازيلية:
وحول التعليم الإسلامي في البرازيل بالمدرسة الإسلامية البرازيلية شرق ساوباولو، ومدرستين في سان باولو، وثلاث مدارس في مدينة فوز دي إغواسو، لكننا نشير هنا إلى تجربة المدرسة الإسلامية البرازيلية الواقعة في حي فيلا كرون شرق مدينة سان باولو، يقول «محمد أمامة»، المشرف على المدرسة: إن عدد طلاب المدرسة الإسلامية البرازيلية بلغ هذا العام 350 طالباً وطالبة، للمراحل الأربع بالمدرسة؛ وهي الروضة والابتدائية والمتوسطة والثانوية.
وبحسب «أمامة»، ترجع بداية المدرسة الإسلامية البرازيلية للعام 1964م، حيث تم وضع حجر الأساس، وبدأت عملها فعلياً عام 1967م، غير أنها مرت بعدة عوامل تراجعت فيها حتى غلب عليها الطابع البرازيلي الصرف، وصارت تعمل كمدرسة خاصة، مقابل إيجار شهري، إلا أنه في عام 1997م عمل مجموعة من الشباب المسلم على إعادة الهوية الإسلامية للمدرسة، فتم توسعة المدرسة، وزيادة مراحلها الدراسية، وأُلحق بها مسجد ضمن التوسعة، تقام فيه يومياً صلوات الظهر والعصر حتى المغرب في أيام الشتاء، وكذلك صلاة الجمعة، حيث يقيم الطلبة صلاة الجمعة ويشاركهم كذلك بعض الآباء من الجالية الإسلامية.
ويضيف «أمامة»: بالنسبة للمسلمين المستفيدين من المدرسة على مستوى الجالية عدد لا بأس به، غير أن معظمهم لا يقيمون قريباً من المدرسة، ومع تحسن العمل الدراسي بدأ عدد من الأهالي بالانتقال قرب المدرسة، التي تعمل بترخيص من وزارة التربية والتعليم البرازيلية، موضحاً أن المدرسة الإسلامية هي الأولى التي سجلت التربية الدينية واللغة العربية رسمياً ضمن المواد التي يتم تدريسها، حيث تعتمد المدرسة على منهج إسلامي لبناني تمت ترجمته إلى اللغة البرتغالية.
فنزويلا:
يقول «د. أحمد عبده»، مركز تواصل فنزويلا: إن هناك خمس مدارس إسلامية نظامية تعمل في فنزويلا بمدن كراكس، فالنسيا، بونتوفيهو، سان فليكس، مارجريتا، وكلها بجانب المساجد، وتعمل بدوام رسمي، بدأت هذه المدارس نشاطها قبل نحو 8 سنوات، ومعظم هذه المدارس تهدف إلى تعليم اللغة العربية وتحفيظ القرآن، بما يسهم في الحفاظ على الهوية الإسلامية للأجيال المسلمة.
وحول التحديات التي تواجه هذه المدارس، يقول «عبده»: إن من يقوم على هذه المدارس بحكم تبعيتها للمراكز الإسلامية أشخاص من مجالس إدارات هذه المراكز، وهم متطوعون غير مختصين وغير مؤهلين في الجانب التعليمي، وعدم وجود مدرسين مختصين في تدريس اللغة العربية والإسلام، كما أن أغلب القائمين عليها غير ملمين بلوازم العملية التعليمية السليمة، ولعل الجانب الأبرز في التحديات هو غياب المراقبة والمتابعة المنزلية للطلاب من قبل الأسر، كما أن أولياء الأمور من العرب لا يحضرون اجتماعات مجالس الآباء بالمدارس لانشغالهم بالتجارة، ولا يهتم أغلبهم بمتابعة أبنائهم في هذه المدارس.
(المصدر: مجلة المجتمع)