مقالاتمقالات مختارة

التطرف الهندوسي ضد المسلمين الذي لا تعترف به الهند

بقلم أويس فاكهاني

هذا المقال ترجمة بتصرف لمقال: The mass radicalisation that India does not acknowledge لكاتبته: Samar Halarnkar في موقع: scroll.in. الآراء الواردة أدناه تعبّر عن كاتب المقال الأصلي ولا تعبّر بالضرورة عن تبيان.

من البديهي في هذه الأيام إذا كنت مسلمًا في الهند الجديدة تحت حكم ناريندرا مودي، فقد يتم القبض عليك بسبب بيع الأحذية، أو المشاركة في مظاهرة، أو التحدث إلى فتاة هندوسية أو المشي معها، أو قيادة شاحنة ماشية، أو دعابة، -بعبارة أخرى- إذا كنت مسلمًا في الوقت أو المكان الغير مناسب، فقد لا ينصفك الدستور، ويمكن تحريف القانون بأي طريقة لسجنك. هذا هو الواقع المتفاقم للمسلمين الهنود؛ فلا يهم حتى ولو كنت الضحية ولست الجاني وبغض النظر عن الجرم.

لنأخذ قصة الكوميدي منور فاروقي الذي يقضي الآن في السجن لمدة 23 يومًا بلا تهمة أو جريمة بعين الاعتبار؛ إذ ألغى حراس اتحاد الحماية الهندوسي (راكشان سانجاثن) عرضه في مدينة إندور الواقعة في ماديا براديش الذين ادعوا أنه كان “ينوي” السخرية من الآلهة الهندوسية. وبدلًا من إلقاء القبض على الحراس الحمقى أثنى عليهم مدير الشرطة لكونهم “يقظين وحذرين” واعتقل فاروقي بدلًا منهم.

أو ربما ناصر؛ بائع الأحذية الفقير الذي تعرض للتهديد من قبل بايرن دال غونز في بلدة غولاثي في أوتار براديش لبيع الأحذية ذات العلامات التجارية “ثاكور” والتي تحمل نفس الاسم الطبقي لرئيس الوزراء؛ مما أثار حساسية الطبقة العليا من الهندوس. لم يتم القبض على المعتدين بالطبع بل على ناصر، لكنه كان محظوظًا حيث أُطلق سراحه بعد يومين رغم أن الدعوى المرفوعة ضده بتهمة “إثارة العداء” لازالت مستمرة.

أو حتى المراهق المسلم سيء الحظ من بيجنور، والذي تعرض للضرب من قبل الرعاع في ولاية أوتار براديش أيضًا، ثم أُلقي القبض عليه بسبب سيره مع صديقه الهندوسي إلى المنزل، وسُجن لمدة 42 يومًا، ورُفض الإفراج عنه بكفالة ثلاث مرات. صرح القاضي أنه لا يوجد أساسًا للكفالة حسب قانون ولاية أوتار براديش الجديد الذي يستخدم التمويه من أجل تثبيط الزواج بين الأديان وتجريم هذا الحب.

دولة صراع

التطرف الهندوسي

كتب ريمز عن التفكك البطيء لسيادة القانون في الهند خلال فترة حكم مودي. مع العلم أن سيطرة القانون والحكومة لطالما كانت ضعيفة في الهند، فقد وصف أستاذ جامعة هارفارد لانت بريتشيت الهند بأنها ليست دولة فاشلة بل دولة صراع، ولكن كان هناك إجماع مؤسسي واجتماعي ضد تجاهلها الفظ.

يبدأ هذا الإجماع اليوم بالتلاشي حيث تشارك المؤسسات بنشاط في تفكيكه. إن تجاهل الدستور وسيادة القانون أمر رديء للغاية، لدرجة أن أي شخص ينتقد مودي أو حزبه بهاراتيا جاناتا يخضع للعقاب أو الاضطهاد.

يستخدم الكثيرون هذا التدنِ العام لسيادة القانون لشرح مضايقة المسلمين. إن هذا الجدال يرى بأن كل مغاير هو هدف وهذا بالطبع صحيح. وعلى الرغم من ذلك فإن القليل فقط يعترفون بأن المسلمين مستهدفون بالاضطهاد، مع أن الأمر ملحوظ بكل وضوح.

لا يعترف نظام هندوتفا البيئي بأن المسلمين يتعرضون لسوء المعاملة. تتصف ردودهم الصبيانية بانعدام الأمان والكراهية وخلوها من المنطق، ومن أمثلتها: وماذا عن اضطهاد الهندوس من قبل الغزاة؟ ماذا عن معاملة البانديت في كشمير؟ ماذا عن شارلي إبدو؟ دون نسيان ردهم المعهود عندما يفشلون في النقاش: “اذهبوا إلى باكستان”.

وحتى المعلقين الليبراليين الذين يجلبون الانتباه الضروري لقضية اضطهاد المسلمين الهنود يحاولون إنشاء معادلة خاطئة تمامًا للتعصب الإسلامي سواءً داخل الهند أو خارجها، في الماضي أو الحاضر، حقيقي أو محض خيال. ما علاقة أي من هذا بمصير المراهق وصديقه الهندوسي أو ناصر بائع الأحذية أو الكوميدي فاروقي؟

يجب أن يعالج أي انتقاد صادق لإيذاء المسلمين في الهند الجديدة، ما يرفض المجتمع الهندوسي الاعتراف به وهو التطرف الذي أصبح معتادًا في الهند لدرجة عدم تمييز ما يجري في الواقع، كما سمى الأكاديميون ما تمر به الهندوسية بالتطرف الجماعي.

يتجلى هذا التطرف في المجتمع الهندوسي على مستويين؛ الأول في الأحاديث العامة بين العائلات والأفراد، والثاني في تصريحات السياسيين وضباط الشرطة والقضاة وغيرهم ممن يديرون الهند مما يعكس القبول الرسمي للإسلاموفوبيا.

تطبيع فلسفة الواتساب

التطرف الهندوسي

أود أن أنفي أن كل شخص متطرف، وأعتقد أن الغالبية ليست كذلك فالمجتمع الهندوسي معقد، وفي غضون تعزيز مودي طوائف هذا المجتمع وانقساماته العديدة إلا أن هذا التوحيد غير متوقع له أن يدوم، وعلى الرغم من هذا التوحيد يتزايد التعصب الغير الواعي وتبرير الإسلاموفوبيا حاليًا؛ مما يؤثر سلبًا على الرأي العام في الهند.

يوضح التطرف الجماعي الهندوسي شعبية مودي الباقية رغم فساد الحكم والسلوك الاستبدادي والانكماش الاقتصادي الملحوظ. طالما أن الهندوس مائلون للاعتقاد بأن عصرًا ذهبيًا يعكس تقاليدهم القديمة المجيدة وأن الخلاص بعد قرون من القمع أصبح في متناول اليد وأن مودي أظهر للمسلم المدلل مكانته، فمن المرجح أن يسود حكمه.

أصبح تطبيع فلسفة الواتساب الآن عميقًا للغاية؛ لدرجة أن معظمنا يجد أنه من غير المعتاد أن يساهم رئيس الهند بمبلغ 5 روبية (ربع ريال سعودي) في بناء معبد رام في أيوديا، أو أن تفتح حكومة أوتار براديش حسابًا مصرفيًا وتحث الموظفين لتقديم “تبرع طوعي” لبناء المعبد.

أحرز التطرف تقدمًا مع عمل الحكومة والقضاء والرعاع ووسائل الإعلام بشكل متناغم، إذ بدأ على الهامش كسلسلة من جرائم الكراهية؛ عمليات الإعدام خارج نطاق القانون والضرب والقتل، ثم تفاقمت المشكلة وانزلقت الجرائم ببطء من عناوين الأخبار إلى الهوامش؛ مما أيقظ أسوأ غرائز الهندوس حينما أفلت معظم الجناة وتم تكريم بعضهم من قبل وزراء حزب بهاراتيا جاناتا مشيرين إلى التطبيع بغمزة وابتسامة.

كما حفزت الحكومة الغرائز المعادية للإسلام من خلال تغييرات في قانون الطلاق الإسلامي؛ حيث حظرت الطلاق الثلاثي بلفظ واحد، وجرمت رسميًا الرجال المسلمين الذين يتخلون عن زوجاتهم بهذه الطريقة بعقوبة السجن لثلاث سنوات. يعتمد تشريع العديد من القوانين الجديدة على الأغلبية -خاصة فيما يتعلق بالحب أو عادات الطعام- وقد يصل الأمر للمحاكمة أو الملاحقة من الشرطة.

يمكن اعتقال المسلمين اليوم في العديد من المدن مثل أوتاراخاند وأوتار براديش ومادهيا براديش وفق القانون لمجرد الوقوع في حب الهندوس كما ستحذو الولايات الأخرى التي يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا حذوها. ونُوقشت قوانين ذبح الأبقار وأُدخلت في العديد من الولايات منذ الاستقلال وعلى مدى عقود، لكنها أصبحت أكثر صرامة من أي وقت مضى؛ مما أدى إلى إضفاء الطابع المؤسسي على دور الحراس الهندوس في 10 ولايات على الأقل؛ لهذا يمكن لأي شخص في ولاية كارناتاكا -وهي أحدث دولة تشدد قوانينها الخاصة بالبقر- أن يكون حارسًا، حتى الطبيب البيطري يمكنه تفتيش المنازل أو مصادرة المعدات أو الماشية لمجرد الاشتباه.

في حال أنك لم تر استهداف الكثير من القوانين الجديدة إلى تعزيز الأفضلية الهندوسية إلى درجة كبيرة، أو تقييد الخيارات الاقتصادية للمسلمين، أو إيفادهم أن هذه ستكون طبيعتهم الجديدة فأنت إما ساذج أو متواطئ، ولا يوجد انتقاد لهذه القوانين إلا بشكل خفيف أو على نحوٍ صامت، ولا يتمثل رد المعارضة على التطرف الهندوسي في ردعه بل احتضانه؛ بما يسمى الآن هندوتفا “الناعمة”.

إن التطرف الجماهيري ليس ظاهرة تنفرد بها الهند بالطبع، في الواقع إنها السمة المميزة للعالم القبلي والرقمي الجديد، والذي يتجلى في الطريقة التي أقنع بها دونالد ترامب 70 مليون أمريكي بالتصويت لصالحه، وحث بعضهم بما في ذلك ضباط الجيش والشرطة على اقتحام مقر حكومتهم، لكن المؤسسات الأمريكية نجت الآن من تطرف المجتمع ورحل ترامب.

عميقًا في الأوردة

التطرف الهندوسي

الفرق بين الولايات المتحدة والهند؛ هو أن تطرف الأغلبية في الهند قد تسرب إلى عروق مؤسساتها، وردد السياسيون ووسائل الإعلام والإدارة والقضاء صدى ما كان ذات يوم شعارات ومخاوفًا هندوسية محلية، وأصبحت فظائع الأمس طبيعية اليوم مع تقدم التطرف الهندوسي، وهكذا سيجد المسلمون الهنود الحياة أكثر صعوبة من أي وقت مضى.

(المصدر: موقع تبيان)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى