بقلم أحمد بغدادي
التشيّع في سورية “بين الماضي والحاضر”
أحمد بغدادي
(5)
ضرب التشيّع أطنابه في سورية، وصار وباءً ينتشرُ بين المحافظات بوتيرة سريعة رغم عمل الكثيرين من الدعاة _ السنّة_ والمثقفين على توعيّة ساكني القرى والمدن التي اجتاحتها هذه الظاهرة الغريبة. بشتى الطرقِ عملوا على صدّ التمدّد الشيعي، وأبرزها تجلّى بعد عام 2011، أي بعد انطلاق الثورة السورية. فقبل ذلك، لم يكن أغلبية الواقفين ضدّ هذا المشروع الخبيث باستطاعتهم التفوّه جهراً أو العمل بشكل علني، مخافةً من رجالات النظام (المسؤولين) الذين كانوا يُسهّلون انتشار التبشير الشيعي في سورية مقابل فوائد ماديّة، إضافةً إلى انتمائهم الطائفي الذي يدفعهم إلى تمرير مشاريع تخدم حقدهم تجاه أبناء سورية.
إن مشروع إيران التوسّعي الذي يهدف إلى نشر أفكار “الثورة الخمينيّة _ ولاية الفقيه”، قد تلقّى ضربةً قاصمة في العمود الفقري، من خلال استنزافها في الحرب السورية، إضافةً إلى التحالف الخليجي بقيادة السعودية الذي يستهدف ذراعها في اليمن “الحوثيين”؛ وعلى ذلك، فالقوى الاقتصادية والعسكرية والسياسية لطهران أصبحت عبارة عن كابوسٍ مؤقّت، سوف يتلاشى مع الخريطة الجديدة التي وضعتها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، لتحجيم إيران في المنطقة، وإخماد نارها المتلظية في بعض الدول العربية، بعدما سمحوا لها بالتغوّل والاستفراد داخل العراق ولبنان وسورية واليمن..
الحقيقة، ليست هي أنّ بعض دول الغرب وأمريكا يريدون إبعاد إيران (الثيوقراطية) عن المشهد العربي الإسلامي، بل هم يرغبون بزيادة الصراعات الدينيّة والمذهبية وهذا دأبهم، وخاصةً أمريكا منذ زمنٍ بعيد؛ فالتوجّه الجديد بالسياسة الأمريكية تجاه إيران، هو عبارة عن مطالب إسرائيلية (يهوديّة) صِرفة، تحاكي المشروع الفارسي، أي أنّ تعاليم _ التلمود _ وسياسات الصهيونية العالمية لا تسمح بوجود قوى “دينيّة” تمتلك جيوشاً وعتاداً بمقدورها تهديد وجود الكيان الصهيوني في “تل أبيب” ولهذ الطرح شرحٌ طويل سوف نتناوله بملف آخر.
لذلك، ابتدأت المسرحية منذ ” أفغانستان” _ مساعدة الإيرانيين _ للأمريكان هناك، حتى ردّ الجميل من قبل الأمريكان للإيرانيين حينما منحوهم السلطة المطلقة في العراق.
- آراء وإحصائيات
في عام 2004.. أخذ التشيّع يظهر في المناطق النائية من شمال شرقي سورية وخاصةً في المحافظات والقرى التي تعاني من تهميش وفقر وجهل بين شرائح تلك المجتمعات؛ كما كان الأسلوب يعتمد على الشأن الاقتصادي المعيشي في تلك المناطق كما ذكرنا في أجزاء سابقة، فبدايةً من بناء الجوامع إلى المدارس مع تبطين المغزى الأساسي من ذلك الذي لم يفكّر فيه الناس هناك إلا أنّهم وجدوا أنفسهم وأبناءهم يرتادون الحسينيات التي بُنيت تزامناً مع بناء الجوامع وتعبيد الطرقات وغيرها من مشاريع أغرت الناس البسطاء وشدتهم إلى هذه المعزوفة التي تصدح بحب الإسلام وآل البيت على أنها مشاريع خيرية يقوم بها أهل الخير في هذه البلاد!!.
(يشير تقرير الحريات الدينية الدولية الذي نشرته وزارة الخارجية الأمريكية عام 2006 أنَّ نسبة الشيعة في سورية لا تتجاوز (1%) من السكان، في حين كانت نسبتهم في سنة 1953، لا تزيد على (04%)، وهم يعيشون في معظم المحافظات السورية، لكن تركزهم الأكبر في طرطوس، وهي المحافظة التي تضم (44%) من شيعة سورية).
وفي دراسة ميدانية موّلها الاتحاد الأوربي أيضاً عام 2006 تتضمّن نسب مئوية عن حالات التشيّع في الطائفة الإسماعيلية كالآتي: إدلب (1%). حماة (51%). طرطوس (43%). حلب (3%). دمشق (2%). وكانت نسبة التشيّع في سورية لا تتجاوز (2 %).
أما المتشيعون من أهل السنة في سورية يندرجون وفقَ النسب الآتية بين المحافظات: حمص (22%). حماة (5 %). إدلب (4%). دمشق (23%). حلب (46%). ولم تذكر محافظتي دير الزور والرقة عداك عن درعا والقنيطرة في الجنوب!
ففي عام 2004 وما بعد في دير الزور بدأ التشيّع يغزو المحافظة وأريافها خلافاً لما أوردته الدراسة بأنّ التشيّع كان بنسب ضئيلة في دير الزور وكذلك محافظة الرقة.
في دراسة أقامها باحثون في مجال علم الاجتماع وعلم الاجتماع السياسي وهم ناشطون في حركات “المجتمع المدني” ومراكز إحصاء مدنية، وثّقت هذه الدراسة حالات التشيّع في سورية خلال عشرين عاماً؛ وأيضاً، في أهم فترة لتفاقم هذه الظاهرة بعد عام 2006 .. والذي قدّم هذه الدراسة الصحافي “نزار نيوف” بمساعدة الباحثين تحمل عنوان ( التحوّل الشيعي في سوريا) نشرت في عام 2009 في فصل من إصدارات “اتّجاهات حاليّة في الأيديولوجيا الإسلامية” / المجلد الثامن/ الصادر عن “مركز الإسلام والديمقراطيّة ومستقبل العالم الإسلامي_معهد هادسون “.
بعد التهجير الممنهج لسكان ريف دمشق في المناطق التي تشهد اقتتالاً عنيفاً، عمدَ النظام إلى منح جنسيات لشيعة عراقيين ولبنانيين وإيرانيين، سكنوا تلك المناطق، وهم في الغالب مقاتلون أتوا لمساندة النظام عن طريق الأراضي العراقية أو لبنان، أو تحت مسميات عدة. فقد أشارت التقارير إلى أن 740 شخصاً قد منحوا الجنسية السورية حتى منذ عام 2006 والبعض يرجّح أن العدد أصبح كبيراً بعد اندلاع الثورة السورية ووفود المقاتلين الشيعة إلى الداخل السوري.
وضمن “تقارير مفوّضية الأمم المتّحدة العليا للاجئين ” (UNHCR) إن عدد العراقيين في سورية منذ عام 2007 تجاوز عن 1.2 مليون أغلبهم من الشيعة. وهذا ما يؤكد أن النظام قام بترغيب من تبقى من العراقيين بعد اشتعال الحرب في سورية بحمل الجنسية السورية مقابل الوقوف إلى جانبه. وهذا ما جرى فعلاً بعد توثيق نشطاء أعداد الشيعة العراقيين الذين يقطنون منازل الناس الذين هجّروا من مناطقهم في الريف الدمشقي. وكما قام النظام بإحراق مراكز تسجيل الملكيات ومباني التسجيل العقاري هناك.
فالمستفيد الأول من تجنيس غير السوريين وإدراجهم ضمن المجتمع السوري على أنهم مواطنون يحملون الجنسية السورية ويتمتعون بكافة الحقوق كأي مواطن سوري، هي إيران، التي تدعم هذا المخطط التوسعي في المنطقة انطلاقاً من العراق وسورية! وثانياً النظام الذي يرمي إلى أبعد من ذلك في منح الجنسية السورية لشيعة من لبنان والعراق وإيران لتعود هذه العملية إلى صالحه في حال بدأت المفاوضات على إخراج المقاتلين الأجانب من سورية ليكونوا إلى صفه كونهم يحملون الجنسية السورية. وغير ذلك إن تم دحره في منطقة ما في سورية أي (إقامة دولة علوية) مما يسهل في تغيير ديموغرافية سورية وتقسيمها إلى دويلات عدة، وهذا مخطط يضعه النظام في الحسبان.
فإن لم يتم وضع حد لهذا الداء المستشري في سورية من خلال توعية العامة من الناس الذين دخل بعضهم في المذهب الشيعي، فإننا سوف نجد هذه الظاهرة أصبحت مسيطرة على بقع كبيرة في المدن السورية ومن الصعب استئصالها كونها صارت مرضاً خبيثاً في جسد الوطن حتى وبعد سقوط النظام السوري.
انتهى
لقراءة الجزء الأول: التشيّع في سورية “بين الماضي والحاضر” [1-5]
لقراءة الجزء الثاني: التشيّع في سورية “بين الماضي والحاضر” [2-5]
لقراءة الجزء الثالث: التشيّع في سورية “بين الماضي والحاضر” [3-5]
لقراءة الجزء الرابع: التشيّع في سورية بين الماضي والحاضر [4-5]
(المصدر: موقع حرية برس)