مقالاتمقالات المنتدى

التربية على الذل!

التربية على الذل!

 

بقلم الشيخ محمد خير رمضان يوسف (خاص بالمنتدى)

 

نعم، هذا هو الواقع!

لقد تربَّينا على الذل تحت حكم الحكومات القمعية الظالمة، التي يدور محور منظومتها الأمنية على تخويف المواطن وترهيبه وإذلاله، حتى لا يفكر باعتراض، ولا ينطق بكلمة مخالفة للرئيس وحزبه وحكومته، فيعيش الشعب في ذل ومهانة وحقارة وخوف وهلع!

ويرى حوله عنصرية تمارس من أعلى قمة في الحكومة إلى أدناها… ففرق بين الذين يحكمون والمبعَدين من الحكم والتوظيف، وفرق بين طائفة الحاكم والطوائف الأخرى، وحاشيته، وأقربائه، ومن شاركه في الاستيلاء على الحكم، أو عاونه، وفرق بين الأغنياء المترفين المؤيدين له والآخرين المهملين، وبين الطبقة المتعلمة الحاكمة المقربة، والآخرين من مفكرين وعباقرة ومخترعين من المبعدين والمهمشين… فلا يرى المواطن أمامه سوى هذا.. فينشأ على نظرة عنصرية متمكنة داخله! ويرى نفسه مخالفًا لكثيرين، وموافقًا لقليلين..

كما يبقى خائفًا متوجسًا… لا يكاد يثق بأحد، من كثرة عناصر المخابرات والعملاء والمؤيدين للحكومة القمعية المستبدة من حوله…

وهكذا ينشأ المواطن العادي مقهورًا ذليلًا خائفًا معقدًا، معوجًّا في تركيبته الاجتماعية والثقافية..

وينعكس هذا على تربيته الفكرية والتعليمية، فهو ابن البيئة التي فيها، والمدرسة والجامعة التي تخرج منها..

ومن كانت له خلفيات ثقافية ودينية وحزبية أو قبلية أخرى.. اختلطت بسابقتها من طرف أو أطراف…

وخالف هذا بين مواقف المواطنين ونظراتهم الواقعية والمستقبلية، حتى لو تغرّبوا في بلاد، أو كوّنوا جماعات، دعوية أو سياسية أو جهادية، فترى مواطن الخلاف بينهم كثيرة، والجدال مستمرًّا، واللقاء نادرًا.. وإن كان الهدف واحدًا، وهو التخلص من الظلم، وطلب العدل، والعيش في أمن.

وكل هذا نتيجة التربيات الحكومية والحزبية القومية والطائفية والنفعية المسيطرة، التي تحافظ على المناصب الرئيسية ولو أدى ذلك إلى قتل الشعوب أو سجنهم وتعذيبهم وتهجيرهم… فما أسوأها من حكومات، وما أكثر مفاسدها وجرائمها، التي كادت أن تكتم النفوس، وتفسد العقول، وتشوّه الفطر والضمائر..

وإصلاح هذه النفوس ليس سهلًا، كجسم نخر فيه المرض وتأزم، فيحتاج العلاج إلى وقت طويل، وبتدرج، ومتابعة مستمرة.. هذا لمن أراد أن يمتثل للدواء، ويصبر عليه، ولا يعترض. أما من جادل وخاصم وعاكس وقاطع أو رفع السيف، فإن أمره صعب، ويحتاج إلى أن يكون كتلميذ يدخل المدرسة ليتعلم أصول التعليم من جديد!

والمسلم الحقيقي علاجه ودواؤه الإسلام، فإنه يتفاعل معه ويستجيب له أكثر من أي فكر أو نهج آخر، لأنه تربَّى عليه من الصغر، ومع الوالدين، والأصدقاء، والأساتذة، فالنهج ليس جديدًا عليه، وهو يتفاعل معه ويرضخ له، ويبتغي به الأجر والنصر، وقيامًا بالواجب، إذا رأى فكرًا ناضجًا، وشيخًا حكيمًا، ومربيًا حليمًا، ونظرة واعية، وخطة محكمة، وجماعة راشدة..

×××     ×××     ×××

والذلُّ المصاب به المواطن العربي خاصة، دواؤه أن يستشعر عزة الإسلام وقوّته، وأن يعلم أنه على الحق، وهذا من أعظم الأمور وأجلّها في الحياة، وهو أقوى سلاح يتسلح به، ويسترد به عافيته النفسية واطمئنانه القلبي، وليعلم أنه يكون بذلك صاحب نهج مستقيم ورسالة مؤيدة بالوحي، ومبشّرة بالنصر.. وأن له تاريخًا جليلًا وحضارة عظيمة يفتخر بها كل مسلم، وإخوة كثيرين في الدين يحبونه ولو لم يروه، ويرجون نصره وعزَّه..

كما يستشعر الجهاد، ويحب الاستشهاد في سبيل الله، فإنه لهيب القلب المؤمن ودافعه إلى العيش بعزة، أو الموت بكرامة.

والتخلص من الذل الذي يحيط بالنفس بحب الجهاد دواء ضروري ومؤكد نفعه، ومن لم يفعل ذلك لم يتخلص منه، ولذلك وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الأمر بأن “مَن مات ولم يَغزُ ولم يحدِّثْ نفسَه بالغزو، ماتَ على شُعبةً من نفاق”، كما رواه مسلم في صحيحه وآخرون.

فلا تكن كذلك أيها المسلم، لا تعش في ذل، ولا تكن تابعًا لعدوّ أو في طرف خائن أو فاسد في وطنك ومجتمعك، وتذكر دائمًا أنك من أمة دعوة وعلم وجهاد.. وستعلو نفسك بذلك إن شاء الله، ولو كنت وحيدًا به بين الناس.

وأما الخلاف والتشرذم فدواؤه صعب، ولكن المسلم العاقل ذو الدين القويم، يبحث دائمًا عن الأصل، والمنبع الصافي، وهم علماء الأمة ودعاتها ومفكروها المخلصون، الذين لم يتلوثوا بمتابعة الحكام الظلمة وإرضائهم. فينظر إلى أكبر جماعاتهم وأشهرها بالإخلاص في العلم والدعوة والجهاد ليكون في صفهم، حتى لا يكون ممن قال فيهم رسول الإسلام عليه أفضل الصلاة والسلام: “مَن فارقَ الجماعةَ فإنَّه يموتُ ميتةً جاهليَّة”، الذي روي بإسناد حسن.

وليتذكر دائمًا أنه عضو في هذه الأمة العظيمة، و(أخ) للمسلمين، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، والذي عقد هذه الأخوّة بين المسلمين هو الله رب العالمين، وجعلها مسطورة في كتابه حتى لا تغيب عن ذهن المسلم ولا يزيغ عنها، فقال سبحانه من قائل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [سورة الحجرات: 10].

فيتمثل هذه الآية الكريمة بإيمان وإخلاص، ويكون هينًا لينًا مع إخوانه، لا يستعلي عليهم، ولا يحقرهم، ولا يسبهم، ولا يخذلهم.. ويبتعد عن الجدال العقيم، والعناد المقيت، والخصومة والعداء.. فإنها أدواء وخصال سيئة لا خير فيها، تبعد عن الأخوة، ولا تجلب إلا العداوة..

قال رسولنا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم: “المسلمُ أخو المسلم، لا يَظْلِمْه، ولا يَخْذُلْه، ولا يَحْقِرْه، بحَسْبِ امرِئٍ مِن الشرِّ أن يَحْقِرَ أخاه المسلمَ” رواه مسلم وغيره.

10/11/1443 هـ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى