التراث النوازلي وسؤال صناعة العقل الفقهي
بقلم الحسين مهداوي
إن أهم ما يميز التراث النوازلي عن غيره من المصنفات الفقهية التقريرية التي تزخر بها المدارس الفقهية والمالكية على وجه الخصوص، أنه مجال خصب، تتنوع فيه الصور التطبيقية الواقعية المختصة ببيان أحكام الوقائع المستجدة، التي تحتاج إلى نظرٍ فقهي جديد، مع بيان جدلية النص والواقع وقوة الفقيه النوازلي في تفاعله معهما، ونظره الى النص وضبط آليات فهمه وتنزيله من جهة، وتصور الواقع والمعرفة بخصائصه وتركيباته من جهة ثانية، ويمكن الاصطلاح على تسمية هذا التراث النوازلي بالاجتهاد التطبيقي لأدلة الأحكام على محالها بعد تحقيق مناطها الخاص، ومعنى ذلك أن المتخصص في التراث النوازلي ينفتح ذهنه على العديد من المناهج التي أنتجها العقل النوازلي في بحثه عن جوابات الوقائع التي كان يواجهها، إضافة إلى طرق تعامله مع المصادر الفقهية التي يرجع إليها الفقيه النوازلي وتعتبر من موارده الاستمدادية، وتصنيفه مراتب الأدلة في الاستدلال، ومسالك الفهم لدلالات النصوص الشرعية، وقواعد التنزيل، والنقد والاعتراض لما كان يتوارد عليه من أجوبة تكون مخالفة لنظره واجتهاده، ولا يخفى ما في ذلك كله من أهمية بالغة في صناعة العقل الفقهي الذي تحتاجه الأمة في مواجهة تسارع الوقائع والأحداث التي تطرأ على الناس في مختلف مجالات الحياة.
المصدر: مركز نماء للبحوث والدراسات