مقالاتمقالات مختارة

التدين المزيف في عصر الاستبداد

التدين المزيف في عصر الاستبداد

بقلم أحمد الشيبة النعيمي

التدين الحق يتلازم فيه الأمر بالقسط مع إقامة الصلاة في كل مسجد مع الولاية لله والبراءة من الشياطين “قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون”.

والتدين الحق لا يقتصر على الشعائر؛ بل يوجه الحياة كلها في سبيل الله “قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين”.

والتدين الحق لا يقتصر على الجوانب الشكلية ولو كانت هذه الشكليات مطلوبة ومفروضة ومرتبطة بأركان الإسلام، فإن المقاصد هي الغاية الأسمى للتدين، وتشمل هذه المقاصد الإيمان والتضحية بالمال والوفاء بالعهد، والصبر في البأساء والضراء والصدق والتقوى “لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ” لو تأملنا في واقع التدين اليوم لوجدنا أن التدين المزيف والمغشوش هو الذي يتربع على المشهد الديني الرسمي المسنود من الأنظمة القمعية والفاسدة، فأنظمة الفساد والاستبداد تدرك أن بقاءها يتعذر في ظل التدين الحقيقي الذي يرتبط فيه التوحيد بالحكم بالعدل وترسيخ الحرية وتحرير الإنسان من جميع مظاهر الشرك، ويمارس مجتمع المتدينين فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يقبلون الزور ولا يرتضون الضيم، ولا يترددون عن التضحية في سبيل دينهم ونصرة إخوانهم والتضامن مع قضايا المسلمين والقضايا الإنسانية العادلة.

ولهذا تعمل هذه الأنظمة بكل الوسائل على إفساد التدين الصحيح من خلال تغييب الدعاة المخلصين في السجون، وإسكات أصوات الأحرار بجميع وسائل الترهيب، وإشاعة نسخة مزورة من التدين وظيفتها التسبيح بمجد الظالمين وتبرير فسادهم وخياناتهم، وتفريغ طاقات التدين في مظاهر جوفاء وطقوس جامدة وخرافات وهرطقات ما أنزل الله بها من سلطان.

في ظل أنظمة القمع والاستبداد لا يتم فقط تزييف إرادة الأمة وتزوير الانتخابات، وإشاعة ثقافة البهتان على المعارضة وانتشار شهادة الزور، ولكن يتم إضافةً إلى ذلك تزوير التدين وتزييفه وتحويله إلى تدين شكلي مجرد من القيم والأخلاق، يتم توظيفه في مواخير الاستبداد والتطبيع والخيانة والفساد والمؤامرات على القضايا الإسلامية؛ لإضفاء الشرعية على الظلم والفساد والخيانة وشهادة الزور.

في ظل التدين المغشوش والمزيف لا تستغرب إذا وجدت متحدثاً باسم الدين لا يجرؤ على قول كلمة الحق في وجه ظالم، ولا أن يرفع يده إلى السماء ليسأل الله أن ينصر المستضعفين من المسلمين في فلسطين على أعدائهم الصهاينة المحتلين والمغتصبين للديار والمقدسات، أو أن يفرج كرب المعتقلين بغير حق، وفي مقابل ذلك يمجد الانبطاح للصهاينة، ويسمي الخيانة صلحاً، ويشهد شهادة الزور على المخلصين من دعاة الإصلاح الأحرار، ويضفي الشرعية على قمعهم.

وشهادة الزور من أكبر الكبائر التي لا تُقبل فيها التوبة من دون تصحيح واعتذار وإعادة الحقوق لكل من تسببت شهادة الزور في سلب حقوقهم، وإنصاف المظلومين الذين نالهم الظلم بسبب شهادة الزور وهذا أمر يتعذر في غالب الأحيان، ولهذا اقترنت شهادة الزور بالشرك بالله” فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ”، وأكد النبي صلى الله عليه وسلم للمتدينين الشكليين الذين لا يتورعون عن شهادة الزور، أن الله لا يقبل أعمالهم، كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري: “من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه”.

(المصدر: الخليج أونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى