ملخص الدراسة
تتناول هذه الدراسة موضوع التحالفات السياسية في ضوء الشريعة الإسلامية، حيث تعتبر هذه المسألة من المسائل الشائكة؛ بسبب تغير الخارطة السياسية المستمر، واختلاف موازين القوى، ناهيك عن الظروف الإقليمية والدولية، وتشتت القوى الإسلامية المتعددة.
وعادة ما تنشأ التحالفات لوجود مصالح مشتركة بين مجموعة من الأطراف والتي تتصادم مع طرف آخر، كما يتقوى بها أحد الأطراف ممن يتسم بالضعف، بالإضافة إلى وجود حالة من الصراع، التي تستدعي تحالف القوى مع بعضها البعض، ومن أسباب التحالفات في وقتنا الحالي، زيادة نفوذ الدولة القوية ومكانتها، وقد يكون التحالف شكلياً في بعض الأحيان، بحيث يكون أشبه بالاحتلال.
وتبين هذه الدراسة التكييف الفقهي للتحالفات، وأهدافها، وضوابطها، وشروطها، حيث يرى الباحث أن بعض التفاصيل مرهونة بطبيعة الواقع، وهي تختلف من منطقة لأخرى وحال دون آخر. وهذا الاختلاف يستدعي بدوره أن تتوفر المرونة لدى من يريد عقد هذه التحالفات، وهذه المرونة تتطلب أربعة أمور: قراءة الواقع، استمرارية الشورى و إعمال فقه الموازنات والأولويات.
تمهيد
تعتبر المسائل المتعلقة بالعمل السياسي لدى الحركات الإسلامية وغيرها من المسائل الشائكة؛ بسبب تغير الخارطة السياسية المستمر، واختلاف موازين القوى، ناهيك عن الظروف الإقليمية والدولية، وتشتت القوى الإسلامية المتعددة، وغيرها من الأمور التي تجعل المشهد ضبابياً بحيث تجعل الرؤيا صعبة، مما يحتاج إلى تركيز وتأنٍ في المسير، حتى لا تنحرف البوصلة وتضيع الغاية.
ومن المسائل التي يكثر حولها الجدل، مسألة التحالفات السياسية، والانتقال من “مربع إلى مربع آخر” مما يصعّب الأمور على البعض، فمنهم من يستوعب وينتقد، ومنهم من يتحامل ويسجل الأخطاء، ومنهم من يرفض النقد ويبرر على الدوام، وغير ذلك من الأحوال.
لكن لابد أن أشير إلى أمرين قبل الخوض في تفصيل الموضوع، وهما:
أولاً- القيادة ليست معصومة، وهي معرضة للخطأ؛ لأن العصمة مختصة بالأنبياء ، وبالتالي هي ليست منزهة عن النقد؛ لأنها قد تقع في الخطأ، وما تراه صحيحاً قد يكون خطأ تكتشفه بعد مرور الوقت.
ثانياً- مسائل السياسة ليس فيها حكم نهائي قطعياً، فما يكون اليوم مقبولاً قد لا يكون غداً كذلك، وصديق الأمس قد يكون عدو اليوم، والعكس كذلك، ناهيك عن أن الأمر يتبع الظروف والمتغيرات التي ترتبط بالوضع الإقليمي والدولي وغير ذلك.
مسائل السياسة ليس فيها حكم نهائي قطعياً، فما يكون اليوم مقبولاً قد لا يكون غداً كذلك، وصديق الأمس قد يكون عدو اليوم، والعكس كذلك
وسأقوم في ورقتي البحثية هذه، ببيان حكم التحالفات وضوابطها في الشرع، ثم أربطها بما يتعلق في العمل السياسي المعاصر، بعيداً عن الاستطراد والإسهاب.
أولاً: مفهوم التحالف
إذا عدنا إلى كتب الفقه نجد أن كلمة “الحليف” تعني: “الذي يحالف الآخر على أن يتناصرا على دفع الظلم، ويتضافرا على من قصدهما أو قصد أحدهما”(1).
وجاء في الموسوعة الفقهية: “حالف فلاناً إذا عاهده وناصره وعاقده”(2).
ويقصد به عند بعض القانونيين: “الاتفاق المبرم الذي يهدف إلى اتباع سياسة موحدة، سواء في المجالات كافة، أو فيما يتصل بموضوعات محددة”(3).
والتحالف السياسي ليس وليد هذا العصر، بل هو قديم جداً، ومنه ما كان لتحقيق الخير والحفاظ على القيم الإنسانية، ومنه ما كان شراً تسلب من خلاله الحقوق الإنسانية، وتضيع عبره القيم والأخلاق التي يتفق عليها جميع الناس.
و عادة ما تنشأ التحالفات لوجود مصالح مشتركة بين مجموعة من الأطراف والتي تتصادم مع طرف آخر ، كما يتقوى بها أحد الأطراف ممن يتسم بالضعف، بالإضافة إلى وجود حالة من الصراع، التي تستدعي تحالف القوى مع بعضها البعض، ومن أسباب التحالفات في وقتنا الحالي، زيادة نفوذ الدولة القوية ومكانتها، وقد يكون التحالف شكلياً في بعض الأحيان، بحيث يكون أشبه بالاحتلال، فتقوم الدولة القوية بالاستيلاء على كل مقدرات الدولة الأخرى ومدخراتها، مقابل أن تحافظ على بقاء السلطة التي لا تتوانى عن خدمتها بأي أمر تريده.
قد يكون التحالف شكلياً في بعض الأحيان، بحيث يكون أشبه بالاحتلال، فتقوم الدولة القوية بالاستيلاء على كل مقدرات الدولة الأخرى ومدخراتها، مقابل أن تحافظ على بقاء السلطة التي لا تتوانى عن خدمتها بأي أمر تريده
ثانياً: حقيقة التحالف وتكييفه الفقهي
التحالف السياسي وغيره لا يقتصر على المسلمين بعضهم بعضاً، بل قد يكون بين المسلمين وغيرهم، وهو يعتبر عقداً، تجري عليه أحكام العقود، والأدلة التي يستند إليها هي عموم الأدلة القرآنية التي تأمرنا بالوفاء بالعقود، مثل:
– {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} [المائدة:1].
– {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} [المائدة:7]
– {فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين} [التوبة:7].
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قام بعدد من التحالفات، منها: تحالفه مع اليهود، وكتابته لوثيقة المدينة التي نظّم فيها العلاقة بين المسلمين وبينهم، وكذلك تحالفه مع بني ضمرة، وخزاعة، وغيرها.
ويرى بعض الفقهاء بعدم جواز التحالف؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا حلف في الإسلام، وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة)(4)، وقد علّق بعض العلماء على هذا الحديث بأن ما أبطله النبي صلى الله عليه وسلم هو ما كان يتعاقد عليه أهل الجاهلية من عادات قبيحة(5)، والدليل على ذلك قول أنس بن مالك: (حالف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في دارنا مرتين أو ثلاثاً)(6).
وليس الأمر محل تفصيل للأدلة التي استدل بها كل فريق، فهي موجودة في مظانّها، ويمكن الاستزادة بالعودة إلى المراجع التي تتعلق بهذه المسألة، وهي كثيرة.
لكنّ أدلة القائلين بالجواز هي أقوى، وأسلم عن المعارضة، بالإضافة إلى أنها باتت ضرورة في ظل واقعنا المعاصر، خصوصاً في ظل تعقيدات المشهد السياسي وتغيره المستمر.
وطالما أن الحكم الراجح هو الإباحة، وأنه يعتبر عقداً من العقود، فإنه لا ينحصر بالدول فحسب، بل قد يكون بين الدول، وبين كيانات سياسية داخل الدولة، كالجماعات والأحزاب السياسية وغيرها.
ثالثاً: أهداف التحالفات السياسية
لقد نص الفقهاء في كتبهم على بعض المصالح المتوخاة من عقد التحالفات، ومنها:
– النظر في حفظ قوة المسلمين، وخاصة إذا كان بالمشركين شوكة(7).
– تخذيل الأعداء كلهم أو بعضهم، خاصة إذا كانوا مطبقين على المسلمين ولو بأداء شيء من أموال المسلمين لهم(8).
– أن يكون في المسلمين ضعف عن قتال عدوهم لقلة عدد أو عدة أو أهبة(9).
إلا أن المصالح التي ذكرها الفقهاء القدامى، ليست محدودة أو نهائية، بل هي متجددة تبعاً لتغير الزمن ومستجداته، كما أن المصلحة قد تكون سياسية، وقد تكون عسكرية، أو علمية، أو حقوقية أوغيرها.
وفي وقتنا الحالي هناك العديد من الأمور التي تجعل من التحالفات أمراً في غاية الأهمية، كالحفاظ على الدعوة، ورفع الظلم خصوصاً في حال وجود الاحتلال، أو وجود نظام استبدادي دكتاتوري يقمع الحريات ويصادر الحقوق. ولهذا أصل في السيرة النبوية، حيث نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام رضي الله عنهم قد استفادوا من النظام العشائري في حماية الدعوة، ناهيك عن الدخول في جوار بعض المشركين لاستئناف الدعوة إلى الله وحماية الداعين لهذا الدين من أذى وبطش المشركين.
هناك العديد من الأمور التي تجعل من التحالفات أمراً في غاية الأهمية في وقتنا الحالي، كالحفاظ على الدعوة، ورفع الظلم خصوصاً في حال وجود الاحتلال، أو وجود نظام استبدادي دكتاتوري يقمع الحريات ويصادر الحقوق
و يمكن أن يكون التحالف بهدف تخذيل الأعداء وتركيز الجهود باتجاه عدو مشترك، بدل فتح جبهة من الأعداء ، فتضيع الدعوة وتفشل، ومن الحكمة السياسية أن نستفيد من التناقضات السياسية الممكنة، وإقامة تحالفات سياسية مع دول غير مسلمة تسلك سياسات عادلة تجاه قضايا أمتنا، وتلتقي مصالحها السياسية معنا في دعم قضايانا العادلة(10).
ويمكن أن نستفيد من التحالفات لتحقيق مقاصد إنسانية عامة، كالمحافظة على الحقوق ومنع الظلم والاضطهاد والتمييز وغير ذلك(11).
لكن هناك نقطة هامة تتعلق بالغايات المرجوة من التحالفات، وهي هل يشترط أن تكون المصلحة مستمرة طوال فترة التعاقد؟
جمهور الفقهاء يرون أن المصلحة لا بد أن تكون موجودة عند التعاقد فقط، في حين يخالفهم الحنفية في ذلك فيشترطون استمرار تلك المصلحة طوال فترة التعاقد(12). وأراه الأنسب في وقتنا الحالي؛ لأن التحالف إذا كان خالياً من المصلحة المتوخاة، فإنه سيصبح عبئاً على الطرف الخاسر، وهو ما يعود على أصله بالنقض، وعلى غايته بالبطلان.
التحالف إذا كان خالياً من المصلحة المتوخاة، فإنه سيصبح عبئاً على الطرف الخاسر، وهو ما يعود على أصله بالنقض، وعلى غايته بالبطلان
ولأن “تحقيق المصلحة” هو أمر غير منضبط لدى البعض، فإن على من يتولى أمر التحالف أن يكون مرناً، واعياً، يستطيع أن يضع الأمور في نصابها ، وكذلك يوجد الحلول عند فشل هذا التحالف أو ذاك. يقول د. منير الغضبان: “والمرونة في العمل السياسي أن أتقدم بوصفي سياسياً بمبادرة كلما انسد الأفق أجد مخرجاً وأقدم حلاً، والمرونة في العمل السياسي أن تستطيع بحنكتك ولباقتك السياسية أن تجر خصمك الذي ترغب فيه، تجر أصدقاءك إلى مربع التحالف والتناصر، وتجر خصمك إلى مربع التعاهد والتهادن إن كان ذلك في مصلحتك ومصلحة دعوتك، أو تحيده وتبعده عن مربع الأعداء”(13).
وهذه المرونة تستلزم أربعة أمور:
1- قراءة الواقع بشكل مستمر، فالتحالفات تعتمد على المصلحة، وهذه المصلحة ليست ثابتة، بل هي متغيرة، وقد نرى مصلحة أقوى وأكثر تأثيراً، وهذا لا يعني أن الدولة عليها أن تنقض تحالفاتها بمجرد وجود مصلحة هنا أو هناك، بل إن المصالح التي لابد أن تسعى الدولة لتحقيقها هي مصالح حقيقية ذات تأثير قوي وعام، وليست مصلحة متوهمة أو ملغاة، يكون ظاهرها خيراً وباطنها فيه شر وفساد كبير. وهذا لا يتحقق بالتشهّي ولا بالتمني بل بالبحث والتمحيص، مما يتطلب حسن قراءة للمشهد، ويستلزم توفير مختصين يمكنهم قراءة المشهد، وليس تجييره لصالح القيادة ومخالفة الحقائق؛ تحقيقاً لرغبة فلان أو فلان.
إن المصالح التي لابد أن تسعى الدولة لتحقيقها هي مصالح حقيقية ذات تأثير قوي وعام، وليست مصلحة متوهمة أو ملغاة، يكون ظاهرها خيراً وباطنها فيه شر وفساد كبير
2- إعمال فقه الموازنات، بحيث نرجح بين المصالح المجتمعة، أو المفاسد إذا اجتمعت مع بعضها، وهنا قد تغتفر المفسدة اليسيرة لجلب مصلحة كبيرة، أو ترتكب مفسدة مؤقتة لجلب مصلحة دائمة . ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى على لسان نبي الله هارون: {قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرّقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي} [طه:94]. فقدم نبي الله هارون وحدة الكلمة واجتماعها -بصفة مؤقتة، ريثما يرجع موسى عليه السلام- على أي اعتبار(14).
3- إعمال فقه الأولويات، بحيث يعطي لكل عمل قيمته الحقيقية في ميزان الشرع، فلا نكبر الصغائر ولا نصغر الكبائر(15). يقول د. منير الغضبان: “والمرونة في العمل السياسي الإسلامي أن أسلك كل سبيل متاح شرعاً، وأن لا أضيع أي فرصة في سعيي الدؤوب باتجاه تحقيق الهدف المنشود، واستثمار الأزمنة والأمكنة والمناسبات وجعلها كلها ساحات للعمل السياسي الملتزم بالعمق الشرعي، فقد استغل النبي صلى الله عليه وسلم المواسم والمناسبات، وسعى إلى القبائل وعرض نفسه عليها فكانت كلها مسرحاً للعمل السياسي”(16).
4- الحفاظ على استمرارية الشورى؛ لأن التحالفات ليست بالأمر السهل، بل هي لها أبعاد وآثار كثيرة، وقد تكون وخيمة إن لم تحسن الدولة أو الحزب التعامل معها، بحيث قد تجعل الطرف الأضعف مرهوناً للطرف الأقوى، بالإضافة إلى إشراك الآخرين في تحمل التبعة، فتنجو الأمة أو الجماعة من التعسف وتبعة الخنوع لرأي فرد أو جماعة منها تسلك بها طريق المهالك(17). ولهذا فإن امتزاج الآراء، ومناقشتها ونقدها -بحد ذاته- هو أمر كفيل بإعادة تقييم جدوى التحالفات، ووجود المصلحة، ناهيك عن أن تغييب الشورى يجعل الصف منقسماً، وهو ما يؤثر على مرونة القيادة، وجدوى التحالفات حال انتخاب قيادة جديدة.
إن امتزاج الآراء، ومناقشتها ونقدها -بحد ذاته- هو أمر كفيل بإعادة تقييم جدوى التحالفات، ووجود المصلحة، ناهيك عن أن تغييب الشورى يجعل الصف منقسماً، وهو ما يؤثر على مرونة القيادة، وجدوى التحالفات حال انتخاب قيادة جديدة
رابعاً: شروط التحالفات السياسية
اشترط بعض العلماء المعاصرين عدداً من الشروط؛ لكي تكون التحالفات السياسية صحيحة، ومنها(18):
1- أن يحقق التحالف مصلحة المسلمين دون التنازل عن أي جزئية في الدين أو العقيدة.
2- أن لا يكون المسلمون فيه تحت سلطان أعدائهم، أو يكون الحكم لغير المسلمين.
3- أن لا يضع التحالف قيوداً على الدعوة إلى الله وتبليغ رسالته.
4- أن تكون هناك حاجة ملحّة تدعو إلى التحالف مع غير المسلمين.
5- أن يكون غير المسلمين أضعف من المسلمين.
6- أن لا يكون في الحلف السياسي ما ينم عن موالاة وتودد للكافرين، أو رضاً وإعجاب بكفرهم.
ويمكن أن نختصر هذه الشروط بجملة واحدة: أن لا يتضمن التحالف أي شرط يخالف الدين وأحكامه، وهذا معلوم بداهة، إلا أن بعض التفاصيل مرهونة بطبيعة الواقع، وهي تختلف من منطقة لأخرى وحال دون آخر.
فمثلاً، حينما تكون هناك ضرورة ملجئة، وحالة من الإبادة تستهدف المسلمين، أو وجود تكالب على المسلمين يريد كسر شوكتهم واستئصالهم فهل يجب مراعاة هذه الشروط جميعها؟ بالتأكيد لا، فعندها يعود الأمر إلى الموازنة بين المصالح والمفاسد وهو أمر ليس بالسهل، ويحتاج إلى نظرة معمّقة واجتهاد جماعي، يتوخى فيه المجتهدون تحقيق أعظم المصالح وأفضلها.
لكن لا يجوز أن نتجاوز الشروط السابقة بدعوى وجود حاجة وضرورة، فليست كل الأمور والأسباب تنزل منزلة الضرورة، و ليس كل تغير إقليمي يعتبر ضرورة لعقد تحالفات مع جهة هنا وهناك . ولهذا، فالباب فيه الكثير من العوائق والمحاذير التي يجدر بمن يريد خوض غمارها أن يكون مدركاً لطبيعة التغيرات، وآلية الموازنة بين المصالح والمفاسد المختلفة، بما لا يعود على أصل الدعوة بالنقض والإبطال.
خامساً: ملاحظات ختامية
في ختام هذه الورقة، أرى أنه من المهم وضع عدد من الملاحظات الختامية التي تربط بين الشرح السابق، والواقع الحالي، وهي:
1- كما قلت سابقاً، ليست كل أسباب التحالفات على نفس الدرجة من الأهمية، وهناك فرق بين التحالف السياسي لأجل العمل النيابي أو البرلماني، وبين التحالف السياسي لأجل عمل عسكري، كمحاربة محتل، أو كبح جماح حاكم مستبد يفتك بشعبه ويبيد بيضتهم.
هناك فرق بين التحالف السياسي لأجل العمل النيابي أو البرلماني، وبين التحالف السياسي لأجل عمل عسكري، كمحاربة محتل، أو كبح جماح حاكم مستبد يفتك بشعبه ويبيد بيضتهم
2- التحالفات السياسية ليست دائماً محل توافق ورضا، فهناك الكثير ممن لم ينضووا تحت هذه التحالفات سيكونون ساخطين عليها، ولهذا على الحركة الإسلامية -كونها تملك خطاباً جامعاً- أن يكون لها خطاب إعلامي ناجح، لا يجعلها رهينة لهذا الحلف وتصريحاته، ولا توقع نفسها بمربع معادٍ للآخرين، وعليها أن تكون أكثر حكمة في خطابها؛ لأن المتغيرات السياسية قد تجبرني على التحالف مع عدو الأمس، الذي جعلته عدواً لعدم وجود سياسة إعلامية حكيمة في التعامل معه .
3- أيهما أولى في التحالفات المبدأ أم المصلحة؟ هذا سؤال جدير بتحديد إجابته قبل الخوض في أي تحالف، وهذا يستلزم منا تحديد أهم المبادئ والثوابت التي لا جدال عليها، والتي لا بد للمصلحة أن تخدمها وتسعى لتحقيقها، أو تجنيب أي شيء يؤدي إلى المساس بها. وعلى هذا الأساس نبني التحالفات المختلفة، ونحدد الخطوط الحمراء فيها، فإن تجاوز التحالف هذه الخطوط، فلا حاجة لاستمراره؛ لعدم استمرار المصلحة منه، لأنه يجعل الحركة نفعية، تدور حول المنافع حتى لو على حساب المبدأ، تماماً كحال المرتزقة!
إن تجاوز التحالف السياسي الخطوط الحمراء، فلا حاجة لاستمراره؛ لعدم استمرار المصلحة منه، لأنه يجعل الحركة أو الدولة نفعية، تدور حول المنافع حتى لو على حساب المبدأ، تماماً كحال المرتزقة!
4- على الدولة أو الحركة أن تحرص على إقناع الشارع بوجهة نظرها من التحالفات، لكن عليها أن لا تخضع لهم في قراراتها السياسية، فالشارع العام لا يدرك حجم التحديات التي تواجهها القيادة أو الحركة، لكن في نفس الوقت لا يجوز أن نتركه رهين الإشاعات وعرضة للانفضاض عن الحركة ، بسبب عدم إقناعهم بالخطوط العامة للتحالفات والحاجة إليها، فلا قيمة للدولة أو الحركة إذا لم تلتف الجماهير حولها وتقتنع بفكرتها ورؤيتها.
5- على الدولة والحركات الإسلامية، أن لا تستسلم للواقع الذي يضطرها لعقد التحالفات هنا وهناك، بل عليها أن تبحث عن مصادر قوة داخلية تجعلها في وضع أفضل، وبعيداً عن الرضوخ لبعض الشروط التي قد تفرض عليها، فمثلاً عليها التوجه نحو الاستثمار لتوفير مصادر تمويل ذاتية، وأن تقتصد في نفقاتها التي تعتبر نوعاً من الكماليات وترهق الميزانية الخاصة بها.
_____________________
-الهوامش-
(1) ابن قدامة، المغني، ج9، ص571
(2) الموسوعة الفقهية الكويتية، ج18، ص84.
(3)ممدوح ناصر، سياسات التحالف الدولي، ص140
(4) رواه أحمد في المسند وغيره.
(5) الطحاوي، شرح مشكل الآثار، ج15، ص255.
(6) رواه مسلم.
(7) السرخسي، المبسوط، ج10، ص87.
(8) ابن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ج1، ص374.
(9) ابن قدامة، المغني، ج10، ص517.
(10) وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، ج8، ص6418.
(11) أبو زهرة، العلاقات الدولية في الإسلام، ص47.
(12) الزحيلي، آثار الحرب، ص671.
(13) منير الغضبان، المنهج الحركي في السيرة النبوية، ج2، ص401
(14) القرضاوي، السياسية الشرعية، ص303.
(15) المرجع السابق، ص306.
(16) الغضبان، التحالف السياسي في الإسلام، ص48.
(17) قحطان الدوري، الشورى بين النظرية والتطبيق، ص64.
(18) انظر الغضبان، التحالف السياسي، ص51، وعبد الله الطريقي، الاستعانة بغير المسلمين، ص250.
(المصدر: موقع بصائر)