مقالاتمقالات مختارة

التاريخ ومخاضة السلطة

التاريخ ومخاضة السلطة

بقلم د. خالد سعد النجار

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كانت البدايات مبهجة، وما لبثت الدنيا إلا وقد أتت بزخمها وزخرفها، فنجا منها القليل العدول وسقط في أتونها الكثيرون من الظلمة والجبابرة .. ملكتهم شهوة السلطة حتى انخدعوا وظنوا أنهم مالكوها للأبد، وانتشوا بشعار «الزعيم الخالد، والشاهنشاه، والملك المفدى، والسلطان المعظم» وعمت بصائرهم عن حقيقة أنها سلطة عارية لا تدوم، والملك لا يثبت في الدنيا مع حسن الأثر في الآخرة إلا بالعدل .. كانت البدايات وردية والنهايات مأساوية .. وبين العِبرة والعَبرة رسالة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

في كتابه «مدافع آيات الله» يذكر الكاتب محمد حسنين هيكل أن شاه إيران «الشاهنشاة محمد رضا بهلوي» بعد هربه من الثورة، تنقل في أكثر من بلد، حيث لم يكن مرحبا به، وكانت إحدى محطاته في بنما التي ضاقت به وبعائلته، وطلبت منه الرحيل، فاتصلت زوجته «فرح ديبا» بـآغا خان رئيس مفوضية اللاجئين الدولية التابعة للأمم المتحدة، وطلبت منه توفير جوازات سفر للشاه وعائلته حتى يتمكنوا من التنقل بحرية، وحين تأخر عليها في الرد، واقتربت مدة بقائهم في بنما من نهايتها، أعادت الاتصال به في وقت متأخر ليلا وهي تبكي وتقول له إننا في أشد الحاجة لأية وثيقة نستطيع أن نخرج بها من بنما “أرجوك أن توفر لنا أي وثيقة، حتى لو كانت وثيقة لاجئين”!!!، لم يكن أحد يتصور أن يأتي يوم تطلب فيه «إمبراطورة فارس» التي تضع على رأسها تاجا فيه أكبر جوهرة اكتشفها البشر وثيقةَ لاجئين!!، لكن الشاه لم يكن الوحيد من بين الطغاة الذين لم يجدوا لهم ملجأ بعد هروبهم من على عروشهم. في فترة السبعينات، إبان رئاسة «الرئيس المؤمن أنور السادات» كانت تفوح من قبر «الزعيم الخالد جمال عبد الناصر» روائح كريهة، وكان أمراً مخجلاً أمام الزوار خاصة الأجانب، وعرض الفريق الليثي ناصف وعبد اللطيف البغدادي الأمر علي السادات الذي أمر بفتح الضريح وقال لهم (شوفوا فيه إيه) فوجدوا أن مياه المجارى طفحت وملأت القبر، وقام عمال الصرف الصحي بإحضار ماكينات شفط، وأوصلوها بمواسير الشفط التي أنزلوها داخل القبر، وشفطوا مياه الصرف الصحي التي ملأت القبر، وبعد شفط المياه وتجفيف القبر لم يجدوا الجثة وكان لذلك تفسيرين أحلاهما مر: الأول: أن مياه المجارى قد أذابت الرفات وذهبت مع مياه المجاري!!. الثاني: أن مواسير الشفط قد شفطت الرفات ودفعت به في مواسير المجاري!!. وعن هذه الحادثة كتب الشاعر المصري عزيز أباظة المتوفى عام ١٩٧٣ قصيدة قال فيها: لفظ الثرى جثمانه وتطهرا…ورماه في خبث المجارى وأنكر لا تحسبوا تحت التراب عظامه ..أبت المقابر أن تكون له ثرى النكسة الكبرى حملت لوائها….كالقائد المغوار عاد مظفرا يا ويح مصر وقد مشيت بروضها..فمحت يابس أرضها والأخضرا وَيَا ويح التاريخ كيف تفتحت..صفحاته لتكون أنت فيها أسطرا   ومخاضة الطغاة أبشع مخاضة عرفها تاريخ الماضي والحاضر قاتل «الرئيس الأمريكي كيندي » تم قتله لأن من حرضه أراد دفن الحقيقة للأبد .. وابنة «ريا» التي خدعها وكيل النيابة (في قضية ريا وسكينة) وجعلها تبصم على شهادة زور ضد أمها وخالتها احترقت واحترق بها ملجأ الأيتام بمن فيه لأن قصت لزميلاتها في الملجأ الحقيقة .. ورئيس مجلس الشعب المصري «رفعت المحجوب» تم قتله في اليوم التالي لرفع الحصانة عنه لأن النيابة كانت تنتظر لحظة رفع الحصانة ليشهد في قضية “القصر العيني” المتورط فيها الرئيس المخلوع حسني مبارك والطيار الذي قاد طائرة «المشير أحمد بدوي» إبان حكم السادات وخرج الطيار سليما تم اغتياله بعدها بشهرين في حادث سيارة شبيه بحادث سيارة الموسيقار عمر خورشيد .. وأشرف مروان تم إلقاءه من شرفة عمارة المخابرات المصرية بلندن لكي لا يكشف هوية زملائه عملاء إسرائيل من القادة والزعماء المصريين .. تماما كما تم إلقاء الممثلة سعاد حسني «السندريلا» وعلى شفيق من شرفة نفس العمارة. وكذلك النائب العام المصري «هشام بركات» تم قتله للتستر على أكذوبة أن فض رابعة تم بأمر من النائب العام، و«اللواء البطران» رئيس مصلحة السجون المصرية الذي يقال عنه أنه تم تصفيته في باكورة أحداث ثورة 25 يناير عندما رفض الأوامر بفتح السجون.

«محمد فرغلي» المجاهد الذي قاد عملية استرداد التبة والمواقع التي خسرها الجيش المصري في حري 48 .. أعدمه الرئيس عبد الناصر لكي لا يفضحه ويكشف حقيقية حصار الفالوجا «سليمان خاطر» الجندي المصري الذي أطلق النار على سبعة جنود يهود في الحدود المصرية الإسرائيلية كانوا قد تسللوا إلى نقطة حراسته أكتوبر 1985 تمت تصفيته شنقا في زنزانته « ممدوح محرم حسن أبو جبل» الضابط برتبة مقدم الذي اعتبره القضاة شاهد ملك في قضية اغتيال السادات والذي فر إلى السعودية ولم يرجع لمصر .. وبحسب جريدة اليوم السابع المصرية حيث قالت: مرور 30 عاماً على حادث المنصة «6 أكتوبر 1981»، مازالت المنصة حبلى بالأسرار التي آن الأوان للكشف عن بعض ألغازها وأسرارها. السؤال الصحيح ليس هو: من قتل السادات؟! فالأوراق والحقائق الثابتة تؤكد أن قتلة السادات الذين خططوا ونفذوا تلك العملية، صباح السادس من أكتوبر، هم: خالد الإسلامبولى، وعبد الحميد عبد السلام، وعطا طايل، وحسين عباس، ومحمد عبد السلام فرج. السؤال الصحيح هو: مدى تورط أجهزة وقيادات الدولة في عدم منع تمام وقوع الحادث؟، ومدى علمهم اليقيني بمعظم تفاصيله؟، واتصالهم ببعض العناصر التي أبلغت عن المخطط قبل أيام من وقوعه؟! المقدم ممدوح محرم حسن أبو جبل هو مفتاح اللغز، والإجابة الشافية للعديد من التساؤلات السابقة، وغيرها من الأسرار التي لم يُكشف عنها بعد في حادثة المنصة! المقدم أبو جبل كان ضابطاً بالجيش المصري، لجأ إليه محمد عبد السلام فرج- صاحب كتاب «الفريضة الغائبة» – طالباً منه إمداده بإبر ضرب النار، وخِزن بنادق آلية، وخزنة رشاش قصير، وغيرها، وطلب وقتها أبو جبل- الذي لم يكن يعرف عبد السلام إلا من خلال صديق مشترك– مهلة لتوفير طلباته، بعد أن عرف منه موعد تنفيذ العملية وطبيعتها. أبو جبل الذي كان يقيم بمنطقة الوراق بالجيزة، ذهب لمقر مباحث أمن الدولة بالجيزة بمنطقة جابر بن حيان، وأدلى بمعلومات تفصيلية عن العملية، وما طلبه منه عبد السلام فرج، وفى مساء يوم 1 أكتوبر رفع مفتش مباحث أمن الدولة بالجيزة تقريرا عاجلا وسريا للواء النبوي إسماعيل، وزير الداخلية آنذاك، طالباً الرأي والإفادة حول الإجراء الذي يمكن اتخاذه بشأن أبو جبل ومعلوماته. صدرت التوجيهات يوم 2 أكتوبر بتكليف أبو جبل بمسايرة المجموعة، وطلب مهلة 48 ساعة لتوفير المطلوب الذي تم تسليمه لأبو جبل يوم 3 أكتوبر، بعد إفهامه أن إبر ضرب النار وخزن البنادق والمفرقعات جميعها غير صالح للاستخدام. أبلغ أبو جبل عبد السلام بتوفير المطلوب، فأرسل له صالح جاهين ومحمد طارق إبراهيم مستقلين سيارة صفوت الأشوح التي وصلت منزل أبو جبل بعد مغرب يوم الأحد 4 أكتوبر 1981، وتسلموا المطلوب وعادوا لمنزل عبد السلام فرج أثناء وجود الإسلامبولي، ومعه أسامة قاسم الذي تولى تدريب المجموعة على استخدام القنابل الدخانية واليدوية التي وضعها الإسلامبولي في حقيبة «سمسونايت» حيث اتجه في العاشرة مساءً لبوابة الميريلاند للقاء شركائه متجهين إلى مقهى بميدان الإسماعيلية، ومنه إلى أرض المعارض، صبيحة الاثنين 5 أكتوبر إبر ضرب النار التي سلمها أبو جبل للمجموعة بعد أن تسلمها من جهات الأمن لم تكن فاسدة، كذلك القنابل اليدوية التي أحدثت النتيجة المطلوبة، وهى قتل الرئيس السادات. من هنا كان ينبغي أن يكون المركز القانوني لأبو جبل أنه شريك كامل قدم المساعدة في تمام الجريمة مستحقاً عقاب الفاعل الأصلي! إلا أن قرار الاتهام خلا من وجود أبو جبل نهائياً؟! وتحول أبو جبل لشاهد إثبات، أو شاهد ملك، دون تفسير للأسباب التي منعت الأجهزة والنظام من منع الجريمة التي أرشد عنها أبو جبل كاملة وقيل إنه سافر للسعودية ولم يعد إلا مرة واحدة بعد 12 عاماً لحضور عزاء والده بالوراق، ومازال أبو جبل لغزاً من بين ألغاز كثيرة، واستفهامات كبيرة حول حادث المنصة التي مازالت حبلى بالأسرار. في التاريخ عبرة، قال تعالى: { {فاقصص القصص لعلهم يتفكرون} } قال الجنيد رحمه الله: “الحكايات جند من جند الله عز وجل يقوي بها إيمان المريدين” وقال الشاعر: اقرؤوا التاريخ إذ فيه العبر .. ضل قوم ليس يدرون الخبر

(المصدر: طريق الإسلام)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى