تعتمد عملية السلام في الشرق الأوسط، التي تأسست على إثرها السلطة الفلسطينية عام 1994، على مبدأ “حل الدولتين”، القاضي بإنشاء دولة فلسطينية بجانب إسرائيل، على كامل أراضي الضفة الغربية بما فيها القدس، وقطاع غزة.
لكن ما تمارسه الحكومة الصهيونية على الأرض، وبخاصة خلال السنوات الأخيرة، يشير بوضوح إلى أنها تعتبر هذا المبدأ، في حكم المنتهي.
وتزامنا مع الذكرى الرابعة العشرين لتطبيق اتفاقية أوسلو للسلام التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، كثفت الحكومة الصهيونية عمليات الاستيطان في الضفة الغربية، رغم الانتقادات الدولية.
ورغم قرار مجلس الأمن رقم 2334 الصادر في ديسمبر/ كانون أول 2016، بـ”وقف فوري لكافة الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها شرق القدس”، ورغم إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
منذ وصوله السلطة – بداية العام الجاري – نيته العمل على استئناف المفاوضات بين الجانبين، إلاّ أن ذلك لم يمنع الحكومة الصهيونية من مواصلة الاستيطان.
فقد ضاعفت تل أبيب منذ بداية العام الجاري 2017، من مشاريعها الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مقارنة مع السنوات الأخيرة الماضية، وسط توقعات بالمصادقة على مشاريع بناء آلاف الوحدات الأخرى، حتى نهاية العام الجاري.
ويرى خليل التفكجي، مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية (غير حكومية)، أن الحكومة الصهيونية (برئاسة بنيامين نتنياهو) تتصرف وكأن مبدأ “حل الدولتين”، القاضي بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب الكيان الصهيوني، قد تلاشى.
وقال التفكجي “السلطات الصهيونية صادقت على مخططات استيطانية في كل أنحاء الضفة الغربية، فلا تقتصر المخططات على الكتل الاستيطانية الكبرى، وإنما تعدتها إلى عمق الضفة بما في ذلك وسط مدينة الخليل (جنوب)”.
وأضاف “كذلك هناك مخططات استيطانية في الأغوار شرقي الضفة الغربية، وفي منطقة نابلس شمالي الضفة (..) وبالإجمال فإنه يمكن القول إن الاستيطان بات في كل مكان”.
ويعتبر التفكجي أن ما يجري على الأرض، ليس ردة فعل وإنما استراتيجية تعتمدها حكومة نتنياهو.
وقال بهذا الخصوص “تتصرف الحكومة الصهيونية من منطلق أن حل الدولتين قد انتهى، وأنه لن تقام دولة فلسطينية، ولذلك فهي تستبيح كل الأرض الفلسطينية”.
وأضاف “مثال على ذلك، هو إعلان جهات صهيونية عن نية الحكومة رصد الأموال لشق شوارع التفافية جديدة في الضفة الغربية، لربط المستوطنات بعضها ببعض، على حساب الأراضي الفلسطينية”.
وتابع التفكجي “ولا تكتفي الحكومة الصهيونية بالقرارات التي اتخذتها، وإنما تطمع للمزيد من خلال المصادقة حتى نهاية العام الجاري على آلاف الوحدات الاستيطانية الأخرى وإبقائها كمخزون لديها تنفذه عند الحاجة”.
ولفت المسؤول الفلسطيني إلى أن تطورين خطيرين طرآ على الاستيطان منذ بداية العام الجاري، الأول هو تكثيف المصادقة على قرارات بناء آلاف الوحدات الاستيطانية، والثاني أن المصادقة تمت في مستوطنات موجودة في كل الأراضي الفلسطينية”.
واستطرد “تقوم الحكومة الصهيونية ببناء ما يشبه المخزن، من القرارات الاستيطانية، بحيث يكون بإمكانها تنفيذ القرارات في الوقت الذي تراه مناسبا، مدعيةً في حال إعادة استئناف عملية التفاوض أنها لا تتبنى قرارات جديدة وإنما تنفذ قرارات تم اتخاذها في الماضي”.
تشير حركة “السلام الآن” الصهيونية، الناشطة في رصد الاستيطان في الأراضي الفلسطينية إلى أن حكومة تل أبيب صادقت على مخططات لبناء 6500 وحدة استيطانية في الضفة الغربية منذ بداية العام الجاري 2017.
وبحسب تقرير لها، فإن هذا العدد يزيد كثيرا عمّا تمت المصادقة عليه في السنوات الماضية، حيث تمت المصادقة على بناء 2629 وحدة في العام 2016، و1982 وحدة في العام 2015.
وذكرت “السلام الآن” أن الحكومة الصهيونية، طرحت أيضا مناقصات لبناء 3154 وحدة استيطانية أخرى في الضفة الغربية، منذ بداية العام 2017، مشيرةً أن هذا بالمقارنة مع طرح مناقصات لبناء 42 وحدة خلال العام 2016 و560 وحدة في العام 2015.
ويتم طرح المناقصات عادة، بعد المصادقة من قبل الحكومة على المخططات الاستيطانية، ومن ثم تبدأ عملية البناء الفعلي.
ولم تكتفِ الحكومة الصهيونية بآلاف الوحدات الاستيطانية هذه، وإنما تطمع بالمزيد، حيث تلفت “السلام الآن” إلى أنه من المرتقب أن تصادق السلطات الصهيونية على خطط لبناء 2413 وحدة استيطانية جديدة، على الأقل، في الضفة الغربية.
وأوضح التفكجي، أن الأرقام التي أوردتها حركة “السلام الآن”، لا تشمل القرارات الاستيطانية في مدينة القدس الشرقية المحتلة.
وقال بهذا الشأن “تقوم السلطات الصهيونية حاليا بأعمال البنى التحتية توطئة لإقامة 1500 وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة رامات شلومو، شمالي القدس، و3000 وحدة استيطانية أخرى في مستوطنة غيلو جنوبي المدينة، بالتوازي مع الإعلان عن نية إعداد البنى التحتية لإقامة مئات من الوحدات الاستيطانية في مستوطنة جفعات همتوس جنوبي القدس”.
ويأتي التوسع الاستيطاني الصهيوني في الضفة الغربية، بما فيها منطقة شرق القدس، في وقت تقول فيه الولايات المتحدة الأمريكية إنها تبذل جهودا من أجل استئناف المفاوضات الفلسطينية الصهيونية المتوقفة منذ إبريل/نيسان 2014.
ومنذ تولي الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة ترامب الحكم، مطلع العام الجاري، فإنها خلافا للإدارة السابقة لم تنتقد الاستيطان الصهيوني، ولم تدعو إلى وقفه.
ولكن، وإن كانت الإدارة الأمريكية غيّرت موقفها من الاستيطان، فإن الفلسطينيين لم يفعلوا، حيث يصرون على أن الاستيطان غير شرعي.
من جهته، يقول واصل أبو يوسف، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، في حديث للأناضول “الاستيطان جميعه غير شرعي، وغير قانوني، وبمواصلة حكومة نتنياهو الاستيطان فإنها تستمر بإعلان حربها وتصعيدها ضد الشعب الفلسطيني”.
وأضاف “هذه السياسة تهدف إلى شطب المشروع الوطني الفلسطيني، وشطب حقوق الشعب الفلسطيني بما فيها حقه في إقامة دولته المستقلة وعودة اللاجئين”.
وتابع “التغول الاستيطاني الاستعماري الذي يعتبر جريمة حرب ضد الشعب الفلسطيني، بحسب كل قرارات الشرعية الدولية، بما فيها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334 الذي صدر نهاية العام الماضي، يتطلب موقفا جديا وحقيقيا من المجتمع الدولي”.
وقال أبو يوسف “يجب تفعيل الآليات الدولية بما فيها إحالة الاستيطان، إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة الاحتلال على هذه الجريمة”، فيما اعتبر أن تل ابيب تعتبر الصمت الأمريكي على الاستيطان ضوءا أخضرا لاستمراره.
وبهذا الشأن أوضح المسؤول الفلسطيني “تعتقد حكومة الكيان الصهيوني أن لديها الضوء الأخضر للاستمرار بهذه الجريمة، من خلال الموقف الأمريكي الصامت على البناء والتوسع الاستيطاني”.
وأضاف “فحتى الآن، رغم اللقاءات التي جرت مع الإدارة الأمريكية، فإنها لم تتحدث عن الدولة الفلسطينية وحدود الرابع من حزيران 1967 بما فيها القدس، ولم تتحدث عن الاستيطان الاستعماري ومطالبة الحكومة الصهيونية بوقفه”.
وتابع ابو يوسف “بالتالي تعتقد حكومة الاحتلال ذلك بمثابة ضوءا أخضرا لاستمرار الاستيطان ومصادرة الأراضي وهدم المنازل الفلسطينية”.
وكانت المفاوضات الفلسطينية الصهيونية، قد توقفت في نيسان/إبريل 2014، بسبب رفض الحكومة الصهيونية وقف الاستيطان والإفراج عن معتقلين قدامى من السجون الصهيونية.
ومنذ الاحتلال الصهيوني عام 1967، أقامت الحكومات الصهيونية 131 مستوطنة في الضفة الغربية، إضافة إلى 10 مستوطنات في شرق القدس و116 بؤرة استيطانية منتشرة على تلال الضفة الغربية.
ويُقيم في هذه المستوطنات نحو نصف مليون مستوطن في الضفة الغربية و220 ألف مستوطن في منطقة شرق القدس وحدها، حيث تطمح الحكومة الصهيونية إلى رفع عدد المستوطنين في الضفة الغربية إلى مليون في غضون فترة قصيرة.
(المصدر: مجلة البيان / وكالة الأناضول)