الاستراتيجيات الأمريكية والتحالفات الدولية عرض ونقد وتقييم 9 والأخير
إعداد أكرم حجازي
يبدو أنه لا يختلف إلا في الشكل. لكن المضمون واحد. حتى لو جاء في صيغة التفافية، يتطلبه الأداء الرئاسي. بمعنى أن ما لا يستطيع الرئيس قوله يمكن أن يقوله غيره. وفي السياق كتب مراسل واشنطن Gilles Paris يقول:« في مايو 2014؛ ( أي قبل سقوط الموصل أو الحديث عن الحاجة لإستراتيجية) وأمام طلاب ويست بوينت، عرض أوباما عقيدته نافيًا أن يكون هناك انسحاب محتمل للولايات المتحدة من الشؤون الدولية، مشيرًا إلى رغبته في الحد من استخدام الخيار العسكري إلا في المسائل التي تهدد المصالح الحيوية للولايات المتحدة، وعندما تكون المصالح “ فقط ” إستراتيجية، على غرار تهديدات الجماعات الإرهابية، فإن أوباما يفضل الشراكة المباشرة مع البلدان المعنية بدلاً من “ الغزو“، الذي يعتبره عمل “ ساذج وغير مقبول“، كما هو قرار غزو العراق الذي اتخذه سلفه»[1].فهل يمكن الحديث عن إستراتيجية في حين أن الولايات المتحدة تنقسم على خطر « الدولة الإسلامية»؟ لعل الإجابة الجوهرية تكمن في مفهوم أوباما وإدارته للإستراتيجية وليس مفهومه للنصر.
لا ريب أن أكثر مقالة استحقت بجدارة توصيف السيرك الأمريكي هي مقالة Micah Zenko في مجلة«الفورين بوليسي[2] – 21/5/2015»، والتي جاءت تحت عنوان:«التطرف الأمريكي الخبيث في مواجهة الإرهاب الإسلامي».
يبحث الكاتب في مقالته العميقة عن « ماهية العدو» لدى الولايات المتحدة، كمقدمة لمعاينته لدى المسؤولين الأمريكيين. ويقول بأنه « خلال الشهور الستة الأخيرة، لوحظ حدوث نقلة صغيرة، ولكنها هامة، في الفكر الأمريكي لمكافحة الإرهاب»، والذي يصفه بـ « الفكر الخبيث والمتطرف … والخطير والوهمي .. الذي لم يتم اختباره». وبحسب الكاتب فإن: «العدو، الذي حُدد سابقا وببساطة على أنه القاعدة والتنظيمات التابعة له، أصبح يشمل الآن أفكارا غير متبلورة مثل “التطرف الإسلامي“ أو “المتطرفين العنيفين”» ... مشيرا إلى أن « العدو كان دائما معرضا للتصنيف الشديد وخفي بشكل ما، .. وأنه تَوفر سابقا، على الأقل، قائمة معترف بها من التنظيمات البارزة. أما الآن، فالعداوة أصبحت متمثلة في مجموعة غير محددة ومتنافسة، من التنظيمات أو الأشخاص الذين لديهم صلة مزعومة بأعمال الإرهاب». ويلاحظ أنه:« مع القليل من الوعي بعواقب ذلك التحول في الخطاب، أصبح الفكر الأمريكي لمكافحة الإرهاب أكثر غموضا، أقل واقعية، وأصبح تدريجيا مفتوح النهاية ... فالتنظيمات الجهادية الإرهابية تنمو من حيث الأعداد، القوة التقديرية، قوة الفتك، .. والتأثير على وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة. إلا أنه يتم بث نفس الصور الرنانة المبتذلة، والأهداف غير المعقولة بالكامل، مرارا وتكرارا، في غياب أي مؤشر، لأي استفادة إستراتيجية، أو تعديلات في السياسة». لذا؛ فـ:«إن استمر ذلك الفكر الأمريكي الخبيث والمتطرف .. لمواجهة الإرهاب دون فحص، فسيؤدي إلى المزيد من الإيهام، للمسؤولين الحكوميين والمواطنين الأمريكيين، نحو الاعتقاد الباطل، بأن محاور العمل الحالية عادية ومقبولة، ولا تتطلب أي تعديل». وإذا:«تبنت الولايات المتحدة نفس العشوائية التي تنتهجها في وصف الأعداء الإرهابيين في أعمال القصف لَمَثَّل ذلك جريمة حرب».
بهذه الخلفية ينبه الكاتب القارئ بأن يضع في اعتباره ما يراه «مزيجا غامضا من الأعداء المجردين، الذين أعلن عنهم المسؤولون الأمريكيون» … مزيج يرصده بدقة بدء من:
- ] « الرئيس الأمريكي الذي قال في فبراير: «نحن في حرب مع الأشخاص الذين جنحوا عن الإسلام”، وأنه: يجب على المجتمع الدولي أن« يبيد تلك الآفة من التطرف العنيف».
- أما الجنرال ديمبسي فيقول أن الولايات المتحدة في حرب: «ضد التنظيم الذي انحرف عن الإسلام».
- وفي فبراير، أطرت مستشارة الأمن القومي الأمريكية، سوزان رايس، مهمة الولايات المتحدة بـ «إعاقة الإرهاب العنيف». وحاولت مبكرا من ذات الشهر وصف العنف غير المحدد بقولها: « مع القضاء على جوهر تنظيم القاعدة، شهدنا توسع التهديد إلى التنظيمات التابعة للقاعدة، داعش، الميليشيات المحلية، والمتطرفين العنيفيين المحليين».
- وفي فبراير أيضا، زعم إريك هولدر، المدعي العام في حينها، أن الولايات المتحدة ببساطة « تحارب تهديد التطرف العنيف».
- الجنرال لويد أوستن، قائد القيادة المركزية الأمريكية: فالعدو هو « داعش والتنظيمات المتطرفة العنيفة الأخرى».
- وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري،: « “ أسميه عدو الإسلام“. بغض النظر عن حقيقة أنه من المفترض أن يفسر كيري ماهية الإيمان الشرعي لمليار مسلم، من هو ذلك العدو تحديدا؟».
أما المرشحون الرئاسيون فكانت لهم صولات وجولات في تحديد ماهية العدو وما سيفعلونه به:
- صاغ السيناتور الجمهوري ماركو روبيو « العقيدة المطبقة» بقوله: « بالنسبة لإستراتيجيتنا لمواجهة الجهاديين والإرهابيين حول العالم، فإنني أحيلهم إلى الفيلم “تاكن“ الذي يقوم ببطولته النجم ليام نيسون. حيث قال البطل عبارة تمثل الإستراتيجية التي يجب أن نتبناها»، هي: « سوف نبحث عنك، سنجدك وسنقتلك».
- السيناتور الجمهوري تيد كروز: « سوف نتخذ موقفا وسنهزم الإرهاب الإسلامي المتشدد».
- ريك بيري، الحاكم السابق لولاية تكساس،: « نحن في السنوات الأولى من صراع مع المتطرفين الإسلاميين العنيفيين، والذي سيستمر لعقود عديدة».
- السيناتور الجمهوري، راند بول، العدو هو « الإسلام المتشدد» و« كارهي البشرية».
أما فيما يتعلق بتوجه الإدارة الأمريكية« للتعايش مع الإرهاب» فالكاتب يتوقف عند تصريح للرئيس أوباما زعم فيه سابقا أن تلك الحرب « مثل جميع الحروب، يجب أن تنتهي»، لكنه يلاحظ أن:« المسؤولين وصناع القرار لم يعودوا يدعون أن الحرب على الإرهاب ستنتهي مطلقا، ولا يقدمون أي سرد حول كيفية انتهاء هذه الحرب. وبدلا من ذلك، يحاولون تطبيع الحرب على الإرهاب كأمر يجب أن يتقبله جميع الأمريكيون ويعتادوا عليه». وفيما يلي حزمة جديدة ومثيرة للغاية من التصريحات وتعليقات الكاتب:
- وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر: «يجب أن نفكر بشأن الإرهاب بشكل أعم كجزء أكثر استمرارية من مهمة الأمن القومي الخاص بنا»، وهو ما عبر عنه، منذ ثلاث سنوات، مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية، جون برينان، الذي كان حينها أقرب مستشاري أوباما لشؤون « مكافحة الإرهاب»، بقوله: «لن نستريح حتى يتم القضاء على تنظيم القاعدة وإبادته في أنحاء أفغانستان، باكستان، اليمن، أفريقيا، ومناطق أخرى. نحن عازمون على تحقيق ذلك“. إلا أنه، خلال الشهر الماضي، عند سؤاله بجامعة هارفارد بشأن موعد انتهاء الحرب على الإرهاب، أجاب بشكل فلسفي قائلا: “ إنها حرب طويلة، مع الأسف. ولكنها حرب كانت موجودة لآلاف السنين … لذلك فإنه أمر، حسبما أظن، سيتوجب دائما أن نتوخى الحذر منه“. أي أن هزيمة الإرهاب أمر أخروي وأبدي»!!!!! إلا أن النائب الجمهوريترينت فرانكستجاوز برينان فلسفيا في قوله: «لقد كنا نحارب ذلك الفكر الإسلامي المتشدد لمدة 1400 عام“. أي قبل قرون من تأسيس الولايات المتحدة»!!!!
يختم الكاتب مقالته بالقول: ما « يمثل أكبر مصدر للإحباط .. هو أن نفس هؤلاء المسؤولين وصناع القرار لا يزالون يدعون أن تلك التهديدات الإرهابية المنتشرة “ ستدمر“، “ ستنهزم“ و“ ستباد“». لكن، وبحسب الكاتب: « لن يحدث ذلك ببساطة لأن الولايات المتحدة وشركائها مستمرون في تطبيق نفس الاستراتيجيات والسياسات مع التطلع بحماقة إلى نتيجة مختلفة … ولأن شيئا لم ينجح في مواجهة ذلك الفكر، يفترض أن نصبح معتادين على حرب لانهائية وضد مفهوم غير موصوف» [.
فعليا لا تغييرات تذكر لا على مستوى الفكر، ولا على مستوى الإستراتيجية الأمريكية. وتشير مقالة Nancy A. Youssef الآنفة الذكر[3] إلى أن:« كثيرين من البنتاغون يعتقدون بأن الهدف الحقيقي هو جعل الوقت يمر فقط»، لذا: وبحسب تصريحات للمتحدث باسم « البنتاغون»، الكولونيلستيفن وارن، في 27/5/2015، فإن: «الولايات المتحدة تدرس فقط “تهذيب“ تكتيكاتها، وليس إصلاح إستراتيجيتها». وتنقل الكاتبة عن أحد المسؤولين الذي يعمل بشكل وثيق على الإستراتيجية العسكرية قوله لـ «ديلي بيست»: « أعتقد أن دافع هذا هو الشعور بأن هذه الحرب ليست حربنا، وبأن علينا محاولة الاحتواء فقط، والتأثير فيها حيث نستطيع فعل ذلك»، موضحا أن: «هذه معركة طويلة، وسوف تكون معالجتها من مسؤوليات الإدارة المقبلة». وفي إشارة إلى أعضاء الإدارة قال أحد المسؤولين: «إنهم يحاولون فعل شيء ما لوقاية أنفسهم من الانتقاد الكبير فقط». في حين «كان البعض الآخر أكثر صراحةً، قائلين إن لا أحد يريد أن يستثمر الكثير من الوقت أو الموارد في صياغة نهج بديل». وتساءل ثانٍ بوزارة الدفاع قائلا: «من يريد أن يأتي جندي من جنودنا قتيلاً، أو بدون ساق إلى الوطن؟ أو أن تستولي عليه داعش، في سبيل القوات التي هربت من المعركة؟».
اياً كان الأمر، وسواء كانت موجودة أو غير موجودة، فإن المشكلة الأكبر، بحسب مقالة عضو مجلس الشيوخ ماركو روبيو، في «الواشنطن بوست – 30/5/2015»، تكمن في أن: « إستراتيجية أوباما في الشرق الأوسط برمته تأتي بنتائج عكسية، وليس فقط في حالتي العراق وسوريا». وهو ما أدى بحسبه إلى «فراغ في المنطقة ملأته تنظيمات متطرفة»[4]. ولسنا ندري إنْ كان هذا الفراغ هو الذي شجع صحيفة «وول ستريت جورنال – 7/7/2015» على نشر تقرير كتبه كارول لي وآدم إينتوس، يقول بأن: «إدارة الرئيس الأميركي تعكف على صياغة إستراتيجية سياسية للشرق الأوسط تقوم على معالجة مركزة للصراع الدائر في العراق وسوريا واليمن»، وأنه، بحسب مسؤولين في البيت الأبيض، فإن:«الإستراتيجية الجديدة تحتوي على جهود أميركية مضاعفة في منع دول الخليج العربي من الانجراف بعيدا عن المعسكر الغربي والأميركي تحديدا» لاسيما وأن الإدارة الأميركية،بحسب مسؤولين أميركيين لم يسمهم التقرير، «عازمة على إشراك إيران في قضايا شرق أوسطية خارج إطار ملفها النووي»[5]. لكن هل بقي ما يمكن التحدث عنه بعد التدخل الروسي في سوريا؟
بحسب تحليل سبنسرآكرمان في صحيفة « الغارديان – 1/10/2015» البريطانية فإن: «التدخل العسكري الروسي “العدواني“ في سوريا وضع إستراتيجية أوباما والولايات المتحدة على مفترق طرق في واحد من أكثر الصراعات المدمرة في العالم» بل أن: «التصعيد العسكري الروسي في الشرق الأوسط يأتي في لحظة تواجه فيها الإستراتيجية الأميركية في سوريا والمنطقة فشلا ذريعا وانهيارا كبيرا»[6].
ثالثا: أمد الحرب
كان نفي وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، روبرت غيتس، لوجود إستراتيجية أمريكية في العراق مثيرا للدهشة. لكن الأبلغ وقعا كانت تلك العبارة التقريرية الملحقة بالتصريح، والتي تقول: « نحن نقوم بهذه المهمة كل يوم بيومه»!!! وهي عبارة تحيلنا إلى أولئك البؤساء الذين يعانون مشقة الحياة، يوما بيوم، ليحصلوا فقط على قوت يومهم. فإذا كان هذا هو حال الدولة الأعظم في العالم تجاه أخطر القضايا في العالم؛ فما من منطق، استراتيجي أو تكتيكي، سياسي أو عسكري، أمني أو وهمي، يسمح للقادة الأمريكيين أن يتحدثوا عن حرب تحتاج إلى عدة سنوات أو عقد أو عقدين أو عن حرب تستمر لعقود .. طويلة الأمد .. إلى حد الحديث عن الحرب الجيلية أو الأخروية على حد تعبير بعض المسؤولين والكتاب.
مهما كانت السياسة الأمريكية مثيرة في مشاهدها الهزلية أو جديتها، إلا أنها تعكس في جوانب منها مشاهد مرعبة، قد تؤدي إلى كوارث لا تحمد عقباها. فما لاحظناه منذ الإعلان عن التحالف الجديد لـ «مكافحة الإرهاب» هو ذاك التدرج العجيب، في المدى الزمني، الذي تحتاجه هذه الحرب. وفي السياق يكفي التساؤل، ليس عن الأسباب التي تجعل الولايات المتحدة غير جادة في محاربة «الدولة الإسلامية» كما يعتقد الكثيرون، بل عن الأسباب التي تجعلها بحاجة إلى خوض حروب جيلية بلا نهاية، بدلا من بضع سنين. فلنتابع المسألة من بدايتها.
قبل يومين من الإعلان عن الإستراتيجية الأمريكية، تحدثت صحيفة « نيويرك تايمز – 8/9/2014» عن خطة وضعتها وزارة الدفاع الأمريكية من ثلاث مراحل، تشمل سوريا والعراق، وتبدأ بـ «(1) شن غارات جوية، و (2) تكثيف جهود تدريب وإرشاد الجيش العراقي والمقاتلين الأكراد أو دعمهم بالسلاح، و (3) تهدف إلى تدمير تنظيم الدولة داخل سوريا». وبحسب واضعي الخطة في « البنتاغون» فمن المتوقع أن يتم إنجازها في غضون: « 36 شهرا. أي بعد انتهاء فترة حكم الرئيس الأميركي باراك أوباما»[7]. لكن بعد بضعة أيام من الإعلان عن الإستراتيجية، وفي ضوء الخطة، كتب ديفيد روثكوف مقالة بمجلة « فورين بوليسي – 15/9/2014» رأى فيها موضوعيا أن: «الولايات المتحدة تتورط في حروب مستمرة، وأن أوباما قد بدأ حربا ضد تنظيم الدولة في الشرق الأوسط يصعب الخروج منها، وأنها لن تنتهي ولا مخرج منها، وستبدأ من العراق وسوريا ولكنها قد تطال الشرق الأوسط والمنطقة برمتها»[8].
« لن تنتهي ولا مخرج منها» .. عبارة تكررت لدى الكتاب والنقاد والخبراء والمختصين، لتحيل إلى سجل زمني مفتوح، مع ما يرافق ذلك من قلق، عن تورط يستحيل التنبؤ بمدياته الموضوعية والزمنية. وفي صيغة صريحة ومبكرة نقلت صحيفة « التايمز – 29/9/2014» البريطانية عن رئيس هيئة الأركان البريطانية السابق الجنرال، لورد ريتشاردز، قوله أن: «الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية قد “ تستمر إلى الأبد“ ما لم يتم تدريب ونشر جيش قوامه مائة ألف مقاتل من القوات العراقية والبشمركة ومسلحي المعارضة السورية المعتدلة»[9]. وفي المقابل نقلت « الاندبندت – 1/10/2014» عن وزير الداخلية في حكومة الظل البريطانية، ديفيد ديفيس تحذيرا، من هكذا حروب مفتوحة، جاء فيه: « أن بريطانيا تواجه خطر إقحام نفسها في حرب مفتوحة في الشرق الأوسط لا نهاية لها، ومحكوم عليها بالفشل، وأن دول الغرب على حافة الوقوع في فخ نصبه لها تنظيم الدولة»[10].
ولأنه يعتقد أن: «الرئيس أوباما يقود الولايات المتحدة إلى لهيب حرب في العراق وسوريا دون إستراتيجية واضحة»، فقد كتب، آرمستروغ ويليامز، مقالة في صحيفة « الواشنطن تايمز – 6/10/2014» يحذر فيها من« الانزلاق في مستنقع حرب لا تنتهي في الشرق الأوسط برمته». ومثله زميله، غريغوري داديس، الذي تساءل في صحيفة « لوس أنجلوس تايمز- 6/10/2014» عن: « جدوى خوض الولايات المتحدة حروبا تلو الأخرى، … وعن الوقت الذي تستطيع فيه أميركا تحقيق الأمن القومي في ظل اتباعها نظرية شنّ الحروب على أرض العدو»[11].
ومع ذلك؛ ووسط إعدام الرهينة الأميركي، وتصاعد القلق والخوف، فضلا عن موجة الانتقادات الموجهة لإستراتيجية الرئيس الأمريكي وخطة « البنتاغون» خشية التورط في متاهات الزمن؛ خرج المتحدث السابق باسم الخارجية الأمريكية، السفير آدم إيرلي، على قناة« الجزيرة»، فيبرنامج«ما وراء الخبر – 16/11/2014»، واضعا كل التحذيرات والمخاوف خلف ظهره، ليؤكد أن: «الولايات المتحدة لديها خطة جيدة لمحاربة التنظيم، وبنت تحالفا دوليا لهذا الغرض … وما يهم واشنطن هو مواصلة تنفيذ هذه الخطة التي قال إنها ستستغرق سنوات عديدة من الهجمات على تنظيم الدولة»[12].
لاحقا لتصريحات إيرلي ظهرت مصطلحات زمنية جديدة بدت فيها الولايات المتحدة تخطط كما لو أنها حركة تحرر تخوض حرب عصابات. ففي أعقاب اجتماع دول التحالف الستين في العاصمة البلجيكية – بروكسل (3/12/2014) لتقييم أداء التحالف أصدر المجتمعون بيانا قالوا فيه أن الحملة على تنظيم الدولة بدأت تعطي النتائج. لكن البيان لم يتحدث عن أية نهاية للحرب بقدر ما جدد المجتمعون فيه: « التزامهم العمل معا في إطار إستراتيجية مشتركة ومتعددة الأشكال وطويلة الأمد لإضعاف تنظيم الدولة وإلحاق الهزيمة به»!!! وفي نفس الوقت أكد المؤتمرون العمل وفق خطة من خمسة محاور لـ « مكافحة الإرهاب» هي: « (1) زيادة المجهود العسكري، و (2) وقف تدفق المقاتلين الأجانب، و (3) قطع طرق الوصول إلى التمويلات، و (4) معالجة مشكلة المساعدة الإنسانية و (5) نزع الشرعية عن تنظيم الدولة»[13].
هكذا تكون الولايات المتحدة قد لفظت في بروكسيل ما ابتلعته في واشنطن، لاسيما خطة البنتاغون السابقة، وكذا مدة الثلاث سنوات، التي اعتمدتها قبيل الإعلان عن الإستراتيجية. هذا ما أكده قائد الحملة على «الدولة الإسلامية»، الجنرال جيمس تيري، في لقاء مع الصحفيين (18/1/2015) بوزارة الدفاع الأميركية حين قال: «بدأنا بالضربة الأولى ضد تنظيم الدولة منذ نحو أربعة أشهر، وقد حققنا تقدما ما ضمن الخطة الدفاعية، حتى يتمكن التحالف من التوسع جغرافيا … نحتاج ثلاث سنوات على الأقل لإحداث نقطة تحول في المعركة مع التنظيم … »[14]. وهو ما أكده وزير الدفاع الأمريكي، أشتون كارتر، خلال جلسة استماع أمام لجنة الاعتمادات المالية بمجلس النواب الأميركي، حين قال: «إن أمد الحملة العسكرية ضد تنظيم الدولة في سوريا والعراق سيكون أطول من ثلاث سنوات … وأن تحديد السنوات الثلاث يتعلق بأسباب دستورية وقانونية». وفي مناقشتها لتصريحات كارتر في برنامج « ما وراء الخبر[15] – 5/3/2015» على قناة « الجزيرة»، التي تساءلت «عن الاعتبارات السياسية والعسكرية وراء توقع أن تمتد العمليات ضد تنظيم الدولة لأكثر من ثلاث سنوات؟»، برر ضيف البرنامج، المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأميركية، جيف غوردون، المدة الزمنية بـ: «متطلبات دستورية وقانونية» تتعلق بالحاجة إلى«تمديد تفويض استخدام القوة ضد تنظيم الدولة»، مشيرا إلى أن: «الكونغرس فهم رسالة وزير الدفاع الأميركي، وسيتخذ قرارا بتمديد التفويض»!!!! لكن (1) الكونغرس لم يستجب للرئيس الأمريكي بتمديد التفويض، كما أن كارتر (2) استعمل عبارتي «على الأقل» و «لإحداث نقطة تحول» في الحديث عن مواجهة «الدولة». بمعنى أن الولايات المتحدة تحتاج إلى « مزيد من الوقت» وليس تفويضا.
وبعد أقل من شهرين على مؤتمر بروكسيل، وضمن القراءات البريطانية، نظمت لندن مؤتمرا آخرا في 22/1/2015، ضم 21 دولة من دول التحالف، لتقييم أداء الحملة. وبدا التناقض واضحا في تصريحات وزير الخارجية، فيليب هاموند، حين قال: « إن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية قد يحتاج إلى نحو عامين ليطرد التنظيم من العراق». لكنه في موضع آخر ناقض نفسه بإضافة مصطلح زمني جديد ومفتوح بقوله: « إن أعضاء التحالف أكدوا التزامهم بمحاربته مهما طال الوقت»[16]!!! وفي خضم مناقشات مجلس العموم البريطاني لمطالب رئيس الحكومة، ديفيد كاميرون، ووزير الدفاع، مايكل فالون، بتوجيه ضربات جوية ضد « الدولة الإسلامية»، بدا أن مفهوم « الحرب الجيلية» قد استقر أيضا في العقل البريطاني، بعد أن سبقه رسوخا عميقا في العقل الأمريكي. ففي دفاعه عن شن الغارات الجوية أوضح وزير الدفاع في 3/7/2015 الأمر بالقول:« نحن مشاركون في قتال سيستمر جيلا»، وأن الحكومة لن تستشير البرلمان لتشن هجمات جوية «إذا ما تعرضت المصالح الوطنية البريطانية العليا للتهديد أو لتدارك كارثة إنسانية»[17]. وفي مؤتمر باريس من أجل دعم العراق (2/6/2015)، تبنى الفرنسيون مصطلح «طويلة الأمد» حين أعلن وزير الخارجية ، لوران فابيوس، أن: « المعركة ضد تنظيم الدولة ستكون طويلة»[18].
من جهته استفاق دونالد رامسفيلد، وزير دفاع الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج بوش، ليدلي بدلوه خلال مقابلة له مع صحيفة « التايمز – 6/6/2015» البريطانية. وفي سياق الأزمنة الطويلة، رأى أن: « الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط قد تستغرق عقودا»[19]. وبعد خروجه من المستشفى، إثر كسر أصاب فخذه الأيمن، استعاد وزير الخارجية، جون كيري، القدرة على السير والكلام، ووجد الفرصة ملائمة للتصريح في 13/6/2015 بأن: « المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية ستكون طويلة وشاقة»[20]. ولأنها كذلك فـ « لن تتم بسرعة وستتطلب وقتا» بحسب الرئيس الأمريكي[21] (6/7/2015).
تزامنت التصريحات الأمريكية هذه مع صدور « إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي لسنة 2015». وفي السياق
نقلت «الفورين بوليسي – 2/7/2015» عن رئيس هيأة الأركان المشتركة، الجنرال مارتن ديمبسي، تعليقا له على مسألة: « مكافحة التنظيمات القوية .. مثل تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة والجماعات التابعة» ملاحظا أن:« الولايات المتحدة وحلفاءها يجب أن يكونوا مستعدين لـ (1) خوض حرب طويلة في (29 أوقات غير محددة (3) حول العالم»[22]. وبعد أيام مَثُل الجنرال في 7/7/2015 أمام لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ ليقدم ما وصفه الكاتب Walter Pincus بـ« تقييم صريح» للأوضاع في منطقة الشرق الأوسط والحرب على «الدولة الإسلامية». ويخلص الكاتب إلى القول: « بصفة عامة، أعرب ديمبسي عن شكوكه حول التدخل العسكري الأمريكي في المنطقة. ظهور تنظيم الدولة الإسلامية وغيره من المشاكل في الشرق الأوسط هي قضايا “جيلية“ لن تحلها القوة العسكرية فقط»[23].
كان الكاتب الأمريكي، Micah Zenko، قد توقف في مقالته العميقة عند مفهوم « الحرب الجيلية» في إطار البحث عن الأمريكي عن العدو. ولاحظ أن: « إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة ( 2015) تصف الحرب بأنها “ نضال جيلي“ في أعقاب حرب العراق عام 2003، والثورات العربية عام 2011، والتي ستعيد تعريف المنطقة وكذلك العلاقات بين المجتمعات وبين المواطنين وحكوماتهم». وفي السياق أشار لتصريحات أدلى بها النائب الجمهوري، ماك ثورينبيري، وصف فيها الحرب بأنها: « نضال متعدد الأجيال» وأنه، بلا لف أو دوران، «لا توجد وسيلة غير مكلفة لكسب تلك الحرب»، فيما وصفها السيناتور الجمهوري، جون ماكين، بأنها: «حرب جيلية للحضارة أمام الأعداء الشرسين»[24].
أما الكاتب في « الديلي بيست[25] – 22/5/2015» فقد تعمق في خلفيات المصطلح في مقالة له بعنوان: « “العمليات الخاصة الأمريكية“ تريد قتال داعش.. لكن إستراتيجية أوباما تقيدهم». وفي سلسلة من التصريحات التي تلقتها « الديلي بيست» من قادة العمليات الخاصة، وبعض المقابلات مع ضباطها، يبدو « طول الأمد» مبررا لما يكون الأمر متعلقا بحرب أفكار. وفي مطلع النص يتحدث الكاتب عن العمليات الخاصة الأمريكية بالقول: «من المفترض أن يكونوا في طليعة المعركة ضد داعش»، ولكن « العمليات الخاصة» تقول: «إنّ قواعد الحرب المقيدة لإدارة أوباما تمنعهم من القيام بهذه المهمة». ويتابع: « في ظل شعورهم بالإحباط إزاء تقدم داعش في العراق وسوريا، فإن قادة العمليات الخاصة الأمريكية يبنون قوات من أجل قتال سوف يستمر لأجيال، لا من أجل حرب يمكن الفوز بها في السنوات القليلة المقبلة».
أما القائد العام لقيادة العمليات الخاصة الأمريكية، الجنرال جوزيف فوتيل، فيقول في تصريحات للصحيفة،
خلال منتدى العمليات الخاصة في تامبا،: «نحن ندرك أن هذه احتمالية على المدى البعيد، ولكن يجب أن نتحلى بالصبر». ومن جهته يرى قائد العمليات الخاصة للقوات الجوية، الجنرال برادلي هيثولد،: «في هذا الصراع، لا تضل طريقك نحو الانتصار؛ بل يجب أن تمارس الضغط على القيادة من أجل التأثير عليها. ولكن هذا بحد ذاته ليس الإجابة .. هذا هو السبب في قولنا بأنّ هذا الصراع سوف يستمر لمدة 15 عامًا».
ويفكر رئيس قيادة العمليات الخاصة في الجيش الأمريكي، الجنرال تشارلز كليفلاند، بمنطق الحرب الجيلية قائلا: « يمكننا أن نقضي عليهم، ولكنها ليست استراتيجية ناجحة. يجب أن نفكّر في الأسباب الجذرية، مثل عدم الاستقرار الاقتصادي أو الحرمان … يجب أن نحاول تهيئة الظروف بحيث لا يصبح الطفل ذو الـ 8 سنوات اليوم، جهاديًا بعد 10 سنوات … أو حتى أقل من ذلك».
« إنه أمر متعلق بالأجيال»، هكذا قال الضابط الذي قال إنّ القوات الأمريكية كانت تشعر بالإحباط نفسه أثناء تدريب قوات نيكاراغوا في فترة الثمانينيات. « كل بضع سنوات، هناك مكان لا تسمح الإدارة للقوات الأمريكية بمرافقة القوات التي قامت بتدريبها. هذا الجيل الشاب يجب أن يتغلب على هذا الأمر».
ويعقب الكاتب على هذه الشهادات مشيرا إلى أن: « العديد من ضباط العمليات الخاصة والقوات الأمريكية في تامبا وواشنطن لا يريدون الانتظار كل هذا الوقت لخوض المعركة ضد داعش. وتحدثوا عن غضبهم من القتال عن بُعد في العراق وسوريا، وتقديم المشورة للقوات العراقية، وقوات البيشمركة الكردية، والمقاتلين السوريين من بعيد بدلًا من الانضمام لهم في المعركة».
رابعا: الاستثمار الدولي في « الدولة الإسلامية»
تدرك « الدولة الإسلامية» وحتى إجمالي « التيارات الجهادية السلفية» أنها تخوض حربا ذات منطق رقمي، أو ما بات يسمى بـ «المعادلة الصفرية». لكنها بقدر ما حققت إنجازات معتبرة في حروبها المحلية والدولية، إلا أنها أيضا تعرضت لخسائر فادحة. وفي سوريا والعراق تقدمت « الدولة» في مناطق لكنها خسرت في مناطق أخرى خاصة في العراق. بمعنى أن الحرب يمكن أن تأخذ منحى آخر لو أن الولايات المتحدة عملت أيضا بمنطق صفري كما جرى في بلدة عين العرب وتكريت. وطالما أن الخسائر ليست على أراضيها، ولا في جنودها، فما من شيء يمكن أن يردع الحكومة العراقية أو السورية، عن تدمير البلاد على رؤوس أهلها، إذا أراد الأمريكيون ذلك، خاصة وأنهم يتحركون بغطاء سياسي محلي وإقليمي ودولي.
في كافة المؤتمرات التي عقدت في عواصم العالم بدعوى «مكافحة الإرهاب» كان بند محاربة أيديولوجية التطرف على رأس جدول الأعمال. لكن هل تحقيق هذا البند يبرر خوض حروب جيلية؟ في هذا المبحث فإن الجواب بالنفي التام!!! لأنه في الوقت الذي يجري فيه ترقية « المربط الصفوي» في المنطقة، كبديل عن «المربط النصيري»؛ وفي ضوء مشاريع التقسيم الدولية الجارية للمنطقة، فإن الولايات المتحدة وسائر رموز النظام الدولي سيحتاجون إلى وقت طويل وغير محدد المعالم، وربما إلى جيل أو أجيال، للعمل على إعادة التقسيم على أسس طائفية. لكن مثل هذا التقسيم، الذي يعني إعادة توزيع السكان طائفيا، من المستحيل أن يتيسر تنفيذه بوسائل دبلوماسية أو سياسية، بحيث يتقبل السكان نقلهم من مكان إلى أخر، بالتراضي أو بمنطق «الدولة القومية»، وعلى الطريقة الغربية، عبر ما يسمى بـ « إرادة العيش المشترك» لمجموعة من الناس.
بل أن مثل هذا التغيير الديمغرافي، لا بد وأن يتم بوسائل عسكرية، وحروب يصعب التنبؤ بنهاياتها، إلى أن تستقر الأمور على ما يرغب به النظام الدولي أو يلائم حساباته. تبعا لذلك؛ سيكون هناك دماء ودمار وقتل وتشريد وتعذيب وتخريب وانتهاكات بالغة الفظاعة. ولتحقيق ذلك فإن الحاجة تبدو ماسة إلى أيديولوجيات شمولية وعنيفة. وفي إطار نظرية « تقاطع المصالح»، وسواء قبلت « الدولة الإسلامية» أو رفضت، فلن يكون مشروعها في الخلافة، وصراعها مع الطوائف والأقليات، فضلا عن صراعها مع الجماعات الأخرى، إلا أفضل عرض، لا يمكن للأمريكيين والصفويين أن يرفضوه، إلا إذا كانت نتائج المواجهات في غير صالحهم على الأرض.
مع نهايات سنة 2015 لم يعد خافيا حجم المشروع الديمغرافي الجاري العمل عليه من قبل أطراف النظام الدولي والإيرانيين والنظم الطائفية في سوريا والعراق. لكن التسريبات الأولى لهذا المشروع، والتي مثلت أولى الاعترافات الأمريكية جاءت على وقع المواجهات الطاحنة التي شهدتها محافظة تكريت العراقية وهي تخلف دمارا شاملا للمدينة وآلاف القتلى. في هذا الخضم الدموي نشرت مجلة «فورين بوليسي – 30/3/2015» الأمريكية تقريرا مطولا عن وقائع المواجهات، ختمته بالقول: « سواء تم التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران أم لا فإن الحقيقة التي لا ريب فيها هي أن معظم العراق يبدو على المدى الطويل ولاية فارسية تابعة لرجال الدين الإيرانيين، وأن هذا الأمر سيقود إلى المزيد من العنف الطائفي والحرب الأهلية، وأن أميركا توفر غطاء جويا لتطهير عرقي في العراق»[26].
لا شك أن الحديث عن عمالة «الدولة الإسلامية» لإيران أو للولايات المتحدة، وفق هذا البحث، هو حديث عبثي، إنْ لم يكن حديث سفهاء. فلا الغربيين يقولون بهذا ولا الإيرانيين، ولا العقل، ولا الواقع، ولا الحقائق. وقد أثير هذا الأمر في نطاق السياسات الدولية واحتياجاتها. ولاحظه أحد مراسلي قناة « الجزيرة» في لندن، محمد أمين، في أعقاب مقالة للكاتب البريطاني،شيماس ميلين، تسببت في إعادة الجدل حول حقيقة إسهام الولايات المتحدة والغرب في نشوء « تنظيم الدولة الإسلامية». ومما قاله ميلين أن: « دعم واشنطن للمعارضة المسلحة ليس معناه أنها أوجدت تنظيم الدولة». أما « القناة» فنقلت، من جهتها، عن محللين وعسكريين تحدثوا إليها قولهم أن: « أميركا ودول الغرب لم تصنع تنظيم الدولة، لكنها ربما استفادت من ظهوره ودعمته»، بالإشارة إلى إسقاط الأمريكيين لأسلحة في مناطق سيطرة «الدولة». وفي السياق، يقول أكاديمي بريطاني أن: « واشنطن لم تصنع التنظيم لكنها أسهمت بشكل غير مباشر في تمكنيه وتعزيز شوكته عبر دعمها المعارضة المسلحة بسوريا». وهو ما يعتقده مدير مركز الأديان والصراعات بجامعة لندن متروبوليتان، جيفري هانز، بالإشارة إلى أنه: «من المؤكد أن أميركا شجعت ضمنيا تنظيم الدولة عن طريق دعم الجماعات المسلحة المتمردة المناهضة للحكومة السورية» لكن « الدعم الضمني لا يعني أنها خلقت التنظيم فهما أمران مختلفان». لذا فهو: « يختلف مع من يقول إن أميركا صنعت تنظيم الدولة»، إذ: «ليس من الدقة توصيف الأمر بهذا الشكل، كما لا توجد أدلة على أن واشنطن خلقت التنظيم»[27].
لكن توفير الولايات المتحدة«غطاء جويا لتطهير عرقي في العراق»، تجري وقائعه في ميادين القتال، لا يبرئ «الدولة» من كونها واقعة، طوعا أو كرها، علما أو جهلا، في موضع « تقاطع مصالح» مع الولايات المتحدة، بل ومع قوى « النظام الدولي» برمته، وأن ما يجري لا يعني إلا «استثمارا»، لحاجة أمريكية ودولية في استمرار الصراع على هذا النحو، وتوظيفا لكل أدواته وأفضلها، سواء علم المعنيون بالأمر أم جهلوه. وفي هذا السياق بالذات اعتبر عضو لجنة الدفاع والأمن في البرلمان الروسي، فرانس كلينتسفيش، العداء الأميركي لـ «الدولة الإسلامية» « مجرد خرافة»، بل أنه لم يتوانى عن التصريح أمام اجتماع اللجنة عن القول بأنه: « تبين جليا أن واشنطن تحتفظ بالتنظيم في وضعية الاحتياط لاستخدامه في خدمة سياساتها في الشرق الأوسط». ومن جهته ذهب الخبير الروسي في شؤون الشرق الأوسط، أندريه ستيبانوف، نفس المذهب في تصريحاته لـ « الجزيرة نت» رأى فيها: «إن روسيا لديها قناعة بأن واشنطن إذا لم تكن هي من تقف خلف تنظيم الدولة فعلى الأقل هي معنية ببقائه، وليس من مصلحتها القضاء عليه، لكي يبقى عامل ضغط على إيران وحلفائها في العراق وسوريا، بالإضافة إلى استغلاله كعصا غليظة مسلطة على حكام الدول العربية، لابتزازهم مقابل حصولهم على الحماية الأميركية»[28].
[1] «” أوباما” لا يزال يدافع عن إستراتيجيته بالرغم من التقدم الذي تحرزه “داعش”»، 23/5/2015: موقع صحيفة « لوموند الشرق الأوسط» الفرنسية، على الشبكة: http://cutt.us/xZa1
[2] Micah Zenko: « التطرف الأمريكي الخبيث في مواجهة الإرهاب الإسلامي»، 21/5/2015،: موقع « الفورين بوليسي»:
http://cutt.us/moRf ، فريق ترجمة موقع« راقب»: http://cutt.us/xX2I
[3] Nancy A. Youssef: « لا تغييرات في خطة أوباما ضد داعش وتوقعات سرية بتقسيم العراق»، مرجع سابق.
[4] « هزيمة تنظيم الدولة قد تشتت المتطرفين بأنحاء العالم»، 30/5/2015، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/Zepkm
[5] « صحيفة: إستراتيجية أميركية جديدة بالمنطقة»، 7/7/2015، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/vHSh
[6] « جنرال روسي للأميركيين: غادروا سوريا فورا.. سنبدأ القصف»، 1/10/2015، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/xDtm
[7] « القضاء على تنظيم الدولة يتطلب ثلاث سنوات»، 8/9/2014، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/lJbNc
[8] « صحف أميركية تنتقد إستراتيجية أوباما تجاه تنظيم الدولة»، 15/9/2014، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/8xWr
[9] « صحف غربية: القتال ضد تنظيم الدولة حرب أفكار طويلة»، 29/9/2014، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/LHkJ
[10] « صحف بريطانية تحذر من حرب لا نهاية لها»، 1/10/2014، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/LNSrB
[11] « انتقادات لإستراتيجية أوباما لمواجهة تنظيم الدولة»، 6/10/2014، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/30AD
[12] « الرسائل المتبادلة بين واشنطن وتنظيم الدولة»، 17/11/2014، برنامج « ما وراء الخبر»، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/ocW7C
[13] « التحالف الدولي يؤكد بدء النجاح ضد تنظيم الدولة»، 3/12/2015، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/tsuT7
[14] « جنرال أميركي: المعركة مع تنظيم الدولة تحتاج ثلاث سنوات»، 18/1/2015، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/ULXpB
[15] « التقديرات الأميركية لأمد الحملة ضد تنظيم الدولة»، 5/3/2015، برنامج « ما وراء الخبر»، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/1BC7E
[16] « بريطانيا: عامان ليطرد التحالف تنظيم الدولة من العراق»، 22/1/2015، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/Yq86x
[17] « “العموم البريطاني” يناقش ضرب تنظيم الدولة بسوريا»، 3/7/2015، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/ib9Za
[18] « مؤتمر باريس يدعم العراق في الحرب ضد تنظيم الدولة»، 2/6/2015، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/1b1W
[19] « رمسفيلد: بوش أخطأ بغزوه العراق»، 2015/6/6، موقع الجزيرة نت»، على الشبكة:http://cutt.us/GxPgH
[20] « كيري: المعركة ضد تنظيم الدولة طويلة ويجب إشراك السنة»، 13/6/2015، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/DhDi
[21] « أوباما: هزيمة تنظيم الدولة لن تتم بسرعة»، 6/7/2015، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/jz7Jc
[22] « إستراتيجية أميركية لحروب طويلة غير محددة حول العالم»، 2/7/2015، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/snqg
[23] Walter Pincus : « تقييم الجنرال مارتن ديمبسي للأوضاع في الشرق الأوسط»، 13/7/2015، موقع صحيفة «washingtonpost»، على الشبكة: http://cutt.us/q1RYT
[24] Micah Zenko: « التطرف الأمريكي الخبيث في مواجهة الإرهاب الإسلامي»، 21/5/2015، مرجع سابق.
[25] Kimberly Dozier: « العمليات الخاصة الأمريكية” تريد قتال داعش.. لكن إستراتيجية أوباما تقيدهم»، 22/5/2015، موقع« الديلي بيست»، على الشبكة: http://cutt.us/obw3f
[26] « فورين بوليسي: أميركا توفر غطاءً جويا لتطهير عرقي بالعراق»، 30/3/2015، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/NWpEl
[27] « هل للغرب دور في صناعة تنظيم الدولة؟»، 6/6/2015، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/JDmRJ
[28] « تنظيم الدولة يكشف حدود التباين الروسي الأميركي»، 26/4/2015، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/2mmq8
المصدر: رسالة بوست