الاستراتيجيات الأمريكية والتحالفات الدولية عرض ونقد وتقييم 6
إعداد أكرم حجازي
المبحث الأول
بناء التحالف الدولي (أدوات تنفيذ الإستراتيجية)
تحت سلطان « الشراكة»، الذي بموجبه تستعمل الولايات المتحدة جيوش الدول الأخرى ولوجستياتها، فضلا عن توظيف القوى المحلية، كرأس حربة على الأرض في مواجهة الخصوم؛ بدأ الحديث عن تشكيل التحالف الدولي غداة سقوط الموصل. ففي يوم 9/9/2015 أعلنت وكالة « رويترز» البريطانية للأنباء أن وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، شرع في زيارة مفتوحة إلى المنطقة سعيا منه: «لبناء تحالف أوسع من الشركاء في مختلف أنحاء العالم لمواجهة الدولة الإسلامية وهزيمتها في نهاية المطاف». وفي ذات الوقت أعلنت الناطقة باسم الخارجية الأميركية، جنفير بساكي، إن: «أكثر من أربعين دولة ستشارك بشكل أو بآخر في هذا التحالف» .. وأن الهدف منه هو: « التنسيق في مواجهة التهديد الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية»[1]. أما « التنسيق»، بحسب دبلوماسي أميركي، فيعني « تعزيز التعاون العسكري بين دول المنطقة»، وبحسب المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش أرنست، عنى: « التعامل مع الخطر الذي يمثله تنظيم الدولة الإسلامية على المواطنين الأميركيين»[2]، وبحسب المتحدث باسم الخارجية الروسية، ألكسندر لوكاشيفيتش، فإن: « مثل هذه المبادرة ( دون موافقة الحكومة الشرعية (في سوريا)، وفي ظل غياب قرار من مجلس الأمن الدولي، ستشكل عملا عدائيا وانتهاكا فاضحا للقانون الدولي»[3].
وفي كلمته الإذاعية الأسبوعية في 20/9/2014 شدد الرئيس الأمريكي على أن: « هذه الحرب ليست حرب الولايات المتحدة فقط وإنما كل شعوب المنطقة ودول العالم». وهو ما يعني أن مفردة « الشركاء» ستظل الكلمة المفتاحية، وحجر الزاوية في الحروب الأمريكية الراهنة، على الأقل في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما. ولأن «حروب التكلفة» قد ولى عهدها، فإن الحروب القادمة للولايات المتحدة، وبموجب منطق «القيادة من الخلف»، ستكتفي من جهتها بالمستشارين العسكريين والاستخبارات والقوى الناعمة من ديبلوماسية ومراكز أبحاث وإعلام واتصال، في حين ستستعمل من الجهة الأخرى، وبشكل مباشر، القوى المسلحة من وكلاء أو أدوات تشمل كل من (1) الدول، و (2) والقوى المسماة بـ « المعتدلة»، و (3) المليشيات، و (4) المرتزقة، و (5) القوى الاجتماعية، كالعشائر والطوائف والأقليات والقوميات، و (6) قوى تقاطع المصالح، و (7) والقوى الدينية والأكاديمية، و (8) جيوش الإعلام والاتصال، وإذا لزم الأمر، في العالم الإسلامي على وجه التحديد، (9) إجمالي المسلمين ممن تتعامل معهم القوى الدولية، كـ « طائفة»، وتسميهم بـ « السنة»، وحتى « شعوب المنطقة» بحسب الرئيس الأمريكي. لذا؛ وبحسب صحيفة « نيويورك تايمز – 11/9/2014»، فقد كان أوباما، في خطاب الإستراتيجية «حريصا على عدم تشبيه التحالف الذي تعتزم إدارته تشكيله بذلك الذي قاده سلفه الرئيس جورج بوش لغزو العراق»[4].
بمعنى آخر فإن جهود الولايات المتحدة في حشد الشركاء ستتوجه، بشكل مباشر أو عبر تقاطع المصالح، لما يسمى بقوى « الإسلام الرسمي» ( النظم السياسية) أو «الإسلام الشعبي» ( العامة) أو «الإسلام الوسطي» ( الجماعات الإسلامية) أو « الإسلام الفِرَقي» ( التيارات والفرق) أو دعاة «الإسلام المستنير» أو شرائح «الإسلام الصنمي» … إلخ في مواجهة كافة الجماعات الجهادية حتى ذات النزعة المحلية منها وليس فقط « القاعدة» وجماعاتها أو « الدولة الإسلامية» وولاياتها. ولعل في تجربة الجزائر سنة 1992 ومصر سنة 2013، أمثلة صارخة على تفضيل النظام الدولي برمته لحكم العسكر على حكم الجماعات الإسلامية، ولو كانت سلمية القول والفعل، ماضيا وحاضرا ومستقبلا.
فيما يسمى بالخطة الأولى*، وهي دعم الدول بشكل مباشر، شرعت الولايات المتحدة، وقبيل ساعات من خطاب للرئيس أوباما يوضح فيه إستراتيجيته، تم الإعلان في 10/9/2014 (بالتوقيت الأمريكي) عن « مساعدات عسكرية فورية لحكومتي بغداد وكردستان العراق لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية». وجاء الإعلان عبر مذكرة وضعها البيت الأبيض على موقعه في شبكة الانترنت تفيد بأن «الرئيس أوباما وافق على تقديم 25 مليون دولار للمساعدة في التعليم والتدريب»[5]. وفي كلمة له في 17/9/2014، أمام حشد من جنود القيادة المركزية في ولاية فلوريدا، قال أوباما أنه: « لن يجرّ القوات الأميركية إلى حرب في العراق، وإن أكثر من أربعين دولة عرضت مساعدة التحالف ضد تنظيم الدولة»[6].
ومن جهته أكد وزير الخارجية الأمريكية، جون كيري، أن: «الإستراتيجية الأميركية لمواجهة تنظيم الدولة، لا تشمل إرسال قوات أميركية برية للقتال هناك وأن البديل هو دعم القوات المحلية التي تقاتل التنظيم»، مشيرا إلى أن « بلاده لا تريد من جميع الدول الاشتراك في العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة». وفي حديثه أمام« الكونغرس- 18/9/2014»، قال كيري: « إن الدول المشاركة في التحالف ضد تنظيم الدولة ستقوم بأدوار محددة»، وأنها « ستساهم في تمويل الحملة ضد تنظيم الدولة»[7]، وأشار أمام «مجلس الأمن – 20/2/2014»، إلى أن: «هناك دورا لكل دولة في العالم تقريبا لمحاربة تنظيم الدولة بما في ذلك إيران»[8]. ومن جانبهم تعهد المشاركون في مؤتمر الأمن والسلام في العراق، الذي عقد في باريس 15/9/2014 بمشاركة 29 دولة، بـ «الدعم العسكري المناسب» للعراق.
أما رئيسة اللجنة الفرعية للمخصصات المالية للعمليات الخارجية في مجلس النواب الأميركي، الجمهورية كاي غرانغر، فقد بعثت برسالة للرئيس الأمريكي في 20/2/2014، قالت فيها أنها: « ستفعل كل ما في وسعها، بما في ذلك تعطيل تشريع خاص بالإنفاق، لإرغام الإدارة الأميركية على تقديم طائرات مقاتلة وأسلحة وغيرها من المساعدات للحلفاء الذين يقاتلون تنظيم الدولة الإسلامية». وفيما أوضحت النائبة في رسالتها أن «مصر تحتاج طائرات F16 وأسلحة أخرى علقتها الإدارة الأميركية منذ 2013»، حثت من جهة أخرى الإدارة الأمريكية على « إعطاء الأولوية لتقديم أسلحة للأردن وتزويد الأكراد العراقيين بالعتاد والتدريب»[9].
وفي 23/2/2015كان وزير الدفاع الجديد، أشتون كارتر، في قاعدة « عريفجان» في الكويت للقاء قيادات الجيش الأمريكي، وتقييم الوضع العسكري، الذي ورثه عن سلفه تشاك هيغل.ومن هناك رحبباستعداد الكويت لاستضافة القوات الأميركية وقوات التحالف الدولي، التي تشارك في الحملة. وقبيل الاجتماع طمأن الكويت على أمنها، مشيرا إلى أن: «التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة يدفع تنظيم الدولة الإسلامية بفاعلية بعيدا عن الكويت وعن أماكن أخرى»، ومؤكدا في نفس الوقت أن:« تنظيم الدولة لا يشكل خطرا على العراق وسوريا فقط، إنه خطر على نطاق أوسع في المنطقة»[10].
حتى النظام النصيري في سوريا بدا في صلب التحالف الدولي، لولا الحرج الذي سيشكله الإعلان عن ذلك. ففي مؤتمر صحفي، في ختام قمة دول العشرين بأستراليا (16/11/2014)، كانت مشكلة الرئيس الأميركي، باراك أوباما بلسانه أن: « الوقوف إلى جانب (الأسد) ضد الدولة الإسلامية في العراق والشام سيضعف التحالف خاصة وأنه فقد شرعيته بالكامل في نظر الجزء الأكبر من بلده»، لكنه أوضح أن: « واشنطن أبلغت حكومة سوريا بألا تهدد الطائرات الحربية الأميركية التي تحلق في المجال الجوي السوري»[11]. أما الرئيس السوري فقال في مقابلة له مع محطة « BBC -10/2/2015» البريطانية أن: « أطرافا ثالثة تقوم أحيانا بنقل الرسائل العامة .. ليس هناك حوار، هناك معلومات .. من خلال أطراف ثالثة، هناك أكثر من طرف، هناك العراق وبلدان أخرى، تقوم أحيانا بنقل الرسائل العامة لكن ليس هناك شيء على المستوى التكتيكي»[12]. لكن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، جون كيربي، نفى ذلك في اليوم التالي قائلا: « لا نقوم بالتنسيق سواء بشكل مباشر أو غير مباشر»[13].
وفيما يتصل بالدور « الإسرائيلي» فقد نقلت « رويترز – 9/9/2014» أيضا عن دبلوماسي غربي (8/9) تأكيده مشاركة « إسرائيل» في التحالف المنتظر، مشيرا إلى أن: « المعلومات الإسرائيلية ستصل إلى شركاء الولايات المتحدة؛ وقد أزيلت عنها اللغة العبرية والعلامات الأخرى». وأن: « إسرائيل قدمت معلومات استخبارية وصورا التقطت عبر الأقمار الاصطناعية لدعم الحملة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق»، وأوضح الدبلوماسي الغربي أن: « أقمار التجسس الاصطناعية الإسرائيلية، التي تحلق فوق العراق بزوايا وترددات غير متاحة لنظيرتها الأميركية، قدمت صورا أتاحت لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) استكمال معلوماتها والحصول على تقييم أفضل للأضرار بعد ضربات على أهداف تابعة لتنظيم الدولة». كما: « قدمت إسرائيل معلومات، استقتها من قواعد بيانات سفر دولية، عن مواطنين غربيين يشتبه في انضمامهم للتنظيم، حيث من الممكن أن يتم تجنيدهم مستقبلا لتنفيذ هجمات في أوطانهم الأصلية». وأن: « الإسرائيليين على اطلاع جيد على قاعدة بيانات الركاب، وعلى تحليل مواقع التواصل الاجتماعي باللغة العربية للحصول على فكرة أفضل عن هؤلاء الأشخاص»[14]. ورغم رفض «إسرائيل» التعليق على هذه المعلومات، إلا أن وكالة « رويترز» نقلت عنوزير المالية « الإسرائيلي»، يائير لابيد، عضو الحكومة الأمنية المصغرة، قوله في مؤتمر استضافته كلية «IDC»: « إن إسرائيل يجب أن تبني تحالفا عقلانيا تكون فيه المخابرات الإسرائيلية جزءً من الجهود الإقليمية ضد تنظيم الدولة وحزب الله اللبناني والقاعدة»[15]. أما عبارة « تحالفا عقلانيا» فتعني وجوب الابتعاد عن الاستثمارات السياسية والمهرجانات الإعلامية وكل ما يؤدي إلى أضرار في العمل الأمني.
[1] « كيري يسعى لبناء تحالف ضد تنظيم الدولة»، 9/9/2014، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/k4cnO
[2] « واشنطن تعلن تحالف 40 دولة ضد “تنظيم الدولة”»، 9/9/2014، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/vqYE
[3] « سوريا تحذر من أي تدخل أجنبي بأراضيها»، 11/9/2014، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/mmjMI
[4] « قراءات في خطاب أوباما لمواجهة تنظيم الدولة»، 11/9/2014، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/W41v
* على أساس أن الخطة الثانية تشمل تدريب قوى محلية موالية للولايات المتحدة ومؤتمرة بأمرها.
[5] « أوباما يقر مساعدة عسكرية فورية للعراق»، 11/9/2014، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/Xrfcr
[6] « أوباما يتجه لنشر مستشارين بالعراق والعبادي يرفض قوات أجنبية»، 18/9/2014، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/fbRE
[7] نفس المرجع.
[8] « أوباما ينوي الدعوة لتحالف أوسع ضد تنظيم الدولة»، 20/9/2014، مرجع سابق.
[9] « نائبة جمهورية تدعو لتسليح مصر والأردن لقتال تنظيم الدولة»، 20/2/2015، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/2k97
[10] « وزير الدفاع الأميركي يرحب باستضافة الكويت قوات أميركية»، 23/2/2015، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/OIWy
[11] « أوباما يستبعد التحالف مع الأسد ضد تنظيم الدولة»، 16/11/2014، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/9q8Y
[12] « الأسد: نتلقى رسائل من التحالف عبر طرف ثالث»، 10/2/2015، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/wSPo
[13] « واشنطن تنفي التنسيق مع دمشق لمواجهة تنظيم الدولة»، 10/2/2015، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/PLvT
[14] « إسرائيل تشارك بمحاربة تنظيم الدولة استخباريا»، 9/9/2014، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/N79F
[15] نفس المرجع.
المصدر: رسالة بوست