مقالاتمقالات مختارة

الإيمان وأثره في الحياة العامة

الإيمان وأثره في الحياة العامة

بقلم نور الدين بالخير

إن الإيمان بوجود الله فطرة في النفس الإنسانية، وهو أمر ضروري يحصل للإنسان كثمرة من ثمرات مواهبه العقلية، لذلك فالإيمان من أعظم القضايا التي ينبغي أن نتفطن لها ونهتم بها ونتدارسها على ضوء مراجعتنا لأنفسنا ومجتمعاتنا وأحوالنا العامة والخاصة، فما هي أسس هذا الإيمان؟ وما هي آثاره في الحياة الاجتماعية؟

أولا: أسس الإيمان الصحيح

الإيمان يجب أن يكون خالصا قويا ثابتا، ولكي يكون خالصا وقويا يجب أن يبنى على أسس ثابتة، فالإيمان ليس مجرد إعلان الفرد بلسانه أنه مؤمن، فما أكثر المنافقين الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم. قال تعالى {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون} ، وليس أيضا مجرد قيام الإنسان بأعمال وشغائر اعتاد أن يقوم بها المؤمنون، فما أكثر الدجالين الذبن يتظاهرون بالصلاح وأعمال البر والإحسان وقلوبهم فارغة من الإيمان والإخلاص لله {إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا} ، كما أن الإيمان ليس مجرد معرفة ذهنية بحقائقه، فكم من قوم عرفوا حقائق الإيمان ولم يؤمنوا { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين} ، وحال الكبر أو الحسد أو حب الدنيا … بينهم وبين الإيمان بما عملوه من بعد ما تبين لهم الحق.

إن الإيمان في حقيقته عمل نفسي يبلغ أغوار النفس، ويحيط بجوانبها كلها، من إدراك وإرادة ووجدان، فلابد من إدراك ذهني تنكشف به حقائق الوجود على ما هي عليه في الواقع، وهذا الإدراك العقلي لابد وأن يبلغ حد الجزم الموقن، واليقين الجازم الذي لا يزلزله شك ولا شبهة، ولا بد أن يرافق هذه المعرفة الجازمة إذعان قلبي وانقياد إرادي، يتمثل في الخضوع والطاعة لحكم من آمن مع الرضا والتسليم. قال تعالى{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} ، وقوله جل وعلا {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم} ، ولا بد أن يتبع هذه المعرفة وهذا الإذعان حرارة وجدانية ولوعة قلبية، نبعث على العمل بمقتضيات العقيدة والالتزام بمبادئها الخلقية والسلوكية. قال سبحانه في وصف المؤمنين: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم} .

والقرآن الكريم يعرض دائما في أخلاق حية وأعمال ناصعة، يتميز بها المؤمنون من الكفرة والمنافقين: { قد أفلح المؤمنون الذين هم صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين…} .

فهذه العناصر والمقومات التي ذكرت في هذه الآية، هي التي تكون الإيمان الحق أو العقيدة الحقة، وإذا فقد بعض هذه العناصر فإن ما بقي منها لا يستحق أن يسمى “إيمانا” أو “عقيدة”، وقد تطرق القرآن لذلك عندما قال: {قالت الأعراب آمنا قل لم تومنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان إلى قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم} . نعم إن تلك العناصر والمقومات تكوّن الإيمان الحق، الذي يتجسد في خاتمة العقائد السماوية، عقيدة الإسلام كما بينها القرآن الكريم وهدي الرسول الكريم متمثلة في الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والنبيئين والكتب…وهي التي تحل لغز الوجود، وتفسر للإنسان سر الحياة والموت، وتجيب عن أسئلته الخالدة: من أين؟ وإلى أين؟ ولم؟ هذه العقيدة ليست من مستحدثات الإسلام، ولا مما ابتكره محمد صلى الله عليه وسلم، إنما هي العقيدة المصفاة، العقيدة والرسالة التي بعث بها الأنبياء جميعا، ونزلت بها كتب السماء قاطبة، قبل أن ينال من التحريف والتبديل، إنها الحقائق الخالدة التي لا تتطور ولا تتغير بنغير الزمان والمكان والإنسان،جاءت من الله ليتصل العالم الحاضر بالعالم الغائب، ما يبصره منه وما لا يبصره، وعن حقيقة هذه الحياة ودور الإنسان فيها وعاقبته بعدها، إنها الحقائق التي علّمها آدم لبنيه، وأعلنها نوح في قومه، ودعا إليها هود وصالح، عاد وثمود، ونادى بها إبراهيم وإسماعيل وإسحاق، وغيرهم من رسل الله، وأكدها موسى في توراته، وداود في زبوره، وعيسى في إنجيله، وختمها محمد صلوات ربي وسلامه عليه، فلا حقيقة لخرافة “الأديان السماوية” {إن الدين عند الله الإسلام}، كل ما فعله الإسلام هو أنه نقى هذه العقيدة من الشوائب الدخيلة، وصفاها من الأجسام الغريبة، التي أدخلتها جاهليات العصور بها، فكدرت صفاءها، وأفسدت توحيدها بالتثليث والشفاعات واتخاذ الأرباب من دون الله، وأفسدت تنزيهها بالتشبيه والتجسيم وشوهت نظرتها إلى الكون والحياة والإنسان وعلاقته بالله ووحيه وما جاء به من تعاليم .

ثانيا: الإيمان وأثره في سلوك الإنسان وحياته

الإيمان بالله هو عماد الحياة الروحية، ومنبع كل طمأنينة نفسية، ومصدر كل سعادة أبدية، ولا يتأتى هذا الإيمان من الاعتقاد بأن هنالك إلها يسيطر على هذا العالم فقط، ولكن بمعرفة قدسية الله وعظمته في نفس الإنسان، وظهور آثار هذا الإيمان في سلوك الإنسان وأعماله التي تصدر عنه.

فالإيمان بالله تعالى يزيح عن النفس كل أغلالها، ويكسر كل قيودها المادية، تترفع عن الشهوات، وتتعالى عن كل دنس، فينطلق الإنسان يسعى لنفسه ولأمته وللناس جميعا ضمن قوانين الحق العامة، وسنن الخير الشاملة.

فكل ما يختزنه الإنسان في نفسه من خير ونبل وتضحية وإيثار وأنكار للذات..وعطاء مستمد من إيمانه باله، هذا الإيمان الذي يجعله يوقف حياته لصالح الإنسان والإنسانية وسعادتها، فلا غرابة إذن وجدنا المولى جلت قدرته يضيف في العديد من الآيات إلى {الذين آمنوا} {وعملوا الصالحات}، إشارة منه سبحانه إلى أن الإيمان يجب أن يكون مقرونا بالعمل الصالح، فهو مظهره وثمرته. قال تعالى { إن الذين آمنوا وعملوا الصلحات أولئك هو خير البريئة} ، وقال أيضا { وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون} ، وقال أيضا {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا} .

فالإيمان هو الذي يهذب الحياة ويرقيها ويصل بها إلى المدنية الحق، ويبلغها ما تنشده من الخير والتقدم، وما تستهدفه من الحق والعدل، فينعم الفرد وتسعد الجماعة وتحيا الحياة الطيبة. قال تعالى {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون} . ومما لا شك فيه أن سلوك الإنسان وتصرفاته في الحياة مظهر من مظاهر عقيدته، فإذا صلحت العقيدة صلح السلوك واستقام، وإذا فسدت فسد واعوج، ومن ثم كانت عقيدة التوحيد والإيمان ضرورة لا يستعني عنها الإنسان ليستكمل شخصيته ويحقق إنسانيته ؛ لأن عقيدة الإسلام هي عقيدة الحرية، تحرر الإنسان من عبودية العباد إلى عبودية رب العباد، من عبادة الناس إلى عبادة رب الناس، لذلك قيل: الإنسان بحقوقه وحرياته.

ولقد كانت الدعوة إلى هذه العقيدة أول شيء قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسل الله وأنبياؤه قبله، ذلك أن رسوخ هذه العقيدة في النفس الإنسانية يسمو بها عن الماديات الوضعية، ويوجهها دائما وجهة الخير والنبل والنزاهة والشرف والتعفف والرضا…وهكذا.

يقول الدكتور محمد عبد الله دراز رحمه الله في كتابه “الدين” : “أجل، إن الإنسان يساق من باطنه لا من ظاهره. وليست قوانين الجماعات ولا سلطان الحكومات بكافيين وحدهما لإقامة مدنية فاضلة، تحترم فيها الحقوق وتؤدى الواجبات على وجهها الكامل، فإن الذي يؤدي واجبه رهبة من السوط أو السجن أو العقوبة المالية، لا يلبث أن يهمله متى اطمأنّ إلى أنه سينفلت من طائلة القانون، ومن الخطإ البين أن نظنّ أن في نشر العلوم والثقافات وحدها ضمانا للسلام والرخاء، وعوضا عن التربية والتهذيب الديني والخلقي، ذلك لأن العلم سلاح ذو حدين، يصلح للهدم والتدمير كما يصلح للبناء والتعمير.ولا بد في احسن استخدامه من رقيب أخلاقي يوجهه لخير الإنسانية وعمارة الأرض، لا إلى الشر والفساد، ذلكم الرقيب هو: العقيدة والإيمان” .

فالإيمان هو الذي زكى نفوس المؤمين الأولين وطهرها من الحسد والحقد والكبر والعجب والفسق والظلم والجور والقسوة والغلظة والأثرة والأنانية… وهو الذي أعلى هممهم فطلبوا معالي الأمور، ووطنوا أنفسهم على إمامة البشر، وقيادة الأمم وتحريرها من الخرافات والاستبداد، وتطهير الأرض من الكفر والفساد، هذا الإيمان هو الذي مكن لهم من الفتح والظفر، والعلم والمعرفة، وإقامة الحضارة التي شع نورها وعمّ خيرها مشارق الأرض ومغاربها.

يقول الدكتور يوسف القرضاوي:” الإيمان الحق هو الذي تشرق شمسه على جوانب النفس كلها، فتنفذ إليها أشعتها حاملة الضوء والحراة والحياة. أجل، تنفذ هذه العقيدة إلى العقل فتقنعه وتطمئنه، وإلى القلب فتهزه وتحركه، وإلى الإرادة فتدفعها وتوجهها، وإذا اقتنع العقل، وتحرك القلب، واتجهت الإرادة، استجابة الجوارح، واندفعت للعمل، استجابة الرعية للراعي المطاع” .

فالمؤمن يطيع ربه، يسجيب لأمره ويبتعد عن نهيه معتقدا أن في ذلك سعادة أولاده وأخراه، وخيره وخير البشرية جميعا، فهو عند حدود الله وقّاف، وهو لأمر ربه مسارع مطواع، مهما يكن في ذلك من خسران منفعة عاجلة، أو قهر لشهوة طاغية، أو مقاومة لعاطفة قوية، أو غريزة قاهرة، أو عادة غالية.

ثالثا: أثر الإيمان في نفسية الفرد

بعد أن تطرقنا لأثر الإيمان في سلوك الفرد وحياته، آن الأوان للتعريج على بعض ثمار دوحة الإيمان من خلال قراءة موجزة وسريعة لنفسية المؤمن، أو بعبارة أدق أثر الإيمان في نفسية المؤمن الذي يرضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.

* فمن ثمار دوحة الإيمان أن النفس المؤمنة رحيبة واسعة، فهي تعيش في نور يهديها سبيلها، ويكشف لها ما حولها. سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه} ، قال: ” إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح” ، فالقلب يتسع وينفسح وينشر بنور الإيمان واليقين، كما يضيق وينكمش بظلمة الإلحاد والشك والنفاق. {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يومنون} .

* الإنسان المؤمن لا تعتريه الأمراض النفسية التي تعصف بالمحرومين من الإيمان، كالشعور بالوحدة والقنوط والخوف، فيحس صاحبه أن الدنيا مقفلة عليه، وأنه يعيش فريدا منعزلا. فشعور المؤمن بمعية الله وصحبته دائما، واستحضار جلاله وجماله، يجعله في أنس دائم بربه، ونعيم موصول بقربه، يحس دائما بالنور يغمر قلبه، ولو انه في ظلمة الليل البهيم، ويشعر بالأنس يملأ عليه حياته وإن كان في وحشة من الخلطاء والمعاشرين . فالعامل الأول لسعادتنا النفسية هو ذلك الاتصال بالله، وأنه معنا على الدوام، وأننا لسنا وحيدين أمام كوارث هذه الحياة ومدلهماتها، فهو يؤيدنا بمعونته ورحمته .

* الإنسان المؤمن راض عن نفسه، لأنه يعلم انه ليس ذرة ضائعة، ولا كماً مهملا، ولا شيئا تافها، بل هو قبس من نور الله ونفحة من روح الله، وخليفة لله في أرضه، وراض عن ربه، لأنه آمن بكماله وجماله وجلاله، وأيقن بعدله ورحمته، واطمأن إلى علمه وحكمته، أحاط سبحانه بكل شيء علما، وأخصى كل شيء عددا، ووسع كل شيء رحمة وكرما، لم يخلق شيئا لهوا ولم يترك شيئا سدى، له الملك وله الحمد، نعمه عليه لا تعد، وفضله عليه لا يحد .

وهو راض أيضا عن الحياة والكون من حوله؛ لأنه يعتقد أن هذا الكون الفسيح من الله الذي أتقن كل شيء، كل ذرة في الأرض أو في السملء تدل على حكمة حكيم، وتقدير عزيز عليم، وتدبير ملك عظيم، ورعاية رب كريم رحيم. وهذا الرضا هو الذي أكسبه سكينة وطمأمنية وراحة، يثبت بها إذا اضطرب الناس، وبرضى بها إذا سخط الناس، ويوقن بها إذا شك الناس، ويصبر إذا جزع الناس، ويحلم إذا طاشوا. فهذه السكينة روح من الله ونور يسكن إليه الخائف ويطمئن ضذه القلق، ويتسلى به الحزين، ويستريح به التعب، ويقوى به الضعيف، ويهتدي به الحيران، هذه السكينة هي التي عمرت قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الهجرة، فلم يدمره هم ولا حزن، ولم يستبد به خوف ولا وجل، ولم يخالج صدره شك ولا قلق. {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن االه معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم} . هذه السكينة هي التي ملأت قلب رسول الله يوم فتح مكة بعد أن أحكم قبضته على من آذوه وطردوه ونكلوا به أشد التنكيل، فقال لهم: يا معشر قريش ما ترون أني فعل بكم؟ فقالوا: أخ كريم، وابن أخ كريم، فقال” لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحكم الراحمين… اذهبوا فأنتم الطلقاء….

* أما غير المؤمن فيعيش في الدنيا تخالجه هموم كثيرة، وتتنازعه غايات شتى، هذه تميل غلى اليمن، وتلك تحيد به إلى الشمال. فهو في صراع دائم داخل نفسه، وهو في حيرة بين غرائزه الكثيرة، أيهما يرضي؟ أغريزة البقاؤ أم غريزة النوع أو المقاتلة…الخ، وهو حائر مرة أخرى بين إرضاء غرائزه وبين إرضاء المجتمع الذي يحيا فيه، وهو حائر مرة ثالثة في إرضاء مكونات المجتمع، أي الأصتاف ترضيهم، ويسارع في هواهم، فإن رضا الناس غاية لا تدرك. فهو في حيرة كحيرة الشيخ والولد والحمار في القصة المشهورة.

ركب شيخ على حمار ومشى ولده خلفه، فلامة النساء الشيخ، وركب الولد الحمار ومشى الشيح وراءه، فلام الرجال الولد على فعله، فركبا معا، فتعرضا للوم من دعاة الرفق بالحيوان، فقرررا أن يمشيا معا والحمار أمامهما، فتعرضا لاستهزاء أولاد البلد، وعندها اقترح الولد أن يحمل الحمار ليستريحا من لوم اللائمين، فقال الشيخ يا بني: لو فعلنا لأتعبنا أنفسنا ولرمانا الناس بالجنون، حيث جعلنا المركوب راكبا، يا بني لا سبيل إلى إرضاء الناس.

أما المؤمن فقد استراح من هذا كله، فخصر الغايات كلها في غاية واحدة، عليها يحرص، وإليها يسعى: وهي رضوان الله تعالى، لا يبالي معه برضى الناس أو سخطهم. كما جعل همومه هما واحدا، هو سلوك الطريق الموصل إلى مرضاة الله تعالى، فهو يسأل الله في كل صلاة سبعة عشر مرة في اليوم أن يهديه ويوفقه لسلوك{اهدنا الصراط المستقيم}، وهو طريق واحد لا اعوجاج فيه ولا التواء {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} .

وبهذا الصراط المستقيم يكون المؤمن في أخلاقه وسلوكه مطمئنا غير مضطرب، ثابتا غير متقلب، موقننا غير متردد، مستقيما غير معوج، بسيطا غير معقد، لا يحيره تناقض الاتجاهات، ولا يعذبه تنازع الرغبات، ولا يحطم شخصيته الصراع الداخلي في نفسه، إذ تكون له مبادئ واضحة، ومعايير ثابتة، يرجع إليها في كل عمل وكل تصرف لتعطيه الإشارة، وحسبه كتاب الله هاديا ورسوله الكريم معلما ومرشدا، {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم} .

هذه بعض آثار الإيمان في نفسية المؤمن، فإيمانه هو سبيل سعادته الدنيوية ونجاته الأخروية، التي فجرها فأعطته أمنا وأملا ورضا وحبا.

يحكى أن زوجا غضب من زوجته، فقال لها متوعدا: لأشقينك، فقالت الزوجة في الزوجة في هدوء: لا تسطيع أن تشقيني، كما لا تملك أن تسعدني، فقال الزوج في حنق: وكيف لا أستطيع؟ قالت الزوجة في ثقة: لو كانت السعادة في راتب لقطعته عني، أو زينة من الحلي والحلل لحرمتني منها، ولكنها في شيء لا تملكه أنت ولا الناس أجمعون. فقال الزوج في دهشة: وما هو؟ فقالت الزوجة في يقين: إني أجد سعادتي في إيماني، وإيماني في قلبي، وقلبي لا سلطان لأحد عليه غير ربي.

—–

1 – سورة البقرة، الآية: 8 – 9.

2 – سورة النساء، الآية: 142.

3 – سورة النمل، الآية: 14.

4 – سورة النساء، الآية: 65.

5 – سورة الأحزاب، الآية: 36.

6 – سورة الأنفال، الآية: 2 إلى 4.

7 – سورة المؤمنون، الآيات الأولى.

8 – سورة الحجرات، الآية: 13.

9 – يوسف القرضاوي، الإيمان والحياة، ص: 24 – 25.

10 – سورة البينة، الآية: 7.

11 – سورة البقرة، الآية: 25.

12 – سورة الكهف، الآية: 30.

13 – سورة النحل، الآية: 97.

14 – راجع السيد سابق، كتاب إسلامنا، ص: 28 وما بعدها.

15 – راجع كتاب: الدين، للمرحوم محمد عبد الله دراز، ص: 47 وما بعدها.

16 – يوسف القرضاوي، الإيمان والحياة، ص: 22.

17 – سورة الزمر، الآية: 21.

18 – ضعفه الألباني رحمه الله في (السلسلة الضعيفة).

19 – سورة الأنعام، الآية: 12.

20 – يوسف القرضاوي، الإيمان والحياة، ص: 125.

21 – عفيف عبد الفتاح طبارة، روح الدين الإسلامي، ص: 174.

22 – يوسف القرضاوي، الإيمان والحياة، ص: 136 – 137.

23 – سورة التوبة، الآية: 40.

24 – سورة الأنعام، الآية: 153.

25 – سورة المائدة، الآية: 15 و 16.

(المصدر: رابطة العلماء السوريين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى