مقالاتمقالات مختارة

الإمام حسن البنا والبنوك الإسلامية

الإمام حسن البنا والبنوك الإسلامية

بقلم أشرف دوابة

شهد الثاني عشر من شهر شباط/ فبراير 1949م استشهاد الإمام حسن البنا، وقد كان هذا الرجل أمة وحده، فيرجع إليه الفضل في الصحوة الإسلامية المعاصرة والعودة بالإسلام من حيطان المساجد إلى ميادين الحياة، حيث كانت نظرته للإسلام نظرة شمولية وفي القلب منها الاقتصاد.

ففي العام 1939م نشر مقالا بعنوان: “أنواع الربا وأحكامه”، ذكر فيه علاجا فنيا للربا بناء على رؤية اقتصاديين؛ يتمثل في صورة مصرف لا ربوي قائم على المشاركة، فضلا عن القيام بالخدمات المصرفية الأخرى. وفي هذا يقول: “إن المهيمن على السوق الاقتصادية في نظامنا الحديث؛ المصارف المالية، وهي التي تعتمد أكثر ما تعتمد على الفوائد إيداعاً وإقراضاً، وفي وسع هذه المصارف أن توظف معظم ودائع العملاء في الأسهم، فتستفيد وتفيد، وتربح لنفسها ولعملائها وتقاسمهم هذا الربح، وتفيد السوق الاقتصادية فائدة جمة، وتستطيع المصارف أن تجد من أبواب الإيراد، وخدمة الاقتصاد ما لا يقع تحت حصر لتوظيف الأموال في التجارة والصناعة، والعمولة والوساطة في بيع المحاصيل، وبيع العملة الأجنبية، وصرف الشيكات، وتأجير الخزن، وحفظ الودائع وغيرها، وهذا من حيث إفادة نفسها وعملائها. ومن حيث الإقراض للمحتاجين للمال؛ ففي وسعها أن تتخذ لهذا الإقراض بصورة تجعله من صلب الشركة، أو من باب العوض، أو نحو ذلك، وبهذا تستغني تمام الاستغناء عن نظام الفائدة”.

وبذلك يعد الإمام حسن البنا من المفكرين الأوائل الذين لفتوا النظر لأهمية وجود بنوك إسلامية، وانتقل بها من كونها فكرة إلى التحليل الاقتصادي لها، بعد أن سيطرت البنوك التقليدية على بلاد المسلمين وأُنشئت خدمة للمستعمرين، وحتى مع جلائهم عن تلك البلاد ظلت تلك المصارف ربوية لحما ودما.

عمد المستعمر إلى نشر الثقافة المصرفية الغربية بكل الوسائل في الدول الإسلامية مع إظهار أهميتها الكبيرة وحتميتها للنشاط الاقتصادي، حتى ألقى في أذهان بعض أبناء هذه الأمة بأنه لا بنيان للاقتصاد إلا بالاعتماد على النمط التقليدي للمصارف

ولم يكن هذا الأمر من قبل المستعمر عفويا بل كان مخططا، حيث عمد المستعمر إلى نشر الثقافة المصرفية الغربية بكل الوسائل في الدول الإسلامية مع إظهار أهميتها الكبيرة وحتميتها للنشاط الاقتصادي، حتى ألقى في أذهان بعض أبناء هذه الأمة بأنه لا بنيان للاقتصاد إلا بالاعتماد على النمط التقليدي للمصارف، فلا اقتصاد بغير بنوك، ولا بنوك بغير فوائد على حد زعمهم. وقد ساعد على تعميق هذا الاتجاه بعض أبناء أمتنا الذين شربوا من ألبان الحضارة الغربية وانفطموا عليها، فأشربوا الاقتناع بهذه النظم، وبأنه لا يمكن الاستغناء عنها، فلما عادوا إلى بلادهم تبنوا هذه المعتقدات. ولعل السبب الحقيقي لمسلك هؤلاء يتمثل في ما عبر عنه المفكر الإسلامي ابن خلدون في مقدمته في عبارة بليغة، حيث يقول: “إن المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده”.

وإذا كان الإمام حسن البنا استشهد تاركا الحياة الدنيا، فإن تلاميذه ومحبيه حملوا الأمانة وبلغوا الرسالة من بعده وكان لهم الفضل في مواجهة هذا الفكر التغريبي وتحويل الفكرة إلى واقع عملي، وفي مقدمة هؤلاء الدكتور عيسى عبده إبراهيم والدكتور محمود أبو السعود والدكتور محمد عبد الله العربي، والدكتور أحمد عبد العزيز النجار الذي برز دوره في إنشاء بنوك الادخار المحلية بمدينة ميت غمر المصرية عام 1963م وتم القضاء عليها في العام 1967م لأسباب سياسية.

ورغم ذلك لم يستسلم تلاميذ حسن البنا، فكانت عزيمتهم لإنشاء بنوك إسلامية قائمة بدعم من المفكرين ورجال الأعمال الذين حملوا فكر البنا، وأخذوا خطوات عملية من خلال تشكيل لجنة تحضيرية لدراسة مشروع بنك إسلامي بالكويت في العام 1968م. وتكونت تلك اللجنة من السادة: عبد الله المطوع، وجمال الدين عطية، وهمام الهاشمي، ونزار السراج، وإسماعيل رأفت، ومحب المحجري، ومحيي الدين عطية، وعبد الله العقيل، وعبد الواحد أمان، وتم تعيين رائد البنوك الإسلامية فيما بعد الدكتور عيسى عبده مقررا لها. ودعت اللجنة الشيخ إرشاد صاحب أول تجربة لمصرف تعاوني إسلامي لا ربوي في باكستان، لزيارة الكويت ولقاء اللجنة للوقوف على تجربته وما واجهته من معوقات.

لم يستسلم تلاميذ حسن البنا، فكانت عزيمتهم لإنشاء بنوك إسلامية قائمة بدعم من المفكرين ورجال الأعمال الذين حملوا فكر البنا، وأخذوا خطوات عملية من خلال تشكيل لجنة تحضيرية لدراسة مشروع بنك إسلامي بالكويت في العام 1968م

ويرجع الفضل لهذه اللجنة في وضع لائحة بيت التمويل الكويتي ومذكرة التعريف به كشركة مساهمة كويتية تحت التأسيس، وكان الدكتور عيسى عبده دائم التواصل لتحويل هذا المشروع إلى واقع من خلال لقاءاته المستمرة مع أعضاء اللجنة وغيرهم من أمثال السادة: عبد العزيز الصقر، ويوسف الرفاعي. وعبد العزيز المطوع، وعبد العزيز العتيبي، وأحمد بزيع الياسين، ويعقوب الغنيم، ود. وحيد رأفت، ود. محمود الشافعي، ود. عثمان خليل، ود. عبد الرحمن عبد الخالق، ومحمد الأشقر، وعمر الأشقر وعبد الستار أبو غدة وغيرهم.

ومع هذا الجهد والسبق للكويت لكن للأسف لم يكتب ميلاد أول مصرف إسلامي عالميا فيها، وذلك بسبب ما تعرض له المشروع من رفض حيث كانت النظرة الرسمية والمصرفية الكويتية – في ذلك الوقت – ترى استحالة قيام مصرف على أساس غير ربوي، وهو ما أدى إلى انتقال المشروع إلى دولة الإمارات العربية المتحدة على يد رجل الأعمال الحاج سعيد لوتاه وهو من تلاميذ البنا، وقد استعان بالدكتور عيسى عبده وانتدبه من عمله بالمملكة العربية السعودية ليكون مستشارا لتأسيس بنك دبي الإسلامي، واستغرق التحضير والتأسيس طوال عام 1974م، وتم افتتاح البنك رسميا عام 1975م، ليكون أول بنك تجاري إسلامي قطاع خاص في العالم. ثم ما لبث أن قام وزير المالية الكويتي – حينئذ – عبد الرحمن سالم العتيقي بالاتصال بالدكتور عيسى عبده مبينا حرصه على إقامة مشروع بيت التمويل الكويتي وأرسل إليه مندوبا لاستلام ملف الدراسات الخاصة بالمشروع، وبعدها تم تأسيس بيت التمويل الكويتي في العام 1977م.

كما كان الفضل لتلاميذ الإمام حسن البنا وفي مقدمتهم الدكتور توفيق الشاوي في تأسيس البنك الإسلامي للتنمية، حيث وقع وزراء مالية الدول الإسلامية على اتفاقية تأسيسه بجدة عام 1974م، وتم افتتاحه بصفة رسمية عام 1975م، كمؤسسة مالية دولية (بنك حكومات لا أفراد) تهدف إلى دعم التنمية الاقتصادية في الدول والمجتمعات الإسلامية.

إن الحق والعدل يتطلب وضع الأمور في نصابها وذكر الفضل لأهل الفضل، فإذا ما دخلت مصرفا إسلاميا رفع عنك الحرج ووفر لك الحلال بعيدا عن الحرام فاعترف بالفضل للإمام حسن البنا وتلاميذه، فإن الاعتراف بالحق فضيلة ولا تمنعك خصومة مفتعلة بفعل إعلام زائف وناعق كاذب وعربي متصهين أن تقف موقفا يفتقد للعدالة، فلن ينفعك يوم الموقف العظيم سوى عدلك “يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ” (المائدة: 8).

رحم الله الإمام حسن البنا وتلاميذه الذين أسسوا صرح البنوك الإسلامية لإنقاذ الأمة من ويلات الربا وجريمته التي لم يعلن الله تعالى الحرب في كتابه الكريم إلا عليها.

(المصدر: عربي21)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى