مقالاتمقالات مختارة

الإمام الطيب والسيسي.. خلاف ديني أم سياسي؟

الإمام الطيب والسيسي.. خلاف ديني أم سياسي؟

بقلم نصير سيد نصير

أنت تعلم أن السياسة تختطف الدين اختطافا ً أنا لا أريد أن أحور ولكن أرجوكم ابحثوا عن مشكلة غير التراث

كان المخاطب بهذه الكلمات محمد الخشت رئيس جامعة القاهرة، لكنه لم يكن المقصود ومشكلة التراث نفسها لم تكن إلا غطاء لمشاكل أكبر بين سلطتين سياسية ودينية، تريد الأولى إخضاع الثانية في صراع مكتوم يبز حينا ً ويخفت أحيانا.. فماذا تعرف عن صراع المشيخة والرئاسة؟!

من بين الحاضرين في مشهد انقلاب الثالث من يوليو عام 2013م برز شخصان الأول شيخ الأزهر أحمد الطيب والثاني بابا الأقباط بمصر تواضروس الثاني، في سعي من السيسي لإضافة بعد روحي إلى انقلابه العسكري، لكن الشقاق بين السيسي والطيب بدأت ملامحه مبكرا، دون صدام مباشر بينهما، شيخ الأزهر الذي تربى سياسيا في الحزب الوطني، لم يرض لسلطته أن تكون رهن قرار الضابط القافز على السلطة حديثا، فكان بيانه بعد يومين فقط من المشهد الذي بدا فيه إلى جانب السيسي.

بيان (6 يوليو 2013م)

دعا فيه للإفراج عن جميع معتقلي الرأي والناشطين السياسيين والقيادات الحزبية غير المطلوبة في قضايا جنائية وتعويض أسر الشهداء، ومصالحة وطنية حقيقية بين الأطياف السياسية والفكرية، والتزام وسائل الإعلام بميثاق شرف إعلامي والتوقف عن صنع الكراهية والتحريض، كما أدان غلق القنوات الدينية وإن اختلف معها في خطابها، وكذلك عبر عن “ألمه البالغ” من مطاردة الملتحين والمنتقبات، كما أكد على أنه لا محل لأية إجراءات استثنائية في مصر وأن الجيش رسالته السامية هي حماية الحدود فللسياسة رجالها كما للحرب رجالها، والتأكيد كذلك على حق كل الأحزاب السياسية بما فيها حزب الحرية والعدالة في المشاركة السياسية والسلطة مسؤولة عن حمايتهم جميعا، كما دعا لتشكيل لجنة لمراجعة مواد الدستور التي يُتفق على تغييرها أو تعديلها.

بيان (8 يوليو 2013م)

أدان فيه ما جرى أمام دار الحرس الجمهوري، ودعا لفتح تحقيق عاجل لكل الدماء التي سالت، وتشكيل لجنة مصالحة وطنية خلال يومين على الأكثر حفاظا على الدماء، وإعطائها صلاحيات كاملة لتحقيق المصالحة التي لا تقصي أحدا، وكذلك دعا للإعلان العاجل عن مدة الفترة الانتقالية، وتجنب الإعلام لكل ما من شأنه أن يثير الاحتقان أو يؤججه، وأخيرا الإفراج عن المعتقلين وعدم الملاحقة السياسية لأي منهم.

بيان (20 يوليو 2013م)

أدان فيه الهجوم على المتظاهرين السلميين في المنصورة وقتل النساء مما يتنافى مع كل مبادئ الدين والمروءة.

بيان (23 يوليو 2013م)

دعا فيه مرة أخرى للمصالحة الوطنية.

   

  

بيان (25 يوليو 2013م)

دعا المصريين جميعا للتعبير عن إرادتهم يوم الجمعة.

(26 يوليو 2013م)

 يوم التفويض الذي يوصف بأنه بداية تأسيس الحكم الحالي ورأيهم بصورة سلمية تامة.

بيان (26 يوليو 2013م)

أكد فيه أن بيانات الأزهر موجهة للمصريين كافة، في كل ميادين مصر بما فيها ميدان رابعة العدوية، وليس من الأمانة قيام البعض بتوجيه بياناته واستغلالها سياسيا.

بيان (27 يوليو 2013م)

أدان فيه أحداث المنصة وإنزال العقوبة الفورية بالمجرمين المسؤولين عنها أيا كانت انتماءاتهم أو مواقعهم، ومرة أخرى دعا للمصالحة.

بيان (2 أغسطس 2013م)

دعا فيه لرفض العنف والتحريض، مع التأكيد على مسؤولية الدولة وكل الأطراف السياسية في وجوب الحيلولة دون وقوع العنف بأي ثمن.

بيان (7 أغسطس 2013م – عيد الفطر)

هنأ الشعب المصري ودعا مرة أخرى للمصالحة.

بيان (14 أغسطس 2013م)

أدان فيه عملية الفض اعتصامي رابعة والنهضة وأنه لم يكن يعلم بإجراءات فض الاعتصام، مطالبا بالكف عن محاولات إقحامه في الصراع السياسي.

بيان (17 أغسطس 2013م)

صُدر بالعزاء لأسر الشهداء ومواساة الضحايا، ثم وجه رسائل متعددة للمصريين وقوات الأمن والإخوان والأقباط والأصدقاء في العالم الخارجي، ولحقه بيان آخر ينفي فيه محاصرة منزل شيخ الأزهر من قبل الإخوان، ولحقه بيان ثالث بتكليف شيخ الأزهر لمدير الوعظ وبعض العلماء لحل أزمة مسجد الفتح.

وهكذا سقط شيخ الأزهر في اختبار الولاء.. ليبدي طرفا النزاع لبعضمها ما لا يبدو حقيقيا.

محطات الصدام

على عكس سياسته الصفرية في معاركه لم يختر السيسي ساحة صراع مباشرة مع الأزهر، فاتخذ من وزارة الأوقاف ذراعا له في معارك يعطي فيها صافرة البدء بإطلاق دعوات عامة لتجديد الخطاب الديني، ففي حين ترى الأوقاف في قرار توحيد خطبة الجمعة تجديدا ً للخطاب يرى فيه الأزهر تجميدا ً له، في هذه المعركة خسر الشيخ لكنه لم يستسلم بسهولة.

في معركة جديدة بدأها السيسي وانتصر فيها الطيب (قضية الطلاق) مستنداً إلى هيئة كبار العلماء رد فضيلة الإمام بالرفض القاطع هذه المرة، لكن السيسي لم يستسلم وبدأ في حصار الأزهر إعلاميا، وأمر بتأسيس مجلس أعلى لمكافحة الإرهاب ردا غلى مزاعم بفشل الأزهر في القيام بالمهمة، بل وتسبب مناهجه في تكوين العقلية الإرهابية.

لم يختر الطيب الاعتكاف هذه المرة، وأبدى امتعاضه في مؤتمر دولي نظمه الأزهر بمصر، ربما كان فيه رسالة أرد الرجل إيصالها، بأن الأزهر ليس مقصوف الجناح، وقال في خلال كلمته في المؤتمر: “حتى أصبح من المعتاد إدانة الأزهر وإدانة مناهجه عقب أيه حادثة من حوادث الإرهاب في سعي بائس فاشل لمحاولة خلخلة رصيده في قلوب المسلمين وحتى صرنا نعرف توقيت هذا الهجوم بعد أن رصدناه بدقة”.

   

الأزهر والقضية الفلسطينية

كان شيخ الأزهر قد عبّر عن تأييده لانتفاضة فلسطينية جديدة بعدما اعترف الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني. كما رفض الإمام الطيب طلب مايك بنس نائب الرئيس الأميركي مقابلته عندما زار مصر بعد القرار وقال إنه “لن يجلس مع من يزيّفون التاريخ ويسلبون حقوق الشعوب ويعتدون على مقدساتهم”.

ودعى الأزهر الشريف إلى “مؤتمر الأزهر العالمي لنصرة القدس” يأتي في إطار سلسلة القرارات التي اتخذها شيخ الأزهر “للرد على قرار نقل السفارة الأميركية إلى مدينة القدس المحتلة وزعم أنها عاصمة للكيان الصهيوني المحتل” تحت شعار “الأزهر لنصرة القدس” وفي المؤتمر ألقى الإمام الأكبر أحمد الطيب، بيان الأزهر العالمي لنصرة القدس، في الجلسة الختامية لمؤتمر الأزهر العالي لنصرة القدس، حيث أكد الإمام الأكبر، أن القدس هي العاصمة الأبدية لدولة فلسطين، والتي يجب العمل الجاد على إعلانها رسميًّا والاعتراف الدولي بها، وأوضح أن عروبة القدس أمر لا يقبل العبث أو التغيير وهي ثابتة تاريخيًّا منذ آلاف السنين، مؤكدًا الرفض القاطع لقرارات الإدارة الأمريكية الأخيرة والتى لا تعدو أن تكون حبرًا على ورق.

ونص البنان على:

– القدس هي العاصمة الأبدية لدولة فلسطين المستقلة ويجب العمل الجاد على الاعتراف الدولي بها.

– عروبة القدس أمر لا يقبل العبث أو التغيير.

– الرفض القاطع لقرارات الإدارة الأمريكية الأخيرة والتى لا تعدو أن تكون حبرًا على ورق.

– يعتز المؤتمر بالهبَّة القوية التي قامت بها الشعوب العربيَّة والإسلامية وأحرار العالم.

– يعتمد المؤتمر اقتراح الأزهر أن يكون عام 2018م عامًا للقدس الشريف.

– يدعم المؤتمر مبادرة الأزهر بتصميم مقرر دراسي عن القدس الشريف يُدرَّس في المعاهد الأزهرية وجامعة الأزهر.

– يحث المؤتمر كل الهيئات والمنظمات العالمية ويدعوها إلى الحفاظ على الوضع القانوني لمدينة القدس والتأكيد على هُويتها.

سياسية تقليم الأظافر

كاد الطيب أن يتلقى ضربة قاضية في التعديلات الدستورية الأخيرة عام 2019م، لكن وساطة إماراتية أنقذته من مادة دستورية تعيد المنصب إلى ما كان عليه قبل 2012م يعين شيخ الأزهر رئيس الجمهورية ويزيد عليه عزله أيضا، لم يتنظر السيسي هذه اللحظة للبدء في سياسة تقليم أظافر الإمام، لأجال الطيب الأقوياء يتعرضون لهجمة شرسة في الإعلام، ويواجهون اتهامات بالانتماء للإخوان، وينفضون من حوله بأمر من السيسي.

في سبتمبر 2018م رفض السيسي التجديد للشيخ عباس شومان كوكيل للأزهر، فآوى الطيب رجله، وعينه أمينا ً عاما ً لهيئة علماء الأزهر، لكنه استقال بعد شهر واحد تحت الضغوط، في يناير 2019م رفص التجديد للرجل القوي في المشيخة محمد عبد السلام المستشار القانوني لشيخ الأزهر، والذي يمسك بأهم الملفات داخل مؤسسة الأزهر، ويوكله الإمام إدارة معارك قانونية وإعلامية كبيرة، رجال الطيب الذين تتسق رؤيتهم مع رؤيته في عدم إقحام الأزهر مباشرة في معارك السياسة يطردون من حول واحدا ً تلو الآخر، ويترك الإمام وحيدا ً في معركته مع الضابط.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى