الإلحاد والشك الراديكالي: النقد المعرفي عند ابن تيمية
- نذير خان
- ترجمة: محمد فاضل بلمومن
- تحرير: بلال الخصاونة
مقدمة:[1]
الابستمولوجيا هو النظام الأكاديمي الذي يُعالج السؤال التالي: “كيف يتأتى لي أن أعرف بأن الذي عرفُتُه صحيح؟” بمعنى آخر؛ هو العلم الذي يدرس الكيفية التي تنشأ بها المعرفة، وما الذي يجعل المعتقدات مُبرهنة، وما الذي يتشكّل منه الدليل، وما إلى ذلك. غالبًا ما تكون الجدالات السطحية في الواقع ممثِّلةً لقضايا معرفية أعمق. هذا هو الحال بالتأكيد مع النقاشات حول وجود الله. قبل الإجابة على من يقول لك: “أثبت لي أن الله موجود”، يجب على المرء أولاً أن يفحص ما الذي يجعل من الدليلِ دليلاً، وما الذي يجب إثباته، وما إذا كان الشخص الذي يطلب الدليل يملك الحد الأدنى من المعرفة التي تمكّنه من الانطلاق. يستخرج هذا المقال ويحلل الخيط المعرفي المشترك الذي يمر عبر ثلاث نقاشات متباينة على ما يبدو: مشاكل التشكيك الفلسفي في الفترتين الهيلينية والهيلينستية في اليونان القديمة،[2] نقد السفسطة من حيث صلتها بالأدلة الفلسفية على وجود الله في كتابات عالم الدين المسلم ابن تيمية (توفي عام 728هـ/1328م)، ومجال الخلاف المعرفي الأساسي في النقاشات المعاصرة بين المؤمنين والملحدين.
العيش في ما وُصف بأنه حقبة الشك أو “عصر الملحدين”،[3] حيث الناس أكثر تشكّكًا تجاه الدّين وينظرون إلى الإيمان بسخرية على أنه “إيمان بدون دليل” أو معتقدات تفتقر إلى البرهنة. ومع ذلك، يتم مواجهة التبرير النهائي للإيمان من خلال مغزى رسالته وليس من خلال السعي وراء الجدل الفلسفي. الفكرة الأساسية في صميم هذا المقال هي ما يلي: الدليل الفلسفي ليس ضروريًا للإيمان بالله، ولا لبرهنة إيمان المرء.[4] هذا لا يعني أنه لا ينبغي إقناع الناس بأي نوعٍ من أنواع التفسير أو الاستدلال، بل فقط أن الحجاج المقدّم يجب أن يركز في المقام الأول على رسالة الإسلام المركزية فيما يتعلق بالغاية والمعنى من الحياة بدلاً من الحجج الكونية أو الغائية أو الأنطولوجية. يمكن للناس أن يشككوا في كل أنواع الأشياء؛ مثلما لا يحتاج الشخص إلى دليل فلسفي لإنقاذه من فكرة أن “العالم المادي غير موجود” أو أن “القيم الأخلاقية غير موجودة”، فهو لا يحتاج إلى دليل فلسفي للهروب من الإلحاد. إذن، هناك مغالطة في التفكير في أنه يجب علينا بالضرورة الشك والمطالبة بإثبات شيءٍ ما قبل أن يمكن إثباته على أنه حقيقة واقعة -وهي مغالطة يمكن للمرء أن يطلق عليها “مغالطة بيرون” نسبة للشك الراديكالي للفيلسوف اليوناني القديم بيرون(ت 270 قبل الميلاد)، والذي ستتم مناقشته بالتفصيل في هذه المقالة لاحقاً.
كان استخدام البراهين الفلسفية لإثبات مذاهب الإيمان أمرًا شائعًا في علم الكلام[5]، وأصبح سمة مركزية للخطاب[6]. ومع ذلك، أوضح اللاهوتي الأشعري البارز أبو حامد الغزالي (ت 505 هـ) أن ذلك لم يكن وسيلةً لحفظِ اليقين لكثير من الناس لأن هذا لم يكن هدفَه الأصلي. بدلاً من ذلك، ووفقاً لكلامه كان المقصود من علم الكلام هو أن يكون خطابًا للدفاع العقلاني عن العقيدة التي أظهرت التناقضات المنطقية للجماعات المخالفة للاعتقاد القويم[7]. يصف الغزالي في سيرته الذاتية الروحية “المنقذ من الضلال”، كيف تغلّب على صراعه مع الشك البيروني من خلال التجارب الروحية والاستنارة الإيمانية بدلاً من الجدل الفلسفي[8].
كانت المعارضة الفكرية الأكثر ضخامةً وصخبًا لاستخدام الجدل الفلسفي في تأسيس العقيدة الدينية تتجلى في كتابات شيخ الإسلام ابن تيمية. كما لاحظ العديد من الأكاديميين، تُظهر كتابات ابن تيمية أنه لم يكن مجرد نصّي/أثري ساذج معادٍ للعقلانية والتفكير المنطقي، بل هو عقلاني تحليلي له منهجية عميقة، وعلى دراية وثيقة بالتيارات الفلسفية الواسعة التي استند إليها خصومه[9]. دافع عن نظرية المعرفة المتماسكة منطقيًا والتي تعطي النصوص الدينية تبجيلها الواجب بدلاً من الاعتقاد أنها خاضِعةٌ للأيديولوجيات التي هي من إنتاج الإنسان غير المعصوم.[10] ربما كانت أهم مساهمة لابن تيمية هي إعادة تركيز الجدل حول رد النصوص الدينية إلى جذورها المعرفية التفسيرية، أي نقد الافتراض القائل بأن المذاهب اللاهوتية يجب أن تُدعم بالحجج الفلسفية لكي تُعتبر صحيحة.
وفقًا لنظرية المعرفة القرآنية التي بناها ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية (ت 751هـ)، فإن إيمان الشخص بالله له ما يبرره ويؤسسه بشكل هادف دون الحاجة إلى جدال استنباطي/قياسي منطقي[11]. وعوضاً عن ذلك، يتم تبريرها على أنها النظرة الوحيدة ذات المعنى التي تَظهر بشكل طبيعي من فطرة الشخص (التصرف الفطري) – تمامًا مثل الإيمان بوجود الخير والشر، والسببية، والأعداد، والحقيقة، والوجود نفسه، وما إلى ذلك[12]. إن إنكار الركيزة الأساسية في فطرة المرء يترك الشخص بدون نظام متماسك لتفسير الوجود بطريقةٍ ذات مغزى، وإذا تم دفع معتقداته إلى نهايتها المنطقية، فإن معتقدات المرء تذوب في شك لا نهاية له كما هو الحال في السفسطة -وهو مصطلح يُستخدم في المفهوم الإسلامي للإشارة إلى الشك الراديكالي (البيروني)- سيتم تفكيك هذه المصطلحات واستكشافها بشكل أكبر خلال هذا المقال.
هناك ثلاثة أعمال لابن تيمية ذات أهمية خاصة في الكشف عن آرائه حول البرهان الفلسفي: العمل الضخم المكوّن من عشرة مجلدات بعنوان “درء تعارض العقل والنقل“، وعمله حول نظرية المعرفة الأرسطية بعنوان “الرد على المنطقيين“، وعمله الآخر بعنوان “نقض المنطق“.[13] على مدار النقد المعرفي المستمر، يتتبّع ابن تيمية منهجية المحاججة التي استخدمها محاوروه في فلسفة تميل إلى التشكيك والشك الراديكاليَيْن، من أجل دفع المنهجية الأثرية في الاستدلال[14]. يجادل بأن أولئك الذين سلكوا طريق الجدل الفلسفي للوصول إلى اليقين كانوا في الغالب هم الأكثر وُلوغاً في غياهب الشك والارتباك والحيرة، وفي كثير من الحالات، انتهى بهم الأمر إلى الاعتراف بتجميد حججهم[15].
الشاكّ يُطالب بالحجة
من أجل بيان قيمة الشك (إيجابا أو سلبًا) في نظرية المعرفة، يمكن للمرء أن يتخيّل مناظرةً افتراضية مع أحد المتدينين[16]. قد يجادل أحدُ المؤمنين بأن العالم من حوله ليس حقيقيًا وإنما هو مجرد وهم يتم استحضاره داخل الذهن. لذلك، وبدلاً من قول “برهن لي أن الله موجود”، يطلب منك المؤمن “أثبت لي بأنك أنتَ موجود”. ومما لا شك فيه أنه لن يكون هناك أيّ دليل فلسفي كافٍ لإقناع المتشدد بالتخلي عن وجهة نظره هذه. إذا كان على المرء أن يجادل بناءً على الأحاسيس الجسدية للعالم الخارجي، فسيشير المتعصب إلى أن هذه الأحاسيس يمكن استحضارها في العقل. كما توضح ذلك التجربة الفكرية المشهورة “الدماغ في وعاء”* أو brain-in-a-vat، لا يوجد أي دليل على أن دماغك غير قابعٍ وسط وعاء متصل بأسلاك تُغذّيه بالتحفيز الفيزيائي الكيميائي الدقيق لخلق تجربة حية تمامًا للعيش في عالم أشبه ما يكون بالـ”حقيقي”.[17] أظهرت الثقافة الشعبية شكوك “الذاتويّة”** بطرق مختلفة، سواء في الفكرة القائلة بأن الحياة الواقعية قد لا يمكن تمييزها عن الحلم (كما في فيلم Inception عام 2010)، فكرة أن ذكريات الناس ربما استبدلت بذكريات كاذبة حول حقيقة من هم (كما في فيلم Total Recall عام 2012)، أو الفكرة القائلة بأن البشر يعيشون داخل محاكاة حاسوبية لهذا العالم (كما في فيلم The Matrix عام 1999). في كل حالة من هذه الحالات، سيكون من المستحيل الإثبات -إما بالحجة الاستنتاجية المنطقية أو بالأدلة التجريبية- أن الواقع الخارجي هو حقاً كما يُدركه المرء أو يتذكّره. جادل الفيلسوف السويدي نيك بوستروم بأنه نظرًا لإمكانية وجود حضارة ناضجة تقنيًا لإنشاء مليارات من المحاكاة الحاسوبية للعقول الأخرى، والنتيجة ستكون؛ الندرة النسبية للعقول غير المحاكاة مقارنةً بالعقول المحاكاة، فمن المحتمل جدًا أنك تعيش في محاكاة حاسوبية تم إنشاؤها بواسطة حضارة متقدمة تكنولوجياً بدلاً من العيش ككائن مادي في الطبيعة.[18] تم الترويج لوجهة نظر مماثلة من قبل رجل الأعمال الملياردير إيلون ماسك[19].
الذاتوية لا يمكن دحضها من الناحية الفلسفية، لكن هل تستحق فعلاً الالتفات الجادّ إليها من طرف الشخص العادي، ناهيك عن الاستجابة الفكرية؟ لا يأخذ معظم الناس على محمل الجد تلك الشكوك التي تُقوّض الأسس المعرفية لأجل فهمٍ حقيقي للواقع. مثلما يمكن الشك في الدرجة التي يمكن أن يتوافق فيها تفكيرنا المنطقي أو تصوراتنا مع الواقع، يمكن أن يكون هناك عدد لا حصر له من الشكوك التي تطرأ على العقل البشري فيما يتعلق حتى بالبنى الأكثر موضوعية القائمة على أُسس راسخة في نظرية المعرفة. يكتب ابن تيمية:
“بل إذا كانت الأمور المشاهدة الحسية، وما يبنى عليها من العلوم العقلية، قد وقع فيها شبهات كثيرة عقلية تعارض ما عُلم بالحسِّ أو العقل، وكثير من هذه الشُّبه السوفسطائية يَعسُر على كثير من الناس – أو أكثرهم – حلها، وبيان وجه فسادها، وإنما يعتصمون في ردّها بأن هذا قدحٌ فيما عُلم بالحس أو الضرورة فلا يستحق الجواب، فيكون جوابهم عنها أنها معارضة للأمر المعلوم الذي لا ريب فيه، فيُعلم أنها باطلة من حيث الجملة، وإن لم يذكر بطلانها على وجه التفصيل.
ولو قال قائل: هذه الأمور المعلومة لا تثبت إلا بالجواب عما يعارضها من الحجج السوفسطائية، لم يثبت لأحد علمٌ بشيءٍ من الأشياء، إذ لا نهاية لما يقوم بنفوس بعض الناس من الحجج السوفسطائية.”[20].
ويواصل ليشرح أنّ يقين المؤمن في حقيقة ما نقله رسول الله المعصوم، بشكل عام، هو في الواقع أكبر من يقينه في أي معلومة فردية تنقلها ملكاته التجريبية الحسّية أو العقلانية غير المعصومة [21]. يمكن فهم هذا بسهولة عندما يُدرك المرء أن جميع التصوّرات -ذات المغزى- للواقع مضمونة في نهاية المطاف وترتكز على الأساس الوجودي الذي تُوفّره النظرة الإسلامية للعالم.
الشك وراء الانغماس
يمارس المتشدّدون شكلاً من أشكال الشك الراديكالي، مما يُثير الشك فيما يتعلق بوجود الواقع المادي، في حين أن الغالبية العظمى من الناس راضون تمامًا عن حقيقة أن العالم من حولهم حقيقي دون أي حاجة إلى إثبات. ولكن في الواقع، لا يوجد نقص في الأمور التي يمكن أن تتعرض للشك والريبة وعدم الثقة. يمكن لأي شخص أن يشك في أحداث التاريخ مثل وجود الديناصورات أو الهبوط على سطح القمر، أو يشك في المعرفة التجريبية (مثل مُنظّري الأرض المسطّحة)، أو يشك في صحة الأحداث المعاصرة ويؤمن بنظريات المؤامرة (مثل أولئك الذين يؤكدون أن العالم يسيطر عليه “شعب السحالي”)[22]. يمكن للمرء أن يصبح شديد الارتياب في جميع علاقاته، معتقدًا أن الجميع يحاولون خداعه. يمكن للمرء أن يشك في الأخلاق ويؤكّد أنّ مقولات “الخير” و “الشر” ليست أكثر من مجرد بنىً عقلية بدون أي واقع خارجي. كما كتب الفيلسوف المعاصر ريتشارد غارنر:
”تمامًا كما يدعي الملحدون أن معتقدات المؤمنين بالوجود الموضوعي للإله خاطئة، يدعي منظرو الخطأ الأخلاقي أن معتقدات الواقعيين الأخلاقيين حول الوجود الموضوعي للقواعد الأخلاقية والمحظورات والفضائل والرذائل والقيم والحقوق والواجبات هي أيضاً خاطئة، وللسبب نفسه -ما يتحدثون عنه غير موجود“.[23]
حتى المنطق نفسه يمكن أن يتعرّض للشك، لأنه لا يمكن لأي افتراض منطقي أن يُثبت حقيقةَ المنطق نفسه بدون دائرية؛ وينطبق الشيء نفسه على كل بديهية رياضية ثابتة.[24] إن فكرة السببية – أن العالم منظم ومنظم بطريقة توجد بها أسباب وتأثيرات – هي أيضًا شيء نعتبره أمرًا مفروغًا منه. بالتأكيد، لا يوجد دليل فلسفي يمكن أن يثبت وجود السببية نفسها، ومع ذلك فهي أساس مفاهيمي ضروري لتفسير العالم من حولنا بطريقة ذات مغزى. [25] إذا كان على المرء أن يحاول القضاء على جميع مفاهيم السّببية، والاستلزام المنطقي، والنظام العددي، وأن يُحجّم من عقله، فلن يكون قادرًا على فهم أي شيء، ناهيك عن الوصول إلى تفسير ذي مغزى للواقع ككل. تحدث لودفيج فيتجنشتاين عن مفاهيم مثل أنها بمثابة “دعامة مجازية لأفكارنا” أو “المفصلة” التي يجب أن يدور عليها “الباب” المعرفي، ووصف عدم جدوى الشك اللامتناهي:
”إذا حاولت الشك في كل شيء فلن تصل إلى حد الشك في أي شيء. لعبة التشكيك في ذاتها تفترض اليقين“.[26]
وبالتالي، فإن عدم جدوى الشك الراديكالي واضح بسهولة. كما يمكن الشك في معاني الأفكار التي تحدث في ذهن المرء، فما الذي يُثبت أن أفكار المرء تحمل المعاني التي يربطها بها؟ لماذا يجب أن تكون النبضات الكهروكيميائية مُشبعةً بالمعنى؟ إن النظر إلى أفكار المرء على أنها لا معنى لها يستلزم خراب أي نشاط إدراكي مُثمر.
إن إنكار الحقائق الراسخة بالخطاب والحجج الخادعة هو جوهر الشك الراديكالي عند ابن تيمية، الذي يقول إن جحود الصانع هو أسوأ أشكال “السفسطة”، وإن كان أقل شيوعًا. تم شرح هذا المصطلح بمزيد من التفصيل أدناه (انظر “معنى السفسطة”). ويشير ابن تيمية إلى أن معظم الناس لا يعتنقون السفسطة في كل الأمور (كما يفعل المُشكّكون البيرونيون)، بل يتسرّب لبعض الناس، أو لكثير من الناس في بعض الجوانب فقط.[27] وهكذا، نجد أن الناس قادرون على تجزئة شكوكهم الراديكالية – فقد لا يكون مؤيد إلغاء عقوبة الإعدام الأخلاقي[28] مُنظِّرًا لمؤامرة، وقد لا يكون مناهضوا اللقاح الدّوري مُنظِّرين للأرض المسطحة، وقد لا يكون المُلحد مؤمنًا بالعِلموية، التي تُنكر حقيقة ما يكمن وراء إدراكنا الحسي، وهي ليست سوى شكل واحد من أشكال الشك الراديكالي. كما يوضح ابن تيمية،[29] من غير المنطقي الادّعاء بأنه لا يوجد شيء يتجاوز الإدراك فقط لأنه لا يوجد شخص لا يعتمد على تلقي المعلومات من الآخرين، ولا يوجد أي شخص لا يعتمد على التفكير المنطقي للمعرفة فيما لا يمكن إدراكه بشكل مباشر. وليست هناك حضارة إلا وهي تعرف تاريخها من خلال التقارير وليس من خلال الإدراك المباشر. ومن ثم، ووفقًا لابن تيمية، فإن العلموية هي شكل آخر من أشكال السفسطة.
طيف الشك
يتم تجميع العديد من الأساليب المذكورة أعلاه والتي تُلقِي بظلال من الشك على ما يعتبره الآخرون مسائل يقينية مجمع عليها تحت مصطلح “الشك”. ويمكن اعتبار المواقف المذكورة أعلاه أمثلة على “الشك الراديكالي”؛ ومع ذلك، يجب على المرء أولاً توضيح استخدام مصطلح “الشك” لأنه غالبًا ما يُستخدم بشكل غامض وحتى في الأدبيات الأكاديمية تجد له مجموعة متنوعة من التعريفات. على سبيل المثال، يُستخدم مصطلح الشك العلمي للإشارة إلى الشك في أي ادعاءات أو تأكيدات تفتقر إلى الأدلة التجريبية. من ناحية أخرى، يُستخدم مصطلح الشك الفلسفي للإشارة إلى الرأي القائل بأنه من المستحيل الحصول على معرفة معيّنة عن شيء ما؛ يستحيل علينا معرفة حقيقة الأمر. في بعض الأحيان، يمكن استخدام التشكيك لوصف الذاتية و/أو معاداة الواقعية التي تنفي وجود أي حقيقة موضوعية يجب معرفتها في المقام الأول.[30] يمكن اعتبار هذا امتدادًا للشك حين نفكّر أنه من المستحيل معرفة ما إذا كان الشيء جيدًا أم سيئًا، للتساؤل عما إذا كانت هناك إجابة صحيحة للسؤال ابتداءً؛ إنه ببساطة الشك المنقول من مستوى أعلى من السؤال الميتافيزيقي إلى السؤال الماوراء الميتافيزيقي.
تتعدد أشكال الشك لدرجة أن بعضهم قد حدد ستة أبعاد يمكن تصنيفه من خلالها: المجال (عام أو محدود)، الشخصية (النظرية أو الإلزامية أو المُمارِسة)، الشيء (المعرفي أو المفاهيمي)، الأصل (السابق أو اللاحق)، والدرجة (مخفّفة أو غير مخفّفة)، والمثابرة (ثابتة أو متغيرة). [31]
يقتصر مجال الشك الذي يمارسه الملحد (على افتراض “وجود الله” أو أن المعتقدات الدينية صحيحة). بالنسبة لبعض الملحدين، فإن الهدف من شكوكهم معرفيٌّ وليس مفاهيميًا. أي أنهم يتحدّون وجود الله دون أن يتحدّوا المفهوم نفسه باعتباره غير مفهوم. في الواقع، يرى بعض أكثر ممثلي الحركة الإلحادية الجديدة صراحة [32] أنه حتى مفهوم الله هو فرضية قابلة للتزوير العلمي [33] (مما يجعل أصل الشك ناتجاً عن البحث العلمي وفقًا لما ورد في التصنيف أعلاه).
الفرق بين الإلحاد واللاأدريّة هو أن الأول هو موقف وجودي (“لا يوجد إله”) بينما الأخير هو موقف معرفي (“لا أعرف ما إذا كان هناك إله” أو “من المستحيل بالنسبة لنا أن نعرف ما إذا كان هناك إله”). ومع ذلك، حاول الكثيرون تعريف الإلحاد بطريقة تُقلِّص الفوارق بين الإلحاد واللاأدرية، مثل تعريفه على أنه “عدم الإيمان بوجود الله”، مما أدى إلى ما يسمى بالاندماج الدلالي بين الإلحاد واللاأدرية.[34] ومع ذلك، فإن الدافع وراء هذا التوسع في التعريف هو أن كلاً من الملحد واللاأدري يشتركان في مسار مشترك في وصولهم إلى النتيجة التي توصلوا إليها.[35] مُشكّكين في قضية المؤمن بوجود الله، فإنهم يتراجعون عما يُعتبر الالتزام الافتراضي -بالنسبة للاأدري، هو تعليق الحكم، بينما بالنسبة للملحد الالتزام الافتراضي هو النفي، بينما يقع عبء الإثبات على المؤمن. لاحظ أنه إذا تم توسيع افتراض “عبء الإثبات” نفسه ليشمل فئات أخرى؛ فإن الملحد المتسق منطقيًا سيحاول أيضًا أن يكون مؤمنًا بالذات، ومُنظّرًا للخطأ الأخلاقي، وما إلى ذلك، وبالمثل يتوقع المرء أن يُعلّق الحياد المتسق منطقيًا الحكم مثل هذه الأمور أيضًا. وهكذا، فإن كلا من اللاأدري والملحد يمارس الشكوكية التي تقتصر على مجال الإيمان بالله. يكمن الاختلاف المهم بين الاثنين في درجة التشكك لا غير.
كما يشرح ابن تيمية، قد يكون هناك شك متطرف في إنكار حقيقة معروفة في مجالٍ ما، حتى وهو يؤكد صحة الأمور الأخرى.[36] الشكوك المطبّقة على مجال محدود ستُتهم دائمًا بأنها غير متسقة في الفشل في تطبيق نفس معايير الإثبات على مسائل أخرى. لكن هناك القليل من المشككين الذين يُطبّقون الشكوك على مستوى شامل، ويشككون في كل شيء، وهو ما يُعرَف باسم الشك الديكارتي؛ “لذا فإن أولئك الذين يعملون بجد لدحض الشكوك الديكارتية هم في الواقع يهاجمون قلعة فارغة.”[37] هذا نوع من الشك الذي عبر عنه رينيه ديكارت وعارضه[38] بالقول إنه حتى لو تلاعب شيطان شرير بحواس المرء، فإن الشيء الوحيد الذي لا يشك فيه المرء هو أن المرء لديه عقل يفكر. ومن ثم فقد عبر عن العبارة الفلسفية الأكثر شهرة، Cogito ergo sum، في جوهرها، “أنا أفكّر، إذن أنا موجود”. بعد كل شيء، يبدو أن حقيقة أنني أشك في وجود العالم، يجب أن تُثبِت أن لدي عقلًا قادرًا على الشك. [39] ومع ذلك، حتى هذا الاستنتاج يمكن أن يكون موضع شك. يمكن لنفس الشيطان الشرير الذي يتلاعب بالحواس أن يتلاعب بالعقل بسهولة ليعتقد أنه يشك أو ينخرط في حالات عقلية لا يُشارك فيها في الواقع (شك الحالة العقلية). على سبيل المثال، ماذا لو كانت الأفكار في عقل المرء مجرد أصداء أو ظلال للأفكار التي تحدث في عقل الشيطان، ولم يمتلك عقل المرء أي فكرة مستقلة خاصة به؟ هنا يواجه المرء ارتدادًا لانهائيًا للأفكار المتشككة. كتبت الفيلسوفة جيسيكا ويلسون:
”نظرًا لأنني قد أكون أحلم أو أهذي أو أُخدع لأفكر في أنني متشككةٌ في العالم الخارجي، ثم مرة أخرى من خلال التفكير المتوازي، يجب أن أكون مُتشكّكًا بشأن ما إذا كنت حقًا في الحالة المعنية – أي يجب أن أكون متشككًا حول ما إذا كنت متشككًا بشأن وجود العالم الخارجي. الآن ليس هناك من توقف. لأنني قد أكون بالمثل أحلم أو أهذي أو أتعرّض للخداع لأفكر في أنني متشكك بشأن ما إذا كان العالم الخارجي موجودًا، لذلك يجب أن أكون الآن متشككًا بشأن ما إذا كنت متشككًا بشأن ما إذا كنت متشككًا بشأن ما إذا كان العالم الخارجي موجودًا. وهلم جرًا.“[40]
مثل هذه الشكوك “تؤدي إلى دورٍ مخزٍ، يتطلب حله المبدئي وغير الإشكالي الوحيد العودة إلى الخطوة الأولى المتشككة ورفضها.”[41] إن سلسلة الشك تُقوّض أي محاولة للمعرفة. ربما كان الشعار الديكارتي الأكثر ملاءمة هو Dubito ergo sum Stultus – أنا أشك، لذلك ما زلتُ أحمق.
دليل على الهاوية البيرونية
كمنهجية فلسفية، كان للشك تاريخ واسع ومتنوع منذ الإغريق القدماء، تكرر كموضوع في المناقشات من الأخلاق إلى الميتافيزيقيا، حيث تم دعمه منذ الفترة الهلنستية من قبل البيرونيين والمشككين الأكاديميين[42] ولكن تم استخدامه في بعض الأشكال أو الهيئات من قبل كل مجموعة رئيسة تقريبًا بما في ذلك العقائديون.[43] غالبًا ما يُعزى الشك الفلسفي إلى الفيلسوف اليوناني القديم بيرهو من إليس (توفي 270 قبل الميلاد). أصبحت شكوكه الشديدة بمثابة علفٍ لمجموعة متنوعة من الخرافات والأساطير المسلِّية. يُقال أن بيرهو كان غير واثق من حواسه لدرجة أن طلابه اضطروا إلى منعه من السير نحو الكلاب أو التردّي في المنحدارات[44]. نظرًا لأنه لا يمكن لأي معتقد أن يفلت من الشكوك المتعلقة بتبريره، اعتقد بيرو أن الطريقة الوحيدة للعيش هي تعليق الأحكام بالكامل. إن الشكّية البيرونية في نهايتها النهائية تُؤدي إلى سخافة لا تَمرّ مرور الكرام. سأل جالينوس (المتوفى 210 م) ساخرًا “ما إذا كان البِيروني يتوقع منا البقاء في السرير عندما تشرق الشمس بسبب عدم اليقين بشأن ما إذا كان الوقت نهارًا أم ليلًا، أو أن نبقى على متن السفينة حتى عندما ينزل الجميع، متسائلاً ما إذا كان ما يبدو أن الأرض حقًا هي الأرض.”[45] من الواضح أنه سيكون من المستحيل حتى تنظيم أفكار المرء بشكل متماسك في ظل الإيذاء الذاتي المستمر لمثل هذه الشكوك البيرونية دون الانتقال إلى هاوية اللامعنى.
أركسيلاوس Arcesilaus، أحد الشكاك في أكاديمية أفلاطون (المعروفين أيضًا باسم “الشكاك الأكاديميين”) ربما تأثر ببيرو، تبنى الشك كمنهجية، ساعيًا للتّشكيك في أي حجة لصالح موقف فلسفي معين.[46] ومع ذلك، تم انتقاد المُشككين الأكاديميين من قبل المشككين البيرونيين الأكثر نفوذاً، مثل Sextus Empiricus سيكستوس إمبيريكوس (المتوفى 210م)، لكونهم غير مُشككين بما فيه الكفاية لأنهم أظهروا التزامًا بعدم المعرفة الأساسية للافتراضات.[47] وبالتالي، يمكن اعتبار أنّ Arcesilaus كان لديه العديد من المعتقدات حول ما تعنيه معرفة شيء ما أو عدم معرفته، وما إذا كانت قضية معينة معروفة أو غير معروفة، وما الذي يشكل سببًا كافيًا للاعتقاد في قضية ما.[48] يجب على البيروني المتّسق أن يجرّد حتى هذه المفاهيم في سعيه لتعليق كل الأحكام بالكامل.
على الرغم من أنها تبدو متطرفة، إلا أن التشكك البيروني ليس سوى تشعب منطقي ونتائج عملية للإطار المتشكك للفكر الذي عملت في ظله معظم مدارس الفلسفة الهلنستية.[49] يكتب Groarke قائلاً:
”من الأفضل فهم الشكوكية على أنها نتاج مجتمع من الأفراد داخل بيئة فكرية معينة، وليس كمنظور اخترعه الأفراد (على سبيل المثال، Pyrrho أو Arcesilaus). في الواقع، الاختلافات بين المشكّكين والمدارس الفكرية المتنافسة أقل مما نعتقد، ويمكن النظر إلى الشك اليوناني بشكل مريح على أنه استجابة طبيعية (أو دعنا نقول حتمية) للمشكلات التي هي محور المناقشة في كل ما يتعلق بنظرية المعرفة اليونانية“.[50]
تتجذّر الفلسفة الهلنستية بعمق في المشاعر الشكّية بأنه إذا لم يستطع المرء هزيمة المُحاور الفلسفي عن طريق اللجوء إلى دليل لا يقبل الشك أو حقيقة تجريبية لا تُزعزع، فلن يكون لدى المرء أي مُبرر للاعتقاد بما يعتبره صحيحًا. كان كثيرون ينظرون إلى سقراط باعتباره المشكّك النّموذجي. وأشهر اقتباس منسوب إليه (أعيد صياغته من اعتذار أفلاطون) هو: “الشيء الوحيد الذي أعرفه حقًا هو أنني لا أعرف شيئًا”.[51] علاوة على ذلك، كان يشك في المعرفة غير المعرَّفة؛ كانت المعرفة الحقيقية تتعلق بالحصول على التعريفات الفلسفية الصحيحة وإذا لم تتمكن من تعريف شيء ما، فأنت لا تملك حقًا معرفة به.[52]
تم انتقاد أفكار Aristippus (المتوفى 356 قبل الميلاد) و Cyrenaics، من أجل تكوين أفكار عن الانتماء، بسبب نظرية المعرفة التي لم تستطع إثبات ما إذا كان المعلم موجودًا.[53] كان أرسطو والمشائية متشكّكين في الادّعاءات التي لم يتم إثباتها بالحجج المنطقية، بينما جادل الأبيقوريون والرواقيون بأن الحواس التجريبية كانت أساس المعرفة الحقيقية.[54] رسمت كل مجموعة من الفلاسفة الهلنستيين لأنفسهم معيارًا تعسفيًا لا أساس له لما اعتبروه دليلًا مقبولًا وطبقوا شكوكًا جذرية تجاه أي شيء لا يفي بهذا المعيار. يُفترض أن بيرهو هو الذي رأى المعايير التعسّفية وأخضعها لنفس الشك المعرفي. وبهذا المعنى، كان بيرهو ثابتًا فقط في محاولة أخذِ الشك إلى نهايته الطبيعية.
كان ابن تيمية على دراية بأفكار البيرونيين والسُفطائيين،[55] واستفاد من شكوكهم لإثبات فشل الجدل الفلسفي في ضمان اليقين، وكذلك لتوضيح النتيجة النهائية لنظرية المعرفة لدى خصومه، وبيان الحاجة للرجوع إلى أساس أكثر ثباتًا ومتجذر في القرآن. أولئك الذين اختاروا طريق الجدل الفلسفي لتأسيس مسائل الإيمان كان عليهم أن يتعاملوا مع ظاهرة الشك الراديكالي. في حين أيّد المعتزلة على نطاق واسع فكرة أن الواجب الأول على الإنسان هو الفحص العقلاني للأدلة (النظر)، ذكر البعض مثل أبو هاشم الجبائي (ت321هـ) أن الواجب الأول هو، في الواقع: الشك[56]. ومع ذلك، وكما شهد الغزالي، فإنّ مسار الشك لم يؤمّن اليقين بل أدى فقط إلى إثارة المزيد من الشكوك، مما أدى من الناحية المعرفية إلى نقطة الشك البيروني. كان هذا هو الرابط الذي شكل التركيز المركزي في التحليل المعرفي الشامل لابن تيمية.
معنى السفسطة
تم رفض الشك الراديكالي عالميًا من قبل علماء الدين المسلمين من جميع الاتجاهات. ومع ذلك، يعرّف ابن تيمية الشكوكية الراديكالية على أنها النتيجة النهائية لأساليب مُحاورِيْهِ الذين ترسخوا في السعي وراء الحجج الفلسفية لإثبات وجود الله، بحجة أن منهجهم لا يؤدي إلى اليقين بل إلى الشك والارتباك (الحيرة).[57] ناقش علماء الدين المسلمون الشك الراديكالي بمصطلحات السفسطة والسفسطائية والمسفسطين (وهو تعريب للمصطلحاتsophistry، sophisticism، sophists، على التوالي)، وهي المصطلحات التي نوقشت بشكل متكرر في كتابات ابن تيمية. من أين نشأ مصطلح “السفسطائي”؟ على الرغم من أنه ربما لا يشير في البداية إلى أكثر من مجرد “المعلمين الحكماء” في المجتمع الأثيني، فقد أصبح تسميةً لأولئك الأفراد الذين انخرطوا في الخطاب الذكي على حساب المنطق السليم، والقادرون على جعل الحجة الضعيفة تبدو أقوى، والاستثمار في الفوز بالمناقشات حول اكتشاف الحقيقة، والتعبير عن الشك تجاه المعرفة الموضوعية.[58]
في الواقع، كان مصطلح “السفسطائي” هو التسمية التي استخدمها أفلاطون لوصف خصوم سقراط الأوائل، رجال مثل بروتاغوراس (ت 420 ق.م)، أنتيفون (ت 411 ق.م)، جورجياس (ت 390 ق.م)، بروديكوس (ت 395 ق.م)، و Thrasymachus (ت 399 ق.م)، على الرغم من عدم وجود خط واضح يمنع سقراط نفسه من السخرية منه باعتباره سفسطائيًا على حد تعبير أريستوفانيس (المتوفى حوالي 386 ق.م) وأيشين (المتوفى 314 ق.م).[59] التقط بروتاغوراس شكلاً من أشكال النسبية أو معاداة الواقعية في بيانه الشهير، وإن كان يُساء فهمه كثيرًا، “الإنسان هو معيار كل الأشياء”. أعرب عن شكوكه في معرفة القول الإلهي، “فيما يتعلق بالآلهة، لست في وضع يسمح لي بالتحقق من أنها موجودة أو غير موجودة”.[60] بينما دفعته النسبية إلى استنتاج أن الأشياء صحيحة بنفس القدر، بالنسبة لجورجياس أدى ذلك إلى رؤية كل الأشياء على أنها خاطئة على حد سواء. [61] كلاهما، مع ذلك، احتضن شُكوكًا أيدت شكلاً من أشكال العدمية والتحيّز:
”يمثل موقف غرجس، وكذلك بروتاغوراس، العدمية لأنها ذكرت أنه لا يمكن أن تكون هناك طريقة موضوعية لتحديد معرفة حقيقية. يجسد الموقف السفسطائي أيضًا التحيّز لأن الذات لا يمكن أن تدرك شيئًا سوى تجاربها وحالاتها العقلية. وهكذا توصل جورجياس إلى استنتاجاته الثلاثة الشهيرة: لا شيء موجود. فإن وُجد، فلا يمكن فهمه؛ وإن أمكن فهمه، فلا يمكن نقل ذلك المفهوم إلى شخص آخر.“[62]
كما تجلى اتجاه التشكّك الذي يُمثّله السفسطائيون بالتأكيد في العديد من فروع الفلسفة الهلنستية، من Cyrenaics إلى Peripatetics، وبشكل أكثر دراماتيكية عند المشككين البيرونيين والمشككين الأكاديميين.[63] تعد الموضوعات المتداخلة للسفسطة والتشكيك أمرًا حيويًا لفهم كيفية ارتباطها باستخدام مصطلح “السفسطة” أو “السفسطائية”. يخصص أبو منصور الماتُريديّ (ت 333هـ)، المؤسس لما عُرف بالمدرسة الكلامية الماتُريديّة، قسماً في كتابه “التوحيد” لتوضيح خطأ السفسطائية، الذين يدّعون أن قُدرات الإنسان العقلانية والحسية غير جديرة بالثقة، وبالتالي لا وجود للمعرفة، فقط مجرد آراء ومعتقدات.[64] ويذكر ابن شبيب (ت 230هـ) محاولات المعتزلة الأوائل للتجادل معهم من خلال إظهار التناقض المتأصّل في ادّعائهم معرفة أنه لا يوجد شيء يمكن معرفتُه، قبل أن يُبديَ رأيه في عدم جدوى الخلاف مع هذه الطائفة. يشرح عالم اللاهوت والخبير بأفكار الهرطقة والبدع المبكّرة عبد القاهر البغدادي الأشعري (ت 429هـ) أن السفسطة تنطوي على إنكار المعرفة أو إنكار حقيقة كل شيء. هناك من يشك في وجود الكيانات الحقيقية (الذين شكّوا في وجود الحقيقة) على حدّ قوله، بينما يرى آخرون أن واقع الأمور مشروط بمعتقدات المرء عنها، وأن جميع المعتقدات صحيحة رغم تناقضها.[65] يمكن للمرء أن يرى بسهولة كيف أن هذا التعريف يشمل المشككين البيرونيين وكذلك الذاتيين والمعادين للواقعية من السفسطائيين الأثينيين.
وبالمثل، يميز أبو المعالي الجويني (ت 478هـ) بين أربع مجموعات منفصلة من السفسطائيين -أولئك الذين يُنكرون إمكانية المعرفة، والذين يُنكرون إمكانية إثبات المعرفة، والذين ينكرون القدرة البشرية على اكتساب المعرفة، وأولئك الذين يؤكدون أن المعتقدات المتناقضة بشكل متبادل تُشكل جميعًا معرفة حقيقية.[66] وبالتالي، من المهم أن ندرك أن مصطلح السفسطة في كتابات علماء الدين المسلمين لا يقتصر بشكل خاص على المفكرين الأثينيين “السفسطائيين”، على الرغم من أنه يشمل العديد من الاتجاهات المعرفية الهامة التي خرجت من رحم هذه الطائفة. سوف يتّضح هذا بشكل أفضل عندما ننظر في ردود الفعل على السفسطائية في كتابات ابن تيمية.
الإلحاد والسفسطة
بالنسبة لابن تيمية، فإن السفسطة تنطوي على وهم، وأولئك الذين يُنكرون الله -الإيمان والذي يشرحه بأنه أكثر الأمور رسوخًا في الفطرة- ينخرطون في شك أسوأ من أولئك الذين يُعارضون إملاءات الإدراك والعقلانية التجريبية، أو يعارضون التقارير الموثقة على نطاق واسع (التواتر) عن وجود مدن وأحداث لم يشهدوها شخصيًا (مثل شخص ينكر وجود تورونتو الكندية أو يُنكر وقوع الحرب العالمية الثانية).[67] وفي حديثه عن استحالة انتهاك الفطرة لقانون عدم التناقض من خلال التأكيد على حقيقة وزيف شيء ما في آن واحد، يقول ابن تيمية أنها “ستقدح في مبادئ العلوم كلها” على حدّ تعبيره و “حينئذ فلا يبقى علم يعرف به حق وباطل، وهذا جامع كل سفسطة”.[68] هنا نجد الفهم القائل بأن السفسطة تَشلّ البنى المعرفية التي تدعم وتُرسي كل معرفة متماسكة للواقع.[69]
يقول ابن تيمية أنه على الرغم من أن الإلحاد لم يكن أبدًا وجهة نظر شعبية تتبنّاها أمةٌ بأكملها من الحضارات المعروفة، إلا أن بعض الناس يُؤيّدونها بدرجات متفاوتة، سواء ظاهريًا كما في حالة فرعون الذي اعترف في أعماقه برفض الاعتراف بحق الله، أو في الظاهر والداخل كما في حالة الحاكم الذي خالف النبي إبراهيم عليه السلام. ومع ذلك، يقول ابن تيمية إن هذا لا ينفي أن الاعتراف بالله (معرفة) راسخٌة في الفطرة.[70] في الواقع، يقول ابن تيمية، الإلحاد نوع من السفسطة أو الشك الراديكالي، وهي حالة عامة يقع فيها كثير من الناس، سواء عن قصد أو عن غير قصد، من خلال الاعتراض على الأسس المعروفة بالحدس (قضايا بديهية) أو الأمور التي تعترف بها الفطرة. في الأمور التجريبية والرياضية، وكذلك في اللاهوت.[71]
ويشير ابن تيمية إلى أن السفسطة تنطوي على معارضة المعرفة الضرورية أو (العلم الضروري)، مثل معارضة فكرة أنّ المعرفة تختلف عن العارف.[72] في أقصى الحدود، قد يستلزم رفض الأسس المنطقية أو التجريبية مثل اعتبارِ أنّ الرجل مُساوٍ للرجلين أو اعتبارِ أنّ الحلاوة والمرارة مُتطابقتين.[73] عندما يتم التعرف على زيف الادّعاء من قبل الغرائز المعرفية الأكثر بدائية في وعي المرء (البداهة)، لا يمكن إثبات أدلة لصالح هذا الادعاء لأن القيام بذلك يستلزم انتهاك المعرفة الضرورية، والتي تستلزم السفسطة.[74] الهدف من إرسال الله لكتاب إلهي ليس الانخراط في النقاشات غير المجدية للسفسطة، بل توجيه البشرية إلى قمة الفضيلة في شؤونها الروحية والأخلاقية.[75] تنكشف اعتراضات السفسطة عند التدقيق على أنها مجرد أوهام وخيال، وهي غير متجذرة في شيء آخر غير آراء الفلاسفة التي لا أساس لها والتي تم تقليدها بشكل إمّعي من قِبل الأجيال اللاحقة، على الرغم من تناقض القوة العقلانية الطبيعية المتأصلة في الفطرة البشرية. (والتي فطر الله عليها جميع بني آدم).[76]
يشير ابن تيمية في كتابه “الرد على المنطقيين” إلى أن جعل المعرفة كلها مشروطة بالتعريف الفلسفي سيؤدي إلى استحالة المعرفة نفسها لأن كل التعريفات يمكن أن تكون مشكلة. ونقض كل علم أعظم مظاهر السفسطة.[77] غالبًا ما يوازي ابن تيمية لاعقلانية السفسطة فيما يتعلق بالمسائل العقلانية مع لاعقلانية القُرمطيات الباطنية في مقاربتهما للكتاب النصوص الشرعية- تنكر كلتا المجموعتين الحقائق البديهية، سواء في العالم من حولهما أو في الكلمات التي أمامهما (السفسطة في العقليات، والقرمطة في السمعيات).[78] وبعبارة أخرى، فإن درجة السفسطة والقرمطة التي تُظهرها جماعة بدعية تتناسب طرديًا مع درجة خروجها عن الهداية النبوية (السُنّة). كما تشير آخر آية من سورة الفاتحة، فإن أصل كل ضلال هو إما التعنت أو الجهل، فالأول هو صفة الشخص الذي يتعمد إصراره على التشكيك الراديكالي.[79]
نظرية المعرفة المتمركزة حول البداهة
إن الترياق المضاد للشك الراديكالي السابق ذكره، بحسب ابن تيمية، هو اللجوء إلى الاعتراف المنطقي بأن هناك عناصر بِنيوية أساسية في العمارة المفاهيمية للعقل البشري والتي هي فطرية، وبديهية، وضرورية. التي يعتمد عليها اكتساب المزيد من المعرفة. كثيرًا ما يستخدم ابن تيمية هذه المصطلحات الثلاثة كمفاهيم مُتداخلة ومُترابطة، على سبيل المثال نشر العبارة المركبة “العلوم البدهية الضرورية الفطرية” لوصف الحدس الأساسي للسببية.[80] ومع ذلك، فإن الفروق الدقيقة بين هذه المصطلحات تستحق الدراسة الأكاديمية المستمرة والمزيد من البحث بسبب تداعياتها المعرفية.
يشير مصطلح بديهي إلى ما ينشأ بشكل عفوي في الذهن كنتيجة لاكتمال تصوّرات الفرد. كلما كان مستوى التأمل أعمق، أصبح الوعي البدائي أكثر اتساعًا وشمولية.[81] وبالتالي، قد تظهر مسألة ما في الوعي البدائي لشخص ما دون الآخر، وكلما زادت قدرة المرء على تصور جميع جوانب المسألة، زاد عدد الأمور التي تنشأ مباشرة داخل وعي الفرد.[82] وهكذا، لا يشير مصطلح البدهي فقط إلى البديهيات المنطقية المسبقة (على الرغم من أنه يشملها بالتأكيد) ولكنه يتعلق أكثر بالعفوية والفورية التي تظهر بها المفاهيم في العقل، والتي بدورها تعكس عمق تفكير المرء، ثبات قدرة الفرد على التجريد والتصوّر، والتحصيل الفكري والتعليمي للفرد. ما إذا كان شيء ما بديهيًا أم نظرياً (استنتاجياً) ليس خاصية متأصلة في المسألة، ولكنه وصفٌ لأصل ظهور الفكر داخل النفس البشرية كنتيجة لاحتكاكها مع الواقع؛ يوضح ابن تيمية ذلك مشيراً إلى الطرق المختلفة التي تمكن الناس من خلالها على معرفة أنّ مسيلمة دجّال.[83]
الفِطري (صفة مشتقة من الفطرة) تستلزم الاستعداد الطبيعي الذي خلق الله الإنسان بناءً عليه، مع التوق إلى محبته والتعرف عليه،[84] حتى وإن كانت الفطرة فاسدة ومنحرفة.[85] بالإضافة إلى الميل الروحي تجاه الله، تُوفّر الفطرة أيضًا الأساس لجميع القيم والمفاهيم الأخرى في العقل البشري بما في ذلك الرحمة والعدل والصدق، وكذلك المفاهيم الميتافيزيقية والمنطقية مثل التغيّر والزمنية والسببية.[86] المعرفة الفطرية للأحكام الأخلاقية المتعلّقة بتفاصيل مُعيّنة في العالم تسبق فعليًا التجريدات الكونية حول المقولات.[87] تحوي الفطرة البِنية المفاهيمية (مثل التفرّد والعدّ) التي تسمح لنا بتفسير لقاءاتنا الحسية مع العالم بطريقة ذات مغزى.[88] يُقرّ ابن تيمية بإمكانية الخطأ في الإدراك الحسي، لكنه يجادل بأن الأخطاء الإدراكية قابلة للاكتشاف وأن القاعدة الأساسية هي اعتبار حواسنا جديرة بالثقة نظرًا لأنها مُتجذّرة في الفطرة التي خلقنا عليها.[89] حتى أن الفطرة تُرشدنا إدراك الحاجة إلى اتباع هدي أصحاب النبي ﷺ الذين كانوا مُتلقّين مُباشرين لرسالة الإسلام وتعاليمه.[90]
يُقرر ابن تيمية أنّ ما تقتضيه الفطرة “لا يحتاج إلى برهان لأنها أكثر الحقائق المعترف بها رسوخاً (المعارف)، والأكثر ثباتًا بين جميع أشكال المعرفة، وأساس جميع الأُسس (أصل الأصول).[91] وهذا يوضح أيضًا الخطأ في وصف استخدام ابن تيمية للفطرة كشكل من أشكال التفكير الدائري لأن هذه التهمة تفترض خطأً أن ابن تيمية يحاول تطوير القياس المنطقي على أساس الفطرة (على سبيل المثال، الله موجود لأن الفطرة تقول هو موجود ونحن نعلم أن الفطرة موجودة ويمكن الاعتماد عليها لأن الله أخبرنا بذلك).[92] في الواقع، لا يُقدّم ابن تيمية القياس المنطقي على الإطلاق لأنه ينفي النموذج الأرسطي/الكلامي بأكمله الذي يفترض مسبقًا المتطلبات المعرفية للتفكير المنطقي. إنه يشير بدلاً من ذلك إلى أن مفاهيم الإثبات والحقيقة والعقل والغاية والوجود تظهر فقط في العقل كنتيجة للوعي البشري البدائي الطبيعي وأن إنكار ذلك يعني ببساطة جعل الواقع غير مفهوم. يكتب ابن تيمية أنه عندما يثبت شيء في الفطرة، فإنه يصبح “متأصلاً في الطبيعة (الجبلّة) ويطبع في أذهان الناس (النفوس)، بحيث لا يستطيع المرء أن يكبح نفسه عن إملاءاتها، ولا يكون في مقدور المرء طردها عن نفسه”.[93]
الضروري هو تلك المعرفة التي لا يتم اكتسابها من البشر الآخرين بل هي متأصلة في أذهانهم، على الرغم من أن الرواسب النفسية وسوء الفهم قد تمنع المرء من تأكيدها على هذا النحو.[94] يلخص كارل شريف الطوبجي النظرة المعرفية لابن تيمية على النحو التالي:
”على أساس المعرفة التجريبية التي توفرها له الحواس، يستخلص العقل المفاهيم الكونية التي يعتبرها بمثابة تمثيلات عقلية للواقع الخارجي. بما أن معرفة العقل هي معرفة بحتة (علمي) ونظرية (اِعتبارية)، فإن القوة العقلانية غير قادرة على إثبات الوجود الواقعي لأي كيان خارجي (على الرغم من أنها تستطيع، مرة أخرى، تأكيد وجود الله على أساس الحس الإلهي الداخلي الفطري). ومع ذلك، يأتي العقل جزءًا لا يتجزأ من المعرفة الفطرية والضرورية لبعض البديهيات الأساسية، والتي على أساسها يمكننا منح الموافقة العقلانية (التصديق) أو تشكيل النتائج المنطقية (الأحكام) فيما يتعلق بالكيان الوجودي. يمتلك العقل المعرفة اللازمة للواقع الخارجي بوساطة الحواس، ومبادئه المنطقية الفطرية، وأي معلومات وصلت إليه عن طريق التقارير (الأخبار) التي تم نقلها من خلال النقل الجماعي المتكرر (التواتر) ( مثل النص القرآني وعدد محدود من روايات الحديث المتواتر). لكن مبدأ التطوّر لا يقتصر على ضمان صحة الروايات الشفهية. كما أنه بمثابة الضامن النهائي للمعرفة الضرورية للعقل عبر الحواس، وكذلك للمبادئ البديهية العقلية والفلسفية بشكل عام، في حالة وجود أي من هذه المصادر للمعرفة الضرورية المشتركة على نطاق واسع. يجب أن تتعرض للتقويض أو الطعن أو الشك المنهجي. عادة ما يكون هذا الشك نتيجة المذاهب التي تم اشتقاقها من خلال التفكير الخطابي (النظر) على أساس المقدمات المشكوك فيها التي، كما يؤكد ابن تيمية، تتعارض بشكل لا لبس فيه مع المعرفة الضرورية التي يشهد عليها كل من المصادر المذكورة أعلاه“.[95]
في حين أن الشك المعرفي لا طائل من ورائه ولا يُؤدّي إلا إلى تفكيك تصوّرات المرء ودفعه إلى الشك اللامتناهي،[96] تسمح نظرية المعرفة القرآنية باكتساب مفاهيم ذات مغزى من خلال تآزر فطرة الإنسان مع الكليات العقلانية والتجريبية.
هل هناك أي ميزة معرفية للأدلة الفلسفية؟
يقول الله تعالى في آية مشهورة من القرآن: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۚ بَل لَّا يُوقِنُونَ (36)﴾ ]سورة الطور[
بينما اعتبر المتكلّمون هذا إشارة إلى حجة كونية، رأى ابن تيمية الأمر بشكل مختلف. إن حقيقة أن القرآن يعبر عن هذا في شكل سؤال بلاغي (بصيغة استفهام الإنكار) يدل على أن هذه مسألة هي بالفعل استنتاج أساسي راسخ في فطرة المرء ولا يمكن للمرء أن ينكره على الحقيقة. (فطرية بديهية مستقرة في النفوس لا يمكن لأحدٍ إنكارها).[97] وبالتالي، فإن القرآن لا ينخرط في طرح القياس المنطقي لإثبات الإيمان بالله، بل بالأحرى يستدعي التأمل العقلاني (التفكر) لإيقاظ النفوس الهادئة روحياً على حقيقة هي تعرفها بالفعل بعمق. إن دور التأمل العقلاني في اعتراف الروح بِالله هو إعادة اكتشاف حقيقة متأصلة بعمق في فطرة المرء (إنما هو للتنبيه على ما في الفطرة).[98] يستشهد ابن تيمية بالكلمات التالية لعالم الدين الأشعري الفارسي الشهرستاني (ت 548هـ) قائلاً:
“فإن الفطرة السليمة الإنسانية شهدت بضرورة فطرتها وبديهة فكرتها، بصانع عليم قادر حكيم”[99]
في فقرة لاحقة، يذكر الشهرستاني أيضًا أنه عندما تقتربُ الروح في سيرها إلى الله، فإنها تكتسب اعترافًا أكبر بحاجتها الوجودية إليه، وتزيد من إدراكها الروحي للآيات الإلهية في الآفاق وفي نفسها، وبالتالي فإن الله هو المصدر الذي من خلاله يشهد العالم الظواهر وليس العكس؛ “عرفتُ الأشياء بربي، وما عرفتُ ربي بالأشياء”.[100] وعلى نفس المنوال، يقتبس ابن تيمية بإسهاب كتابات العالم الحنفي أبو محمد بن عبدك البصري (ت 347هـ)،[101] الذي قرر أن الله نفسه يجب أن يعتبر دليلاً بدلاً من المدلول،[102] إن حديث النبي إبراهيم عليه السلام مع قومه عن الأجرام السماوية لم يكن مقصودًا به أن يكون حجة فلسفية بل تأملًا لإيقاظ الفطرة وتذكيرهم بالعهد الأزلي (الميثاق)،[103] وأن معرفة حقيقة الربوبية أكثر رُسوخاً من معرفة المرء نفسه أنه موجود (وهو توازٍ دقيق بين الإلحاد والذاتوية).[104] وبالمثل، قرّر ابن القيم أن وجود الخالق أكثر وضوحًا وجلاء من الاستدلال على أي دليل يُستخدم لإثبات وجوده.[105]
لا يؤمن ابن تيمية فقط بأن التفكير المنطقي ليس ضروريًا لبرهنة الإيمان بالله، لكنه يُؤكد أنه لا يُنتج الثمار المعرفية التي يدعيها أتباعه. هذا صحيح لأن القياس المنطقي يعتمد على فرضية رئيسة هي، في الواقع، تجريد عالمي موجود فقط كمعنىً كليٍّ في العقل.[106] في حين أنّ العالم الخارجي يتكوّن من الأجزاء فقط. وبالتالي، فإن الاستنتاج المبني على فرضية عالمية يمكن أن ينطبق فقط بشكل صحيح على فئة عالمية أخرى (على سبيل المثال، نمط “المحرك الذي لا يتحرّك”) بدلاً من كيان معيّن.[107] وهكذا، فإن الأدلة الفلسفية لوجود الله تفشل في الإشارة بشكل خاص إلى الله نفسه بدلاً من الإشارة إلى التصنيف العام. علاوة على ذلك، ومع مرور الوقت، نمت القياسات المنطقية مع وجود المزيد من المقدمات لإثبات المقدمات التي تم اعتبارها في وقت سابق أمرًا مفروغًا منه،[108] لأن الناس استمروا في إثارة المزيد من الشكوك نظراً لأن السفسطة هُوّةٌ لا نهاية لها.[109]
ما يحدث في الواقع عندما ينخرط الناس في (قياس الشمول) هو أن المصدر الحقيقي لنموهم العلمي في المعرفة هو (قياس التمثيل) الذي يسمح لهم بنقل معرفتهم حول التفاصيل المعروفة إلى الحالة الجديدة. في السؤال.[110] من المؤكد أن ابن تيمية يتمتع بالبصيرة في تأكيده المتكرر على القياس كأهم عنصر في بناء الإدراك والمعرفة.[111] في عمل بعنوان الأسطح والجوهر: التشابه كوقود ونار للتفكير، ينخرط العالم المعرفي الأمريكي دوغلاس هوفستاتر وعالم النفس الفرنسي إيمانويل ساندر في مناقشة مطولة لدعم أطروحة مشابهة بشكل لافت للنظر:
”الفرضية المركزية لهذا الكتاب هي أن التشبيه يحدد كل لحظة من الفكر، وهو في الواقع القوة الدافعة وراء كل فكرة. كل فئة عقلية لدينا هي نتيجة سلسلة طويلة من المقارنات التي تبني الجسور بين الكيانات (الأشياء، الأفعال، المواقف) بعيدة عن بعضها البعض في كل من الزمان والمكان.“[112]
يجادل المؤلفان بأن نمو المعرفة يحدث عندما يُحدِّد المرء السمات السطحية الأكثر صلة لمفهوم جديد، من أجل بناء تشابه قائم على أوجه تشابه مستنتجة أعمق على مستوى الجوهر مع مفهوم مألوف. بالنسبة لابن تيمية، فإن المقارنات (الأمثال) والإشارات (آيات) هما العنصران الأساسيان في الذخيرة المعرفية القرآنية[113] يستخدم القرآن آيات وأمثال كأدوات عقلانية (مقاييس عقلانية) وبعض الأدلة (براهين يقينية) التي توجه القلب وتوجه العقل للتعرف على حقيقة الله بطريقة تفوق كثيرًا أساليب الفلاسفة.[114] يرسم ابن تيمية تشبيهًا مثيرًا للاهتمام بالطريقة التي تتضمن بها الكلمات علاقة بين مفهوم وسلسلة معينة من الصوتيات أو فونيمات الحروف. إن تعلم آيات الله ليس مسألة تعلم البراهين لكيان لا يعرفه المرء، بل هو أقرب إلى تعلم مفردات جديدة لتعيين معنى يكون المرء بالفعل مدركًا له بالفطرة؛ هذه العلامات هي مصدر للإدراك الروحي (التبصرة) لتأمين وتعميق قناعة المرء بما عرفه المرء بالفعل من خلال الفطرة، في حالة مواجهة الشكوك.[115] وهكذا، يعيدون تعريف الفرد بمصدر المعنى. تنشأ الآيات القرآنية من كلام الله بينما تظهر العلامات الطبيعية في خليقة الله المشهودة في العالم الطبيعي أو داخل البشر أنفسهم.[116] لاحظ أن نظرية المعرفة القرآنية لا تشتمل فقط على الإنماء الفكري ولكن على الإنماء الروحي والأخلاقي أيضاً، فكلما سعى الإنسان إلى تحقيق الفضيلة وتطهير قلبه، زاد إدراكه للآيات الإلهية.[117] بينما اعتمدت بعض الجماعات تاريخيًا إما العبادة أو العقلانية للوصول إلى الحقيقة، يرى ابن تيمية أن كلاهما ركيزتان ضروريتان لنظرية المعرفة الإسلامية.[118]
يُقرّ ابن تيمية بأن القياس المنطقي الذي يعبر عن حجة كونية لوجود الله قد يحتوي على نواة من الحقيقة، مثل الحدس الأساسي للسببية (أي أن كل شيء يبدأ في الوجود يجب أن يكون له سبب). ومع ذلك، فإن هذا الحدس، على الرغم من تضمينه في القياس المنطقي، لا ينتج عنه. علاوة على ذلك، يأخذ القياس المنطقي مسارًا مُلتويًا لإثبات شيء ما يكون عادةً بدهيًا ومباشرًا. [119] استخدام القياس المنطقي لإثبات وجود الله يشبه المثال الكوميدي لرجل يلف ذراعه المعاكسة حول رأسه للإشارة إلى موقع أذنه،[120] أو يشبه لحم جملٍ غثّ على رأس جبل وعْر لا سهل فيُرتقى ولا سمين فيُنتقَل.[121] إذا كان هناك أي شيء، فإن معرفة عدم كفاية هذه المقاربات الفلسفية يزيد من قناعة المرء بطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم.[122]
ومع ذلك، يُقِرّ ابن تيمية بأن بعض الناس قد يكونون معتادين على مثل هذه المناهج الفلسفية الملتوية والغامضة لدرجة أنهم غير راضين عن أي استدلال بسيط في مظهره. لذلك، مع مثل هذا الشخص، يمكن للمرء أن ينخرط في الأساليب الكلامية الفلسفية (الطرق الكلامية المنطقية) بسبب ميل مثل هذا الشخص، وليس لأن المعرفة المرغوبة هي في الواقع مشروطة بهذه الطريقة.[123] قد تكون الطرق المطوّلة والمعقّدة مفيدة أحيانًا لمن يشتغل بالسفسطة.[124] ويوضح أيضًا أن الجدل الفلسفي قد يكون مفيدًا في تفكيك المعتقدات أو الأيديولوجيات الدينية الخاطئة التي قد نشأ عليها المرء أو اتّبعها بشكل أعمى بسبب الجهل؛ يمكن أن يُبعدهم ذلك عن أكاذيب الآخرين حتى ولو لم يُساعدهم على الاقتناع بالحق.[125] إن الطرق التي يمكن من خلالها للناس أن يتوصّلوا إلى الاقتناع بالحق والتعرف على الله والإيمان به عديدة (فطرق المعارف متنّوعة في نفسها)؛ قد يصلون إلى الإيمان عبر شهودهم للآيات من حولهم في الخليقة وفي حياتهم.[126] ومع ذلك، تكفي الفطرة التي يكمّلها الوحي للبرهنة المعرفية للإيمان.[127] في حين أن الفطرة يمكن أن تُفسدها الأمراض الروحية مثلما يكون الجسد عرضة للإصابة بالأمراض الجسدية أيضاً، ومن ثم فإن العلاج يمكن العثور عليه في الخطاب القرآني،[128] الإلمام بالهدي النبوي،[129] ومن خلال تمحيص الفجوات في نظرياتنا المعرفية (مثل اللجوء إلى أيديولوجيات بشرية مصطنعة لا أساس لها).[130]
تشير كتابات ابن تيمية إلى التمييز بين العمليات النفسية التي من خلالها يصل الإنسان إلى الإيمان والبرهان المعرفي الذي يُثبت صحة إيمانه.[131] هناك العديد من العوامل التي تؤثر على التكوين النفسي للشخص (الثقافة، الأبوة والأمومة، التأثيرات المجتمعية، الشخصية، تجارب الحياة السابقة، إلخ) ويمكن أن تُسّهل أو تكون بمثابة عوائق محتملة في رحلة المرء نحو الله، وكذلك درجة الشخص في الاستعداد الروحي الذي سيحدد قدرته على التعرف على الحقيقة وقبولها. وبالتالي، بالنسبة لبعض الناس، هناك حاجة إلى عوامل إضافية (أسباب) لزيادة فطرتهم في اكتشاف الحقيقة.[132] ابن القيم، على سبيل المثال، يقارن إيمان المؤمنين الأوائل -صديق النبي المقرب أبو بكر وزوجته خديجة – مع إيمان آخرين لم يصل إيمانهم إلى مستواهم. الأول اعتنق الإسلام على أساس كمال رسالته وجمالها ونقاوتها، وأمانة الرسول وأخلاقه، بينما لم يعتنق الآخرون الدين إلا بعدما شهدوا المعجزات، أو لأنهم شهدوا الرسول ﷺ ينتصر على أعدائه؛ وأولئك الأقل إيمانًا الذي يتبنّونه ابتداءً لأنهم ولدوا لأبوين مؤمنين من قبل.[133] أولئك الذين لديهم مستوى أقوى من الإيمان هم أقل عرضة للتخلي عنه وأكثر أمانًا في عقيدتهم. ومع ذلك، وبغض النظر عن كيفية وصول المؤمن إلى الإيمان، فإن الفطرة هي التي توفر البرهان المعرفي لهذا الإيمان. بمجرد أن يصل المؤمن إلى اليقين بالله، فإن الدرجة التي يتفق بها هذا الاعتقاد مع الفطرة توفر كل البرهنة المعرفية اللازمة لمعرفة أنّ أي شيء مخالف لذلك الإيمان لا أساس له حتى بدون امتلاك الوسائل لإثباته أو التعبير عنه بعقلانية؛[134] لا يحتاج المؤمن إلى معرفة تفاصيل المصطلحات الفلسفية ليعرف أن الإسلام هو الحقيقة.[135]
إن مشكلة اعتبار وجود الله افتراضًا نظريًا يحتاج إلى تبرير وإثبات وبرهنة هو أنه ارتكابٌ لمغالطة معرفية أساسية. يستخدم ما هو أقل بداهةً لإثبات ما هو أكثر بداهة.[[136 إنه يضع الوزن المعرفي لله أقل من الوزن المعرفي لسمات الخلق التي يتم الاستشهاد بها كدليل. ولكن في الواقع، فإن الإلهي هو الأكثر تأكيدًا على اليقين، ويشكل وجوده الأساس الأنطولوجي الذي يتم من خلاله جعل الوجود الآخر مفهومًا وذا معنى. وهكذا فإن معرفة الله هي أساس وجود نظرة ابستمولوجية واضحة. إنه بمثابة أساس لكل المعارف الأخرى (والعلم به أصلٌ لكل علم).[137] بدلاً من كونه مجرد افتراض نظري، يصير هو محور نظرية المعرفة. وهكذا؛ فإن معرفة الله هي تلك الاستنارة الفائقة “نور على نور” كما التوصيف القرآني في الآية (24:35) والتي يشرح ابن تيمية أنها تشير إلى نور الوحي مقترنًا بنور الاستعداد الكامن (الفطرة) والقوة المنطقية (العقل).[138]
ابن تيمية لديه عرض شيق للحوار بين النبي موسى عليه السلام وفرعون. [139] السؤال الذي طرحه فرعون ما هو رب الكون؟ ليس استفسارًا جادًا عن طبيعة الإله، بل هو تعبير بلاغي عن إنكاره للإيمان، “ما هذا الكيان الذي تسميه رب الكون؟” جواب النبي موسى هو “رب السماوات والأرض إن كنتم موقنين” وهو كما لاحظ ابن تيمية يربط الإيمان بالله باليقين بشكل عام:
”لم يقل اليقين في هذا أو ذاك، بل تركه مطلقًا، فمهما كان لك يقين، فإن أول يقين في هذا الرب، كما قالت الرسل: أفي الله شك؟ وإذا قلت: ليس لدينا يقين في شيء وننكر كل علم، فهذا هو ادعاء الشك الشامل (السفسطة العامة) وهو باطل ظاهر لأن كل إنسان يمتلك المعرفة بالضرورة.“[140]
وكما يوضح ابن تيمية، فإن رغبة فرعون في الهيمنة على الأرض وفساد قلبه هما اللذان حجباه عن هذه الحقيقة. شرح ابن تيمية في تفسير العبارة القرآنية: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ﴾ (القرآن 59: 19)، العلاقة بين فقدان معرفة الذات وإهمال الله، والعكس بالعكس. بين معرفة الذات وإعادة اكتشاف المعرفة الداخلية وحب الخالق.[141]
ابن تيمية، والفطرة، وثلاثية أجريبا[142]
العقل من الملكات الأساسية للإنسان. يطور البشر بشكل طبيعي جهازًا معرفيًا متطورًا يسمح لهم بمعالجة الأفكار والتجارب الحسية من أجل الوصول إلى تمثيلات داخلية للواقع متماسكة وذات مغزى. يلاحظ ابن تيمية أن كل البشر يفضلون على الدوام أن تكون عقولهم مليئة بالمعتقدات الصحيحة والرغبات النافعة بدلاً من المعتقدات الخاطئة والرغبات الضارة.[143] فكيف إذن يبرهن البشر معتقداتهم على أنها تمثّلات حقيقية للواقع؟ هل يمكنهم تقديم مُبررات لمعتقداتهم لا تقبل الشك؟
يُقال إن المتشكّك البيروني القديم Agrippa (المتوفى في القرن الثاني الميلادي) قد صاغ خمسة أنماط، أو طرق للتفكير، تثير الشك والريب. كيف يمكن لأي شخص أن يدعي معرفة معينة، كما يُظهر النمط الأول، عندما يختلف الناس حول الأمور، وكما يظهر النمط الثالث، فإن حكم كل شخص نسبي؟[144] الوصول إلى المشكلة المعرفية المعروفة التي تطرحها الأنماط الثلاثة المتبقية، والتي تقدم ثلاثة خيارات (ومن ثم يشار إليها باسم Agrippa’s trilemma.) [145] يمكن تلخيص الخيارات الثلاثة على النحو التالي:[146]
- الخيار الأول: أي اعتقاد يُقدَّم كبرهان يجب أن يكون هو ذاته مبرهناً، ومن ثم يلزم وجود تسلسل لانهائي في البراهين.
- الخيار الثاني: يتم تبرير اعتقاد المرء من خلال الافتراض التأسيسي الذي لا يتطلب بذاته مزيدًا من التبرير.
- الخيار الثالث: معتقدات المرء تبرر بعضها البعض بطريقة دائرية أو متبادلة.
وبالتالي، فإن التحدي الذي تُشكّله هذه الأنماط الثلاثة يهدف إلى القضاء على كل المعرفة لأنه لا يمكن للمرء أن يقدم تبريرًا لأي اعتقاد دون الاستسلام للمُثلّثِية. في الواقع، فإن أنماط أجريبان، التي تمثل “أقوى أسلحة الترسانة الجدلية البيرونية”،[147] قد أربكت علماء المعرفة المعاصرين بما لا يقل عن أسلافهم الهلنستيين القدامى. لكي يكون المرء برهانياً في اعتقاده، يجب أن يؤمن إما بسلسلة لا نهائية من البراهين (مذهب اللانهائية)،[148] أو في مجموعة من المقدمات الأساسية التي يقبلها المرء دون تبرير (الأسس)، أو يجب على المرء أن يتبنى نوعًا من التفكير الدائري (التماسك).[149] أيًا كان الخيار غير المرضي الذي يختاره المرء يؤدي فقط إلى وضع أجريبا Agrippa الأول للخلاف الذي يرفع رأسه مرة أخرى ويسأل المؤسسين عن سبب عدم كونهم مطّردين والعكس صحيح، مما يكشف عن اختيارهم على أنه تعسفي وغير مبرر. وهكذا يبدو أن البيروني قد أنشأ مأزقًا معرفيًا لا يمكن لأي إنسان أن يمتلك عبره معرفة معينة عن أي شيء.
ومع ذلك، تظهر عدد من الخطوط الرائعة للاستجابة المحتملة إما مباشرة من كتابات ابن تيمية أو خلال إطاره المعرفي.
أولاً: يقدم حالة ظاهرية؛ الشخص الذي يدافع عن الحاجة إلى التبرير الفلسفي للمعرفة حول المسلمات “لم يمتحن أحوال نفسه” لأنه لو كان فعل؛ لكان قد اكتشف (في عقله) معرفة حول المسلمات أيضًا كمفاهيم لا تعتمد على الحجج القياسية.[150]
ثانيًا: كما يشير ابن تيمية، لا يتم السعي وراء اليقين من خلال تراكم التبريرات الفلسفية، بل يتم ترسيخه داخليًا من خلال الإدراك الروحي[151] وإملاءات الفطرة.[152] بعد كل شيء، تفترض ثلاثية أجريبا مفهومًا مسبقًا للحقيقة (يجب أن تكون هناك معتقدات صحيحة وخاطئة لكي تعمل المُثلّثية في المقام الأول) تمامًا كما تفترض القدرة على التمييز بين المفاهيم والتأكد من البراهين العقلانية، وقدرة الحالات العقلية البشرية على حمل المعنى، وما إلى ذلك، وكلها متجذرة في تأويلات فطرة الإنسان للواقع. وهكذا، حتى في عملية التشكيك في المعرفة، فإن المعضلة الثلاثية تخون حتماً الالتزام بالمعتقدات الأساسية المتجذرة في الفطرة. لا يمكن للمرء أن يتابع الشك تجاه المعرفة دون تقويض شكوكه في تلك العملية بالذات.
ثالثًا: يوفر السرد القرآني أقوى إنقاذ معرفي من ثلاثية أجريبا الناشئة عن تصوره للحقيقة. يستعمل القرآن لفظة “الحق” لتعبير عن مصطلح الحقيقة، حيث يُستخدم للدلالة على ما كان له غاية. وبالمثل، فإن مصطلح “باطل”، وهو نقيض الحق، يدل على ما هو ليس زائفًا فحسب، بل خاليًا من الغاية أيضًا.[153] وهكذا، ففي النموذج القرآني، هناك بُعد غائي للحقيقة يخدم وظيفة جعل الحقيقة ذات معنى. هذه الحقائق ليست مجرد عبارات نظرية تافهة حول الواقع المادي الذي يخضع للتحقق التجريبي، مثل التأكيد على أن كوكب الزهرة هو الكوكب الثاني في المجموعة الشمسية، أو أن القارة القطبية الجنوبية تبلغ مساحتها 14 مليون كيلومتراً مربّعاً. بدلاً من ذلك، تعمل حقائق الوحي كأسس وجودية تشكل الأساس لجميع المفاهيم ذات المعنى كالقيمة والفضيلة والغاية والاستحقاق والإرشاد وما إلى ذلك. يقوم الفيلسوف جون ويتاكر بالتمييز التالي:
”الهدف من تقديم المعتقدات الدينية كإيحاءات هو تقديمها كحقائق مفاهيمية – كبديهيات عملية للحياة، كمبادئ إرشادية تؤطر مفاهيم جديدة للقيمة والسعادة والفردية -وهذا يضعهم في فئة منطقية مختلفة عن السلة التي تحتوي على ادعاءات افتراضية.“ [154]
إن الحقائق المفاهيمية التي تؤطر تمثيلات ذات مغزى للواقع متجذرة في الفطرة وتعمل بمثابة لبنات بناء وجودية لا غنى عنها للعقل. كما يلاحظ ابن تيمية بذكاء في إشارة مباشرة إلى ثلاثية أجريبا:
”هذا شيء يدركه [أهل الكلام] وجميع البشر -أن من التصور والتصديق ما هو بدهي، لا يحتاج لكسب بالحد ولا بالقياس، وإلا لزم الدور والتسلسل”[155] وهكذا يوضح ابن تيمية أن هناك مجموعةً من المفاهيم التي تعمل كمرتكز معرفي لأي تفسير ذي معنى للواقع. وبالتأكيد، يؤيد أنصار علم الكلام وجميع المؤسسين الكلاسيكيين أيضًا وجهة النظر القائلة بأن المعرفة الضرورية (علم ضروري) توفر أساسًا للمعرفة المكتسبة (علم مكتسب)؛ هناك حقائق بديهية تعمل كأسس تُعرف من خلالها الحقائق الأخرى. ومع ذلك، فإن المؤسسين الكلاسيكيين الذين وضعوا العقل كأساس لجميع المعارف لا يستطيعون تزوير عقيدة التحيّز إلى الذات أو مظاهر مماثلة للشك الراديكالي.[156] المؤسسون الآخرون الذين يُدرجون الإدراك الحسي إلى جانب العقل كأساس للمعرفة لا يمكنهم إثبات وجود الحقائق الأخلاقية أو أي نوع من التقييم لهذه المسألة. هذه الأُسُس ليست سدّاً منيعًا ضد الشكوك التي تؤدي إلى العدمية المعرفية. هذا الإخفاق في التأسيسية الكلاسيكية هو بالتحديد ما أثار الشكوك البيرونية التي وصفها الغزالي في بداية المنقذ. كما رأينا، جادل ابن تيمية بأنه لا توجد حقيقة أكثر وضوحًا وبدهية من حقيقة الإله، وهي حقيقة لا تتطلّب أي إثبات تجريبي أو عقلاني لأنها بمثابة المرساة التي تكون من خلالها هذه الملكات ذات مغزى في المقام الأول. كما أن ابن تيمية واضح في رفضه للداخلية المعرفية Internalism (الرأي القائل بأنه يجب على المرء أن يكون على علم بمبرّر الاعتقاد حتى يصل إلى المعرفة). تمشيا مع Externalism أو المذهب الخارجي [الرأي القائل بأن الأحداث والأفعال العقلية تعتمد بشكل أساسي على العالم الخارجي للعقل، في مقابل الفصل الديكارتي بين العالمين العقلي والمادي]، يوضح أن المرء قد يعرف شيئًا ما دون أن يكون على دراية بمعرفته؛ ومع ذلك، مع التأمل، يمكن للمرء أن يكشف عن مثل هذه المعرفة، اعتمادًا على سلامة البصيرة.[157]
في تحليله لابن تيمية، يعتمد جيمي تورنر على مفهوم ألفين بلانتينجا للوظيفة المناسبة، حيث يمكن حقاً اعتبار الاعتقاد أساسًا -أي اعتقاد أساسي صحيح- إذا كان له مبرر يحدث عندما يتشكّل الاعتقاد من خلال كليات معرفية تعمل بشكل صحيح وتهدف إلى إنتاج إيمان حقيقي في بيئات مناسبة. يلاحظ تيرنر أنه بالنسبة لابن تيمية، فإن الإنصات لصوت الفطرة يعطي ضماناً للمعتقدات الأساسية ويسمح له بإدراك آيات الله:
”وفقًا للنموذج التيمي، بناءً على الوظيفة المناسبة للقلب جنبًا إلى جنب مع الفطرة، وكلاهما تم تصميمُهما لاكتساب معتقدات حقيقية عن الله بنجاح عند وضعهما في بيئات مناسبة لحدوث ذلك، سيُنتجان الإيمان الأساسي بالإسلام الذي يمكن القول أن هناك ما يبرره بطريقة أساسية بشكل صحيح. كما هو موضح أعلاه، فإنه على وجه التحديد عند الاتصال بـ “آيات الله” يمكن أن يكون الإيمان الأساسي به، وبالتالي دينه، مُبرّرًا وفقًا لتقرير بلانتينجا للوظيفة المناسبة.“[158]
يربط ابن تيمية تأملاته حول الفطرة بملاحظاته عن “علم نفس النموّ”. ويلاحظ أن الرضيع الصغير عند إدراكه لحركة أو صوت يضطر بطبيعة الحال للبحث عن مصدره (توقع سببي) وبالمثل، فإنه أمرٌ فطري إن رأينا بناءً أن نخمّن: من كان وراء إنشائه.[159] هذا التوقع يدل على حقيقة وجودية ضرورية وأساسية – الأشياء لا توجد دون سبب. ويشير أيضًا إلى أن الأطفال يعرفون أن الله في السماء[160] وفطرياً نعلم أنه سميع وبصير.[161]
يبدو أن ملاحظات ابن تيمية التجريبية صمدت أمام اختبار الزمن. في النظام المعاصر المعروف باسم العلم المعرفي للدين، هناك ثروة معرفية حول الدراسات التجريبية التي تصف الميل البشري الطبيعي لإدراك العلاقات السببية،[162] للبحث عن الغاية وراء الأحداث بما في ذلك أحداث الحياة،[163] لإدراك الفاعلية في العالم من حولنا (يُشار إليه بجهاز الكشف عن الوكالة شديدة الحساسية)، وما إلى ذلك.[164] هناك ميل طبيعي للإيمان بالله، في حين أن الإلحاد “يتطلب بعض العمل المعرفي الشاق لرفض أو تجاوز الحدس الذي يغذي المعتقدات الدينية”.[165] كتب عالم النفس التجريبي جاستن باريت يقول:
”يبدأ هذا الإيمان بالآلهة في مرحلة الطفولة ويستمر عادةً إلى مرحلة البلوغ ويصل إلى نفس درجة الإيمان بقانون الجاذبية، وديمومة الأجسام الصلبة، واستمرارية الوقت، وإمكانية التنبؤ بالقوانين الطبيعية، التي تُسبّب تأثيرات مسبقة، وأنّ الحيوانات تحمل صغارًا متشابهة لها، وأن لدى الناس أفكارًا ورغبات تحفز وتُوجّه أفعالهم، وأن بعض الأشياء صحيحة أو خاطئة من الناحية الأخلاقية، وأنّ أمهاتهم تحبهم، والعديد من الأفكار الأخرى حول العالم… أفضل المقاربات التي تعتبر عقولنا جديرة بالثقة أساسًا لتقديم معتقدات حقيقية وأن معتقداتنا “الطفولية” التي نشأت بشكل طبيعي يجب اعتبارها صحيحة حتى يكون لدينا سبب وجيه للاشتباه في أنها إشكالية. ليس من الواضح بالنسبة لي أننا نستطيع أن نفعل غير ذلك وما زلنا نعمل كبشر طبيعيين وعاقلين.“[166]
يلخص علم نفس النمو الحديث شرح التقاليد الإسلامية للدور المعرفي للفطرة. يمكن للمرء حتى إعادة بناء “الدين الطبيعي” الذي ظهر في مرحلة الطفولة على أنه يشتمل على الاعتقاد بأن العالم الطبيعي قد تم تصميمه عن قصد والإيمان بالكائنات الخفية والخارقة للطبيعة[167] والتي لها عواطف وأفكار ووجهات نظر.[168] هذه الميول الإيجابية متجذرة في الطبيعة البشرية.[169] يُطوّر الأطفال بشكل طبيعي مفاهيم السببية، والكمية العددية، والأخلاق، والغاية، وما إلى ذلك، وأي محاولة لتجاهل هذه اللبنات المعرفية تستلزم تدهور التمثيلات المتماسكة وذات المغزى للواقع. إذا اضطررنا بشكل طبيعي إلى الاعتقاد بشيء ما من أجل الحصول على أي تمثيل ذي مغزى للواقع، فإن إلقاء الشك على ذلك يؤدي إلى العدمية المعرفية. إن تبني نموذج الشك والمطالبة بإثبات الأسس نفسها لا يؤدي إلا إلى انهيار المشروع الفكري للمعنى بأكمله. يقول ابن تيمية:
”البرهان الذي ينال بالنظر فيه العلم لا بد أن ينتهي إلى مقدمات ضرورية فطرية فإن كل علم ليس بضروري لا بد أن ينتهي إلى علم ضروري، إذ المقدمات النظرية لو أثبت بمقدمات نظرية دائماً لزم الدور القبلي، أو التسلسل في المؤثرات في محل له ابتداء.
وكلاهما باطل بالضرورة واتفاق العقلاء من وجوه.
فإن العلم النظري الكسبي هو ما يحصل بالنظر في مقدمات معلومة بدون النظر إذ لو كانت تلك المقدمات أيضا نظرية لتوقف على يغرها، فيلزم تسلسل العلوم النظرية في الإنسان، والإنسان حادث كائن بعد أن لم يكن، والعلم الحاصل في قلبه حادث، فلو لم يحصل في قلبه علم إلا بعد علم قبله، للزم أن لا يحصل في قلبه علم ابتداء فلا بد من علوم بديهية أوليه يبتدؤها الله في قلبه وغاية البرهان أن ينتهي إليها.
ثم تلك العلوم الضرورية قد يعرض فيها شبهات ووساوس كالشبهات السوفسطائية مثل الشبهات التي يوردونها على العلوم الحسية و البدهية كالشبهات التي أوردها الرازي في أول مُحَصَّلِه وقد تكلمنا عليه في غير هذا الموضع.
والشبهات القادحة في تلك العلوم لا يمكن الجواب عنها بالبرهان لأن غاية البرهان أن ينتهي إليها، فإذا وقع الشك فيها انقطع طريق النظر والبحث.
ولهذا كان من أنكرم العلوم الحسية والضرورية لم يُناظَر، بل إذا كان جاحداً معانداً عوقب حتى يعترف بالحق، وإن كان غالطاً إما لفسادٍ عَرضَ لحسِّه أو عجز عقله عن فهم تلك العلوم، وإما لنحو ذلك، فإنه يعالج بما يوجب حصول شروط العلم له وانتفاء موانعه فإن عجز عن ذلك لفساد في طبيعته عولج بالأدوية الطبيعية أو بالدعاء والرقى والتوجه ونحو ذلك وإلا تُرك”.[170]
هنا، يقدم ابن تيمية شرحًا واضحًا للحاجة إلى الأسس المعرفية. ولكن بدلاً من تقديم شكل تعسفي من التأسيسية التي تقوضها معضلة أجريبا Agrippan trilemma، يُوضّح أن المعرفة البديهية للواقع مبنية وفقًا للمفاهيم التي بدأها الله في العقل عبر الفطرة، وهي مفاهيم لا يمكن للمرء الاستغناء عنها بينما لا يزال يأمل في الحصول على تفسير غائي للوجود.[171] إن الابتعاد عن المفاهيم ذات المغزى من خلال نفي المعرفة الضرورية يستلزم السفسطة. الترياق المضاد للشك البيروني لا يكمن في تسليته بالحجج الفلسفية المطولة ولكن النظر إلى المسببات الروحية النفسية الكامنة وراءه -العمى والعناد المتعمد أو الأسس المعرفية الفاسدة أو التفسير الفسيولوجي. من خلال إعادة توجيه المرء إلى الحالة الوجودية الخاصة به، والسعي وراء نظرة ذات مغزى للحياة، والبحث عن الله بشوق روحي حقيقي، يكون الإنسان قادرًا على اكتساب أقوى أسس الاقتناع.
يحتاج الإنسان إلى نموذج Paradigm يقدم مفهومًا ذا مغزى للجوانب الأساسية للحياة. كما يوضح ابن تيمية، فإن نقطة انطلاق المعرفة هي أن يبحث البشر بصدق وإخلاص عن إجابات وإرشادات من خالقهم.[172] يقول القرآن: ﴿تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ (الجاثية، آية 6). يقول المفسّر العلامة الآلوسي (ت 1270هـ): “وهذا يدل على أنه لا يوجد تفسير ذو مغزى (بيان) أكثر دلالة من هذا التفسير [أي النموذج الإسلامي] The Islamic Paradigm، ولا توجد آية أقوى دلالة من هذه الآية [أي الخطاب القرآني].[173] إن أقوى البراهين المعرفية هي تلك التي تُوفّر الفهم الأكثر أهمية للواقع.
الشك البيروني واِبستمولوجيا الخلاف
لقد تم توضيح طبيعة الشك بشكل أكبر من خلال الاهتمام الأكاديمي الحديث بنظرية المعرفة المتعلقة بمفهوم الخلاف. كما يلاحظ ماركوس لاممينرانتا، فإن العلاقة بين الشك والخلاف تم التقاطها في أول وأهم أنماط Agrippa الخمسة.[174] ينشأ الدافع وراء تعليق الحكم على وجه التحديد لأن المرء يواجه خلافًا غير قابل للتقرير. يلاحظ لاممينرانتا أيضًا أن رينيه ديكارت ردّد نفس الاستدلال البيروني في كتابه “قواعد توجيه العقل”:
”عندما يصدر شخصان حكمين متعارضين حول نفس الشيء، فمن المؤكد أن أحدهما على الأقل مخطئ، وليس لديه معرفة، على ما يبدو. لأنه إذا كان منطق أحدهما مؤكدًا وواضحًا، فسيكون قادرًا على وضعه أمام الآخر بطريقة تقنع عقله أيضًا في النهاية“.[175]
وفقًا لامينرانتا، فإن حجة الخلاف تؤدي إلى الشك بسبب المفهوم الديالكتيكي الأساسي للتبرير: “س” له ما يبرره في الاعتقاد أن “ص” يستطيع الدفاع إذا كان وفقط “س” يستطيع الدفاع عن “ص” ضد التحديات الموائمة.”[176]
”وفقًا لهذا النوع من النظريات، لكي أكون بُرهانياً في اعتقادي، يجب أن أكون قادرًا على الدفاع عن إيماني ضدّ شخص آخر. لا يمكنني القيام بذلك إلا إذا كانت لدي أسباب أو أدلة تقنع الطرف الآخر.“[177]
بعبارة أخرى، ما يكمن في قلب الشك هو الفكرة القائلة بأن المرء غير برهاني في الإيمان بشيءٍ ما إذا لم يستطع تقديم الحجج والأدلة الكافية لإقناع الخصم وإلحاق الهزيمة بأي اعتراضات مُحتملة. لا يلزم حتى أن تستند هذه الاعتراضات إلى أي حقيقة ملموسة، ولكنها قد تظهر ببساطة في خيال المرء لسيناريو بديل يمكن أن يفسر بنفس القدر الأدلة التي يتم الاستناد إليها لبرهنة الاعتقاد. وهكذا؛ فإن السيناريوهات التخيلية التي يكون فيها البشر جزءًا من محاكاة حاسوبية لأنواع غريبة متقدمة تصبح فجأة اعتراضات حقيقية يجب مواجهتها من أجل الحصول على اعتقاد مبرهن ومنطقي بأننا موجودون في عالم مادي. حتى بالنسبة إلى مسائل اليقين الأكثر تأكيدًا، يمكن دائمًا أن يكون هناك اعتراض يمكن تخيّله يكمن في زاوية عقل المشكوك فيه. في الواقع، أكّد ابن تيمية أن جزءً من الشك الراديكالي (السفسطة) هو اعتبار مجرد إمكانية وجود شيءٍ ما في خيال المرء يمكن إدراجه كدليل على إمكانية حدوثه في الواقع الخارجي.[178]
تم اعتبار الخلاف كمصدر للشك في الأدبيات المتعلقة بإبستمولوجيا الخلاف على أنها مصالحة (“عند معرفتي أن أحد الأقران يختلف معي حول قضية ما، لا يمكنني وبشكل عقلاني الاستمرار في تصديق تلك القضية وبنفس الثقة “).[179] علاوة على ذلك، كتب دييجو ماتشوكا:
”من أجل حل الخلاف بين الأقران حول قضية معينة، يجب على المتنازعيْن اللجوء إلى أسباب مستقلة عن معتقداتهم حول القضية المتنازع فيها وإلى المنطق الذي على أساسه تشكّلت هذه المعتقدات.
…من الواضح أن هناك علاقة وثيقة بين الشك والخلاف حيث أن الشك يكون دائمًا كامنًا كموقف محتمل يمكن اعتماده في أي مناقشة للخلاف. على سبيل المثال، فيما يتعلق بالمفهوم الديالكتيكي للبرهنة، فإن مجرد وجود النزاع يؤدي إلى المطالبة بالبرهان: يجب أن العارف المختص والمسؤول قادرًا على الدفاع عن معتقداته عندما يواجهها منافسوه المعرفيون.“[180]
تم استخدام إثارة الخلاف من قبل منظري الخطأ الأخلاقي الذين أنكروا وجود قيم أخلاقية موضوعية مبنية على نزاعات منتشرة حول الأخلاق.[181] علاوة على ذلك، فإن التذرع بوجود الخلاف باعتباره دافعًا للشك قد وصفه الفلاسفة الملحدون المعاصرون بأنه “أقوى سبب” للقول بأن الإيمان بالله غير منطقي.[182] إن حقيقة أن وجهة النظر هذه تنطوي على شك عام حول جميع المعتقدات العادية يتم رفضها على عجل لأن (1) يتفق الناس عمومًا على هذه المعتقدات و(2) هذه المعتقدات الأخرى مبرهنة للغاية بحيث يمكننا رفض خلاف الآخرين عليها بشكل بُرهاني “على الرغم من أننا لا نستطيع أن نرى بالضبط لماذا في البداية.”[183] يبدو أن مثل هذه الإجابة غير مرضية تمامًا للهروب من الشكوك البيرونية، والروحانية، والمأزق الأخلاقي، وما إلى ذلك، يبدو أنه يهرب تمامًا من الذين يُقدّمونها.
الأجسام الطائرة، الجذام، الحصان ذو القرن، جنية الأسنان، ووحوش السباغيتي الطائرة: متى يكون الشك منطقيًا؟
يدرك معظم الأفراد بسهولة أنه سيكون من السخف أن تكون متشككًا جدًا في كل شيء وفي أي شيء، على سبيل المثال، لا يمكن للمرء أبدًا تناول الطعام دون الشك في أن طعامه قد تم تسميمُه أو أن يدخل إلى مبنى دون الشعور بالخوف الشديد من احتمال انهياره. علاوة على ذلك، يعتبر معظم الأفراد عمومًا أن الإيمان بالذاتية أمر خيالي وهمي ولا يستحق التفكير الجاد. لكن بالتأكيد، يجب أن يكون هناك حل وسط حيث تستحق بعض الأمور الشك؟ بعد كل شيء، لماذا المؤمنون مقتنعون جدًا بعدم وجود الحصان وحيد القرن وجنية الأسنان؟
الحقيقة هي أن هناك عددًا كبيرًا من التصريحات والمفاهيم التي يُواجهها البشر على أساس يومي، والتي يُنظر إليها بشكل صحيح مع الشك والتي يُتطلّب إثباتها. تظهر صورة ذات مغزى للواقع في العقل البشري كنتيجة للتدفق المستمر للإدراك الحسي (الحس) الذي تمت تصفيته بواسطة قيود العقل العقلاني (العقل) المعتمد على المفاهيم البدائية (البدهية) – مثل السببية، والغائية، والحجم، والمكان. العلاقات -متجذّرة في النهاية في الطبيعة البشرية (فطرة) عندما يصادف هذا العقل لاحقًا شيئًا “لا معنى له تمامًا”، تنشأ تجربة التنافر المعرفي بسبب وجود تعارض بين صورة الواقع التي يمتلكها المرء والمعلومة الجديدة التي حصل عليها. من أجل قبول هذا الجزء الجديد من المعلومات على أنه صالح وإعادة تكوين النظرة الحالية للعالم لاستيعابها، يحتاج المرء إلى سبب وجيه للغاية للاعتقاد بأنها صحيحة. عندما يتعارض شيء ما مع المفاهيم الأساسية للسببية، أو لا يبدو متوافقًا مع المفاهيم التجريبية والعقلانية الراسخة المتعلقة بالعالم، أو يبدو مخالفاً للحساسيات الأخلاقية الأساسية، فإن هذه المفاهيم يُنظر إليها بحق نظرة شك وعدم ثقة ويُنظر إليها بدرجة عالية من الشك المعقول حتى تَثبت الأدلة الدامغة لصالحهم.
فلماذا يكون من المنطقي أن تكون متشككًا في وجود الحصان وحيد القرن، والأجسام الطائرة، والأقزام، والعفاريت، ومجموعة من الكيانات الخيالية الأخرى؟ وكيف يختلف هذا الشك عن التشكيك في وجود الله؟ حسنًا، في البداية، هذه كيانات مادية موضوعة داخل العالم المادي تتعارض مع تجربتنا وملاحظتنا. ومع ذلك، إذا أعلنت مجموعة رائدة من العلماء أنهم اكتشفوا بقايا العديد من الخيول أو المخلوقات الشبيهة بالحصان التي أظهرت إسقاطًا عظميًا محاطًا بالكيراتين ينمو من الرأس، بما يتوافق مع القرن -فإن شكوكنا تجاه الوجود التاريخي للحصان وحيد القرن ستنخفض بشكلٍ ملحوظ.
من ناحية أخرى، ليس من المنطقي أن تكون مُتشكّكًا في وجود الخير والشر (الأخلاق)، والسبب والنتيجة (السببية)، والحقيقة والزيف، والمنطق، كما أنه لا معنى للشك في الإلهي. هذه ليست كيانات مادية، بل هي أسس وجودية وظاهرية يتم بناء مفاهيمنا عن الوجود والغاية عليها وجعلها ذات معنى. أَزِل أي عنصر من تلك العناصر ولن يعود لدينا أي صورة منطقية للكون؛ لم يعد لدينا تصور منطقي حول من نحن ولماذا من المفترض أن نكون أصلاً. بدلاً من ذلك، لدينا بحر لا معنى له من الجسيمات التي توجد بلا سبب والتي يكون تكوينها في العالم الحالي من حولنا بلا معنى كما لو أن الجسيمات تم تكوينها في مصفوفة غير منظمة. هناك بعض الهياكل المعرفية المضمنة في طبيعتنا البشرية (الفطرة) التي نستخدمها لتصفية تجاربنا الحسية إلى أجزاء ذات مغزى من المعرفة التي يمكن أن تساعدنا في تصورنا للواقع. من المنطقي الشك في شيءٍ ما يتعارض مع أسس الأنطولوجيا لدينا ولكن ليس من المنطقي الشك في الأسس الوجودية نفسها.
هناك مغالطة منطقية هائلة في وضع الكيانات المادية الخيالية جنبًا إلى جنب، من ناحية، في العالم الطبيعي الذي يمكن ملاحظته والتي تنتهك المفاهيم المنطقية حول الواقع مثل الحصان أحادي القرن والجذام، ومن ناحية أخرى، تلك الأسس المفاهيمية والمراسي الأنطولوجية التي تدعم أي معنى يُفسّر الواقع -مثل الله، والسببية، والمنطق، والنظام العددي، والتسلسل الزمني، والأخلاق، وما إلى ذلك. مفهوم الحصان وحيد القرن هو مفهوم الوحش المادي الخيالي الذي لا يؤثر وجوده أو عدم وجوده على البنية التأسيسية لعالمنا، في حين أن مفهوم السببية هو مفهوم الأساس الوجودي الذي بدونه لا يمكن تفسير صورة ذات مغزى للواقع. وبالمثل، بدون مرساة إلهية لجميع المفاهيم ذات المغزى، تنهار كل المفاهيم إلى اللامعنى.
معنى المعنى
”يتبع كل إنسان نظرة أو تسلسل هرمي للقيم أو نظام معتقد يمكن أن يجعل الحياة ذات معنى. لكن ماذا نعني عندما نسأل عن معنى الحياة؟ يكتب الفيلسوف هاري جين بلوكير:
لقد ميزنا بالفعل أربعة معاني رئيسية للمعنى: (1) مكان X في النظام، (2) الغائية الإنسانية، (3) المعنى اللغوي أو الرمزي (الهوية أو الترجمة)، (4) الوجود
… ومن المثير للاهتمام، أن “معنى الحياة” يقع أيضًا في جميع هذه الفئات الأربع مع نتيجة مختلفة قليلاً في كل حالة. لقد أكدنا على معنى الحياة باعتباره الترابط بين أفعال الفرد في نمط متكامل كلي له مكان في الحياة الكبرى للمجتمع. هناك أيضًا معنى الحياة كشيء اتّخذ شكلاً يمكن التعرف عليه، أو على الأقل بشكل سلبي، فقدان الشكل الذي يعتبر بلا معنى. وهناك أيضًا معنى الحياة بمعنى الغرض من حياة المرء أو البشرية جمعاء الذي وجدناه في سارتر، وهذا يمكن أن يؤدي إلى إحساس بمعنى الحياة مثل معنى الترجمة الذي يتوقعه المرء. نفس نوع الإجابة على السؤال “ما معنى الحياة؟” فيما يتعلق بسؤال “ماذا تعني “جا “؟
… وهكذا، يمكن إرجاع الجذر المنطقي للمعنى إلى الإحساس بالغاية ونظام العلاقات الهادفة. عندما يتحدث الناس عن مغزى الأشياء، فإنهم عادة ما يتحدّثون إما عن (أ) الطريقة الهادفة التي يبدو أن الأشياء تتشابك معها أو (ب) الغاية التي يمتلكها هذا النظام ككل. بالمقابل، يمكن أن يعني اللامعنى إما (أ) انهيار هذا النظام أو (ب) إدراك أن الغاية من النظام ككل هو إسقاط بشري ليس له أساس في الواقع.“[184]
على الرغم من مركزية السؤال “ما معنى الحياة؟” بالنسبة للمساعي البشرية، “لم يبدأ الفلاسفة التحليليون على وجه الخصوص في إيلاء أي اهتمام جدي للموضوع إلا في العقود القليلة الماضية”[185]. يلاحظ جوشوا لويس توماس أنه مثلما ينقل المعنى في اللغويات معنى الكلمة، فإن المعنى إذن هو مسألة الحصول على إجابات منطقية في معالجة الأسئلة البارزة لأصل الشيء وتأثيره وهدفه وقصته. إطار المعنى هو ما يسمح للمرء بمعالجة التدفق المستمر للمعلومات الحسية التي تتدفق إلى وعي الفرد من أجل تفسير وفهم الوجود والعالم.[186]
تميل الأسئلة الكبيرة في الحياة إلى التجمّع في ثلاث مجموعات -فكرية وأخلاقية وروحية. بغض النظر عن الثقافة أو الأيديولوجية التي نشأ عليها المرء، فإنه يسعى دوماً للإجابة على أسئلة من قبيل “ما الذي يجعل حياتي تستحق العيش؟” (روحي)، “كيف أعيش حياة جيدة؟” (أخلاقي)، و “ما الذي يستحق المعرفة؟” ‘(فكري). السعي وراء الحقيقة يعني البحث عن الإجابات التي تخدم الغاية في فهم هذه الأسئلة الأساسية. يفضل كل إنسان بالحدس نظامًا للاعتقاد والقيمة قادرًا على تقديم إجابات ذات مغزى للأسئلة في هذه المجالات الثلاثة بدلاً من الإجابات غير المتماسكة والتي لا معنى لها. في نهاية المطاف، يواجه الإنسان خيارًا أساسيًا، بين المعنى أو اللامعنى.[187] بالنسبة لمن يتبنى المادية، فإن الوجود في مجمله ليس أكثر من تفاعلات حساء هائل من الجسيمات عديمة الغاية. يجب أن تكون القيم والأفكار والمبادئ الأخلاقية ليست أكثر من أوهام لمجموعات جُسيمية، التي تفترض وعيها الخاص ووجودها الفردي. كل ما هو موجود في الوجود مصمم ليكون منطقيًا، في جذوره وجوهره، لا معنى له في النهاية. لكن حتى القول بأن الوجود ليس له معنى يُنظر إليه على أنه ادّعاءٌ ذو مغزى، وبالتالي لا مفر من المعنى.
في الإسلام، المجالات الثلاثة -الروحانية والأخلاقية والفكرية- متوائمة ومترابطة تمامًا. كما يشرح ابن تيمية، فإن طريقة المسلمين تجمع بين المعرفة النافعة والعمل الصالح وتجمع بين النقاء الروحي (زكاء) والنظرة الفكرية (ذكاء)؛ وهذا معنى أن يكون الإسلام طريق الحق والهداية.[188] يتحد التميز الأخلاقي والوضوح الفكري والنقاء الروحي في الرحلة الإسلامية نحو الله (تم الكشف عن الكثير في هذا الباب في مقال سابق In Pursuit of Conviction II: Humanity Needs God).[189] نموذج التوحيد الذي قدمه الإسلام نجح في دمج كل هذه المجالات الثلاثة في فهمٍ يجعل الحياة ذات معنى، وبالتالي فهو بمثابة مرساة وجودية – أساس ضروري لجميع المفاهيم ذات المغزى عن الحياة.[190] إن إخضاع الارتكازات الأنطولوجية للشك يؤدي فقط إلى احتراق نفس الإطار الذي يجعل مفاهيم الحقيقة والباطل ذات مغزى والتي يستند إليها المسعى المتشكك نفسه.
خاتمة
بعيدًا عن كونه قديمًا، يحتوي التقليد الأكاديمي الإسلامي على ثروة هائلة من الرؤى الفكرية التي لها تأثير هائل على المحادثات الجارية اليوم. هذا صحيح بشكل خاص فيما يتعلق بالمحادثات حول الإلحاد والمطالبة بإثبات فلسفي أو تجريبي لوجود الله. المغالطة الكامنة وراء مثل هذه المحادثات هي مغالطة مشتركة بين المتشككين البيرونيين القدامى في اليونان وتنبع من نظرية المعرفة غير المتماسكة حول ما الذي يُشكّل دليلاً، وما الذي يُنتج اليقين، وما يميز المفاهيم التي تتطلب إثباتًا من تلك المفاهيم التي بدونها لا يمكن لأي تفسير ذي معنى أن يكون.
يرى ابن تيمية أن الإيمان بالله لا يتطلب، من خلال نظرية المعرفة المتماسكة، دليلًا فلسفيًا. ومع ذلك، فمن الشائع اليوم أن نجد محاولات لمعالجة الإلحاد من خلال تقديم “أدلة فلسفية” على وجود الله، وربما يعزز عن غير قصد المغالطة البيرونية وراء الإلحاد- أي أن الإيمان بالله أمر غير مؤكد، في البداية، ويحتاج إلى البرهنة لإثباته. بدلاً من ذلك، يحتاج المرء فقط إلى تقديم الرسالة الإسلامية وشرحها، والتي تتفق تلقائيًا مع الفطرة البشرية. إذا كان المرء منفتحًا على الرسالة وتفكّر فيها، فإن فطرة المرء ستُرشد المرء إلى احتضانها؛ إذا لم يكن الأمر كذلك، فلن يفيد أي أدلة أو حجج أو براهين مهما بلغت. عندما نفهم المقاربة القرآنية، الذي تُقدم الإيمان كأساس وجودي، والطبيعة الغائية للحقيقة (الحق)، يتضح لنا أنه لا يمكن تأويل حقيقي للواقع بدون الإيمان بالله كما هو مبين في النموذج الإسلامي. الإيمان بالله هو الأساس المتين لكل شيء آخر ليكون ذا معنى. بدلاً من طلب إثباته، فهو الذي يُثبت كل ما سواه.
الهوامش:
[1] شكر وتقدير المؤلف: قدم العلماء والمفكرون التالية أسماؤهم تعليقات قيمة حول المسودات السابقة لهذا المقال: د. كارل شريف الطبقي، د. أوفامير أنجوم، د. ياسين محمد، د. طاهر وايت، د. زارا خان، د. طلال زيني، د شعيب أحمد مالك، د ياسر قاضي، د. حاتم الحاج، ش. محمد الشناوي، د. شبير أختار، د. زهير عبد الرحمن، ش. منتصر زمان وجيمي تورنر وحمزة تزورتزيس والدكتور إدوارد معاد.**وحدة الأنا كما تُعرف باسم الذاتية (أو السولبسية وفق الترجمة الحرفية، إذ أن الاسم مشتق من الكلمة اللاتينية solus بمعنى “منفرد” وipse بمعنى “ذات”) هي فكرة فلسفية تقول بأنه لا وجود لشئ غير الذات أو غير الأنا أو لا وجود حقيقي إلا لعقل الفرد وهي موقف معرفي يقول بأن المعرفة المتعلقة بأي شيء خارج عقل الإنسان غير مؤكدة، وأنه وفق هذه الرؤية المعرفية لا يمكن معرفة العالم الخارجي والعقول الأخرى، بل إنها قد لا توجد البتة خارج عقل الإنسان، وكنظرة ميتافيزيقية تجنح الذاتية إلى القول بأن العالم الخارجي والعقول الأخرى غير موجودة، وبهذا يكون هذا الموقف المعرفي بادعائه نفسه غير قابلاً للنقض كما أنه غير قابل للإثبات في نفس الوقت.[المترجم]
[17] لمناقشة أكثر تفصيلاً لآثارها اُنظر For a more detailed discussion of its implications, see Gary Ebbs, “Skepticism, Objectivity, and Brains in Vats,” in Debating Self-Knowledge, Anthony Brueckner and Gary Ebbs (Cambridge: Cambridge University Press, 2012), 28–54. [18] Nick Bostrom, “Do We Live in a Computer Simulation?” New Scientist 192, no. 2579 (November 19, 2006), 38–39. [19] Mike Wall, “ ‘We’re Probably Living in a Simulation,’ Elon Musk Says,” Space.com, September 7, 2018, https://www.space.com/41749-elon-musk-living-in-simulation-rogan-podcast.html. [20] ابن تيمية، درء تعارض العقل والنقل، 10 مجلدات، الطبعة الثانية، تحرير محمد رشاد سالم (الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعيد الإسلامية، 1411/1991)، 5:254. [21] ابن تيمية، درء التعارض، 5: 255-56. [22]Olga Oksman, “Conspiracy Craze: Why Twelve Million Americans Believe Alien Lizards Rule Us,” Guardian April 2016, https://www.theguardian.com/lifeandstyle/2016/apr/07/conspiracy-theory-paranoia-aliens-illuminati-beyonce-vaccines-cliven-bundy-jfk [23] Richard Garner, “Morality: The Final Delusion?,” Philosophy Now 82 (2011): 18–20. إذا كان المرء يؤمن بنظرية الخطأ الأخلاقي، فما الذي يجب فعله حيال الخطاب الأخلاقي؟ في حين أن الخيال الأخلاقي يتبنى التظاهر بوجود قيم أخلاقية، فإن غارنر نفسه يدعو إلى الإلغاء الأخلاقي، بحجة أنه يجب علينا محاولة القضاء على خطاب الأخلاق تمامًا. [24] في الواقع، يجادل هارتري فيلد بأن “الاستحقاق الافتراضي” لمثل هذه البديهيات هو التبرير الفلسفي الوحيد الذي يمكن تقديمه. يكتب، “يمكن مناقشة العديد من معتقداتنا وقواعدنا الاستنتاجية في الرياضيات والمنطق والمنهجية من معتقدات وقواعد أساسية، دون أي دائرية. لكن هذا ليس كذلك بالنسبة لمعظم المعتقدات والقواعد الأساسية: يجب أن نكون، بمعنى ما، مؤهلين لها بشكل افتراضي “. Hartry Field, “Recent Debates about the A Priori,” in Oxford Studies in Epistemology, ed. Tamar Szabo Gendler and John Hawthorne (Oxford: Oxford University Press, 2005), 1:81. [25] كان الشك تجاه السببية محورًا رئيسيًا للنقاش الأكاديمي المحيط بآراء ديفيد هيوم، الذي أشار إلى عدم وجود مبرر منطقي للاستدلال السببي على الرغم من ضرورته للتشغيل السليم لأذهاننا. كما يوضح جيمس هيل، “أنظمة معتقداتنا مشبعة بالاستدلال السببي وسنكون أسرى لأذهاننا إذا شككنا في جميع العلاقات السببية.” James Hill, “Hume’s Theory of Causation: Is There More Than One?” Teorie Vědy / Theory of Science 33, no. 2 (2011): 233–49. See also Graciela De Pierris, “Hume’s Pyrrhonian Skepticism and the Belief in Causal Laws,” Journal of the History of Philosophy 39, no. 3 (2001): 351–83. [26]Ludwig Wittgenstein, حول اليقين, ed. G. E. M. Anscombe و G. H. von Wright, trans. D. Paul and G.E. M. Anscombe (Oxford: Blackwell, 1969), 115. اُنظر أيضاً Duncan Pritchard, “Faith and Reason,” Philosophy 81 (2017):101–18.يكتب بريتشارد: الأمر المثير للاهتمام بشكل خاص في هذا السياق هو أن هناك الكثير من الأدلة على أن ملاحظات فيتجنشتاين حول الالتزامات المفصلية قد تأثرت بشدة بعمل جون هنري نيومان، وعلى وجه الخصوص دفاعه عن عقلانية المعتقد الديني في مقال عن مساعدة قواعد الموافقة. في هذا العمل، يعارض نيومان مفهوم لوكيان لأساسنا للمعتقد الديني. جادل لوك في مقالته حول الفهم الإنساني بأن “العقل يجب أن يكون آخر حكم لنا ومرشدنا في كل شيء” وبناءً عليه، أكد أن المعتقدات الدينية يجب أن تعرض على محكمة العقل تمامًا مثل أي معتقدات أخرى (10). [27] ابن تيمية، درء التعارض، 3: 133. بالإضافة إلى الإنكار الصريح لوجود الله، فإنه يناقش المفهوم الأوسع المتمثل في افتراض أن المرء لا يحتاج إلى الله (الاستغناء الإنساني). [28] يعتقد بعض دعاة إلغاء عقوبة الإعدام الأخلاقي أنه يجب ثني الناس عن الإيمان بالقيم الأخلاقية. يكتب جويل ماركس: “أخيرًا وصلت إلى نقطة شعرت فيها أنه بعيدًا عن الحاجة لإخفاء عدم أخلاقيتي عن العالم، يجب أن أُشاركه مع العالم. ستكون هدية. على أقل تقدير، كانت مهمة -ربما أهم شيء في العالم! كما أنني رأيت الفكاهة في وضعي: لم أفهم أنني أصبحت مبشرًا غير مؤمن”.Joel Marks, Ethics Without Morals: In Defence of Amorality (New York: Routledge, 2013), 14. يعتقد دعاة إلغاء عقوبة الإعدام الأخلاقي أنه لا ينبغي فقط إلغاء تأكيد الأحكام الأخلاقية، بل أيضًا إلغاء تأكيد حقيقة نظرية الخطأ الأخلاقي والاستصواب الأخلاقي. الإلغائية. “السبب الرئيس للنهج القوي [غير الحازم لإلغاء العبودية الأخلاقي] هو الحصول على شيء مثل اللامبالاة البيرونية فيما يتعلق بالأخلاق، وتحرر علاجي من الاعتقاد في أكبر قدر ممكن من المعيارية والاهتمام به.” Jason Dockstader, “Nonassertive Moral Abolitionism,” Metaphilosophy 50, no. 4 (2019): 481–502. [29] ابن تيمية، درء التعارض، 5: 130-1. لاحظ أنه بينما يتنكر للرأي القائل بأن كل ما هو موجود يجب أن يكون مدركًا لنا في هذا العالم، فإنه يؤكد بدلاً من ذلك الرأي القائل بأن كل ما هو موجود من حيث المبدأ يمكن إدراكه، حتى لو كان فقط في الآخرة (الموجود هو ما يمكن الإحساس به ولو في الآخرة). انظر أيضًا ابن تيمية، بيان تلبيس الجهمية (المدينة المنورة: مكتبة الملك فهد الوطنية، 2005)، 2: 341. [30] في هذا السياق، كتب ليو جروارك، “يتم طرح الحجج المتشككة على أنها هجوم على الحقيقة الواقعية، معارضة فكرة أنه يمكننا تجاوز نظرتنا الذاتية من خلال القول بأن معتقداتنا مرتبطة بالضرورة بالطبيعة البشرية والإدراك، والثقافة التي نعيش فيها، والالتزامات الفلسفية، وما إلى ذلك. ويبلغ هذا المنطق ذروته في قرار تعليق الحكم على حقيقة أي ادعاء، ولكن هنا كما في أي مكان آخر، فإن القلق هو الحقيقة بالمعنى الواقعي. Leo Groarke, Greek Scepticism: Anti-Realist Trends in Ancient Thought (Montreal: McGill-Queen’s University Press, 1990), 20. [31]Don Garrett, “ ‘A Small Tincture of Pyrrhonism’: Skepticism and Naturalism in Hume’s Science of Man,” in Pyrrhonian Skepticism, ed. Walter Sinnott-Armstrong (Oxford: Oxford University Press, 2004), 68–98. [32]For a helpful overview,Whitley Kaufman, “New Atheism and Its Critics,” Philosophy Compass 14, no. 1 (2018). [33] على سبيل المثال، كتب ريتشارد دوكينز، “وجود الله أو عدم وجوده هو حقيقة علمية عن الكون، يمكن اكتشافها من حيث المبدأ إن لم يكن في الممارسة. Richard Dawkins, The God Delusion,New York: Mariner Books, 2008, 72–73. كتب فيكتور ستينجر، “بحلول هذه اللحظة، تقدم العلم بما يكفي لإصدار بيان نهائي حول وجود أو عدم وجود الله”. Victor Stenger, God: The Failed Hypothesis, Amherst, NY: Prometheus Books, 2007, 11. [34] Shoaib Ahmed Malik, “Defining Atheism and the Burden of Proof,” Philosophy 93, no. 2 (2018): 279–301. [35] من المحتمل أن يكون هذا هو الدافع اللاوعي الأكثر شيوعًا. يعلق شعيب مالك أيضًا على دوافع أخرى أكثر تعمدًا: “علاوة على ذلك، كما بينت سابقًا، فإن عدم الإيمان بالله وإنكار وجود الله هما موقفان منفصلان (أولهما وجهة نظر محايدة). لماذا إذن يصر بعض الملحدين على دمج “نقص الإيمان” المعرفي تحت مصطلح “الإلحاد”؟ يبدو أن هناك مكسبًا مفيدًا في توسيع شبكة الإلحاد كموقف أكثر شمولًا لأنه يمكن أن يساعد في اكتساب العملة الاجتماعية والسياسية (Malik, “Defining Atheism,” 299). ويلاحظ أن أرقام التعداد لـ “الإلحاد” تتضاعف بشكل فعال بناءً على التعريفات. [36 [ابن تيمية، بيان تلبيس الجهمية،:3412 [37]Walter Sinnott-Armstrong, “Introduction to Pyrrhonian Skepticism,” in Pyrrhonian Skepticism, ed. Walter Sinnott-Armstrong (Oxford: Oxford University Press, 2004), 4. [38] “ديكارت نفسه لم يكن من المتشككين الديكارتيين. كان مطهراً. ومع ذلك، هناك سبب وجيه للحديث عن “الشك الديكارتي”، حيث أوضح ديكارت وكافح ضد الموقف الذي أطلقنا عليه “الشك الديكارتي”. Duncan Pritchard and Sven Bernecker (New York: Routledge, 2011), 416. [39] بينما اعتبر ديكارت التجربة الداخلية الذاتية غير قابلة للشك، اعتقد إيمانويل كانط أن هذه التجربة الداخلية تعتمد بالضرورة على وجود تجربة خارجية. Barry Stroud, “Kant’s ‘Transcendental Deduction’” in Kant’s Critique of Pure Reason: A Critical Guide, ed. James R. O’Shea (Cambridge: Cambridge University Press, 2017), 114–15. [40]Jessica Wilson, “The Regress Argument against Cartesian Skepticism,” Analysis 72, no. 4 (2012): 668–73, http://dx.doi.org/10.1093/analys/ans117. [41] Wilson, “Regress Argument,” 672. [42] D. E. Machuca, “Ancient Skepticism: Overview,” Philosophy Compass 6, no. 4 (2011): 234–45. [43] Groarke, Greek Scepticism, 31–32. For an overview of the subject of skepticism, see Allan Hazlett, A Critical Introduction to Skepticism (London: Bloomsbury, 2014). [44] يكتب بيت قائلاً، “Diogenes (9.62) يبلغ عن Antigonus قوله إن افتقار بيرهو للثقة في حواسه دفعه إلى تجاهل المنحدرات، والعربات القادمة والكلاب الخطرة، وأن أصدقاءه اضطروا إلى متابعته لحمايته من هذه الأشياء المختلفة والمخاطر اليومية.” Richard Bett, “Pyrrho,” in The Stanford Encyclopedia of Philosophy, Winter 2018, ed. Edward N. Zalta, https://plato.stanford.edu/archives/win2018/entries/pyrrho/. [45] M. F. Burnyeat, Can the Sceptic Live His Scepticism? Explorations in Ancient and Modern Philosophy (Cambridge: Cambridge University Press, 2012), 205–35. [46] يكتب نومينيوس، “أصر Arcesilaus في دحض كل شيء، تمامًا مثل Pyrrhonian باستثناء الاسم.” مقتبس من كريستوفر كريج دوبوي، “تأثير بيرهو لإيليس والتطبيق البيروني للغة أبوريتيك”، (master’s thesis, Memorial University of Newfoundland, 2014), 69. [47] وهذا ما يسمى “التفسير العقائدي” من الأكاديميين المتشككين. “المسألة الأساسية فيما يتعلق بالشك لدى Arcesilaus هي ما إذا كان ينبغي فهمها على أنها موقف فلسفي أو كممارسة ديالكتيكية بحتة بدون محتوى عقائدي.” Harald Thorsrud، “Arcesilaus: Socratic Skepticism in Plato’s Academy،” Lexicon Philosophicum: Hellenistic Theories of Knowledge، إصدار خاص (2018): 195-220. [48] Casey Perin, “Making Sense of Arcesilaus,” in Oxford Studies in Ancient Philosophy, vol. 45, ed. Brad Inwood (Oxford: Oxford University Press, 2013), 326. [49] Jacques Brunschwig and Geoffrey E. R. Lloyd, eds., Greek Thought: A Guide to Classical Knowledge (Cambridge, MA: Harvard University Press, 2000), 938. [50] Groarke, Greek Scepticism, 29. [51] في هذا الصدد، كان له تأثير على Arcesilaus (المتوفي 241 قبل الميلاد)، والذي تحت توجيهه أصبحت أكاديمية أفلاطون متشككة بشكل علني في نهجها. وجه Arcesilaus وأتباعه، المعروفين باسم “المتشككين الأكاديميين” أو “المتشككين في أكاديمية أفلاطون”، جهودهم نحو دحض جميع الادعاءات التي قدمها أي من خصومهم. بحسب شيشرون (المتوفى 43 قبل الميلاد):كانArcesilaus، تلميذPolemo، أول من اشتقّ هذه النقطة الرئيسية من العديد من كتب أفلاطون ومن الخطابات السقراطية -أنه لا يوجد شيء يمكن للحواس أو العقل فهمه… يقال إنه قلل من شأن كل معيار من معايير العقل والحس، وبدأ الممارسة- على الرغم من أنها كانت سقراطية تمامًا -لا تتعلق بالإشارة إلى رأيه الخاص، ولكن بالتحدث ضد ما قاله أي شخص على أنه رأي [أي المتحدث].De Oratore 3.67, as cited in A. A. Long, “Plato and Hellenistic Philosophy,” in A Companion to Plato, ed. H. H. Benson (Malden: Blackwell Publishing, 2006), 425.
[52] سقراط، كما رأينا في حوارات أفلاطون، يتحدى أي معرفة لا تستند إلى تعريف واضح من خلال طرح أسئلة من صيغة “ما هو س؟” [53] Groarke, Greek Scepticism, 74n26. [54] Robert Sharples, Stoics, Epicureans and Sceptics: An Introduction to Hellenistic Philosophy (London and New York: Psychology Press, 1996), 11–12. [55] Georges Tamer, “The Curse of Philosophy: Ibn Taymiyya as a Philosopher in Contemporary Islamic Thought,” in Islamic Theology, Philosophy and Law: Debating Ibn Taymiyya and Ibn Qayyim al-Jawziyya, ed. Birgit Krawietz and Georges Tamer (Berlin: De Gruyter, 2013), 336. [56] التفتزاني، شرح المقاصد، بيروت، دار الكتب العلمية، 1971، 1:121 [57] ابن تيمية، درء التعارض، 1: 164 [58] كتبت باتريشيا أوجرادي، “تعريف بسيط للغاية للسفسطائيين، وواحد يخلو من دوغماتية أفلاطون وحقده، هو:السفسطائيون كانوا مستقلين، ومعظمهم من المعلمين المستقلين من غير الأثينيين الذين سافروا في جميع أنحاء اليونان القديمة من مدينة إلى مدينة يكسبون رزقهم من الطلب الجديد على التعليم. تكتب أيضًا: “لقد نشأ العداء تجاه السفسطائيين عندما تم وضع مهاراتهم في الفوز، بدلاً من اكتشاف الحقيقة… تم تطبيق المصطلح التكميلي مرة واحدة بطريقة ازدرائية، وهو استخدام يحتفظ به إلى حد كبير حتى يومنا هذا “. Patricia F. O’Grady, The Sophists: An Introduction (Bristol: Classical Press, 2008), 12, 15. [59] W. K. C. Guthrie, A History of Greek Philosophy, vol. 3, part 1, The Sophists (Cambridge: Cambridge University Press, 1977), 33–34. [60] Robin Waterfield, The First Philosophers: The Presocratics and Sophists, Oxford World’s Classics (New York: Oxford University Press, 2000), 211. [61] Baldwin R. Hergenhahn, An Introduction to the History of Psychology, 6th ed. (Belmont, CA: Wadsworth, 2008), 42. [62] Hergenhahn, Introduction to the History of Psychology. [63] On the influence of the Sophists on Pyrrhonian skepticism, see Groarke, Greek Scepticism, 49–52. [64] Abū Manṣūr al-Māturīdī, Kitāb al-tawḥīd, ed. Bekir Topaloğlu and Muhammed Aruçi (Beirut: Dār Ṣadr, 2010), 222–25. See also Ulrich Rudolph, Al-Māturīdī and the Development of Sunnī Theology in Samarqand, trans. Rodrigo Adem (Leiden: Brill, 2014), 151. [65] ʿAbd al-Qāhir al-Baghdādī, al-Farq bayn al-firaq (Cairo: Maktabat Ibn Sīnā), 280. [66] Abū al-Maʿālī al-Juwaynī, al-Burhān fī uṣūl al-fiqh (Beirut: Dār al-Kutub al-ʿIlmiyyah, 2011), 20. [67] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 8:38 (“aʿẓam safsaṭah min ghayrihī min anwāʿ al-safsaṭah”). See also his discussion in Darʾ, 3:133, cited earlier. [68] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 6:15. [69] على الرغم من وجود بعض الملاحظات المماثلة لهذه النقطة التي توصل إليها بعد ستة قرون من ابن تيمية لودفيج فتجنشتاين، فإن ابن تيمية يوفر البديل المعرفي من خلال الفطرة والوحي. من ناحية أخرى، “نظرًا للطبيعة المراوغة لملاحظات فيتجنشتاين حول الشك، لا يزال هناك إجماع ضئيل أو معدوم على كيفية تفسيرها، أو بشكل عام، ما إذا كانت ملاحظات فيتجنشتاين وحدها يمكن أن تمثل استجابة صحيحة للشك الراديكالي”. Nicola Claudio Salvatore، “Wittgenstein: Epistemology” in The Internet Encyclopedia of Philosophy، https://www.iep.utm.edu/witt-epi/. [70] ابن تيمية، درء التعارض، 7: 403. وفي هذا الصدد، يسمي أيضًا فرعون وأتباعه بالمشككين الراديكاليين (ابن تيمية، بيان تلبيس الجهمية، 2: 341). [71] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 7:404. [72] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 10:241. [73] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 7:39–40. [74] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 6:11. [75] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 8:90. [76] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 7:37–38. [77] Ibn Taymīyyah, al-Radd ʿalá al-manṭiqīyīn (Lahore: Idārat Turjumān al-Sunnah, 1976), 1:8. [78] ابن تيمية، درء التعارض، 8:59. كما ذكر حقيقة أن الحوار باستخدام الأدلة لا طائل من ورائه مع أتباع السفسطة أو القرمطة لأن مثل هذا الشخص ينكر الحقائق الظاهرة في المجالين الطبيعي والكتابي على التوالي. اُنظر نقض المنطق، 159. [79] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 8:323. [80] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 3:288. [81] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 1:30–31. See also Naqḍ al-manṭiq, 332. [82] Ibn Taymīyyah, al-Radd ʿalá al-manṭiqīyīn, 1:363–64 and 1:416–17. [83] Ibn Taymīyyah, al-Radd ʿalá al-manṭiqīyīn, 1:363–64. [84] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 7:426. [85] ابن تيمية، درء التعارض، 6:67. كما يقول ابن تيمية: “وتزداد محبة الله تعالى حسب العلم به وسلامة الفطرة. وهو يتضائل مع قلة المعرفة وتلوّث فطرة المرء بشهوات مفسدة باطلة ”(درء التعارض 7: 73). [86] على سبيل المثال، يذكر ابن تيمية في الرد على المنطقيين أن “النفوس مضطرة بالفطرة إلى حب العدل وأنصاره، واحتقار الظلم وأنصاره، وهذا الحب الموجود في الفطرة هو المقصود به (العدل) كونه خيرًا، وهذا البغض هو المراد به (الظلم) كونه شراً ”(الرد، 1: 429). انظر أيضًا التعليق على هذا الذي قدمه Ovamir Anjum، Politics، Law، and Community in Islamic Thought: The Taymiyyan Moment, New York: Cambridge University Press، 2012, 224. [89] Ibn Taymīyyah, Naqḍ al-manṭiq, 45. [90] Ibn Taymīyyah, Naqḍ al-manṭiq, 202. [91] Ibn Taymīyyah, Majmūʿ al-fatāwá (Mansoura: Dār al-Wafāʾ, 2001), 2:50. [92] Wael Hallaq, “Ibn Taymiyya on the Existence of God,” 66 and Kazi, “Reconciling Reason and Revelation,” 312. [93] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 6:105. [94] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 7:422. [95] El-Tobgui, Ibn Taymiyya on Reason and Revelation, 275–6. [96] التشبيه المفيد الذي قدمه فيتجنشتاين هو ذلك الطالب الذي يقاطع المعلم باستمرار عن طريق التشكيك في وجود الأشياء والتشكيك في حقيقة كل حدث في التاريخ والتشكيك في معنى الكلمات بحيث لا يتمكن المعلم من القيام بذلك أو أن يُحرز أي تقدّم في تدريس أي شيء. هذا يشبه الشخص الذي يبحث عن شيء في الغرفة ويفتح الدرج نفسه باستمرار. “لم يتعلم البحث عن الأشياء. وبنفس الطريقة، لم يتعلم هذا التلميذ كيفية طرح الأسئلة “. Wittgenstein, On Certainty, § 310–16. [97] Ibn Taymīyyah, al-Radd ʿalá al-manṭiqīyīn, 1:253. [98] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 3:126. [99] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 3:129. See also Muḥammad b. ʿAbd al-Karīm al-Shahrastānī, Kitāb Nihāyat al-iqdām fī ʿilm al-kalām (Cairo: Maktabat al-Thaqāfah al-Dīniyyah, 2009), 119. [100] al-Shahrastāni, Nihāyat al-iqdām, 121. [101] النص يذكر فقط “أبو محمد عبد البصري. ومع ذلك، يعتقد المحرر محمد رشاد سالم أن الشخص المعني يمكن أن يكون أبو محمد بن عبدك البصري (ت 347 هـ)، حيث لا يمكن العثور على سيرة ذاتية أخرى لاسم مشابه. اُنظر درء التعارض، 8: 494رقم 1. [102] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 8:507. [103] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 8:516, مشيراً إلى الآيات القرآنية 6:76 – 80. [104] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 8:525. [105] Ibn Qayyim al-Jawzīyah, Miftāḥ dār al-saʿādah (Mecca: Dār ʿĀlam al-Fawāʾid, 2010), 2:796. [106] لمزيد من المناقشة التفصيلية لنقد ابن تيمية للوجود الفائق للكوني، اُنظر: Wael Hallaq, Ibn Taymiyya against the Greek Logicians (Oxford: Clarendon Press, 1993), xxii–xxiv. [107] Ibn Taymīyyah, al-Radd ʿalá al-manṭiqīyīn, 1:344–45 [108] وفي تطور البراهين الفلسفية رداً على الشكوك، اُنظر على سبيل المثال C. Erlwein، Arguments for God’s Existence in Classical Islamic Thought: A Reappraisal of the Discourse (Berlin: De Gruyter, 2019). أحد الجوانب التي تطورت، على سبيل المثال، هي العلاقة بين إثبات خلق الحوادث وخلق العالم ككل، والتي تم فحصها في Ayman Shihadeh, “Mereology in Kalām: A New Reading of the Proof from Accidents for Creation,” Oriens 48 (2020), 5–39. [109] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 3:286–88. [110] Ibn Taymīyyah, al-Radd ʿalá al-manṭiqīyīn, 1:211–12 and Naqḍ al-manṭiq, 337. [111] اُنظر أيضًا ابن تيمية، نقض المنطق، 282 حيث يذكر أن غالبية المعرفة البشرية هي نتيجة التفكير القياسي. [112] Douglas R. Hofstadter and Emmanuel Sander, Surfaces and Essences: Analogy as the Fuel and Fire of Thinking (New York: Basic Books, 2013), 135. يكتبون أيضًا: “ما نعنيه بهذه الأطروحة هو أن كل مفهوم في أذهاننا يدين بوجوده إلى سلسلة طويلة من المقارنات التي تم إجراؤها دون وعي على مدى سنوات عديدة، والتي أدت في البداية إلى ولادة المفهوم والاستمرار في إثرائه على مدار حياتنا”. [113] لمزيد من المعلومات حول نظرية الآيات عند ابن تيمية، اُنظر: Turner, “Islamic Account of Reformed Epistemology,” 18–23. [114] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 7:351. [115] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 8:531. [116] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 8:533–34. [117] اُنظر على سبيل المثال ابن تيمية، نقض المنطق، 8: 518 نقلاً عن أبي محمد بن عبد البصري. [118] “هذا هو السبب في أن العديد من الزعماء الروحيين والصوفية أمروا بالالتزام بممارسة الذكر (ذكر الله)، وجعلوا ذلك بوابة للوصول إلى الحقيقة، وهذا أمر جيد إذا رافقوا ذلك بالتدبر (التأمل) في القرآن والسنة واتّباعهما (أي: تجنب البدع) “. ابن تيمية، نقض المنطق، 60. [119] بشكل عام، يصفها بأنها “إضاعةٌ للوقت وهذيان كبير، وإرهاقٌ للعقول” ابن تيمية الرد على المنطقيين 1: 362. [120] ابن تيمية، درء التعارض، 3:72. هناك أيضًا تعبير عامي في اللغة العربية يسأل من يتخذ مقاربة ملتوية ومرهقة لمسألة بسيطة، “أين أذنك يا جحا؟” شخصية جحا (التي قد تكون شخصًا حقيقيًا يُدعى أبو الغون دجين الفزاري) هي موضوع مجموعة متنوعة من الحكايات المسلية والفولكلور. “الملا نصر الدين” هو الشخصية المقابلة في العالم الإسلامي الفارسي وجنوب آسيا. [121] هذا هو الوصف الذي استخدمه ابن القيم، تلميذ ابن تيمية، في الصواعق المرسلة (الرياض: دار الخيمة، 1408هـ)، 1: 335. العبارة نفسها مستعارة من وصف الزوجة لزوجها في الحديث الشهير الذي يصف قصة أم زرع (مسلم، رقم2448، https://sunnah.com/muslim/44/135). [122] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 2:206. [123] ابن تيمية، الرد على المنطقيين، 1: 255. كما يذكر أن الإلمام ببعض العلوم الغامضة كالرياضيات التي هي في جوهرها، هدف مرغّبٌ فيه دينياً عند علماء السنة، لأنه يقوي العقل. اُنظر أيضًا ابن تيمية، درء التعارض 3: 105. [124] ابن تيمية، داري تروي، 3: 197. “فامتثال هذا التطويل والتعقيد قد يكون فيه منفعة لمن يُسفسط ويعاند”. [125] ابن تيمية، نقض المنطق، 286-287: “فيورثهم المنطق ترك ما عليه أولئك من تلك العقيدة”. وفي سياق مماثل، يجادل توني فوجل كاري بأن الفلسفة تتقدم فقط من خلال تدمير الحجج القديمة، أو الشك في المعرفة الحالية، أو توضيح المفاهيم. Toni Vogel Carey, “Is Philosophy Progressive?,” Philosophy Now, 59 (2007): 19–21. [126] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 8:46. [127] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 8:238. [128] ابن تيمية، درء التعارض، 3: 306. حول فساد الفطرة، اُنظر أيضًا Kazi، Reconciling Reason and Revelation، 277. [129] يوضح ابن تيمية أن من أسباب فساد الفطرة عدم الإلمام بالسنة والحديث. نقض المنطق، 202. [130] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 7:37–38. [131] وهذا أقرب إلى التمييز بين الإنتاج بالعقل والجدارة المعرفية والدعم العقلاني كما ناقش دون جاريت، “صبغة صغيرة من البيرونية” 80. يربط ابن تيمية بطريقة لافتة بين اللاهوت ونظرية المعرفة من خلال مناقشة المصادر الملائكية والشيطانية لإنتاج المعتقدات؛ اُنظر نقض المنطق، 47-57. [132] ابن تيمية، درء التعارض، 8: 460: “بل يحتاج كثيرٌ منهم في حصول ذلك إلى سبب معين للفطرة”. [133] Ibn al-Qayyim, Miftāḥ dār al-saʿādah, 2:889–91. [134] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 5:299. [135] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 3:300. [136] ابن تيمية، درء التعارض، 9: 161: “وهي طريقة أثبتوا بها الجلي بالخفي وأرادوا بها إيضاح الواضح”. [137] Ibn Taymīyyah, al-Radd ʿalá al-manṭiqīyīn, 1:131. [138] انظر ابن تيمية، درء التعارض، 7: 284، حيث يقول أنه نور العقل الواضح (صريح المعقول) مصحوبًا بنور الكتاب الأصيل (صحيح المنقول). وبالمثل، كتب ابن القيم أنه نور الوحي مع الفطرة أو العقل، أو نور الدين مع الفطرة. اُنظر ابن القيم، الصواعق المرسلة 3: 851-52 وابن القيم، الوابل الصيّب (القاهرة: دار الحديث، 1999)، 1:53. [139] Ibn Taymīyyah, Majmūʿ al-fatāwá, 16:191–93. [140] Ibn Taymīyyah, Majmūʿ al-fatāwá, 16:199. [141]Ibn Taymīyyah, Majmūʿ al-fatāwá, 16:199. [142] يوازي هذا القسم مناقشة مختصرة حول ثلاثية مونشاوزن في مقالة سابقة. زهير عبد الرحمن ونذير خان “In Pursuit of Conviction II: Humanity Needs God,” Yaqeen, October 11, 2019, https://yaqeeninstitute.org/zohair/in-pursuit-of-conviction-ii-humanity-needs-god/. [143] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 8:458. [144] يمثل هذان الوضعان الأوليان رفض المتشكك لوجهة النظر التي يقدمها خصمه، ومن ثم يطلق عليه أحيانًا “الأنماط المادية” أو “أوضاع التحدي”، في حين أن الأنماط المتبقية، والتي تشكل الثلاثية، تستلزم استفسار المتشكك في تبرير وجهة نظر الخصم، ومن ثم يطلق عليها “الأنماط الشكلية” أو “الأنماط الديالكتيكية”. See J. B. Bullock, “The Challenges of the Modes of Agrippa,” Apeiron 49, no. 4 (2016): 5. [145] يُعرف أيضًا باسم ثلاثية المونشهاوزن. [146] هناك أيضًا بعض التعديلات التي تجمع بين هذه الخيارات ولكنها لا تؤثر بشكل كبير على trilemma. اُنظر، على سبيل المثال، P. Tramel، “Haack’s Foundherentism is a Foundationalism،” Synthese 160، no. 2 (2008): 215 – 28. [147] Diego E. Machuca, “Agrippan Pyrrhonism and the Challenge of Disagreement,” Journal of Philosophical Research 40 (2015): 23–39. [148] ولا يمكن لأي عقل محدود أن يمتلك سلسلة لا نهائية من التبريرات للاعتقاد أو حتى يبرر وجود سلسلة لا نهائية. تم تقديم إجابة مفصلة في ستيفن رايت، “Does Klein’s Infinitism Offer a Response to Agrippa’s Trilemma?,” Synthese 190 (2013), 1113–30. [149] لمناقشة الطبيعة الإشكالية لهذه الخيارات التي حددها الفلاسفة الهلنستيون، اُنظر P. D. Klein, “Epistemic Justification and the Limits of Pyrrhonism,” in Pyrrhonism in Ancient, Modern, and Contemporary Philosophy, ed. D. Machuca, The New Synthese Historical Library, vol. 70 (Dordrecht: Springer, 2012). [150] Ibn Taymīyyah, Naqḍ al-manṭiq, 339. [151] كثيرًا ما يستشهد ابن تيمية بحكاية الرازي وعالم الدين المعتزلة الذي عرض خلافهما المستعصي قبل نجم الدين كبرى (المتوفي 618 هـ)، الذي أخبرهم أنه من خلال الرؤى الروحية (الواردات)، كان قادرًا على تحقيق اليقين الذي استعصى عليهم في نقاشاتهم الفلسفية. ابن تيمية، بيان تلبيس الجهمية 2: 184-86؛ نقض المنطق (64-65)؛ ودرء التعارض 7: 430-32. اُنظر أيضاً El-Tobgui, Ibn Taymiyya on Reason and Revelation, 295–96. [152] Ibn Taymīyyah, Naqḍ al-manṭiq, 49. [153] اُنظر، على سبيل المثال، القرآن 16: 3 و 38:27. يكتب ابن القيم في هذا الصدد: “يشير الباطل إما إلى شيء وهمي غير موجود أو إلى شيء موجود ولكن لا فائدة له”. ابن قيم الجوزية، إغاثة اللهفان (مكة: دار عالم الفوائد، 2011)، 429. اُنظر أيضًا ابن تيمية، نقض المنطق، 274. يمكن أن نأخذ في الاعتبار أن كلا الاستخدامين مرتبطان ارتباطًا جوهريًا من الناحية المفاهيمية. [154] John Whittaker, “The Logic of Authoritative Revelations,” International Journal for Philosophy of Religion 68, no. 1–3 (2010): 167–81. [155] Ibn Taymīyyah, Naqḍ al-manṭiq, 339; al-Radd ʿalá al-manṭiqīyīn, 1:13–14. [156] في حين أن التأسيسية هي الرأي القائل بأن المعتقدات الأساسية تُبرهن المعتقدات غير الأساسية، فإن التأسيسية الكلاسيكية تضيف شرطين. أولاً، يجب استنتاج المعتقدات غير الأساسية منطقيًا من المعتقدات الأساسية. ثانيًا، يجب أن تكون المعتقدات الأساسية معصومة من الخطأ، أي يجب أن يكون من المستحيل منطقيًا أن تكون مخطئة. الشرط الثاني يخضع لمبدأ الانغماس وأنواع أخرى من الشك الراديكالي التي تم فحصها سابقًا. المشكلة مع الأسس الكلاسيكية هي أن الغالبية العظمى من المعتقدات التي تبدو بديهية تعتبر غير مبرهنة. اُنظر Noah Mercelino Lemos, An Introduction to the Theory of Knowledge (Cambridge: Cambridge University Press, 2007), 51–55. [157] Ibn Taymīyyah, Majmūʿ al-fatāwá, 16:195. [158] Jamie Turner, “Islamic Account of Reformed Epistemology,” 25. [159] ابن تيمية، درء التعارض، 8: 114. اُنظر أيضًا درء التعارض، 8: 305، حيث يذكر أن الطفل الذي ضرب على رأسه يعرف بالفطرة أن هناك من هو المسؤول عن ذلك ولا يحتاج إلى حجة فلسفية. [160] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 2:59. [161] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 10:76. [162] على سبيل المثال، يتصرف الأطفال في سن ما قبل المدرسة وفقًا لافتراض العلاقات السببية القطعية، ويقبلون الاستدلالات السببية العشوائية فقط عندما لا تتطابق الأولى مع الأحداث. Laura E. Schulz and Jessica Sommerville, “God Does Not Play Dice: Causal Determinism and Preschoolers’ Causal Inferences,” Child Development 77, no. 2 (2006): 427–42. [163] Konika Banerjee and Paul Bloom, “Why Did This Happen to Me? Religious Believers’ and Non-Believers’ Teleological Reasoning about Life Events,” Cognition 133, no. 1 (2014): 277–303. [164] Justin L. Barrett and Jonathan A. Lanman, “The Science of Religious Beliefs,” Religion 38, no. 2 (2008), 109–124; Deborah Kelemen and Cara DiYanni, “Intuitions about Origins: Purpose and Intelligent Design in Children’s Reasoning about Nature,” Journal of Cognition and Development 6, no. 1 (2005): 3–31. For a demonstration in a primarily atheistic culture, see Elisa Järnefelt, Liqi Zhu, Caitlin F. Canfield, Marian Chen, and Deborah Kelemen, “Reasoning about Nature’s Agency and Design in the Cultural Context of China,” Religion, Brain and Behavior 9, no. 2 (2019): 156–78. [165] Ara Norenzayan and Will M. Gervais, “The Origins of Religious Disbelief,” Trends in Cognitive Sciences 17, no. 1 (2013): 20–25. [166] Justin Barrett, Born Believers: The Science of Children’s Religious Belief (New York: Atria Books, 2012), 172–73. [167] هذه هي الطريقة التي يحدد بها باريت ميل الطفولة إلى الإيمان بـ “الآلهة”، ولكن يمكن التعرف بسهولة على النتائج النفسية مع الإيمان بالملائكة والشياطين في ظل التقليد التوحيدى. [168] Barrett، Born Believers، 137. لاحظ باريت أيضًا أنه تلقى رسائل بريد إلكتروني من مسلمين يُخطرونه بأن هذه الأطروحة هي تعليم معياري في الإسلام. ومع ذلك، فقد رفض ذلك بقوله إن البحث النفسي لا يشير إلى أن “الأطفال يولدون ليؤمنوا باللاهوت الأرثوذكسي الإسلامي أو اليهودي أو المسيحي” (151). ومع ذلك، فإن الفهم السائد في التقليد الإسلامي هو في الواقع صريح تمامًا أن الفطرة ليست سوى ميل طبيعي نحو الله، وليس فكرة أن الشخص كان على علم منذ ولادته بالعقائد اللاهوتية للإسلام. انظر ابن تيمية، درء التعارض، 8: 460-61. [169] يمكن القول أن هناك أيضًا العديد من السلوكيات غير المرغوب فيها والتي تأتي بشكل طبيعي للأطفال، مثل التنمّر والأنانية ونوبات الغضب. ومع ذلك، فإن هذا يفتقد إلى تمييز حاسم. هناك طريقة طفولية في تفسير الواقع وتوفير الضمير الأخلاقي لما هو صواب وما هو خطأ، وهذا ما يسمى بالفطرة. ثم هناك سلوكيات طفولية ورغبات اندفاعية تُسمى النفس وتعرف الفطرة أنها خطأ. [170] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 3:309–10. [171] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 10:74. [172] Ibn Taymīyyah, Naqḍ al-manṭiq, 58. [173] Nuʿmān Khayr al-Dīn al-Ālūsī, Rūḥ al-maʿānī fī tafsīr al-Qurʾān al-ʿAẓīm wa-al-Sabʿ al-Mathānī (Beirut: Dār Iḥyāʾ al-Turāth al-ʿArabī, n.d.), 25:141–42. [174] Markus Lammenranta, “The Role of Disagreement in Pyrrhonian and Cartesian Skepticism,” in Disagreement and Skepticism, ed. Diego E. Machuca (New York: Routledge, 2013), 46–65. [175] René Descartes, The Philosophical Writings of Descartes, vol. 1, trans. J. Cottingham, R. Stoothoff, and D. Murdoch (Cambridge: Cambridge University Press, 1985), 11. [176] Lammenranta, “Role of Disagreement,” 61. [177] Lammenranta, “Role of Disagreement,” 52. [178] Ibn Taymīyyah, Darʾ taʿāruḍ, 3:365. [179] Diego E. Machuca, ed., Disagreement and Skepticism (New York: Routledge, 2013). [180] Machuca, Disagreement and Skepticism, 4, 7. [181] يكتب ماتشوكا: “إن أبرز مثال على استخدام الاختلاف لتقويض الواقعية الأخلاقية هو بلا شك جون ماكي، الذي بنى “نظرية الخطأ الأخلاقي” على حجتين: الحجة من الغرابة والحجة من النسبية، وهي في الواقع حجة من الخلاف. عادة ما يتصور المتشككون الأخلاقيون هذه الحجة كاستنتاج لأفضل تفسير: فهم يدعون أن أفضل تفسير لوجود نزاعات مستمرة وواسعة النطاق حول القضايا الأخلاقية هو أن المعتقدات الأخلاقية لا تعكس حقيقة أخلاقية موضوعية، بل مجرد وجهات نظر تحمل مثل هذه المعتقدات “(10). [182] Ali Hasan, “Is Theism Rational?” in Theism and Atheism: Opposing Viewpoints in Philosophy, ed. Koterski and Oppy (Michigan: Macmillan Reference, 2019), 126. [183] Hasan, “Is Theism Rational?”. [184] H. G. Blocker, The Meaning of Meaninglessness (The Hague: Nijhoff, 1974), 33–40. [185] Joshua Lewis Thomas, “Meaningfulness as Sensefulness,” Philosophia 47 (2019): 1555–77. [186] Thomas, “Meaningfulness as Sensefulness.” [187] إن رفض اتّباع الحقيقة هو نتيجة هذا الاختيار كما يتجلى في كون أنّ ابن تيمية يجمع بين مصطلح مسفسط (متشكك متطرف) مع معاند (عنيد). اُنظر ابن تيمية، درء التعارض 8: 323. بيان تلبيس الجهمية 2: 341. [188] Ibn Taymīyyah, al-Jawāb al-ṣaḥīḥ li-man baddala dīn al-Masīḥ (Riyadh: Dār al-ʿĀṣimah, 1999), 3:102–3. [188] Ibn Taymīyyah, al-Jawāb al-ṣaḥīḥ li-man baddala dīn al-Masīḥ (Riyadh: Dār al-ʿĀṣimah, 1999), 3:102–3. [189] Zohair Abdul-Rahman and Nazir Khan, “In Pursuit of Conviction II,” Yaqeen, October 11, 2019, https://yaqeeninstitute.org/zohair/in-pursuit-of-conviction-ii-humanity-needs-god/.Zohair Abdul-Rahman and Nazir Khan, “In Pursuit of Conviction II,” Yaqeen, October 11, 2019, https://yaqeeninstitute.org/zohair/in-pursuit-of-conviction-ii-humanity-needs-god/. [190] عرض كامل لكيفية تعامل نموذج التوحيد مع الأسئلة الروحية والفكرية والأخلاقية.