الإلحاد.. بضاعة رديئة.. وعارضون نشِطُون!
بقلم سلطان بركاني
مع شيوع وسائل التواصل الاجتماعيّ، في السّنوات الأخيرة، أصبح يسيرا على كلّ داعٍ مهما كانت دعوته باطلة أن يروّج لبضاعته، ويجد لها زبائن بين رواد مواقع التواصل الذين تختلف مستوياتهم ويتفاوتون في معرفتهم بدينهم، وكلّما كان صاحب البضاعة نشطا في الدّعوة إلى بضاعته كان رواجها أكبر وكان المقبلون عليها أكثر، خاصّة وأنّ كثيرا من شباب الأمّة لا يملكون من القواعد العقلية والعلمية ما يكفي لنخل الدّعاوى ومعرفة حقائقها.
لعلّ من أكثر الدّعاوى رواجا بين شبابنا في السّنوات الأخيرة، تلك التي يغلّفها أصحابها بتقديس العقل والعلم، بينما هي في حقيقة الأمر أبعد ما تكون عن حقائق العلم وبديهيات العقل، إنّما هي دعاوى فارغة كسراب بقيعة يحسبه الظّمآن، وإذا ما محّصت بميزان العقل والعلم ظهر عوارها وتبيّنت على حقيقتها.
الدّعوة إلى الإلحاد مثلا، وجدت من يعتنقها ويتبنّاها من شبابنا، ليس لأنّها تخاطب العقول الحرّة، أو أنّها تستند إلى العلم الحقيقيّ، ولكن لأنّها تحسن مغالطة مخاطبيها بالشعارات الرنانة والدعاوى الكاذبة، وتعمل على لبس الحقّ بالباطل، فتحاكم الإيمان بالخالق إلى أقوال وأفعال بعض المؤمنين وبهرطقات بعض الشّيوخ الذين يعيشون في غير زمانهم، لتقابلها بكلمات رنانة لبعض دعاة الإلحاد في العالم، تزيَّن وتقدّم على أنّها حجج باهرة تستند إلى حقائق علمية توصّل إليها العلم الحديث، بينما هي في حقيقة الأمر مغالطات مفضوحة تروج لنظريات خاطئة تقدم على أنها حقائق يقينية، وعلم زائف يلبس لباس العلم الحقيقي.
تجد الملاحدة مثلا لا يجدون لهم من مفرّ في مواجهة ما توصّل إليه العلم من حقائق تثبت الإتقان المذهل في خلق الكائنات الحيّة، بدءًا من البكتيريا، وصولا إلى الإنسان، إلاّ أن يتشبّثوا بنظرية التطوّر المتهالكة ويعرضوها على أنّها حقيقة علمية راسخة لا تقبل النّقد وأنّها أصبحت محلّ إجماع بين العلماء المعاصرين، وأنّ 99.8 منهم يؤمنون بها، بينما حقيقة الأمر أنّ هذه النّظرية ليست محلّ إجماع وأنّ النّسبة المقدّمة للعلماء المؤمنين بها هي نسبة مزوّرة، وأنّ العلماء الذين ينتقدونها ويثبتون تهافتها، علاوة على قوة حججهم، فهم كثر في هذا العالم، ويمثّلون صفوة العلماء المتجرّدين والمتحرّرين من ضغوط لوبيات العلم الزّائف ومكر الماسونية العالمية التي تريد فرض نظرية التطوّر في الأوساط العلمية، لنشر الإلحاد، وتمارس في سبيل ذلك شتى أساليب التّرهيب في حقّ العلماء الذين ينتقدونها، تماما كما تمارس الصهيونية العالمية الإرهاب في حقّ كلّ من ينتقد الهولوكوست.
والمتتبع لجهود ومداخلات كثير من العلماء المدافعين عن نظرية التطور يرى ذلك العجز الكامل عن إيجاد ما تنبّأ أستاذهم داروين بوجوده في طبقات الأرض ويرى التخبّط الواضح في الإجابة عن بعض الأسئلة الملحّة التي تطرح على النظرية التي تعرّضت لكثير من التعديلات حتى لا تفتضح مصادمتها للعلم والاكتشافات العلمية الحديثة، ومن أمثلة ذلك أنّ أحد أشهر المدافعين عن الإلحاد وعن نظرية التطوّر، وفي لقاء صحفيّ، عندما سألته الصحفية: هل في إمكانك ذكر مثال واحد عن طفرة جينية أو عملية تطورية يمكن رؤيتها تضيف إلى المعلومات في المحتوى الجيني؟ ذهل هذا الملحد وحار جوابا وطلب إيقاف التّسجيل، ليعود بعدها ويجيب إجابة لم تحمل أيّ جديد ولم تجب عن لبّ السؤال.
ما قيل عن نظرية التطور، يقال أيضا عن نظرية “الأكوان المتعدّدة” التي اخترعها بعض الملاحدة فرارا من لوازم الإقرار بالدقة المتناهية للثوابت الكونية والقوانين التي يسير عليها هذا الكون، حيث فرّ هؤلاء العلماء من الإذعان لحقيقة وجود خالق عظيم عليم، لأنّه بالنّسبة إليهم غيب لا يمكن التأكّد منه، إلى تبنّي نظرية الأكوان المتعدّدة لتفسير ضبط الكون الذي نُعتبر جزءًا منه، ومختصر النظرية أنّ إتقان كوننا جاء صدفة، لأنّه الكون الوحيد المتقن بين عدد هائل من الأكوان الأخرى غير المتقنة!
وهكذا فإنّ الإلحاد كما المذاهب الهدّامة الأخرى، بضاعة رديئة، يلجأ أصحابها إلى التغرير والتّزوير والدعاوى الكاذبة، وإلى الهرطقة، ليخادعوا من قلّ اطّلاعهم على الحقائق العلمية، ويغرّروا بمن لا يحسنون التّمييز بين القواعد العقلية المغروسة في فطرة كلّ إنسان والتي تُطْبق عليها العقول السليمة، وبين التلبيسات والمغالطات التي تبنى على المكابرات وأهواء النفوس، كمثل قول الملاحدة إنّ الإيمان بالغيب ليس علما وإنّما هو “ميتافيزيقا”، بينما حقيقة الأمر أنّ العقول السّليمة والمنصفة تقرّ بأنّ العلم لا يمكن أن يتنكّر للغيب ويرفضه، لأنّ كثيرا من الموجودات في هذا الكون لا يمكن رؤيتها ولا إخضاعها للتجربة، لكنّ جميع العقلاء يقرّون بوجودها اعتمادا على آثارها، كالجاذبية، والرّوح.
(المصدر: عربي21)