مقالاتمقالات مختارة

الإسلاموفوبيا في فرنسا من التطرف السياسي إلى التطرف القانوني

الإسلاموفوبيا في فرنسا من التطرف السياسي إلى التطرف القانوني

بقلم أ. عبد الحميد عبدوس

مازال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعتقد أن طريقه للبقاء في قصر الإليزيه لعهدة رئاسية جديدة سيكون معبدا بمحاربة الاسلام، فهو يعتبر أن قانون «مكافحة الانفصالية» أو «قانون تعزيز المبادئ الجمهورية» هو أهم إنجاز في عهدته الرئاسية التي تنتهي في ربيع العام المقبل (2022). لعل من المثير للسخرية أن يكلف ماكرون نفسه مهمة إصلاح الإسلام، أو فرض ما يسميه «الاسلام التنويري» في الوقت الذي فشل في إصلاح قانون التقاعد الفرنسي مما أثار غضب العمال الفرنسيين وأشعل لهيب انتفاضة «السترات الصفراء».
في 2017 اتهمت زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارلين لوبان منافسها على رئاسة الجمهورية إيمانويل ماكرون بأنه يحظى بدعم «اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا»، ولكن بعد أن أصبح إيمانويل ماكرون رئيسا لفرنسا بعد فوزه بأصوات غالبية المسلمين الفرنسيين أصبح يتحدث عن خوض «معركة وجودية» ضد الاسلام، و لم يعد أعضاء حكومته يترددون في السطو على خطاب اليمين المتطرف ومصطلحاته السياسية على غرار ما فعلته وزيرة التعليم العالي، فريديريك فيدال التي حذرت في حديث لقناة «سي نيوز» التلفزيونية من ما أسمته « اليسار الإسلامي» الذي ينخر المجتمع الأكاديمي، الأمر الذي أثار استياء «مؤتمر رؤساء الجامعات»، ممثل رؤساء الجامعات الفرنسية، الذي رد على الوزيرة بالقول إنه «يجب ترك هذه التسميات لليمين المتطرف الذي أشاعها».. أما وزير الداخلية الفرنسي، جيرارد دارمانيان فقد شن يوم السبت الماضي 13 فيفري 2021 ، هجوما حادا على مارين لوبان زعيمة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف خلال مناظرة تلفزيونية بينهما على القناة الرسمية فرانس 2، متهما لوبان بـضعف موقفها من الإسلام وبالتساهل مع التطرف.
هكذا أصبح من الواضح أن رهان الرئاسيات الفرنسية المقبلة سيكون بمثابة معركة حامية الوطيس بين ماكرون وأنصاره من اليمين الجمهوري، وبين مارين لوبان وأنصارها من اليمين المتطرف حول أي الفريقين سيتفوق على منافسه في محاربة الإسلام والتضييق على المسلمين باستثمار نزعة الإسلاموفوبيا المتصاعدة ورواج الخطاب الحكومي والإعلامي الذي يحصر شريحة كبيرة من المسلمين في صورة أعداء الجمهوريّة.
منذ شهر أكتوبر 2020، تواصل السلطات الفرنسية شن حملة شرسة ضد المساجد والجمعيات الإسلامية في فرنسا، بذريعة محاربة التطرف والانعزالية.كان من ضحايا تلك الحملة جمعية «التجمع ضد الإسلاموفوبيا» المناهضة للعنصرية والتمييز ضد المسلمين في البلاد، إضافة إلى غلق عشرات المساجد، ففي مطلع شهر نوفمبر من العام الماضي(2020) أكد وزير الداخلية الفرنسي جيرارد دارمانان، أنه تم إغلاق 43 مسجدا خلال السنوات الثلاثة الأخيرة من حكم الرئيس إيمانويل ماكرون، مفاخرا بأن الرئيس ماكرون أغلق مساجد أكثر من جميع أسلافه، كما كتب دارمانان يوم السبت، 16 جانفي 2021 في حسابه على تويتر: «أغلقت 9 من بين 18 دار عبادة تمت مراقبتها بشكل خاص بطلب مني» كما وصل الضغط على أئمة المساجد باسم الدفاع عن العلمانية الى حد جعل وزير الداخلية الفرنسي، يصرح في مقابلة مع إذاعة (فرانس إنتر) في شهر أكتوبر الماضي (2020): «إن أئمة مسجد باريس سيقرأون على المصلين عقب صلاة الجمعة المقبلة قصيدة تتحدث عن الجمهورية الفرنسية وعن فرنسا».
في هذا السياق المفعم بروح العنصرية وتصاعد التمييز ضد المسلمين صوت النواب الفرنسيون يوم الثلاثاء 16 فيفري 2021 على مشروع قانون مكافحة «الانفصاليّة» أو «قانون تعزيز المبادئ الجمهورية» الذي يهدف إلى وضع الاسلام تحت سيطرة الدولة الفرنسية على خلاف الديانات الأخرى كالمسيحية واليهودية التي تستفيد من قانون 1905 الذي كرّس الفصل بين الكنيسة والدولة والذي ينص على أنه: «يتعين على الدولة ليس فقط واجب ضمان الحرية الدينية، لكن أيضاً واجب الامتناع عن التدخل في الشؤون الدينية لمواطنيها».
قانون مكافحة الانفصالية الذي صادق عليه النواب في الأسبوع الماضي، في انتظار إقراره بشكل نهائي في شهر أفريل المقبل من طرف مجلس الشيوخ، يجرّم التعليم في المنزل لجميع الأطفال اعتباراً من سن الثالثة (المقصود تعليم أطفال المسلمين مبادئ دينهم في المنزل) ويعزّز الرقابة على الجمعيّات وتمويل الأنشطة الدينيّة ويشدّد الخناق على المساجد، وفي ذلك قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: «نحن بحاجة إلى معرفة مصادر الأموال التي تتلقاها المساجد، ومن هي الجهات التي تلقتها، وفيما ستنفقها»، وأوضحت جريدة (ليكسبرس) أن ماكرون يقصد بالحديث عن جهات التمويل المغرب والجزائر وتركيا، باعتبار أن هذه الدول هي التي تقدم تمويلات للمساجد في فرنسا.
كما أقر في مطلع السنة الجارية (2021) «المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية»، الذي يترأسه محمد موسوي ذو الأصول المغربية ، ما يعرف بـ«ميثاق الأئمة» الذي يضع إطاراً لممثلي الاتحادات الإسلامية الفرنسية لتحويل الإسلام في فرنسا إلى «إسلام فرنسي» بناء على رغبات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إن هذا الميثاق يسير جنباً إلى جنب مع إنشاء ما يعرف بـ «المجلس الوطني للأئمة»، وينص الميثاق على أنه «لا يمكن الركون إلى أي قناعة دينية على الإطلاق كعذرٍ للإعفاء من الواجبات المفروضة على المواطنين الفرنسيين»، كما يحظر استخدام مصطلح «إسلاموفوبيا برعاية الدولة» في فرنسا.
وهكذا، ففي الوقت الذي ترفض فيها فرنسا سن قانون مكافحة الإسلاموفوبيا أو قانون معاداة الإسلام الذي يجعل المسلمين في فرنسا يشعرون بانهم مواطنون عاديون يتمتعون بحقوقهم كاملة في المجتمع الفرنسي وبأنهم لا يتعرضون للتمييز والاضطهاد بسبب معتقدهم الديني على غرار ما فعلته فرنسا مع المواطنين الفرنسيين اليهود بسنها لقانون تجريم معاداة السامية الذي توسع تحت حكم إيمانويل ماكرون ليشمل «معاداة الصهيونية»، إذ في سنة 2017 أكد إيمانويل ماكرون أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه يعتبر أن «معاداة الصهيونية» هي الشكل الجديد من «معاداة السامية».
نعتقد أنه من المرجح ان ماكرون الذي ذهب بعيدا في سياسة شيطنة الاسلام وتشجيع الاسلاموفوبيا بسن قوانين وصفها بعض المحللين أنها «استبداد جمهوري» وغواية ماكرون في تطبيق سياسة اليمين المتطرف والسطو على شعاراته السياسية لن يستطيع الحصول على القاعدة الشعبية لليمين المتطرف في الانتخابات المقبلة، وبذلك سيكون قد خسر ثقة المواطنين الفرنسيين المسلمين الذين صوتوا له بكثافة في الانتخابات الرئاسية السابقة دون الفوز بأصوات انصار مارين لوبان وتيارها السياسي ،فقد سبق للرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي أن خسر هذه اللعبة بسبب تفضيل أنصار لوبان النسخة الأصلية (مارين لوبان) على النسخة المقلدة (إيمانويل ماكرون).

(المصدر: صحيفة البصائر الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى