الإسلام هو مذهب أهل البيت
بقلم سلطان بركاني
مرّ معنا في مقال سابق مثال للفتن التي أُشرعت أبوابها على الأمّة عامّة وعلى شبابها خاصّة؛ فتنة الإلحاد الذي يتزيّى بزيّ العلم والعقل ويلبس لباسهما، والعلم والعقل منه بريئان، بل العلم والعقل يشهدان شهادة قاطعة دامغة بأنّ وراء خلق الكون المذهل في دقّة سيره والأحياء المعجزة في صنعها، خالقا عليما خبيرا.. والحقّ أنّ دعاة الإلحاد ليسوا وحدهم من يلبس الحقّ بالباطل ويعتمد التدليس والتّغرير، فدعاة الديانات والمذاهب الباطلة جميعا يلجؤون إلى هذه الأساليب لترويج دياناتهم ومذاهبهم وإغراء من قلّ اطّلاعهم بها.
التشيّع الإماميّ الاثني عشريّ، مثلا، هو واحد من بين هذه المذاهب الباطلة التي برع دعاتها في التلبيس وقلب الأمور وترويج الدعاوى الكاذبة، ولولا هذا ما كان يُتصوّر لعاقل أن يعتنق مذهبا يناقض محكمات آيات القرآن، ويقوم على الغلوّ الفاحش في الأئمّة والطّعن اللاذع في الصّحابة، وعلى غرس الأحقاد والضّغائن في قلوب معتنقيه ليس على الكفّار المحاربين، إنّما على الهداة الفاتحين والخلفاء الراشدين وبعض أمّهات المؤمنين، وعلى كلّ من أحبّهم وتولاهم وترضّى عنهم إلى يوم الدّين، مخالفا بذلك ما وصف به الله –سبحانه- عباده المؤمنين حينما قال: ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) (الحشر، 10).. مذهب يسهّللأتباعه في العبادات إلى حدّ التسيّب والإهمال، فيُنقص من فرائض الوضوء ويرغّب في جمع الصلوات من دون عذر أو حرج ويتوسّع في مبيحات الإفطار في رمضان، في مقابل التوسّع في المباحات والشّهوات إلى حدّ الإباحية المنكرة.. مذهب لا يقوم على أدلّة واضحة من كتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولا على أساسٍ عقليّ متين، إنّما يقوم على دعاوى كاذبة خاطئة، تعتمد على نصوص مختلقَة على أعلام أهل البيت، وعلى وقائع تاريخية يُزاد في طولها وعرضها وتُحمّل أخطاؤها للأبرياء، وتخاطَببها العواطف بعيدا عن المنهج العلميّ المعتمد على التّمحيص.
أوّل هذه الدّعاوى الزّعم بأنّ المذهب الشيعيّ الاثني عشري، من بين جميع المذاهب الشّيعيّة، ومن بين جميع المذاهب الإسلاميّة،هو وحده مذهب أهل البيت الأطهار! والادّعاء بأنّه يعتمد على الثّقلين، كتاب الله وعترة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، بينما حقيقة الأمر أنّ القرآن ينقض هذا المذهب ويهدّه من أساسه في عشرات الآيات القرآنية الصّريحة الواضحة، ونصوصُ أهل البيت التي حوتها كتب المسلمين تعرّي أساس هذا المذهب وتكشف زيف دعاواه.
الزّعم بأنّ المذهب الشّيعيّ الاثني عشريّ هو مذهب أهل البيت، هو واحدة من أكذب الدّعاوى التي عرفتها أمّة الإسلام، بل كذبة من أفحش كذبات التاريخ، لا تفوقها في البشاعة سوى كذبة نسبة اليهودية المزوّرة إلى نبيّ الله موسى عليه السّلام، ونسبة النصرانية المحرّفة إلى نبيّ الله عيسى عليه السّلام.. كذبة بُنيت على زعم باطل مفاده أنّ جمهور المسلمين من غير الشّيعة الاثني عشرية لا يهتمّون بأهل البيت! وأنّ الشّيعة الاثني عشرية هم وحدهم من يهتمّون بأولئك الأبرار، ويكفي أيَّ باحث أن يعود إلى مصادر الشّيعة وما تحويه من تراث منسوب إلى أهل البيت، ويقارنه بما حوته مصادر المسلمين عنهم، ليكتشف زيف هذه الدّعوى..
مصادر المسلمين تصوّر أئمّة أهل البيت –رضي الله عنهم- على أنّهم كانوا أهل توحيد خالص، لا يدعون من دون الله ولا مع الله أحدا، قلوبهم خالصة لمولاهم وألسنتهم لا تلهج بغيره، وأهل براءة من الغلوّ والتّقديس، وأهل قلوب وألسن نقية طاهرة لأصحاب جدّهم المصطفى -صلّى الله عليه وآله وسلّم-ولكافّة المسلمين، وأهل صدع بالحقّ؛ لا يخافون في الله لومة لائم، وأهل زهد في مناصب الدّنيا وأموالها، وأهل عفّة وطهارة يحرّمون نكاح المتعة، ولا يبيحون ما حرّم الله.يغسلون أرجلهم في الوضوء ويأمرون بذلك، ويصلون خمس صلوات في خمسة أوقات، ولا يرون بأسا في السّجود على السجاد والكتان..
في مقابل هذا، تصوّر مصادر الشّيعة أئمّة أهل البيت على أنّهم كانوا أهل طقوس وغرائب، يحثّون النّاس على التعلّق بالقبور والمزارات، وطلب المدد من الأموات، وتعذيب الأنفس بضرب الرّؤوس والهامات، وأصحاب قلوب مليئة بالحقد والضّغينة على أصحاب جدّهم المصطفى -صلّى الله عليه وآله وسلّم- وعلى جماهير المسلمين الذين أحبّوا أولئك الأصحاب وتولّوهم، وأهل تقية وكتمان، يُظهرون للنّاس غير ما يبطنون، ويتكلّمون بغير ما يعتقدون، وأهل تعلّق بما في أيدي النّاس، يستبيحون الأموال باسم خمس أهل البيت، ولا يرون دينا لمن لا يدفع إليهم تلك الأخماس. ويوسّعون لأتباعهم في المتع والملذّات، ويخفّفون عليهم في الطّاعات والقربات… هكذا تصوّر مصادر الشّيعة أعلام أهل البيت، برّأهم الله، وحاشاهم، رضي الله عنهم وأرضاهم،في روايات واضحة البطلان، ليست من نقل الثّقات الأثبات، فضلا عن أن تكون من نقلإخوة الأئمّة وأبنائهم، وعلى الرّغم من أنّهم من أهل البيت، وهم أقرب النّاس إلى إخوتهم وآبائهم الأئمّة، إلا أنّ مصادر الشّيعة لم ترو عنهم! وإنّما روت عن رجال عرفوا في التاريخ الإسلاميّ بالكذب والانتفاع باختلاق الأكاذيب. ومن عجيب أمر الشّيعة أنّهم يرفضون سنّة النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم- المبثوثة في كتب المسلمين بحجّة أنّ أحقّ النّاس بالرواية عن المصطفى –عليه الصّلاة والسّلام- وأعرف النّاس بأقواله وأحواله، هم أهل بيته، الذين يستثنون منهم زوجاته! بينما هم –أي الشّيعة- يروون في مصادرهم من طرق الكذّابين ويتركون رواية أبناء الأئمّة وإخوتهم!.. أبناء وإخوة الأئمّة الاثني عشر يتجاوز عددهم ثمانية وأربعين (48) فردا، ولكنّنا لا نكاد نجد لهم روايات عن الأئمّة في كتب الشّيعة، بل إنّ 43 منهم لم يروِ الشّيعة من طُرقهم شيئا.
وفي المقابل فإنّ روايات كثير منهم موجودة في مصنّفات أهل السنّة، وهي تخالف تماما ما يرويه الشّيعة عن الأئمّة، بل تنقضه، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنّ العقائد التي ينسبها الشّيعة إلى أئمّة أهل البيت، والتي لم يعرفها أبناؤهم وإخوتهم، هي عقائد مكذوبة وضعها الوضّاعون من أهل الكوفة، ومن غيرهم.
أكثر الروايات في كتب الشيعة تصل إلى الإمامين الباقر والصادق اللذين سكنا المدينة ولم يخرجا منها إلا قليلا، لكن من يروي عنهما في مصادر الشّيعة؟ مِن الرواة من سكن الكوفة وروى عن الصادق والباقر آلاف الروايات! ومنهم من تبرّأ منهم الباقر والصّادق، ومنهم من لعناهم، لكنّ الشّيعة أصرّوا على تزكية هؤلاء الرواة وحملوا ذمّ الأئمّة لهم على التقية، وهؤلاء الكذابون والملعونون، ضمن سلسلة من الكذبة ظهرت في أواخر عهد عثمان بن عفّان، رضي الله عنه، واستمرّت إلى القرن الرّابع الهجريّ وبعده؛ هؤلاء الكذبة هم من أسّسوا للغلوّ الذي ينضح به مذهب الشّيعة، وهم من أرسوا لمصيبة الطّعن في الصحابة التي امتلأت بها مصنّفات القوم، وهم من أسّسوا فقها منسوبا إلى الإمام الصّادق مبنيا على مخالفة ما عند المسلمين، وعلى قاعدة “ما خالف العامّة ففيه الرّشاد”!.. ولعلّ من أبرز أولئك الكذبة الوضّاعين الذين أرسوا دعائم المذهب الشّيعيّ، نجد عبد الله بن سبأ، الذي يحاول الشّيعة عبثا إنكار وجوده معتمدين على أقوال بعض الكتّاب، بينما كثير من مصادرهم التاريخية، مثل “مسائل الإمامة للناشئ الأكبر”، “المقالات والفرق للأشعري القمي”، “فرق الشيعة للنوبختي”، “الرجالّللكشي”، “الرّجال للطّوسيّ”، “الرّجال لابن المطهّر الحلي”، تقرّ بوجود هذا الرّجل وتشهد بأنّه أوّل من أظهر الطّعن في أبي بكر وعمر وعثمان والصّحابة، وأوّل من قال بالوصية والإمامة.. ومن أبرز المغرضين الذين أرسوا للمذهب الشّيعيّ أيضا، نجد: المختار بن أبي عبيد. أبان بن أبي عياش.المغيرة بن سعيد.هشام بن الحكم.شيطان الطّاق.زرارة بن أعين. جابر بن يزيد الجعفي. عثمان بن سعيد العمريّ. محمّد بن عثمان بن سعيد. الحسين بن روح.علي بن محمّد السمريّ.
ولأنّ سنّة الله قد مضت بأن يجعل في ثنايا كلّ ديانة باطلة أو مذهب باطل، ما يدلّ على بطلانه ويدلّ معتنقه على الحقّ، فإنّ المذهب الشّيعيّ الاثني عشريّ حوى روايات كثيرة عن أئمّة أهل البيت، توافق تماما ما يعتقده جمهور المسلمين في أولئك الأخيار، بل والأهمّ من هذا أنّها توافق آيات صريحة في كتاب الله جلّ وعلا. نصوص ساطعة ناصعة، تأخذ بلبّ كلّ باحث عن الحقّ، وتُوقفه على حقيقةِ أنّ أئمّة وأعلام أهل البيت –رضي الله عنهم- كانوا أهل توحيد وسنّة، وأهل قلوب وألسن نقية طاهرة لأصحاب جدّهم المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأهل صدع بالحقّ لا يخافون في الله لومة لائم، وأهل زهد في مناصب الدّنيا وأموالها، وأهل عفّة وطهارة، يحرّمون نكاح المتعة، ولا يبيحون ما حرّم الله..نصوص يسعى بعض علماء الشّيعة إلى وأدها، ويحاول كثير منهم ردّها أو إبطال دلالتها بحملها على التقيّة.. لأجل هذا فأهمّ سعي ينبغي للدّعاة المهتمّين بدعوة المغرّر بهم من الشّيعة أن يسخّروا له أكثر وقتهم، هو إخراج هذه النّصوص، ووضعها إلى جانب الآيات القرآنية الكثيرة التي تهدم المذهب الشّيعيّ، وتدلّ كلّ منصف على أنّ الحقّ هو ما عليه جمهور المسلمين الذين جمعوا بين محبّة القرابة ومحبّة الصّحابة، وبين الاهتمام بكتاب الله وسنّة نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم، والاهتمام بتراث الآل والصّحب النقيّ، الذي يظهر أولئك الأخيار كما قال عنهم العزيز الغفّار مخاطبا نبيّه المختار: ((هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيم)).
(المصدر: صحيفة بوابة الشروق الالكترونية)