مقالاتمقالات مختارة

الإسلام السياسي بين حتمية تجديد الذات أو الانصياع للعلمانية

الإسلام السياسي بين حتمية تجديد الذات أو الانصياع للعلمانية

بقلم وليد حاجي

إن الباحث في تاريخ نشأة وتطور الإسلام السياسي يجد أن أبرز محطاته صراع وعنف يصل إلى درجة الفوبيا بين سلطات حاكمة تتبنى العلمانية أسلوبا للحياة وأحزاب ومنظمات ترى أنها تحمل لواء الإسلام ومشروع المدينة الفاضلة الذي سيحمل الدولة إلى مصاف الدولة المتطورة بطابع إسلامي خالص، وبين مطرقة الأنظمة وسندان الإسلام السياسي ضاعت هوية أجيالا متعاقبة، وتحول الدين الإسلامي من انتماء وهوية إلى تهمة قد ترمي بصاحبها في غياهب السجون أو قد تمحنه لقب سياسي أو نائب برلماني أو مناضل أو معارض.

وقد نشأت عبر تاريخ الأمم الإنسانية ما بين الدين والسياسة علاقات تكامل وتمازج وتضاد، وقد خلفت هذه العلاقة العديد من الظواهر الفكرية والمصطلحات الجديدة، لعل أبرزها الإسلام السياسي، نظرية سياسية ترى أن الدين منهج سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي، وهو كفيل بتسيير شؤون الدولة وتنظيم الحياة العامة، ولسنا هنا بصدد قراءة تاريخية لكل ما أحاط بالفكر الإسلامي السياسي من جدل، بل سنحاول أن نخلص هذا الظاهرة من منظور منطقي.

ورغم أن فكرة الإسلامي السياسي فتنت الكثير من أبناء هذه الأمة من المحيط إلى الخليج خاصة مع بلوغ الدعوة الإسلامية أوجها نهاية القرن الماضي، إلا أن الأحزاب الإسلامية لم تؤسس لقاعدة شعبية حقيقية ودائمة تراهن عليها وبقت برامجها مجرد حبر على ورق، وفشلت في البروز كقوة سياسية تواجه المد العلماني، بل روجت في كثير من الأحيان للوهم خدمة لمصالح شخصية، ولا زالت في رحلة البحث عن ذاتها، ويوجد من يرى أن فكرة الإسلام السياسي تحمل في ذاتها بذور فنائها، لأن السياسة إذا دخلت الدين سلبته طابعه الروحي، وحولت مساره من العلاقة المثالية بين العبد وربه، إلى صراع الأحزاب والتكتلات والصالونات المكيفة، فالإسلام حسبهم أسمى من السياسة، التي لا توجد فيها مبادئ ثابتة وقوامها مصالح على طول الخط.

وكثيرا ما تتهم الأحزاب الإسلامية بالمعارضة الصورية للدولة العلمانية وبخدمة أجندات الأنظمة الحاكمة، من أجل ضمان نصيبها في كعكة المشهد السياسي، وفي السنوات الأخيرة ومع موجة ما يعرف بالربيع العربي أصبحت الأحزاب الإسلامية أمام خيار تجديد فكرها أو الإندثار، وقد أعاد وصول الدكتور محمد مرسي ومعه الإخوان المسلمين لكرسي الرئاسة في مصر إلى الواجهة حملة الترهيب من الإسلام والصراع الأبدي بين الإسلام السياسي والدولة العميقة بفكرها العلماني، وقد طفت في الساحة السياسة العديد من التجارب في وطننا العربي والإسلامي لأحزاب بأيديولوجية إسلامية عدلت في مبادئها وحاولت عصرنة فكرها لتضمن بقاءها و لتواصل صراع إثبات الذات، وقد أعطى حزب العدالة والتنمية التركي نسخة جديدة للتجريب لحزب إسلامي علماني له الملايين من المناصرين، ألهمت العديد من التيارات السياسية العربية، وكثير من الأحزاب غيرت نهجها السياسي بهدف إعادة التموقع في صفوف الجماهير، خاصة وأن الأحزاب الإسلامية أصبحت تشكل مصدرا للريبة والخوف من الوصول لسدة الحكم.

وفي الأخير ورغم أن أتباع الإسلام السياسي يرون أن الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده مارسوا السياسة ووضعوا أسسا لها، يبقي الإسلام دينا منزها عن أخطاء المسلمين وبعيدا عن مستنقع السياسة بمفومها الشائع، ولا يمكن أن نحمل الدين الإسلامي فشل الأحزاب الإسلامية، سواء كان هذا الفشل ممنهجا أو لعدم تقبل العامة لفكرة الإسلام السياسي من الأساس، ويجب أن نعرف أيضا أن الكثير من هذه المصطلحات صناعة غربية كان الهدف منها تشويه صورة الإسلام والترويج لما يعرف بالإسلاموفوبيا لضرب إستقرار الدول الإسلامية ولخلق توتر دائم ولو كان خفيا بالمنطقة.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى