مقالاتمقالات مختارة

الإرهاب المسكوت عنه.. إرهاب الحكومات: الصين نموذجًا ج(2)

الإرهاب المسكوت عنه.. إرهاب الحكومات: الصين نموذجًا ج(2)

بقلم عز الدين الورداني

التمييز بين الإرهاب وحركات المقاومة والتحرر الوطني

كثيرًا ما يختلط الأمر بين مفهوم الإرهاب والعمليات الإرهايبة، وبين ما تفعله حركات مقاومة الاستعمار من عمليات لمواجهة قوى الاستعمار، التي تحتل وتستغل شعوبهم، وأراضيهم، وثرواتهم.

مفهوم حركات المقاومة والتحرر الوطني:

تُعَرف أعمال المقاومة الشعبية المسلحة بأنها عمليات القتال التي تقوم بها عناصر وطنية من غير أعضاء القوات المسلحة النظامية، دفاعًا عن المصالح القومية والوطنية ضد قوة أجنبية، سواء كانت تلك العناصر تعمل فى إطار تنظيم يخضع لإشراف سلطة قانونية أو واقعية، أم كانت تعمل بناءً على مبادراتها الخاصة، وسواء باشرت هذه العمليات فوق أراضي الإقليم الوطني، أم من قواعد خارج هذا الإقليم. [11]

في 8 ديسمبر (كانون الأول) 1970، وفي الدورة 25 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 2672، والذي أشار إلى مبدأ تساوي الشعوب في الحقوق، وحقها في تقرير مصيرها بنفسها.

كما أكد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2787RES// A بالدورة 26 في 6 ديسمبر 1971 أهمية التفعيل العالمي لحق الشعوب في تقرير مصيرها، والإسراع في منح الاستقلال للشعوب والبلدان المستعمرة، وأكد القرار أن إخضاع الشعوب للاستعباد الأجنبي والسيطرة والاستغلال الاستعماري، يشكل انتهاكًا لمبدأ حق تقرير المصير، وإنكارًا لحقوق الإنسان الأساسية، ويتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة، وأن الاستعمار بجميع أشكاله يعد تعديًا صارخًا على حق الشعوب والإنسان والحريات الأساسية.

كما أكد القرار شرعية كفاح الشعوب في سبيل تقرير مصيرها، والتحرر من السيطرة الأجنبية والاستعباد الأجنبي.

كما تؤكد الجمعية العامة للأمم المتحدة الحق الأساسي لكل إنسان في النضال في سبيل تقرير شعبه لمصيره، عندما يكون رازحًا تحت السيطرة الاستعمارية والأجنبية. [12]

وأعادت الجمعية العامة للأمم المتحدة في الدورة 40 تأكيد حق تقرير المصير المكرس في ميثاق الأمم المتحدة، وأكدت من جديد الحق غير القابل للتصرف في تقرير المصير، والاستقلال لجميع الشعوب الخاضعة لنظم استعمارية وعنصرية، وغيرها من أشكال السيطرة الأجنبية، وتقرر شرعية كفاحها ولا سيما كفاح حركات التحرر الوطني، وفقًا لمبادئ ومقاصد الميثاق ولإعلان مبادئ القانون الدولي. [13]

ومن ثم فإنه يمكن التمييز بوضوح بين الأعمال الإرهابية التي تستهدف مواطنين مدنيين وأبرياء للتأثير في السلطات الحاكمة والمنظمات المحلية والدولية، من أجل مكاسب سياسية، وبين أعمال المقاومة ضد سلطات استعمارية كجزء من الثورة والحرب من أجل الاستقلال، والتي لا تعد عادة أفعالًا إرهابية، طبقًا لرؤية المجتمع الدولي الذي رسم خطًّا فاصلًا بين الأفعال الإرهابية، وتلك التي تفعلها جماعات المقاومة من أجل الحرية وحق تقرير المصير. [14]

الإرهاب والتطرف في مفهوم النظام الصيني

نشأ مفهوم الإرهاب في الغرب، كما سبق الإشارة إلى ذلك، وليس في الصين الإمبراطورية، كما أن تعبير التطرف انتشر بين علماء الاجتماع في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين.

وقد رأت الصين الإمبراطورية أن أي شكل من أشكال العنف المعارض للإمبراطورية من الجرائم السياسية، ورأت أنه ضار، إذ يؤدي إلى الخوف والارتباك، وهو يتعارض مع الطبيعة الإنسانية ومبادئ الطاوية.

ويشكل هذا المفهوم قاعدة لمفهوم الإرهاب في الصين المعاصرة؛ فأي مجموعة أو قوة لديها إمكانية تهديد أو تحدي الأمن السياسي للحكام والنظام الاجتماعي، يعد شكلًا من أشكال الإرهاب. [15]

وتعرف الحكومة الصينية الإرهاب بأنه واحد من الشرور الثلاثة، والتي تشمل الإرهاب، الأصولية الدينية، الانفصالية. إذ ترى الصين أن تلك الثلاثية مهددة لأمنها الوطني واستقرارها الاجتماعي، وترى الإرهاب على أنه عنف يبرهن على النزعة العرقية الانفصالية، كما أن الانفصالية تعد نتيجة مباشرة للتعصب والحماسة العرقية المفرطة. [16]

ومن ثم فهاجس الأمن وعدم تفكك الصين، وصراع العرقيات، والأفكار والإيديولوجيات المختلفة عن توجه الحزب الشيوعي والسلطة الصينية، إحدى أهم محددات تفسير الإرهاب والتطرف في الرؤية الصينية.

ويرى المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، في مسودة تشريع يُعرف الإرهاب في القانون الصيني بأنه «فعل يسبب أو يهدف للتسبب في ضرر حاد للمجتمع، بالتسبب في أضرار من قبل الخسائر الاقتصادية الكبيرة، تدمير المرافق العامة، إزعاج أو إرباك النظام الاجتماعي».

وترى الصين أن التعريف الجديد للإرهاب سيكون أكثر فاعلية في مواجهة ما تصفه السلطات بأنه تهديد حقيقي، وأشارت وكالة شينخوا الرسمية إلى أن ذلك سيمهد الطريق لتجديد مواجهة الجماعات الإرهابية، وتجميد ممتلكاتها؛ إذ تقول الصين إنها تواجه إرهابًا منظمًا في شينجيانج.

ويرى أنصار هذا التشريع أنه سيجعل من السهل توجيه تهمة الإرهاب، بينما يقول منتقدوه إن السياسات الاقتصادية للصين والقيود المفروضة على حرية التعبير الديني والثقافي، هي التي تعزز الغضب بين السكان المحليين.

وتنقل وكالة شينخوا عن نائب وزير الأمن العام في ذلك الوقت «يانغ هوان بينغ» قوله: إن القانون الجنائي في الصين والذي يسمح بالسجن لمدة تصل إلى 10 سنوات لمن يشكل جماعة إرهابية، أو يقوم بأعمال إرهابية، لا يحتوي على تعريف محدد للإرهاب، وهذا يؤثر سلبا في الحرب ضد الإرهاب، وإمكانية السيطرة على أصوله المادية، والتعاون الدولي في مواجهته، وقال إنه في مشروع القانون الجديد تعرف الأعمال الإرهابية بأنها «الأفعال التي تهدف إلى إثارة الخوف العام أو لإكراه أجهزة الدولة أو المنظمات الدولية بالعنف والتخريب والتهديد، أو بأساليب أخرى، وهذه الأعمال تتسبب أو تهدف إلى التسبب في ضرر شديد للمجتمع من خلال التسبب في خسائر بشرية أو خسائر اقتصادية كبيرة، وإلحاق أضرار بالمرافق العامة، كما أن إزعاج النظام الاجتماعي بالتحريض، أو التمويل، أو المساعدة بوسائل أخرى يعد أيضًا أعمالًا إرهابية. [17]

وبرغم هذا التعريف للأعمال الإرهابية، فإن المحرك الأساسي للنظام الصيني في وصف الأويغور بالإرهاب هو عدم رضائه عن تمسكهم بهويتهم الدينية والقومية، وممارسة أي شعائر دينية أو تقاليد ثقافية توحي بتميزهم واختلافهم عن السياق العام والممارسات العادية للصينيين الهان.

ويعد الزعم بمحاربة قوى الشر الثلاثة ذريعة تتخذها الصين لقمع المسلمين وهذه القوى هي:

1- التطرف وهو من وجهة النظر الصينية العملية ممارسة الشعائر الدينية الخاصة بالمسلمين – وبخاصة من قبل بعض الفئات مثل موظفي الحكومة كالمدرسين، وكذلك الطلاب وأساتذة الجامعات والنساء والشباب- والتي يتعارفون عليها ويمارسونها في سائر أنحاء العالم الإسلامي وغيره، والتي تمنعها أو لا ترضى عنها السلطات الصينية مثل الصلاة، الصيام، الحج وقراءة القرآن الكريم، والمظهر الإسلامي الذي يتميز به الأويغور.

2- الانفصال، ويشمل في مفهوم السلطات الصينية كل تعبير كتابي، أو شفوي، أو حركي عن المشاعر والهوية القومية والدينية للأويغور، وكذلك الفنون والآداب، والعادات والتقاليد حتى قراءة أو اقتناء كتب التاريخ، وذلك خارج الإطار الزمني والمكاني، بل المحتوى الذي تحدده السلطات الصينية.

3- الإرهاب وهو في المفهوم الفعلي للسلطة الصينية مخالفة، أو الاعتراض على جملة السياسات الدينية، والثقافية، والإدارية، والاقتصادية، والسكانية، والتعليمية التي تطبقها بتعسف الإدارة الصينية في تركستان الشرقية، والتي يعد كل من يخالفها أو حتى يبدي الاعتراض عليها إرهابيًّا. [18]

الممارسات الدينية لدى الأويغور

تعد الممارسات الدينية لدى الأويغور من الممارسات الوسطية المعتدلة التي لا تخرج عن صحيح الدين، ولا تجد الاتجاهات الدينية المتشددة ترحيبًا في أوساط الأويغور، ويسود الإسلام السني والمذهب الحنفي بين المسلمين في تركستان الشرقية، ويزداد التمسك بالإسلام في مناطق الجنوب عن مناطق الشمال، التي تعاني من تزايد المؤثرات الصينية والتهجير الصيني، ويحرص المسلمون هناك على التمسك بإقامة الشعائر الدينية الإسلامية والالتزام بقواعد الشريعة؛ فالإسلام يؤثر في كافة مجالات الحياة لدى الأويغور.

يحرص الأويغور على إقامة الصلاة والصيام وقراءة القرآن، فضلًا عن احترامهم تعاليم الإسلام في المعاملات الاقتصادية والاجتماعية، والاهتمام بالعادات الإسلامية مثل ختان الأطفال الذكور في سن سبع سنوات، والحرص على الاحتفالات الدينية كالاحتفال بعيد الأضحى، فيذبحون الأضاحي وينشد المنشدون الأغاني والحكايات حول قصة نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل – عليهما السلام – ويزينون المنازل والمطاعم بالملصقات المصورة حول الموضوعات الدينية، وتباع تلك الملصقات في كاشغر وأورومجي، ويحرص المسلمون الأويغور على أدء فريضة الحج، والتي تمثل مطمحًا كبيرًا لهم، وتتقدم أعداد كبيرة منهم سنويًّا بطلبات للسلطات للسفر لأداء الحج وتوجد قوائم انتظار لمدة ثلاث سنوات، لتزايد أعداد راغبي الحج عما تسمح به سلطات الصين، وللمملكة العربية السعودية مكانة خاصة لدى الأويغور لوجود الأماكن المقدسة بها، ويعود الحجيج منها بالهدايا ذات الرمزية الدينية، مثل سجاد الصلاة الذي يحمل صورة الكعبة وغير ذلك.

وللمساجد أهمية خاصة لدى الأويغور؛ فقبل عام 1949 أي قبل الاحتلال الشيوعي الصيني لبلادهم، كانت توقف لها الأراضي الزراعية وهبات الأغنياء المالية، وبعد إصلاحات عام 1978 أعيد بناء ما تضرر من مساجد المنطقة بمساهمات مجتمع الأويغور. [19]

ويمثل المسجد مؤسسة مركزية جامعة ذات مكانة خاصة لدى الأويغور كمكان تجمع لأداء الصلوات، ولدوره السابق والواسع في حياة الأويغور الدينية والاجتماعية، وكان علماء الدين يحظون بمكانة رفيعة على قمة مجتمع الأويغور قبل تدخل السلطة الصينية في تعليم  الأئمة وتعيينهم، الذين تم استيعاب معظمهم ولو ظاهريًّا داخل المنظومة والرؤية الصينية، ورغم ذلك ما يزال الأئمة يحظون بمكانة مهمة في مجتمع الأويغور ودعم تضامنه بالأخص في الريف. [20]

(المصدر: ساسة بوست)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى