مقالاتمقالات مختارة

الإخوان المسلمون وأطروحات قراءة الواقع والمستقبل

الإخوان المسلمون وأطروحات قراءة الواقع والمستقبل

بقلم عبد الحافظ الصاوي

لا شك أن وجود دراسات ترصد وتحلل واقعنا الاجتماعي عمل إيجابي، بغض النظر عن النتائج التي تتوصل إليها هذه الدراسات، فعلى الأقل هذه الدراسات تبصرنا بالتطورات التي تشهدها مجتمعاتنا، وكذلك تنبهنا إلى أخطائنا في الممارسة، وعلى العاقل أن يحول الدراسات الجادة من هذه الأطروحات إلى برامج تصحيحية وتوجيهية.

وبطبيعة الحال نجد أن بعض هذه الأطروحات اهتم بقضايا الإسلاميين بوجه عام، والإخوان المسلمين بوجه خاص. وليس غريبًا أن نجد هذا الاهتمام بقضايا الإسلاميين، لفهم جزء لا يمكن التغافل عنه عند دراسة الواقع الاجتماعي في الدول العربية والإسلامية.

الدين هو محرك شرائح كبيرة من الإسلاميين بوجه عام والإخوان المسلمين بوجه خاص، وما يزال الشعار الذي كنا نردده في حملة فضيلة الشيخ صلاح أبو إسماعيل في انتخابات البرلمان لعام 1979 “في سبيل الله قمنا نبتغي رفع اللواء”

كما أن الإخوان المسلمين كحركة ومشروع، تستأهل هذا الاهتمام، لما قامت به من مساهمة في المشهد الاجتماعي على مدار قرابة تسعة عقود، سواء في المنطقة العربية أو الإسلامية، وكذلك لما مثلته الحركة من حضور بارز في أحداث الربيع العربي، وأيضًا كونها كانت هدفًا لمشروعات الثورات المضادة للربيع العربي.

وثمة عدة ملاحظات على بعض هذه الأطروحات، منها أن باحثيها ينطلقون من مسلمات، هي موضع نقاش، بل تعد خطأ منهجيا، كأن يتم التعامل مع الإسلام بمفهوم الكنيسة للدين، على أنه يجب أن يتم الفصل بين الديني والدنيوي، وباعتبار السياسة من أعمال الدنيا، فلا يجب أن تمارس السياسة وفق مرجعيات دينية.

ولذلك وجدنا البعض يعرض فكرة تجريد أي عمل سياسي من منطلق ديني، وكأنها مسلمة. ويذهب ليفسر وجود الإسلاميين في الواقع الاجتماعي -الذي يشمل الممارسة السياسية والاقتصادية والثقافية- وكأنه نوع من الصراع السياسي يستحضر الدين لحسم الصراع مع المنافسين.

بينما الواقع أن الدين هو محرك شرائح كبيرة من الإسلاميين بوجه عام والإخوان المسلمين بوجه خاص، وما يزال الشعار الذي كنا نردده في حملة فضيلة الشيخ صلاح أبو إسماعيل في انتخابات البرلمان لعام 1979 -كنت وقتها في بداية المرحلة الثانوية الأزهرية- “في سبيل الله قمنا نبتغي رفع اللواء.. ما لحزب قد عملنا نحن للدين فداء.. فليعد للدين مجده.. أو ترق منا الدماء”، وظل هذا الشعار يمثل مكونًا رئيسًا في عقولنا إبان الحياة الجامعية خلال النصف الأول من الثمانينيات.

ولقد ذكرتني مسلمات هذه الأطروحات التي تفسر الصراع الموجود في الساحة على أنه سياسي يستدعي الدين، بنفس طرح الأستاذ حسين أحمد أمين في كتابه “دليل المسلم الحزين إلى مقتضى السلوك في القرن العشرين”، حيث فسّر الرجل رسالة الإسلام في صدره الأول، على أنها مجرد صراع اجتماعي.

وما أود أن أقوله هنا أن حضور الإسلاميين، أو الإخوان المسلمين، باعتباري واحدا منهم، والتحقت بحركتهم وعمري 16 عامًا، أن القراءة الصحيحة لأداء الإخوان المسلمين في كافة مناحي الحياة منبعه والدافع له الدين، وليس العكس.. فكم من الإخوان المسلمين لم يكن ليراهم الناس في مجالات مختلفة، وعلى رأسها السياسة لولا دوافعم الدينية.

إن ضابط الحلال والحرام، هو الملازم لسلوك الإخوان المسلمين في ممارساتهم العامة والخاصة، فكم من الأمور، كان يمكن أن يربح بها الإخوان مواقف سياسية، ولكنها كانت غير منضبطة بقواعد الحلال والحرام، تم الإعراض عنها، ومنها على سبيل المثال، ما كان يعرض علينا في الانتخابات العامة المختلفة، حيث لم يكن في اللجان سوى مندوبي الإخوان، ومندوبي الحزب الوطني، أو المنافس الآخر، وكان يعرض علينا أن يتم تزوير أوراق الانتخابات مناصفة، فكنا نرفض هذا السلوك، لحرمته، وليس لما ينبني عليه من نتائج انتخابية. وهناك ممارسات كثيرة كانت تتعلق بالحفاظ على المال العام، أو ممالأة مسؤولين كبار في السلطة.

أخطاء الممارسة

الإخوان المسلمون، بشر تنطبق عليهم كل قواعد العمل البشري، وهم يمارسون الأعمال الاجتماعية، يصيبون ويخطئون، وعلينا أن نعترف بأن لنا أخطاء دفع ثمنها غيرنا، بل والمجتمع بأسره، وبخاصة بعد ثورات الربيع العربي.

وأحسب أن ما تم هذه المرة من ممارسة الإخوان للسياسة، وبخاصة بعد ثورات الربيع العربي، يغلب عليه التدوين، بل الرصد والتحليل، وسيكون بمثابة دليل عمل، حين يأذن الله عز وجل بعودة الحركة للعمل مرة أخرى.

وعملية التصويب للفكر والممارسة، ليست بجديدة على الإخوان المسلمين، ففي منتصف التسعينيات أعد الإخوان المسلمون ما يمكن تسميته مراجعات، فيما يتعلق بعمل المرأة، والتعددية الحزبية، وهما موقفان يختلفان عما هو مدون لما ذهب إليه الأستاذ المؤسس لدعوة الإخوان المسلمين، الشهيد حسن البنا رحمه الله.

ولم تكن المراجعات قاصرة على الجوانب النظرية، ولكن انتقلت إلى الجانب العملي، فوجدنا مرشحات للإخوان المسلمين للبرلمان، والنقابات. وإن كانت حكومات مبارك حريصة على إجهاض التجربة، حتى لا ينبني عليها تطور اجتماعي يحسب للمشروع الإسلامي، وبخاصة تصحيح الصورة الذهنية للمجتمع عن دور المرأة.

وفي السياق نفسه، تناولت التجربة في المراجعات، قضية المواطنة، باعتبارها مكونًا رئيسًا في العقد الاجتماعي، يتساوى فيه جميع أبناء الوطن، وترتب على ذلك وجود الإخوة النصارى مرشحين في قوائم الإخوان في البرلمان أو النقابات، فوجدنا في انتخابات 1987 ترشح جمال أسعد على رأس قائمة للإخوان المسلمين في أسيوط، وكان الأستاذ المرشد محمد حامد أبو النصر، يسهم في الدعاية للقائمة، وحدث الشيء نفسه بعد ثورة 25 يناير، من وجود مرشح حزب الكرامة “أمين إسكندر” على قائمة حزب الحرية والعدالة في منطقة شبرا.

انصراف الشباب إلى توجهات إسلامية أخرى

بعض المقالات أو الدراسات، تذهب إلى أن تراجع حركة الإخوان المسلمين، أدى إلى انصراف الشباب إلى مساحات أخرى بعيدة عن مشروع الإخوان المسلمين، الذي يغلب عليه الطابع السياسي. وبخاصة اتساع مساحات توجه الشباب لحلق العلم الشرعي، لعلماء وشباب غير محسوبين على حركة الإخوان المسلمين، أو للانضمام للحالة الصوفية، سواء كسلوك صوفي فردي، أو من خلال الارتباط بجماعات التصوف.

وأحسب أن هذا وضع طبيعي في ظل الانسداد الاجتماعي العام، والتضييق على حركة الإخوان المسلمين، ولكن على الرغم من أن البعض قد يعد ذلك خصمًا من حركة الإخوان المسلمين، إلا أني أختلف مع هذا التوجه، وأعتقد أنه إضافة للمشروع الإسلامي، من حيث المحافظة على هؤلاء الشباب في محاضن علمية وروحية، تحت مظلة الإسلام.

ولَكَم عاشت نماذج عدة في الإخوان المسلمين على مدار أكثر من 40 عامًا، كانت تستوعبها الأعمال الروحية والعبادية أكثر من غيرها، وفئة أخرى كانت تجد نفسها في أعمال الخير والبر، بل بعضهم كان ينفر من العمل السياسي، لما ينتج عنه من مشاحنات، ولكن في النهاية، كان فكر هؤلاء ينضوي على أن الإسلام دين شامل.

ومن النتائج التي تثير استغراب المتابع للشأن الإسلامي، أن تصل نتائج بعض الدراسات إلى أن غياب الإخوان المسلمين، أدى إلى زيادة الثقة في مؤسسة الأزهر، ويصل لنتيجة أن ذلك يعد خصمًا من وجود الإخوان المسلمين في الشارع.. والحقيقة أن جماعة الإخوان المسلمين وعلى مدار قرابة تسعة عقود، ضمت بين صفوفها طلاب وعلماء الأزهر، سواء كانوا طلابًا، أو أئمة وخطباء، أو أساتذة في الجامعة بالكليات الشرعية، بل وفي مختلف مجالات مؤسسة الأزهر الكبرى. فتوجه الناس إلى مؤسسة الأزهر وزيادة الموثوقية فيها، لا يقلق جماعة الإخوان المسلمين، بل يطمئنها بأن الناس تأوي إلى منبر الوسطية، والمؤسسة العلمية العريقة، لكن ما يقلق جماعة الإخوان حقا، هو انصراف بعض الشباب إلى جماعات العنف، أو الجماعات التكفيرية.

الإخوان وثورة المعلومات

البعض يذهب إلى أن ثمة تحديا تواجهه حركة الإخوان المسلمين، فيما يتعلق بهذا الحجم الهائل من تدفق المعلومات، وأنه قد يكون خطرًا على الفكرة والمشروع، والحقيقة أن مشروع الإخوان المسلمين، بني على بناء الفرد الذي يتسم بصفات عشر، هي أن يكون “قوي الجسم، متين الخلق، مثقف الفكر، قادرا على الكسب، سليم العقيدة، صحيح العبادة، مجاهدا لنفسه، حريصا على وقته، منظما في شؤونه، نافعا لغيره، وذلك واجب كل أخ على حدته”.

إذن، هذا التدفق المعلوماتي، لا يزعج الإخوان المسلمين، بل يساعدهم في بناء أفرادهم، وفي تحقيق أحد مكونات الشخصية الإخوانية، بكونه مثقف الفكر.. بل يسعى الإخوان لأن يكون هذا الأمر متوفرًا لدى أبناء المشروع الإسلامي، بل والإنساني على السواء.. ففي ضوء المعرفة والفكر، يزدهر المشروع الإسلامي، لما يمليه هذا المشروع من وجوب التعلم، والتفكر، واستيعاب العصر وعلومه.

ولكن لا أنكر أن هناك تجارب سلبية لبعض أشخاص في المحاضن التربوية للجماعة، قد تطالب الأفراد بقصر قراءاتهم على لون معين، ولكن تظل هذه التجارب محدودة، ولم تعد تناسب طبيعة عصر المعلومات، كما أنها تصطدم بمنهج الجماعة في الدفع بالأفراد للاطلاع وتحصيل العلم، ومختلف ألوان الثقافة، أيا كان مصدرها.

الإخوان وسؤال المعاش

الحفاظ على مستوى معيشة كريم، هو ما يشغل الإخوان المسلمين، ولعل الأستاذ حسن البنا قدم إجابة شديدة الوضوح في رسالة “مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي” وبين ضمن مكوناتها تصوره للنظام الاقتصادي الذي يصلح لمصر في ضوء النظام الإسلامي، حينما تحدث عن ثروات المجتمع المصري، وحقوق العمال، ونظام الملكيات، والفساد المستشري، والتوغل الأجنبي، وضرورة وجود صناعة متقدمة، وزيادة معدلات الاكتفاء الذاتي من السلع الإستراتيجية.. وعلى هذا المسار حينما مارس الإخوان العمل العام بشقيه (السياسي والاجتماعي) كان سؤال المعاش والإجابة عنه، هو ما يشغلهم.

وأحسب أن وعي الإخوان وعملهم في إطار العمل لتلبية وتدبير معاش الناس، هو ما جعلهم هدفا للسلطات المستبدة، في مختلف دول العالم العربي والإسلامي.. إن أصحاب النفوذ والمصالح، وممارسي الفساد، يعنيهم ألا يصل الإخوان لسلطة اتخاذ القرار، ولذلك كانت الصدامات المستمرة، من قبل هذه النظم مع الإخوان.

هل ما زالت فكرة الإخوان آسرة لدى المجتمع؟

وأنا أكتب هذه السطور، كنت أود أن أجعل عنوان هذه الفقرة، هل ما زالت فكرة الإخوان آسرة لدى الشباب، باعتبار أن كثيرا من الباحثين يركز في تناوله للشأن الإخواني على الشباب، باعتبارهم أحد المميزات التي تمتعت بها الجماعة خلال العقود الماضية.

وطبيعي أن تشهد الجماعة، بعد الانتكاسة لتجربتها في مصر، وفي غيرها من بلدان الربيع العربي، انصراف بعض الشباب، لأن الشباب يشعرون بأن الممارسة السياسية الخطأ لجماعة الإخوان أضاعت حلمهم في أن يروا بلدانهم واحات للحرية والديمقراطية، وتقديم نموذج ناجح للمشروع الإسلامي.

يعتقد البعض أن جماعة الإخوان المسلمين، أصبحت أثرًا بعد عين، وأنه قد تودع منها، ولكن هذه النتيجة لا تحظى بنسبة كبيرة من الصحة

والاهتمام بالشباب وردة فعلهم، هي محل اعتبار، وعلينا أن نستفيد من الدرس، ولكني بحكم المعايشة، أرى أن ثمة شيئا إيجابيا يتم لدى الشباب، بأنهم اتجهوا لبناء ذواتهم بشكل علمي وعملي لخدمة المشروع الإسلامي بشكل عام، وهو شيء إيجابي، حتى ولو كان بعضهم اتخذ موقفًا من جماعة الإخوان كحركة.

وعن المجتمع وقضية ثقته بالإخوان المسلمين، فعلينا أن نستحضر أننا في حالة استثنائية، ومع ذلك ثمة نسبة لا بأس بها تثق بالإخوان المسلمين، وأحسب أنه في حالة عودة جماعة الإخوان المسلمين للعمل في وسط المجتمعات بشكل طبيعي، سيكون هناك تقدير مختلف. وإن كان الأمر لن يسلم من عقبات ومشكلات ستواجهها الجماعة بسبب ممارستها إبان ثورات الربيع العربي، وما بعدها، وقد تشهد الساحة، خروج بعض من أبناء جماعة الإخوان لتأسيس كيانات مستقلة يمارسون من خلالها العمل العام وفق قواعد جديدة، غير تلك التي شهدوها من تجربة الجماعة خلال الفترة الماضية.

مستقبل حضور جماعة الإخوان المسلمين

يعتقد البعض أن جماعة الإخوان المسلمين، أصبحت أثرًا بعد عين، وأنه قد تُودع منها، ولكن هذه النتيجة لا تحظى بنسبة كبيرة من الصحة، والدليل على ذلك، ومن خلال رصد تجارب الحركات والأحزاب السياسية الخالصة، نجد أنه يحتاج لإعادة نظر، فأحزاب اليسار في أوروبا مثلًا بعد تجربة انهيار الاتحاد السوفياتي، ظلت مهزومة نفسيا وسياسيا لفترة، ثم استعادت حيويتها بعد ذلك، وتمكنت من العودة للسلطة.

ولكن لعل خصوصية جماعة الإخوان المسلمين، تأتي من ارتباط مشروعها بقواعد الإسلام، من كونه دينًا شاملًا، وكون الجماعة تدعو لوحدة الأمة الإسلامية، ومن الضروري التركيز مرة أخرى على أن هاتين الصفتين من خصائص الإسلام.

ولذلك يمكن القول إن هاتين الخاصيتين، تحفظان مشروع الجماعة لدى المجتمع، بل وتجعلانه يحظى بالقبول لدى شريحة كبيرة من المسلمين.. ولعلنا رصدنا مساهمات كثيرة تخدم المشروع الإسلامي في إطار هاتين الخاصيتين، من أناس ليس لديهم أدنى ارتباط بحركة الإخوان المسلمين.

ولكي يستمر حضور الإخوان كحركة في المستقبل، عليهم أن يلتفتوا إلى ما صدر عنهم من بحوث ودراسات من خارجهم، ليقفوا على تقويم سليم لأدائهم، كما عليهم أن يستمعوا بآذان مصغية إلى ملاحظات أبنائهم، حول تجاربهم السابقة، ويستلهموا منها الدروس والعبر.

في الختام، لا أدعي عصمة لشخص أو جماعة، بل العبرة بقرب وبعد الأداء من الصواب والخطأ، ونحسب أن دائرة الاجتهاد تسع حركة الإخوان المسلمين وغيرها من العاملين في ساحة العمل العام.

(المصدر: الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى