مقالاتمقالات مختارة

«الإبراهيمية» وتأثيرها على الأقصى والقدس

«الإبراهيمية» وتأثيرها على الأقصى والقدس

بقلم أسامة شحادة

تزايد في المدة الأخيرة تداول مصطلح «الإبراهيمية» من جهات متعددة ومتباينة ولعل بعضها لا يعرف عن الآخرين ولذلك يكون هناك نوع تناقض واختلاف في طروحاتهم، لعل من أشهرها تسمية الرئيس الأمريكي السابق  ترامب اتفاق الإمارات واليهود بـ (اتفاق أبراهام).

حقيقة مصطلح «الإبراهيمية»:

لكون الدين الإسلامي راسخ الجذور في قلوب وعقول أبنائه فقد فشلت كل محاولات القضاء عليه، ولم يجد خصوص الإسلام إلا التحول عن محاربته بشكل صريح كحال الشيوعية والإلحاد إلى محاربته بشكل ملتوٍ من خلال السعي نحو تحريفه والتي يسمونها تطويره! فظهرت عندنا مصطلحات “إسلام تقدمي وإسلام مدني وإسلام تنويري وإسلام حداثي”، وأيضا فشلت كل هذه المحاولات الغبية لاختراق الإسلام.

ولكن مكائد الأعداء لا تتوقف، ولذلك تم إحياء مصطلح الميثاق الإبراهيمي في عصرنا الحاضر والذي كان قد ظهر قديما في أوروبا سنة 1811م، ثم استخدمه لويس ماسينيون في مقال سنة 1949، ليعاد طرحه من جديد في العقود الماضية القريبة ويتم تطوير المفهوم وتوظيفه سياسيا.

يأتي مصطلح الإبراهيمية اليوم كامتداد لمسار طويل من توظيف الدين لأغراض سياسية غربية لتمرير ما عجزوا عن تمريره بالحرب أو السياسة المكشوفة، ويقف خلفه بشكل رئيسي اليوم اليمين المسيحي على وجه الخصوص والذي يتبنى المسيحية الصهيونية لتعجيل عودة المسيح وتحقيق نبوءاتهم بالخلاص والسيطرة على العالم.

واستخدام هذا المصطلح في الوسط الإسلامي اليوم يضاهي ظاهرة بروز النفاق بعد الهجرة النبوية حيث قويت شوكة الإسلام فكان الحل الشيطاني إظهار الإيمان وإبطان الكفر والغدر بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهو ما يتحقق اليوم حيث عجز الأعداء عن الانتصار الكامل على أمة الإسلام فألجأهم لحالة من النفاق من إظهار احترام الإسلام أو الدعوة للحوار والتعايش أو المناداة بالتجمع على قاسم مشترك وهو أبو الأنبياء (موسى وعيسى ومحمد) وهو إبراهيم عليهم جميعا الصلاة والسلام، وبالطبع لا علاقة لإبراهيم خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام بهذه المزاعم المفتراة «ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين»، واستخدام مصطلح الإبراهيمية لا يعطى أي مشروعية أو تصحيح لهذا المشروع الخبيث.

ومن أبرز مظاهر النفاق في توظيف هذا المصطلح أنهم يسعون الآن لتوسيع دائرة الإبراهيمية لتخرج عن دائرة أهل الكتاب في المفهوم الإسلامي لتشمل طوائف وفرقا مارقة ومرتدة عند المسلمين كالبابية والبهائية والدروز والشبك، ومللا من خارج دائرة أهل الكتاب كالصابئة المندائية و‌الراستافارية! ولذلك هم يقولون إن 56 % من سكان العالم إبراهيميون، وفي هذا خطر كبير على الهوية الإسلامية بتذويبها في أوحال الشرك والوثنية والتحريف.

وفي هذا أيضا عبث خطير بعقيدة الإسلام وأحكامه، فالإسلام يعترف بصحة أصل دين أهل الكتاب قبل تحريفه، وتسمح أحكامه لذلك بالزواج منهم وأكل ذبائحهم بشروط معروفة دون سواهم من بقية الأديان، ولكن فرية الإبراهيمية تهدف للعبث بذلك وتسوية غير أهل الكتاب بهم من جهة!! وتسعى لشرعنة فرق مرتدة عن الإسلام ومعاملتها معاملة المسلمين!!

ولا يقف خطر مصطلح الإبراهيمية على هذا العبث بمفهوم وأحكام أهل الكتاب، بل يتجاوز ذلك بكثير عبر تقديم دعاة الإبراهيمية لرؤيتين لمفهوم الإبراهيمية، هما:

1- الحديث عن الديانات الإبراهيمية والتركيز على المشتركات فيها، ومعلوم أن الإسلام يعترف بنبوة عيسى وموسى عليهما الصلاة والسلام، والمسيحية تعترف بنبوّة موسى عليه الصلاة والسلام، بينما اليهودية لا تعترف بنبوة عيسى ولا محمد عليهما الصلاة والسلام، وبالتالي ستكون دائرة المشتركات هي اليهودية في الحقيقة!! وقد رأينا بداية تطبيق ذلك من خلال إنشاء مجمع العائلة الإبراهيمية في أبو ظبي، والذي سيفتتح سنة 2022 حيث يضم مسجدا وكنيسا وكنيسة، وقد شُيّد في أبو ظبي معبدٌ هندوسيٌ في عام 2017، ومعبدٌ سيخيٌ في دبي، ونُصب تمثال لبوذا في طريق رئيسي أيضا، وقد سبق للرئيس المصري السابق أنور السادات أن دعا لإنشاء مثل هذا المجمع في سيناء!

2- الديانة الإبراهيمية الموحدة، بحيث يتم صهر الأديان الثلاثة وبقية النحل والفرق في دين جديد، وله كتاب مقدس جديد مستخلص من الكتب المقدسة المتفرقة!

فالمطروح هو نزع القداسة عن القرآن الكريم والإنجيل والتوراة وعن الأماكن المقدسة في الديانات الثلاث ومنحها فقط لما يتم إقراره من مفاهيم ومبادئ كمشترك إبراهيمي بينهم! وإضفاء صفة القداسة فقط على المراكز الإبراهيمية!

التوظيف السياسي للإبراهيمية:

ما سبق هو المضمون الديني للإبراهيمية، لكن القصة لا تقف عند الجانب الديني، بل بعد أن قاموا بتلفيق هذا الدين المخترع جرى العمل على استغلاله لتمرير أجندات سياسية تصب في صالح دولة اليهود وذلك بالتعاون والتكامل مع مبادرات مشبوهة أخرى مثل اتفاقية الأمم المتحدة بشأن الشعوب الأصلية والقبلية في البلدان المستقلة.

أبدعت الدكتورة هبة جمال الدين، الباحثة في الدراسات المستقبلية بمعهد التخطيط المصري، بكشف أبعاد التوظيف السياسي للإبراهيمية في عدد من المقالات والأبحاث واللقاءات الإعلامية المصورة والمكتوبة، ويمكن تلخيص أهم معالم هذا التوظيف السياسي كما ذكرته عبر النقاط التالية:

– بعد فشل أو عدم تقبل نظرية صراع الحضارات التي نادى بها هنتنجتون، ونظرية نهاية التاريخ لفوكوياما، برز في مجال العلاقات الدولية نهج جديد يدعو للتسامح العالمي، والأخوة والحب والوئام الإنساني، وأن

مستقبل العالم سيرتكز على السلام العالمي الذي سيتحقق عبر الديانات الإبراهيمية والعقائد المتداخلة، كمدخل جديد لحل النزاعات في العلاقات الدولية.

ومن أجل إقناع الناس -والمسلمين على وجه الخصوص- بالحاجة لدين جديد = الإبراهيمية روجوا أن الصراع بين الأديان عنيف كالصراع اليهودي الإسلامي، والصراعات بين طوائف الدين الواحد أعنف كالصراع الشيعي السني أو الصدام مع داعش والقاعدة، ويؤكدون من خلال دراسات مختلفة أن أكثر الأديان إنتاجاً للصراع هو المسيحية ثم الإسلام، ويرون أن الحل عمليًا هو تصفية هذه الأديان والسعي لدين جديد يقوم على القيم الإبراهيمية المشتركة، مثل المحبة والإخاء… إلخ، مما يعني أنهم يحاولون خلق جيل كارِه للأديان بوضعها الحالي، وبالتالي يكون مهيأً لقبول فكرة الدين الجديد ولعل في ذلك نوع تفسير لتصاعد ظاهرة الإلحاد.

لذلك حرصت السياسة الدولية على رعاية تصاعد الصراع الشيعي السني في العراق ونقله جزئيا لبعض الدول كالبحرين واليمن دون السماح لطرف بحسم الصراع، وهو ما تكرر أيضا في قصة داعش حيث كانت السياسة الدائمة لدى الأطراف الدولية والطائفية المحلية هي رعاية وجود داعش وتسليطها ضد الدول والحاضنة السنية بشكل كبير جداً.

وحتى مع مجيء مرحلة الربيع العربي لم يسمح للثورات بالانتصار وتحقيق الازدهار، بل أرغمت على دخول دوامة الحروب الأهلية أو النكوص، لإبقاء الدول والمجتمعات في دوامة مهلكة مما يسهل تقبل الإبراهيمية كحل!

وقد أفرزت تلك الحروب والصراعات ظاهرة العزوف عن المتدينين عند بعض القطاعات أو الانتكاس لبعض الرموز الدينية وتفاقمت عند البعض لتصل إلى مرحلة الردة عن الإسلام كما حصل لبعض ضحايا الإجرام الطائفي والداعشي وقمع الثورات، وقد رصد الفيلم الوثائقي لقناة الجزيرة “في سبع سنين” بعض جوانب تلك الظاهرة، ويماثلها في الوسط الشيعي العربي حالة المعمم إياد جمال الدين، الذي لم يبق له من الدين إلا زيه فقط! أما في إيران فهناك تصاعد كبير للإلحاد بين الشباب.

– لأن الصراع في الشرق الأوسط ذو بعد ديني يهودي – إسلامي، فإن علاجه لا بد أن يكون من خلال الدين! ولكون الصراع بين طرفين يهودي ومسلم ووسيط أو حليف مسيحي فإن البحث عن جذر ديني مشترك يقود لإبراهام= إبراهيم ليكون محور الارتكاز!

– ومن أجل تحقيق هذا السلام العالمي فإنه ينبغي سلوك طرق غير تقليدية، ومنها ما يُعرف بدبلوماسية “المسار الثاني” أو “المفاوضات غير الرسمية”، التي تجمع رجال الأديان الثلاثة معًا بجانب الساسة والدبلوماسيين لترجمة المشترك الديني على الأرض، وسميت “بالدبلوماسية الروحية”، وقد أسس لها مكتب في الإدارة الأمريكية سنة 2013، وكانت الإدارة الأمريكية منذ سنة 1990م قد أقرت برنامج أبحاث الحرب والسلام!!

– وتقرر الاعتماد على رموز التصوف لقيادة هذه الدبلوماسية الإبراهيمية بعد استبعاد رموز الإسلام السياسي الذين احترقت ورقتهم.

ورموز التصوف الذين يوظفون في ترويج هذه الديانة الإبراهيمية المخترعة لا يقتصرون على صوفية المسلمين بل كل الصوفيين في الديانات الأخرى، خاصة أن عقيدة وحدة الوجود عقيدة مركزية في التصوف ويعتنقها كثير من القيادات الصوفية اليوم، وهذه العقيدة الصوفية لا يقتصر تأثيرها على المتدينين في كل دين بل تمتد لتشمل الملحدين في وحدة الوجود!!

ومن تطبيقات ترويج الإبراهيمية ومقدماتها زيارات علي الجفري وعلي جمعة للمسجد الأقصى قبل عدة سنوات دون مبرر واضح، ولكن تصريح علي الجفري لاحقاً في مؤتمر صوفي في السودان بأنه يحب اليهود، لعله يكشف عن طبيعة التوظيف السياسي المطلوب أن يقوم به في المجتمع الصوفي الإسلامي من خلال كسر حاجز العداوة لليهود سواء بسبب عقيدتهم الكفرية التي تعتدي على المقدسات جميعاً (الله عز وجل، الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، الكتب السماوية، الملائكة الكرام) أو من خلال عدوانهم واحتلالهم لفلسطين وشعبها أو سرقة كثير من خيرات الشعوب والأمم الأخرى.

ومن تطبيقات ذلك أيضا عقد الملتقى العالمي الثاني سنة 2017م بعنوان: التصوف والدبلوماسية الروحية، الأبعاد الثقافية والتنموية الحضارية، في المغرب.

الخطوات المنجزة في هذا المخطط الإبراهيمي:

هذه الأفكار كما تقول د. هبة ليست شطحات خيال بعض الحالمين أو المتهورين كالرئيس ترامب، لا، بل هي استراتيجية تنظر وتؤصل لها مراكز دراسات أمريكية في جامعات عريقة مثل هارفارد وغيرها، وتحتضن هذه الاستراتيجية وزارة الخارجية الأمريكية منذ سنوات طويلة، وهذه الفكرة مدعومة من المحافظين والديمقراطيين في أمريكا، ولذلك صار تداولها في تصريحات الساسة أمرا متكررا، فوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون عملت منذ عام ٢٠١٣م على تسويق هذه الفكرة، هي والرئيس باراك أوباما، وأشار للإبراهيمية كوشنير في مقابلة مع محطة سكاي نيوز في ٢٠١٩م، وممن  صرح بها توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، وقد أصبحت هذه السياسة الإبراهيمية قيد التنفيذ، ومن الأمثلة العديدة على ذلك:

1- صندوق النقد الدولي قدم تقريرا عن المشترك الإبراهيمي في عام 2000. وفي تبرير اهتمام الصندوق بمثل هذه القضايا الدينية والسياسية يقولون: إن مهمة الصندوق تحقيق التنمية المستدامة، ولما كان العالم بحسب حالة التنمية ينقسم فعليا إلى قسم نجح في تحقيق التنمية المستدامة وهو نصف العالم العلماني، أي الغرب، أما النصف الآخر وهو العالم المتدين الذي فشل في تحقيق التنمية، وفشلت آلية الحوار بين الأديان التي اعتمدت عقب الحرب العالمية الثانية، فقد حان الوقت لمساعدة العالم المتدين الذي فشلت أديانه في التنمية عبر تقديم دين مشترك جديد له.

ويقوم الصندوق وعبر «أسر السلام» و«الحوار الخدمي» التي تؤمن بالإبراهيمية بتقديم الخدمات والمساعدات للمجتمعات مما يحقق إقبال الناس على الإبراهيمية، الدين الذي يحقق السلام والتنمية!!

ومن مشاريعهم التي قاموا بتنفيذها تطهير غور الأردن من الألغام باعتباره أحد مقاصد السياحة الدينية الإبراهيمية المشتركة!

وكحملات مكافحة الملاريا بأفريقيا، وشن حملات إغاثية عقب الكوارث الطبيعية للبشر المتضرّرين في أماكن الصراع، حيث تتحول الدبلوماسية الروحية إلى خدمات ملموسة يشعر بها المواطن، وتجعل ولاءه للطرح الجديد للديانة الإبراهيمية.

ويترافق هذا الدور الخدمي العالمي للصندوق مع الدين الجديد العالمي بالتضييق على المؤسسات الإسلامية الخيرية من جهة، ودعوات السيطرة الرسمية على فريضة الزكاة وعدم الاقتصار على المصارف الشرعية لها، ولعل من نماذج الخدمة التنموية الإبراهيمية المستحدثة برنامج “قلبي اطمئن” الذي يقدمه شخص مجهول يعرف بـ “غيث الإماراتي”، حيث تكثر فيه عبارات الإنسانية دون أن يعرف أحد مَن المتبرع الحقيقي ولا غرضه من كل هذا التصوير المحترف إذا كان حريصا على الإخلاص والسرية!!

2- الأمم المتحدة أصدرت تقريرا عن تعاون الحضارات في عام 2001، ومن ثم عقدت أول اجتماع للقادة الدينيين سنة 2005 للتمهيد لانخراط رجال الدين في تفاوض دبلوماسي قبل تفاوض الساسة الدبلوماسي!

3- قام «المركز الدولي للدين والدبلوماسية»، أحد مراكز الدبلوماسية الروحية، بتطوير مناهج 1600 مدرسة في باكستان. ونظم المركز ذاته في مصر حلقات دراسية في القاهرة تجمع بين القادة السوريين لمساعدتهم في حل خلافاتهم، وأسهم في تدريب وتأهيل اللاجئين السوريين أيضاً في عام 2012.

4- أصدر معهد «بروكينجز الدوحة» في عام 2013، تقريرا حمل عنوان «الدين والدبلوماسية».

5- اختراق المؤسسات الثقافية والجامعية لترويج الدعاية اليهودية أنهم أصحاب الديانة الأولى في العالم، وأنهم أصحاب حقوق تاريخية في القدس، بل وفي فلسطين، وأنهم أصحاب الأرض، وأن القدس مدينة يهودية. مثل:

– شراء كراسي أستاذية في الجامعات الكبيرة المتخصّصة لتدريس ما يسمونه بـ «التاريخ والثقافة والحضارة اليهودية».

– تأسيس قسم في المتحف البريطاني عن قدماء الإسرائيليين؟!

– تقديم دورة دراسية في جامعة فيرجينيا، بالتعاون مع منظمة «اتحاد أبناء إبراهيم» باسم «تحجّر أرض فرعون»، ومضمون الدراسة أن المصريين مسؤولون عن قتل اليهود على يد فرعون، ويجب أن يدفعوا ثمن هذا الجُرم.

6- تأسيس التحالف الدولي للحرية الدينية بأمريكا سنة 2019 والذي يصب في صالح اليهودية ومحاصرة الأنشطة الإسلامية بدعوى التشدد والإرهاب.

خطر الإبراهيمية وتأثيرها على الأقصى والقدس:

تشكل الإبراهيمية خطرا على المسجد الأقصى والقدس على عدة مستويات ومن عدة نواحٍ كما يلى:

1 – تسعى الإبراهيمية لنزع القداسة الإسلامية عن المسجد الأقصى خصوصًا، وفلسطين عمومًا، وإسباغها على رموز وأماكن تنتسب للإبراهيمية.

ونزع القدسية الدينية عن الأقصى والقدس خطر كبير يفتت وحدة موقف المسلمين تجاه نصرة المسجد الأقصى والقدس وفلسطين، مما يجعل الفلسطينيين دون سند شعبي خارجي مما يسهل لليهود القضاء عليهم.

والدعم الشعبي الإسلامي للأقصى والقدس -رغم أنه تم إضعافه بشكل كبير- إلا أنه ما يزال يمنح المسجد الأقصى والقدس وفلسطين قوة معنوية كبرى يخشى اليهود وأنصارهم من تحررها بشكل مفاجئ، ومن أجل ذلك تقوم محاولات التطبيع المحمومة والمصاحبة للإبراهيمية بتزييف وعي الجماهير المسلمة عبر استغلال الصراعات والخلافات السياسية بين الأنظمة العربية والمسلمة للتسلل منها لكسب التعاطف مع اليهود بدلا من المسلمين في فلسطين، وقد نجحوا في ذلك مع بعض المجموعات من الشباب الخليجي والعربي مع الأسف حيث أخذوا يصرحون بمحبة اليهود وعدم اكتراثهم للقضية الفلسطينية.

ومن محاولات نزع القدسية عن الأقصى والقدس دعوى يوسف زيدان قبل سنوات أن المسجد الأقصى هو مسجد الخيف في مكة!!

2-  محاولة طمس مركزية القدس الوطنية وأنها عاصمة فلسطين السليبة، حيث حاولت منظمة الأونروا حذف عبارة «القدس عاصمة فلسطين» من مناهج التعليم من الصف الأول إلى الرابع الابتدائي واستبدالها بعبارة «القدس المدينة الإبراهيمية»، وقد رفض الفلسطينيون تلك التغييرات ولم يسمحوا لها أن تتم، وذلك في بداية استلام ترامب للحكم!

والعبث بالمناهج مخطط هادئ ومستمر وفاعل في معظم الدول المسلمة، هدفه تغيير الفكر وتصفية القضية الفلسطينية من الجذور عبر سنوات طويلة، فالأجيال الجديدة لن يكون في فكرها المطالبة بفلسطين أو القدس كعاصمة لها من الأساس، فضلا عن ترسيخ فكرة تجريم مقاومة الاحتلال اليهودي والصهيوني للأقصى والقدس وفلسطين.

3-  تصاعد الدعوات، كدعوة مؤسسة «أبناء إبراهيم» -وهي من المؤسسات المعنية بالدبلوماسية الروحية- لإعطاء الشعوب الأصلية حقوقها، من باب الدعوة للعدل ونصرة المظلوم، وبالطبع هنا يتم توظيفها من خلال منح اليهود فلسطين باعتبار كاذب أنهم أصحابها الأصليون! وليس الفلسطينيون القادمون من تكريت وبلجيكا! وهي فرية سخيفة.

وقريب منها محاولة اليهود اعتبار دولتهم دولة يهودية لا وجود لغير اليهود فيها، مما يقتضي ترحيل كل العرب الفلسطينيين الباقين في فلسطين من أرضهم، وهذا خطر وجودي على الأقصى والقدس وفلسطين.

وقد قام قس كوري من دعاة الإبراهيمية بإصدار كتابٍ بعنوان «القدس الجديد» من أجل ترويج فكرة الحاجة لدين عالمي وواقع إبراهيمي جديد بالكامل للقدس، ولهذا القس صلات وزيارات دعائية متعددة لنخب مصرية لترويج فكرته بينهم.

وأيضا ادعاؤهم أن اليهودية هي أقدم الديانات في القدس مما يجعلها الأحق بها، ومعلوم أن أقدمية اليهود في فلسطين خرافة لأن  كل الكتب السماوية -حتى التوراة- تنصّ على أن اليهود طارئون على فلسطين وحاربوا أهلها إذا أردنا اعتماد معيار الأقدمية التاريخية فحسب!!

ويلحق بهذا مطالبة اليهود الدول العربية بتعويضهم تعويضات ضخمة عن هجرة اليهود منها باعتبارهم من السكان الأصليين!! حيث قام عدد من ضباط الموساد الإسرائيلي بنشر مطالبات تنادي بالحقوق التاريخية لليهود وتأسيس جمعيات بالدول العربية ترفع شعار إحياء التراث اليهودي!! وذلك لإضعاف موقف الدول العربية في وجه التغول اليهودي المتعاظم والرافض لأي تسوية أو تنفيذ لاتفاقيات تمت.

4 – ومن الأمور المهمة التي نبهت على خطورتها د. هبة استخلال السياحة لطرح اليهود وأنصارهم روايتهم المزعومة بأحقية ملكهم لفلسطين والمقدسات فيها من خلال استغلال قصة المسار الإبراهيمي (رحلة إبراهيم) بين الدول، وهي تقوم على مزاعم التوراة التي ثبت تحريفها والتلاعب بها، حيث أن هذا المسار المزعوم هو تقريبا يماثل الأطماع اليهودية لإسرائيل الكبرى! ومن جهة أخرى هناك مطالبات بنزع ملكية المسار من الدول والشعوب الموجودة وتدويلها!

ومن تطبيقات هذا المسار الخبيث تأسيس “مؤسسة اتحاد مسار إبراهيم الخليل” التابعة لوزارة السياحة الفلسطينية سنة 2004، وعقب إثارة خطر الإبراهيمية مؤخرا تنبهت الوزارة لهذه المؤسسة وبعد فحص عملها تبين أنه يتبنى الرواية التوراتية ويرسخ مزاعم اليهود في فلسطين! فتم إيقاف ذلك وتعديل الاسم والمضمون ليحافظ على الحقوق الإسلامية والفلسطينية في فلسطين والمنطقة.

وقد كانت حذرت وزيرة السياحة الأردنية قبل سنوات من قيام السياح اليهود القادمين للأردن بدفن بعض الآثار اليهودية في مناطق أثرية أردنية ليصار لاحقا اكتشافها والزعم بأحقية اليهود بهذه المناطق الأردنية!

وقريب من هذا صدور كتاب “التوراة الحجازية” لطبيب لبناني مغمور يزعم فيه أن التوراة عربية ومكتوبة بلهجة حجازية منقرضة! وأن غالب قبائل السعودية اليوم هم من نسل بني إسرائيل، وأن المسجد الأقصى هو الحرم المكي!

وهذا كله يصب في مزاعم أحقية اليهود بكل المقدسات الإسلامية والأراضي العربية ويساهم في تفتيت الهوية الإسلامية والعربية ويدمج اليهود في العرب في مخطط خبيث ورهيب.

5 – بينما ينشغل المسلمون بمزاعم الإبراهيمية وإنشاء معابد لليهود والنصارى والسيخ والهندوس والبوذيين في بلادهم، يواصل قطعان اليهود الاعتداء على المسجد الأقصى، كما شاهدنا منذ بداية شهر رمضان لهذه السنة 2021م، وهم لا يخفون نواياهم ومخططاتهم من السعي للسيطرة التامة على المسجد الأقصى وتحويله إلى معبد يهودي خالص.

فهذا التضليل والإلهاء للسلطات العربية والإسلامية وقطاعات من الشعوب العربية والإسلامية بحجة الإبراهيمية هو خطر ماحق على وجود المسجد الأقصى حيث يترك وأهله وحيداً أعزلَ في مواجهة مخططات دولية رهيبة.

العمل المطلوب:

1 – توعية الجميع من الساسة والنخب والجماهير بخطر وأكاذيب الإبراهيمية المفتراة.

2- بما أن بعض المتورطين في سياسات ومواقف تخدم الإبراهيمية يجهل تلك المآلات، فيجب التواصل معهم وتنبيههم وكسبهم لصف الأقصى وفلسطين قدر الإمكان.

3- التصدي الحازم لكل المخططات والخطوات الإبراهيمية أولا بأول، وهذه مسؤولية الأنظمة العربية ثم القوى الشعبية المنظمة.

4- إذا لم يمكن الوصول للوحدة على مستوى الفصائل الفلسطينية أو الأنظمة العربية، فعلى الأقل لتكن هناك وحدة موقف واتفاق عمل على مقاومة الإبراهيمية ممن يقبل ذلك.

5- تحصين الأجيال بالرؤية الصحيحة للقضية الفلسطينية التي تقوم على أسس شرعية عادلة وعدم ترك الناشئة للفراغ أو السرديات المضللة.

(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى