الأقدمية في مواجهة الأهلية: لُبّ الأزمة القيادية عند الإسلاميين!
بقلم أ. د. فؤاد البنا
كمتخصص في الفكر الإسلامي السياسي ومتابع حثيث للحركات الإسلامية، يبدو لي أن أهم الثغرات التي تعاني منها هي الضعف القيادي؛ نتيجة عوامل عديدة أهمها :
التراتبية التنظيمية التي تجعل الأقدمية أهم معيار لتولي القيادة
حيث يقولون إن بإمكانك أن تكون قائدًا من خلال المسارعة إلى تشكيل خلايا تنظيمية تتربع على رأسها من خلال تلاميذك وتلاميذ تلاميذك، أما القيادات العليا فهي من نصيب من كانوا أقرب إلى المؤسس؛ لأن طبيعة التراتبية التنظيمية تجعلهم في قمة الهرم، بينما قد يكون من هو أكفأ منهم في أسفل الهرم؛ لأن الأقدار جعلته متأخرًا زمنيًا أو لأنه غير ناشط في التنظيم مع أنه يمتلك مواهب قيادية في مجالات أخرى، كالتنظير والتخطيط والسياسة والحوار والعلاقات العامة.
ولو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمد في اختيار قواده معيار الأقدمية الزمنية وليس الأهلية القيادية، لما كان قد أعطى خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعكرمة بن أبي جهل مسؤوليات قيادية في حياته فضلاً عن وصولهما إليها بعد أسابيع من إسلامهما، بل ولما كان وصل عمر بن الخطاب إلى سدة الخلافة بعد فترة قصيرة من موته صلى الله عليه وسلم، إذ أسلم في السنة السادسة من البعثة وكان قد سبقه إلى الإسلام عدد كبير من الصحابة!
لقد تسربت كثير من المواهب القيادية داخل الحركات الإسلامية أو ضمرت؛ لأنها لم تجد البيئة التي تكتشف هذه المواهب وتحتفي بها، وتصقلها بالفكر والتربية، وتُغنيها بالتجارب والخبرة، وتتعهدها بالتشجيع والتقويم، وكم من قدرات قيادية انطفأ توهجها نتيجة تذويب الملَكات الشخصية بحجة وحدة الجماعة أو بسبب المبالغة في التربية على الطاعة، حتى استعار بعض القادة مقولة المتصوفة: إن المريد لا يصبح مريدا ما لم يكن أمام شيخه كالميت في يد المغسل!
(المصدر: رسالة بوست)