كتب وبحوث

الأديان في العالم المعاصر قراءة في المشهد الديني بمنطقة العالم العربي – الإسلامي

الأديان في العالم المعاصر قراءة في المشهد الديني بمنطقة العالم العربي – الإسلامي

بقلم د. رشيد جرموني

أولًا: على سبيل الاستشكال (في جدلية إزالة السحر وعودته):

يشهد العالم المعاصر تحولاتٍ عميقة، خصوصًا بعد موجة الحداثة وما بعد الحداثة، وما أفرزته من تداعيات في شتى المجالات، وعلى رأسها المجال الديني. فإذا كانت الفرضيات التي عبر عنها الرعيل الأول لمؤسسي السوسيولوجيا، (كارل ماركس، دوركايم، أوغست كونت، ..) وبشكل أقل حدة من هؤلاء، “ماكس فيبر” خصوصًا في كتاباته الأولى، كانت قد تنبأت بحصول “أفول للدين“، أو ما سمَّاه “فيبر” عبر مفهومه الجدلي “إزالة السحر عن العالم” Désenchantement du [2]Monde”، -جراء تزايد تقسيم العمل والتمدين والانفجار المعرفي والتطور الصناعي، وخروج المرأة للعمل، وانتشار العقلنة والبيروقراطية في الحياة العامة- فإنه بدأً من ستينيات القرن الماضي سيتعرض هذا التحليل لموجة من الانتقادات، بل وحتى التجاوز؛ نظرًا لما حصل من تطورات نوعية في العلاقة بين الدين والمجتمع، وبروز أشكال من الرجوع، أو العودة إلى الديني حتى في الدول التي كانت تعتبر “لائكية” أو “شيوعية“.

كل ذلك، سمح للباحثين في الغرب، بتأمل جيد ونقدي للمقولات التفسيرية التي حملها الرعيل الأول لمؤسسي السوسيولوجيا، وخلق موجةً من النقاش العلمي الذي اعتمد آليات بحثية إمبريقية للتأكد من صلاحيات هذه الفرضيات أم لا.

ولعل إطلالة على كتاب ” The desecularization of the World: The Resurgence of Religion in World Politics” للباحث (Peter berger,[3])، تُبين بوضوح هذا النقاش ومستوياته.

وقد طرحت بالمقابل العديد من المفاهيم التي تحاول فهم ما يجري، خصوصًا مع موجه “العودة” إلى الدين أو “اللجوء ” إلى الدين، وهو ما فرض تبني براديغم جديد، اصطلح على تسميته بعودة السحر للعالم (of the world Reenchantment[4]). بمعنى إعادة دور الدين في المجتمعات المعاصرة، والتخلص من مقولة “أفول الدين” التي كانت طاغية في السابق.

بيد أن ذلك لا يعني عودة للمقدس كما كان في السابق، بل إنها عودة بطابع المزج بين العلمانية والدين، وهو ما يجد تمظهراته في العديد من السياقات، وهي التي سنعمل على مناقشتها في هذا المقال.

لكن يجدر بنا أن نوضح أمرًا – نعتقده بالغَ الأهمية- وهي أننا في التجربة العربية وفي العالم الإسلامي، لم نعرف مثلَ هذا المد والجزر في علاقة المجتمع بالدين، على اعتبار أن الدين كان دائمًا المؤطِّر للبنيات الثقافية والاجتماعية ولمجمل الذهنيات، وهو ما تثبته العديد من الدراسات التي أنجزت في سياقات تاريخية ممتدة، بَدْأً من البحث الكولونيالي إلى البحث السوسيولوجي الوطني إلى الآن.

لكن رغم أهمية هذا المعطى – أي حضور الدين في المجتمعات العربية الإسلامية – فإن الأمر الذي نحبُّ أن نثيره في تقديمنا لهذا المقال، هو أن التأمل في مجمل التجارب السوسيوتاريخية التي مرَّت بها علاقة الدين بهذه المجتمعات، تؤكِّد أنه وقعت تحولات وتغيرات وانزياحات كثيرة ومتعددة[5]، فالدين رغم أنه بقي محافظًا على مكانته في البنيات الثقافية للمجتمع، فإن طريقة تمثله وممارسته ومعايشته تقلبت عبر مسارات جد معقدة وجد مركبة في الآن نفسه.

انطلاقًا مما سبق، نتساءل: ما هي أهم عناصر التحوُّل الذي طال المنظومات الدينية في العالم وفي المنطقة العربية الإسلامية؟ وما هي مظاهر المزج بين حضور الدين وبروز نزوعات نحو العلمنة؟ وكيف يمكن قراءة المشهد الديني بالمنطقة في ضوء المستجدات الجارية؟

”فالدين رغم أنه بقي محافظًا على مكانته في البنيات الثقافية للمجتمع، فإن طريقة تمثله وممارسته ومعايشته تقلبت عبر مسارات جد معقدة وجد مركبة في الآن نفسه.

ثانيًا: المشهد الديني بالمنطقة العربية الإسلامية، ومسارات التحول:

1- نزع القداسة عن المؤسسات الدينية سواء الرسمية أو غيرها:

لعل من بين مؤشرات هذا التوجه، هو بروز “حركية فردانية”، تتجاوز بكثير عقلية الاحتكار والوصاية والاستبداد وعدم القدرة على استشراف المستقبل، وإذا أردنا أن نتوقف عند مثال توضيحي، فهو ما يجرى من تموُّجات في الواقع الحالي، والتي تُمكننا أن نفهم سرَّ اندفاعٍ قويٍّ للشباب في الفضاء العام، مطالبين بالتغيير ورفض الاستبداد والتسلط، ومتجاوزين النسقَ المغلق الذي هيمن لعهود طويلة في المنطقة.

وإذا أردنا أن نعمق النقاش أكثر، فيمكن القول: إن هذه المرحلة، تميزت بحدوث نوع من التجاوز لتيار حركات الإسلام السياسي – أو الإسلاموية[6] – إلى موجة “ما بعد الإسلاموية“، باعتبارها مؤسساتٍ دينية غير رسمية، والتي احتفظت بمهمة الدعوة والتربية والتكوين لعهود، وما زالت.

لكن التحولات العميقة التي جرت بيَّنَتْ مستويات جديدة من التدين، والتي تدل على “مشروع ومحاولة واعية لإعادة صياغة المبررات العقلية لإدخال الإسلاموية في المجالات الاجتماعية، والسياسية، والفكرية جنبًا إلى جنب مع الاستراتيجيات المتصلة بذلك. وعلى هذا النحو فإنها ليست معاديةً للإسلام أو غير إسلامية أو علمانية[7]“.

وللإشارة فإن هذا التوجه جاء نتيجةَ ردِّ فعلٍ على التناقضات والتوترات التي عاشتها حركات الإسلام السياسي، وهي موجة تعمل على الربط بين الدين والحقوق، والعقائد بالحريات والإسلام بالتحرر.

وهي بهذا المعنى، تحاول أن تقلب البراديغم السابق الذي كانت تروج له حركات الإسلام السياسي، وذلك بالتركيز على الحقوق بدلًا عن الواجبات. ولعل في بروز موجة الاحتجاج ما يُشير إلى هذا الأمر؛ فالتديُّن ليس هو “افعل” و”لا تفعل”، بقدر ما هو: “كيف تُحقق المواطنةَ الحقة في دولة الحق والقانون”، علاوة على ترسيخ قِيَم التعددية بدلًا من الصوت السلطوي الواحد.

ويمكن أن نفهم هذه الفكرة بشكلٍ أوضح في التقابل الذي حصَل بين نمطين من التدين: الأول مهادن، والثاني احتجاجي ونقدي. حيث نجد أن التدينَ الأول (المهادن) يسعى دائمًا إلى ترسيخ الطاعة لولي الأمر، لكن تيار ما بعد الإسلاموية[8]، يقدم نفسه كمُعارض في اتجاهِ إقرار تعدُّدية في الآراء والمواقف والرؤى والتصورات، إنه بكلمة يحاول أن يرسخ نوعًا من “الديمقراطية الدينية“.

2-من المطلق إلى النسبي:

لا يمكن فهم عمق التحوُّل الذي حصل في المشهد الديني، دونما الرجوعُ إلى مختلف الكتابات التي برزت في الآونة الأخيرة، والتي كانت تتحدث عن موجات التحديث التي انتشرت في العالم، من خلال مجموعة من المفاهيم المركزية، لعل من بينها تحطيمَ كل الأفكار الدوغمائية، وتجاوز كل المطلقات والحكايات الكبرى، أو ما يسميه البعض “السرديات الكبرى[9]“، “كناية عن وقوع تصدُّع في المنطلقات الوجودية التي كان يتأطر عليها الكثيرُ من الشباب المنضوي تحت حركات الإسلام السياسي، أو تلك التي تتأطر من خلال المؤسسات الرسمية، كالمجالس العلمية والوزارات أو المدارس أو غيرها.

وقد تجلى هذا الأمر، في رفض “الجيل الناقم” من الشباب، كل التصورات الانغلاقية والمتقوقعة على الذات، وأيضًا “الشوفينية” والتمايز التي ميزت الجيل السابق.

وهكذا أضحى الجيل الجديد أكثرَ انفتاحًا في منطلقاته ومفاهيمه وفي لغته وفي خطابه؛ حيث أصبح يوظف مفاهيمَ عالمية بنفحة إسلامية، كمفهوم “الجهاد الإلكتروني” و”النسوية الإسلامية“، وعوض مفهوم الخلافة الذي طالما تردَّد في أدبيات حركات الإسلام السياسي، سنجد مفهوم “الوحدة الإقليمية“، تماهيًا مع مفهوم الاتحاد الأوروبي[10]“.

وبالموازاة مع ذلك، ورغم أن المنطقة العربية الإسلامية، تُعَدُّ ذاتَ الأغلبية المسلمة، ورغم كون الفاعلين الرسميين في هذه المناطق يرفعون شعارَ الوحدة الدينية فإن وجود تعبيرات على المستوى السوسيولوجي، والتي تتمظهر في اتجاهات نحو المسيحية أو أشكال أخرى من الدين غير التوحيدي (كالبوذية مثلًا) أو التشيع[11]– رغم قلتها عدديًّا- فإنها تبقى حاضرة، وتؤشر على منزع نحو تحول نوعي في المرجعيات المؤطرة للحقل الديني، سواء في طرق الاستمداد أو التلقي أو إنتاج وإعادة إنتاج القيم الدينية.

وهذا المعطى ربما سيفرز في السنوات المقبلة مجموعةً من الآثار، قد تتمظهر في شكل حساسيات أو “أقليات” دينية تُعبر عن مطالبها لضمان حرية المعتقد في المنطقة.

وغنيٌّ عن البيان، أن المنحى التعددي في التدين ليس قاصرًا على المنطقة، بل أصبح يشكل ملمحًا جديدًا في العالم المعاصر. “فقد انتشرت في الديار الغربية اللهفة نحو الانضمام إلى الخلايا الدينية، ويبدو البعد ما بعد الحداثي في هذا التوجه الديني، في النزوع نحو الاغتراف من تعددية دينية وافدة، مختلفة الأسس العقائدية (وثنية وسماوية)، فهناك انبعاث جديد لديانات قديمة من مصر واليونان والهند وأفريقيا السوداء، كعبادة الشمس والقمر والأوثان وحتى “الشيطان”.

وهنا تبدو “الطرافة”؛ حيثُ يتمُّ الانتقالُ والمزج بين خليطٍ متنافر من الاعتقادات. فأصبح الدين بدوره يخضع لمنطق الاستهلاكِ؛ استهلاك تعددية الألوان الدينية المتاحة في السوق العالمية[12]“.

ومعلوم أن هذا التدين أصبح انتقائيًّا، بمعنى أن الإنسان الأوروبي- أو غيره- أصبح يأخذ من كل الأديان بعض الأفكار والعقائد ويضمها إلى بعضها البعض، ويركب بالتالي دينًا جديدًا من عدة عناصر تنتمي إلى عدة أديان مختلفة.

نعم، إلى هذا الحد وصلت الحرية الدينية في الغرب، وهي حرية تحميها دولة القانون، فلا أحد يستطيع منعَك من تغيِيرِ دينك هنا أو من الاعتقاد بالأفكار الدينية والفلسفية التي تشاء، فحماية الحريات الفردية تشكل جزءًا لا يتجزأ من النظام العلماني الغربي.

كل هذه الممارسات والوقائع تفسِّر لنا سببَ إعادة تركيب أنظمة العقائد التقليدية وصعود موجةالتدين الشعبوي كدعامة للهوية، سواء داخل البلدان الديمقراطية المحمية من قبل دولة القانون، أو داخل البلدان الإسلامية الواقعة في صراع ضد تدخل الغرب وهيمنته.

3-في بروز النزعة الاستهلاكية للدين:

لعل من بين الملامح الكبرى التي برزت في طبيعة التدين بالمنطقة، هو بروز النزعة الاستهلاكية الدينية، وذلك من خلال التخلي عن كل المرجعيات الكبرى والنظرة الشمولية في التغيير والتأثير، واستبدالها “بمقاربة تكنوقراطية خالية من كل أيديولوجيا، وذلك جرَّاء السيولة الكبرى لمفاهيم العولمة، مثل “البراغماتية” “والحقيقي هو المفيد” “والبقاء للأصلح” “وما ينفع الناس هو الأقوى”.

وكل ذلك، جرى بشكل لا واعٍ في مخيال ووجدان العقل العربي-المسلم. لكن أهم تجلٍّ لكل ما سبق سيظهر في ما سيوفره السوق الاقتصادي من إمكانيات هائلة لتسويق المنتجات الثقافية والرمزية بما فيها الدين، في بيئات متعددة ومختلفة ومتشابكة ومعدة أحيانًا أخرى.

هكذا سيجري تكييف “العرض الديني مع التوقعات الحقيقية أو المحتملة لجمهور مستهدف بدقة”، بدل الخطاب المرتكز على الينبغيات والمطلقات واليوتوبيات التي لا تتحقق ولن تتحقق؛ إذ الجمهور يريد الجاهز والآني والمستظرف، بدل انتظار الذي يأتي أو قد لا يأتي.

ومن خلال هذا التغير في الحقل الديني، سيتحول الجمهور الديني الواسع، من معتنِق لأيديولوجيات مثالية وماهوية إلى سوق ديني يطلب ما يحتاجه في معيشه اليومي؛ حيث استهلاك الفتوى بكل حرية، بدون الرجوع إلى أهل “الحل والعقد”، وحيث ينتعش خطاب التسهيل والترخيص بدلَ التشدد والحدية، وأيضًا سيحل خطاب ما ينفع الناس، بدل لغة الحلال والحرام.

بيد أن أهم تحول طرأ مع موجة تسويق “الإسلام“، هو ما عبر عنه الباحث “باتريك” بـ”التفكير في الإسلام كمنتج موجه إلى مستهلكين”، انطلاقًا من مقولة تأطيرية جد هامة: “لا يجب أن ننشد الفضائل المطلقة من منطلقات دينية، ولكن عبر بيعها من خلال فاعليتها الاجتماعية[13]“.

ويمكن أن نستنتج من هذا التحليل، أن الحامل الديني، أصبح “سلعة” يتمُّ توظيفها في سوق الاقتصاد و”الماركتينغ“، عبر مقاولات تنتج خطابًا اقتصاديًّا بلغة دينية، للتمكين لسلعها من الرواج والذيوع، في عالم أصبح يلهث وراء ما يلبي “رغبته” العارمة في تحقيق “طهارة” دينية وإن كان يمارسها في سياق اقتصادي محض. ولعل ما تتحدث عنه الأرقام المهولة من إقبال على العمرة أو على منتوجات دينية، سواء مادية أو رمزية في السنوات الأخيرة، ليزكي ما ندعيه من توجهات جديدة.

ثالثًا: خلاصات واستنتاجات، وآفاق للتحاور والنقاش:

يظهر من خلال التحليل السابق، أن المشهد الديني بالمنطقة العربية الإسلامية، يبدو جد مركب وشديد التعقيد، جراء التحولات التي عرفتها المنطقة، وأيضًا بالنظر للتحوُّلات التي عرفها الحامل الديني/ التديني، وكيفية التفاعل معه من خلال التجارب الإنسانية التاريخية.

ويمكن القول: إننا بحكم وجود عنصر التثاقف بين الشعوب، فإنّ تدفقات المعلومات والقيم والرموز والصور وما إلى ذلك، تؤثر في كلِّ الأنساق، بما فيها الأديان، وقد تلقت المجتمعات الإسلامية هذه التدفقات بأبهى صورها وتجلياتها.

وقد مثلت هذه التجربة جوابًا مهمًّا عن علاقة الديني بالعلماني في سياقنا العربي الإسلامي، وأظهرت مدى صمود مقولة إعادة السحر للعالم، التي وظفناها في هذا السياق، والتي تكشف أن الفرضيات التي يبلورها العديد من الباحثين تحتاج باستمرار لإعادة النظر، وفهمها في مختلف المناطق، حتى لا نقع في حتمية “سوسيولوجوية” معينة؛ إذ المطلوب هو المرونة العالية في التعامل مع التراكم النظري الكوني، ومحاولة قراءته وفق خصوصيات جِدِّ مركبةٍ ومعقدةٍ.

بيد أنه بالرغم من ضرورة الانتباه لهذا المنحى الإبستمولوجي في قراءة المشهد الديني وفق مقولات وبراديغمات معينة، فإن الواقع الموضوعي للمنطقة بيَّـن كيف أصبح المشهد الديني جد متعدد، ومفتوح على كل التلاوين الجديدة، والتي لا تقطع مع القديم بقدر ما تُعيد تعريفها وفق تجارب خاصة ومخصوصة.

ولهذا فإن أهمَّ الملامح التي برزت في هذه الخريطة الدينية هي وجود عدة أنماط من التديُّن، لعل من بينها ما سمّيناه في هذه المساهمة “بإضفاء النزعة النسبية على المقدس”، أو من خلال مفهوم “السوق الدينية” أو حتى من خلال تجريد المؤسسات الدينية الرسمية أو غيرها (حركات الإسلام السياسي) من طابعها المقدس، وكل ذلك أفرز مشهدًا دينيًّا جِدَّ متقلِّبٍ.

ولهذا فإن عمليات التدفُّق وإعادة التدفق للخريطة الدينية بالمنطقة العربية الإسلامية، ستصبح جِدَّ معقدة، جرَّاء حجم هذه التحولات، لكن ذلك لا يعني الاستسلام لها، دونما القدرة على فهمها، أولًا: عبر إطلاق مجموعة من الدراسات والأبحاث في الموضوع، وثانيًا: عبر إبداع مجموعة من الاستراتيجيات الذكية والخلاقة لإعادة صياغة منظور ديني تنموي شامل.

ولن يتأتَّى ذلك في نظرنا إلا بإعمال مبدأ الديمقراطية الدينية التي سبق أن تحدثنا عنه، بحيث يصبح المشروع الديني مشروعًا مجتمعيًّا كليًّا، وليس فقط مشروعًا خاصًّا بفئة دون أخرى، أو بجهة دون أخرى، أو بمنطقة دون أخرى؛ فالحامل الديني حالٌ موحد وموجه ومنتج للأفكار الجديدة والخلاقة، إذا ما نحن استوعبناه في عُمقه وفي كل أبعاده الحضارية والتنموية.

الهوامش _________________

[1] تشكل كتب “مارسيل كوشي” إحدى النماذج الواضحة على إبراز فرضية العلمنة داخلَ المجتمعات المعاصرة، وذلك بفكِّ ارتباطها بالدين. انظر للمزيد:

Marcel, Gauchet., Désenchantement du Monde : une histoire politique de la religion », Editions, Cérès, (Maghreb, 1995) Éditions Gallimard, 1985, Tunis

[2] Peter berger, The desecularization of the World: The Resurgence of Religion in World Politics,Washington: William B Erdmans Publishing Co, 1999.-

– يمكن مطالعة كتاب، خوسيه كازانوفا: “الأديان العامة في العالم الحديث”، ترجمة قسم اللغات الحية والترجمة في جامعة البلمند، المنظمة العربية للترجمة، مركز دراسات الوحدة العربية، (لبنان)، 2005. فهو بدوره يناقش فرضية “أفول” و”رجوع” الأديان في العالم عبر التركيز على عدة تجارب عالمية لعبت فيها الكنيسة بشتَّى طوائفها ومذاهبها دورًا محوريًّا في الانتقالات والتحولات الديمقراطية في العالم المعاصر.

[3] David Ray Griffin, « Introduction : The Reenchantment of Science,Postmodern Proposals(New york,State University of New York Press,1988)

[4] أنظر على سبيل المثال مقالًا مهمًّا للباحث الفرنسي “روجي باستيد” Roger Bastide : « sociologie des mutations religieuses »,: http://www.uqac.ca/jmt-sociologue/

قد يعتقد البعض أن استحضار هذا المرجع يعود للتجربة الغربية في موضوع التحولات الدينية، بيد أن الاطلاع على مجموعة من الدراسات التي صدرت في الآونة الأخيرة، يوضح مدى وقوع هذه التحولات، انظر على سبيل المثال: دراسات وأبحاث صادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، قطر، الدوحة، “المؤشر العربي ” والذي يصدر كل سنة. وأيضًا يمكن أن نذكر، التقارير التي يسهر عليها معهد “فارس” والمتواجد بلبنان، بالجامعة الأمريكية ببيروت. وكذا معهد “زوغبي” والعديد من المؤسسات والمعاهد التي تُصدر بشكل دوري تقاريرَ تركز على تَحوُّلِ القيم الدينية بالوطن العربي تحديدًا.

[5] رفعًا لكل لبس، فإننا نعرف مفهوم “الإسلاموية”، كما حدده الباحث “آصف بيات”: “للإشارة إلى الأفكار والحركات التي تسعى من أجل إقامة نظام إسلامي يتمثَّل في دولة دينية، وإقامة حكم الشريعة، وفرض القوانين الأخلاقية في المجتمعات الإسلامية.

ويعد الارتباط بالدولة الملمح الأساسي للسياسات الإسلاموية، وهو ما يفرقها عن الجماعات الدينية غير السياسية، مثل جماعة التبليغ والدعوة الإسلامية، وهي حركة عالمية واسعة النطاق ليس لها أي اهتمام بالوصول إلى السلطة الحكومية، ومنخرطة أساسًا في حركة دعوية تهدف إلى تحقيق صحوة روحية للمسلمين.

وينصبُّ الاهتمام الرئيس للإسلاموية على إقامة مجتمع عقائدي، ويجب أن تكون كل الأهداف الأخرى المتعلقة بالعدالة الاجتماعية وتحسين حياة الفقراء تابعةً لهذا الهدف الاستراتيجي”. آصف بيات، ما بعد الإسلاموية: الأوجه المتغيرة للإسلام السياسي، ترجمة، محمد العربي، جداول، بيروت، لبنان، 2026، ص، 25.

[6] آصف بيات، “الحياة سياسة: كيف يغير بسطاء الناس الشرق الأوسط”، ترجمة، أحمد زايد، المركز القومي للترجمة، سلسلة العلوم الاجتماعية للباحثين، القاهرة، مصر، 2014.

[7] نظرًا للجدال الذي يطرحه مفهوم “ما بعد الإسلاموية”، فإننا نُشير إلى التعريف الذي صاغه “آصف بيات”، والذي يتحدد بالآتي: “ما بعد الإسلاموية” بشكل أساس كتصنيف تاريخيٍّ لا تحليلي، وكإشارة إلى “فترة معينة” أو “نهاية مرحلة تاريخية”.

ولقد أطلق كتاب “أوليفييه روا” “فشل الإسلام السياسي” مقولة انتهاء مرحلة تاريخية وبداية مرحلة جديدة. ومن ثم، وبسبب التأطير المفاهيمي الفقير من ناحية وعدم الوعي بالمفهوم جزئيًّا من ناحية أخرى، تلقى مفهوم ما بعد الإسلاموية ردودَ فعل غير مرحبة في البداية”. انظر: آصف بيات، ما بعد الإسلاموية. م، س، ذ.).

[8] Alain Touraine, critique de la modernité, Editions Fayard, Paris, 1992.

[9] رشيد جرموني، قراءة في كتاب “إسلام السوق” لباتريك هايني، مؤسسة: مؤمنون بلا حدود، بتاريخ، مايو/ 2016.

[10] انظر: رشيد جرموني “الشباب المغربي وحرية المعتقد: جدل القيم الكونية والخصوصية”، مجلة ذوات، العدد الثاني، سنة، 2015، تصدر عن مؤسسة “مؤمنون بلا حدود”:  http://www.thewhatnews.net/post-page.php?post_alias

[11] خالد ميار الإدريسي، (نقد قِيَم ما بعد الحداثة: نحو ترميم الذات الإنسانية)، مساهمة وردت في مؤلف جماعي، (سؤال الأخلاق والقيم في عالمنا المعاصر)، أعمال الندوة العلمية الدولية التي نظمتها الرابطةُ المحمدية للعلماء، (ماي)، سلسلة ندوات علمية (4)، دار أبي رقراق، (الرباط)، تقديم، أحمد العبادي، تنسيق، عبد السلام طويل، 2011، ص 334.

[12] رشيد جرموني، قراءة في كتاب “باتريك هايني، م، س، ذ.

(المصدر: مركز نهوض للدراسات والنشر)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى