الآثار العثمانية باليونان.. صراع على التاريخ بين الجارين اللدودين
قالت نوال قونوق حلاج أوغلو الأكاديمية بجامعة مرمرة التركية إن السلطات اليونانية لا تسمح للمؤسسات التركية المعنية بترميم الآثار المعمارية العثمانية في اليونان، وتتعمد إهمالها وتركها لتواجه مصيرها.
وأضافت لمراسل الأناضول أن اليونان تضم آثارا تاريخية عثمانية يرجع تاريخها لنحو 400-500 عام، وأن السلطات اليونانية لا تسمح للمؤسسات التركية بإجراء أعمال الترميم اللازمة لحماية هذه الآثار المعمارية التي تمتلك قيمة تاريخية وحضارية.
ولفتت حلاج أوغلو إلى أن بلدانًا مثل اليونان وبلغاريا تذخر بمعالم الحضارة العثمانية، والقطع التاريخية التي تعكس القيم الفنية التي سادت في ذلك العصر.
وتابعت: خرجت اليونان من السيادة العثمانية عام 1912، وشهدت تشييد معالم تاريخية مهمة في ظل الدولة العثمانية، أبرزها السراي الحكومي والمستشفى العسكري ومكاتب البريد والمحاكم وأبراج الساعة والحمامات التركية وسبل المياه والمدارس. وجزيرة رودوس (اليونانية) وحدها تضم آثارا عثمانية أكثر حتى من مدينة أنطاليا التركية (جنوب).
آثار إسلامية
وذكرت الأكاديمية أن الإمبراطورية العثمانية حكمت منطقة البلقان لمدة ستمئة عام، وأن أفضل نماذج العمارة العثمانية المبكرة جرى تشييدها في اليونان وتراقيا الغربية ومناطق في بلغاريا.
وتابعت: هذه النماذج والأعمال الفريدة غير موجودة في ولاية أدرنة (شمال غربي تركيا) أو حتى في بورصة (غربي تركيا). لكن هذه الأوابد لا تزال قائمة في اليونان وتجسد القيم الفنية للعمارة العثمانية. وعمدت اليونان على عدم تسجيل تلك الأوابد التاريخية على أنها عمارة عثمانية، من أجل منع تركيا من ترميمها وترك تلك القيم الفنية الفريدة لتواجه مصيرها.
مملكة اليونان
ولفتت حلاج أوغلو إلى أن اليونان تعتبر 1831 عام استقلالها عن الدولة العثمانية، حيث جرى فيه تأسيس المملكة اليونانية على جزء من أراضي اليونان الحالية بدعم من الإمبراطورية الروسية وبريطانيا ومملكة فرنسا والعديد من الدول الأوروبية الأخرى، لذلك لا تصنف الأبنية العثمانية التي بنيت بعد هذا العام أبنية تاريخية.
وقالت: ومع ذلك، فإن مناطق مختلفة في اليونان شهدت تشييد أبنية تاريخية مهمة حتى عام 1912، لاسيما جزيرتي رودس وكوس (في بحر إيجة) حيث تضم الآثار العثمانية التي بنيت في اليونان بعد عام 1831 مجموعة مهمة من المدارس والمكاتب والسرايات الحكومية ومحطة قطارات سالونيك ومبان عامة عثمانية، والحكومة اليونانية لا تعتبر جميع هذه المباني المشار إليها مباني تاريخية تستحق الترميم.
واعتبر تأسيس مملكة اليونان بمثابة قيام لأول دولة يونانية منذ سقوط الإمبراطورية البيزنطية منتصف القرن 15، لكنها لم تدم طويلاً وتحولت إلى الجمهورية الهيلينية الأولى حتى عام 1924 ثم ألغي النظام الملكي وقامت الجمهورية اليونانية الثانية بعد هزيمة اليونان في “حملة آسيا الصغرى” مع تركيا، واستمرت الأخيرة حتى عاد النظام الملكي بانقلاب عسكري عام 1935 وتستمر حتى عام 1973 قبل أن تتحول إلى الجمهورية الثالثة والحالية بعد استفتاء شعبي.
20 ألف مبنى أثري
وأوضحت حلاج أوغلو أن اليونان يضم نحو عشرين ألف مبنى أثري عثماني، وأن الكثير من تلك المباني تتطلب تدخلًا فوريًا لترميمها، وأشارت إلى أن الإحصائيات اليونانية الرسمية الصادرة عام 2006 تحصى وجود ثمانية آلاف و731 مبنى تاريخيا عثمانيا باليونان، لكن الأبحاث التي أجرتها على الآثار العثمانية هناك تشير إلى وجود نحو عشرين ألف مبنى.
وتابعت: على سبيل المثال، تجولت في أزقة مدينة سالونيك اليونانية زقاقًا زقاقًا، وتمكنت من تسجيل 36 سبيل ماء عثمانيا فقط في المنطقة المحيطة للبيت الذي ولد فيه مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك (يعتبر أرضًا تركية) كما عثرت على مسجد زهني باشا الذي لم يتبق منه سوى مئذنته، وجرى تحويله إلى منزل تسكنه إحدى العوائل اليونانية، إضافة إلى مسجد ديمتوكا جلبي محمد باشا الذي التهمته النيران وهو متروك الآن ليواجه مصيره، فضلًا عن مجموعة من التكايا والمدارس والأبنية التي تعود للقرن 14 الميلادي.
استخدامات بديلة
وأشارت حلاج أوغلو إلى أن الحكومة اليونانية لا تعير اهتمامًا بالمباني التاريخية العثمانية، وأن بعضا منها يجري استخدامها بطريقة غير مناسبة، فكم من مسجد يستخدم روضة أطفال، وكم من حمام يستخدم صالة للديسكو، وجرى طلاء تلك المساجد بألوان مختلفة تشوه العمارة التركية العثمانية.
وأضافت: مسجد خليل باشا بمدينة قولة (شمال شرقي اليونان) يستخدم اليوم روضة أطفال. وفي رودس، تم طلاء مسجد علي باشا بالأحمر، وجرى طلاء جميع القباب في حمام جزيرة مدللي التاريخية بألوان مختلفة. ولو أننا في تركيا فعلنا الشيء نفسه تجاه المباني الأثرية الرومانية أو الإغريقية لثارت ثائرة أوروبا.
ولفتت حلاج أوغلو إلى أن تركيا شهدت افتتاح العشرات من الكنائس خلال السنوات الأخيرة، مشيرة إلى أن اليونان لا تمنح مواطنيها من المسلمين التسامح الذي يلقاه المسيحيون في تركيا.
وختمت قائلة: المسلمون في اليونان وخاصة في سالونيك وأثينا يضطرون لأداء الصلاة في منازلهم أو متاجرهم بسبب عدم وجود مساجد، في الوقت الذي شهدت فيه تركيا خلال السنوات 16 الماضية افتتاح 84 كنيسة للروم الأرثوذكس.
(المصدر: الجزيرة)