مقالاتمقالات مختارة

استقلال العلماء… سنة راشدية وضرورة ثورية!

استقلال العلماء… سنة راشدية وضرورة ثورية!

بقلم أ. سيف الهاجري

﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ﴾

منذ بزوغ نور الإسلام على البشرية وانطلاق الفتوحات الكبرى التي حررت الشعوب من الطغيان الفارسي والنير الروماني جعل الإسلام للعلماء المكانة الكبرى في الدولة والمجتمع لحماية دينه وهويته وحريته…

وأول هؤلاء العلماء هم صحابة رسول الله رضوان الله عليهم أجمعين الذين انتشروا في مدن الإسلام لحكمها وإدارتها ونشر العلم والهدى في الأمة وشعوبها وأصبحت مدن الإسلام تعج بالمدارس العلمية الكبرى وكل منها يرجع إلى مدرسة من مدارس الصحابة الكرام…
ونظرا للدور العظيم للعلماء في المجتمعات والذي يوازي دور السلطة بأنواعها فقد كان علماء الإسلام من محدثين وفقهاء يتمتعون باستقلالية فريدة ضمن هذا الفصل بين السلطات لا تقل عن استقلالية القضاء…
لقد أقر الإسلام مبدأ الفصل بين السلطات وهو من أول المسائل الشرعية السياسية التي نفذها الصحابة بعد وفاة النبي ﷺ في عهد أبي بكر رضي الله عنه عندما تولى الخلافة وتولى عمر الفاروق القضاء وأبي عبيدة بن الجراح بيت المال…
ومنذ اليوم الأول للخلافة الراشدة ترسخ هذا المبدأ وامتد إلى استقلال علماء الصحابة بأرائهم الفقهية والسياسية وحقوقهم المالية ليمارسوا دورهم في الرقابة على السلطة وترشيدها والتي هي بنفسها حرصت على تعزيز هذا الدور الرقابي للعلماء عندما سن الصديق رضي الله عنه سنته الراشدة في مراقبة ومحاسبة السلطة وافتتح في أول خطاب بعد توليه الخلافة بالتأكيد على هذه السنة الراشدة العظيمة فقال (أما بعدُ، أَيُّها الناسُ فَإِني قد وُلِّيتُ عليكم ولست بخيركم فإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي وإِنْ أَسَأْتُ فَقَوِّمُوني)…
فرسخ الصديق رضي الله عنه بخطاب الراشدي العظيم وسار الخلفاء من بعده على هذه السنة الراشدة ليصبح مبدأ استقلالية العلماء سمة راشدة يتميز بها النظام السياسي في الإسلام والذي أعطى العلماء في الإسلام دورا رائدا ليكونوا سلطة شعبية ومؤثرة في ترشيد أداء السلطة وضبطه…
لقد استمر العلماء بهذا الدور العظيم طوال عصر دولة الخلافة بجميع مراحلها وارتبط دورهم بوجودها وبقائها فهي كانت الضامن لدورهم، وفي كتب التاريخ والسير والطبقات نماذج لا تعد ولا تحصى لدور العلماء في ترشيد السلطة إلى أن سقطت الخلافة ووقعت تحت الاحتلال وقامت أنظمة الاستبداد…
لقد أدرك الاحتلال ومنظومته السياسية الوظيفية أهمية دور العلماء وخطورة استقلال أرائهم وفتاويهم على هيمنتهم ونفوذهم، فسارع الاحتلال الصليبي إلى إنشاء مؤسسات شرعية وضم القائمة منها ضمن إطار المنظومة العربية التي شكلها بعد سقوط الخلافة…
وبدأت تصدر قوانين تأميم الأوقاف على العلماء والمؤسسات التي ينتمون إليها كالأزهر والقيروان والمدارس العلمية الشرعية من المحيط إلى الخليج بلا استثناء بهدف تحقيق هدفهم في ضبط دور العلماء والسيطرة على المؤسسات الشرعية والعلمية وإدماجها ضمن المنظومة السياسية التي أقامها المحتل الصليبي لتصبح الفتوى والأراء العلمية الشرعية في خدمة أهدافه تحت حجة التطوير والإصلاح…
إن ما نشاهده اليوم من ضعف لدور العلماء في التصدي للتحديات التي تواجهها الأمة هو نتيجة طبيعية بعد سقوط الأمة وخلافتها وفقدانها للاستقلال والسيادة وإن لم تخلو الساحة تماما من علماء أخرار قادوا المقاومة ضد المحتل وتصدوا للتغريب وسلخ المجتمعات…
ومع قيام الثورة العربية والتي كان من أعجب نتائجها عودة الحياة لدور العلماء الأحرار من جديد ليكونوا في واجهة الأحداث الكبرى ليمارسوا دورهم الرباني في توجيه وترشيد الثورة وأدائها وحمايتها من الانحراف والإحتواء حتى تحقق أهدافها…
إن أهم القضايا التي ينبغي على قوى الثورة العربية الاعتناء به هو إستقلالية العلماء أفرادا وهيئات والذي هو جزء حيوي من استقلال قوى الثورة وقراراتها…
ولهذا تجد المحتل والمستبد يسارع إلى عزل العلماء عن جماهير الثورة إما بإحتوائهم ضمن مؤسسات وهيئات يمولها ويرعاها ويوجهها أو حبس ومحاكمة كل من يرفض من العلماء الانضواء تحت هذا المؤسسات أو يصطف مع الأنظمة…
إن معركة الأمة مع الاحتلال والاستبداد واحدة وما يتعرض لها العلماء الأحرار هو جزء مما تتعرض له الأمة وثورتها من حرب دولية عليها، ولكن الأمة بعلمائها وأبطالها ستنتصر على الاحتلال والاستبداد وستهزمهم في ساحات الثورة والفكر وستعود الأمة من جديد مستقلة حرة ومعها علمائها الأحرار وورثة الأنبياء في الطليعة كما كانوا طوال تاريخها.

‏﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾

(المصدر: قناة أ. سيف الهاجري على التييليجرام)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى