دارت في الموصل حرب ضد تنظيم الدولة قادتها القوات العراقية وما في ركابها من مليشيات طائفية بدعم من قوات التحالف الدولي وطيرانه، وطُحنت المدينة العريقة ببشرها وحجرها بين مطرقة التنظيم وسندان الجيش العراقي ومن يدعمه.
بعد إعلان الحكومة العراقية هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية واستعادة مدينة الموصل ثانية كبرى حواضرالعراق، كشفت صور التقطت جوا حجم الدمار الهائل الذي أصاب المدينة بعد قتال استمر أكثر من تسعة أشهر.
وأعادت صور دمار الموصل إلى الذاكرة صورا مشابهة التُقطت بالتقنية الحديثة ذاتها في كل من حلب وحمص، خلال أقل من عامين.
لقد أماطت الصور لثام التعتيم -الذي لا يزول عادة إلا بعد فوات الأوان- عن ما أصاب المدينة الضاربة الجذور في أعماق التاريخ إلى أكثر من ثمانية قرون قبل الميلاد، لتكشف عن مجرد أنقاض وحطام.
ولا يجادل أحد تقريبا في خطورة تنظيم الدولة وضرورة التصدي له، لكن أسئلة كثيرة لم تجد جوابا قبل ثلاث سنوات حول ظروف استيلاء التنظيم على مدينة الموصل وغيرها.
ودارت في المدينة حرب على التنظيم قادتها القوات العراقية وما في ركابها من مليشيات طائفية بدعم من قوات التحالف الدولي وطيرانه، وطُحنت المدينة العريقة ببشرها وحجرها بين مطرقة التنظيم وسندان الجيش العراقي ومن يدعمه.
وثمة سؤال يطرح نفسه، هل من المصادفة أن تتلاشى في أقل من عامين ثلاث حواضر عربية إسلامية سنيّة واحدة تلو أخرى بدعاوى مختلفة؟ إذ تكاد صور الدمار في الموصل وحلب وحمص تتطابق، وإن كانت بفروق فهي خفيفة.
معركة استعادة الموصل من تنظيم الدولة حولتها إلى مدينة أنقاض وأشباح (رويترز) |
دمرت أحياء حمص في فبراير/شباط 2016 وكذلك حلب، من حاكم أراد إسكات ثوارهما بدعوى الإرهاب، كما دمرت الموصل بذريعة الإرهاب وبأبعاد طائفية غير خافية.
قد تجد وعود إعمار الموصل وحلب وحمص طريقها إلى التنفيذ قريبا أو بعيدا، لكنها لن تكون بأي حال مكافأة للأيادي البيضاء لتلك المدن المنكوبة على حضارة الإنسان عبر العصور، ولن تستطيع تعويض ما دمر من معالم وآثار تاريخية وحضارية عريقة ضاربة في أعماق التاريخ.
مشهد دمار الموصل كمشهد حلب من قبلها يشبه نهاية العالم، ويشير إلى صعوبة عودة أهاليها الذين فروا من القتال، وإلى حال الذين عاشوا داخلها ظروفا مرعبة من نقص الأغذية والتفجيرات واستخدامهمدروعا بشرية من قبل مسلحي تنظيم الدولة.
قد يعود إلى الموصل وحلب وحمص من بقي من سكانها حيا ومشردا أو نازحا، لكن أطياف آل زنكي وبني حمدان وأبي الطيب لن تجد حينها ما تحلق فوقه كما كانت.
(المصدر: الجزيرة)