مقالاتمقالات مختارة

استدعاء التاريخ بعد تزويره .. هل كان المعتزلة “لبراليين”؟

بقلم منذر الأسعد

فشلت مؤامرة التزوير الفكري للتاريخ، فبدأ المغرضون في التآمر لتزويره إعلامياً!

مئة عام من الزيف
امتدت المؤامرة على الصعيد الفكري زهاء مئة سنة.. وتركزت على أن المعتزلة هم أصحاب العقل وأن الآخرين أعداء له! وأن الاعتزال يعتمد حرية الفكر..

وانخرط في تلك المؤامرة مستشرقون وتغريبيونكبار.. تدفقت مؤلفاتهم على الناس مصحوبة بتطبيل ضخم.
واقتحمت تلك الأراجيف المناهج الدراسية في التعليم العام والجامعي..

مع ذلك كله، جاء الحصاد على غير ما اشتهاه المخططون والمنفذون.

في عصر ثورة الاتصالات الذي نعيشه، سعى القوم –وما زالوا- لاستغلال إمكاناته، واستثمار السطحية التي يتصف بها كثير من أشباه المتعلمين لدس الكذب في رؤوسهم.

يجري تقديم المعتزلة على أنهم رموز لحرية التفكير.. في تجاهل تام للحقيقة الثابتة تاريخياً، والتي تقول: إن القمع الذي أنزله المعتزلة بمخالفيهم عندما سنحت لهم الفرصة من زمن المأمون إلى نهاية عهد الواثق، كان قمعاً رهيباً.

فلأول مرة في تاريخ المسلمين، تتولى الدولة فرض رؤيتها الدينية بعد أن حصرت ” الحق” فيها، وجعلت من فرية خلق القرآن معياراً وحيداً للحكم على إيمان الناس وكفرهم!

الزمخشري بأخطائه دون ” حسناته”
نشر كاتب يمني مؤخراً مقالة عنوانها: “عن الدراية والرواية، قصة خرافتين”

وقد زعم في هذه المقالة وغيرها أن المعتزلة هم طلائع الليبرالية العربية التي واجهت السلفية الحنبلية واستنفد معظم مقالاته في الحديث عن فتنة جيهمان والفهم الخاطئ لحديث المهدي فجاءت آراؤه فجة بلا براهين وحـمَّـل الشيخ  الألباني رحمه الله وزر الفهم الخاطئ كما حمله مسؤولية فهم داعش للحديث عن المنازلة في مرج دابق وخلص للتشكيك بما صححه الرجل .

وأعجبني ما علَّق به الباحث فارس جرمل على الموضوع نفسه، إذ تكلم بموضوعية وساق الأدلة القوية على ما أورده من معلومات أساسية.

قال في مستهل تعليقاته: إن مقالة صاحبنا ذكَّرتْهبما كتبه الزمخشري في الترويج لكتابه تفسير الكشاف:
إنّ التفاسير في الدنيا بلا عددٍ ** وليس فيها لعمري مثلُ (كشافي)
إن كنت تبغي الهدى فالزم قراءته ** فالجهل كالداءِ والكشافُ كالشافي

لكن التفسير رغم اتقانه و جودته في الصياغة الأدبية لتبحر الرجل في اللغة فهو من أعلامها و من أساطين البلاغة إلا أنه لم يكن كما بالغ في وصفه كتفسير متفرد ليس مثله تفسير حتى أن معظم الناس لم يسمع عنه بل أيضا كان محشوا بعقائد الاعتزال و لم يكن شافيا من داء الجهل بل دس فيه بعض الأدواء.

لقد شوقنا –الكاتب- للحصول على مادة ثرية على غرار ما فعل الزمخشري ( مع الفارق طبعا فقد قدم الزمخشري شيئا ثريا فعلا رغم ما عليه من مآخذ ) لكن الكاتب تناول هذه الثنائية بطريقة مغرقة في السطحية قائمة على فكرة رفض كل حديث نبوي لأن هناك من أساء فهمه أو التشكيك فيه على الأقل .

بين الرواية والدراية

وأضاف الباحث الهمام في معرض تقويمه لهراء المفتري:
لنتحدث قليلا عن الرواية والدراية.

ببساطة شديدة فعلم الحديث ينقسم لعلم الرواية وعلم الدراية وعلم الرواية يبحث في الإسناد والعنعنات ليخلص لوضع درجة للحديث هل هو صحيح أم حسن أم ضعيف و غيرها من التقسيمات وفق منهجية دقيقة جدا وقد برع فيها الألباني رحمة الله عليه وأصحاب الحديث .
الدراية فهم النص والمراد منه وفق الضوابط الشرعية واللغوية وهذا مادة الفقهاء.

عندما يجد المحدث حديثا مثل ” يا أبا عمير ما فعل النغير ” فهو يتتبع الرواة جرحا وتعديلا ويفتش في السند واتصاله ليعطي للحديث درجته ثم قد لا يهتم أبدا بالمحتوى ولا بالمعنى والدلالات من النص فدوره هو أن يحدد لك حال هذا النص من ناحية الصحة.

أما الفقيه فيأخذ النص ويستخرج منه المسائل والأحكام والحِكم والفوائد حتى بلغ أن البعض خرج من هذا الحديث ب 60 فائدة ومسألة منها مثلا جواز حبس العصفور ( النغير ) في قفص دون تعذيبه او تجويعه وجواز المناداة بالكنى للأطفال ولا حرج في ذلك وفضل ملاطفة الصغار والحديث معهم حول اهتماماتهم والكثير من الفوائد والأحكام الفقهية.

أين المشكلة؟
المشكلة كانت ومازالت أن لدينا فقيه لا يعرف علم الحديث وقد يعطيك فتاوى محللا ومحرما مستندا لحديث ضعيف مثلا، فيضل الناس ويوقعهم في الإثم، أو لدينا محدث ليس بفقيه فيأخذ الحديث و يخرج منه باستنباطات لا تتوافق مع دلالاته اللغوية ولا مع العقل ولا مع مقاصد الشرع لأنه غير مطلع على أصول الفقه ورأي العلماء المتقدمين والمتأخرين في المسالة أو لا يفهم بأسرار اللغة ودلالات الألفاظ وهكذا.

هذه هي الإشكالية الحقيقية و التي تعالج بإخراج الفقيه المحدث أو المحدث الفقيه وليس برفض الحديث لأن جماعة أساءت فهمه.

لا يمكن أن نحكم بعدم صحة الحديث لأن فردا أو طائفة من الناس فهموه خطأً فهذا أمر يجانب العقل و المنطق كمن ينكر خبرا نشرته كل وكالات الأنباء عن زيارة الرئيس الأمريكي لبلد ما لأن محللا سياسيا فهم من هذه الزيارة أنها دليل على هروبه من أمريكا! الأصل أن ترفض ( الفهم الخاطئ وهو الهروب ) ولا تنفي خبر الزيارة لأنه خبر صحيح ثبتت صحته …

لقد حاولتَ أن تستخدم الفهم الخاطئ للأحاديث عند البعض للتشكيك بالأحاديث نفسها. فأنت ترى مثلا أن حديث ( يخرج من عدن أبين اثنا عشر ألفاً ينصرون الله ورسوله هم خير من بيني وبينهم ) والذي رواه أحمد في مسنده قد يكون غير صحيح لأن أبا حسين المحضار شكل جماعة إرهابية سماها جيش أبين عدن بناء على هذا الحديث.

يا عزيزي لا يقدح في الرواية سوء الدراية عند البعض والخروج بفهم شاذ أعوج ليس عليه الجمهور وإلا لشككنا أن قول الله تعالى ( فإن حزب الله هم الغالبون) صحيح بسبب اقتباس الحزب الطائفي اللبناني للتسمية ولشككنا في قول الله تعالى ( قال الحواريون نحن أنصار الله) لأن الجماعة الطائفية الحوثية المجرمة تسطو على التسمية ومثل هذا عشرات الأمثلة من القرآن ومن السنة حيث تظهر جماعات تستغل بعض الأحاديث الصحيحة لإضفاء مشروعية على نفسها مثل الرايات السوداء من أيام العباسيين الذين حملوها قادمين من الشرق في خرسان إلى القاعدة من الشرق في أفغانستان مستغلين حديثا يشيد بأهلها إذا ظهروا من الشرق مسقطين الحديث على أنفسهم.

أنت تحاول تمرير أمر خطير وهو رفض الرواية لأن شخصا أو جماعة استغلها بشكل خاطئ وهذا كلام لا يقوله عاقل ولا هو بالكلام المنهجي.

أخيرا أختم بقصة رجل هندي سمع بحديث ” كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي ” فسمى ولده ( لا ) وعندما كبر الولد ادعى النبوة و زعم أن الرسول قد بشر به فقد قال ( لا ) نبي بعدي، يعني أن (لا ) سيكون نبيا من بعدي كما كان في بني اسرائيل أنبياء فهل نشكك في الحديث بسبب تفسيرات السيد لا؟!

رحم الله الألباني وجزاه الله عنا خيرا.

(المصدر: موقع المسلم)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى