مقالاتمقالات مختارة

استخدام الدين كسلاح بيد الشعبوية الأوروبية

استخدام الدين كسلاح بيد الشعبوية الأوروبية

بقلم جوناثان غارثيا رابادان / ترجمة: زياد الأتاسي

شجَّع المشهدُ الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الأوروبي في العقود الأخيرة عودةَ ظهور تيارات شعبوية في معظم البلدان الأوروبية، وإن كان ذلك بدرجات وسمات مختلفة.

في هذه المرحلة، أصبحت الشعبوية قطعة في اللوحة السياسية والانتخابية لم يتوقف تأثيرها عن النمو، سواء باستعراض القوة لإدراج قضايا في الأجندات السياسية الوطنية (اللاجئون، الذاكرة التاريخية، إلى آخره) أو بالتمثيل البرلماني المكتَسب (تشير الدراسات الاستقصائية إلى تقدم كبير في انتخابات البرلمان الأوروبي القادمة في مايو/ آيار 2019)، ضمن أمور أخرى.

لكن أهمية الظاهرة لم تنجح في تمكين العالَم الأكاديمي من الوصول إلى تعريف عالمي مشترك، يسمح بالتفريق بين الحقائق الواقعية المتعددة التي تندرج في إطار هذه الحقيقة المتطرفة.

لهذا السبب، يجري ابتذال المصطلح المستخدم عشوائيًا من قِبَلِ الأحزاب السياسية في صراعاتها اليومية. ويصل الاختلاف إلى درجة المواجهة بين المواقف التي تعُد الشعبوية محركًا حافزًا لتحسين الديموقراطية وتلك المناقضة لها تمامًا.

على الرغم من كل شيء، وبصرف النظر عن الموقع السياسي، يسارًا أو يمينًا، يوجد حد أدنى من الملامح المقبولة، مثل:

1. مركزية مفهوم الشعب كأصل وغاية لجميع القرارات.
2. انقسام الخطاب المجتمعي إلى كتلتين متناحرتين.
3. انتقاد النظام لتجاهله المطالبات الحقيقية للشعب.

كل ذلك في إطار قناعة مجتمعية تكتسب فيها النزعة الوطنية وزنًا نوعيًا.


المشهد الديني الأوروبي

فيما يتجاوز النزاعات الأكاديمية حول التوصيف، ثمة متغير أخذ يكتسب أهمية كبرى في تحليل الظاهرة الشعبوية: الديـن.

بدا وكأن عملية العلمنة الأوروبية حبست العقائد الدينية في مجال الحياة الخاصة بالدرجة الأولى. وقد مضى زمن على مراكز البحوث الرئيسية المعنية بهذا الشأن وهي تتفحص مُوَاطَنَة تعرف نفسها كمسيحية، لكن بعيدًا عن الممارسة ذات الصلة.

الابتعاد عن الحقيقة الدينية يزداد حدة في الأجيال الأكثر شبابًا، التي توجد في مرحلة الـ«Exculturacion Hervieu-Leger»، والتي تفقد فيها الثقافة جذورها أو معناها الديني. على نحو ما، يتطابق المشهد مع النتيجة التي وصلت إليها عالمة الاجتماع الديني «غريس دافييه – Grace Davie» عن الاعتقاد بلا انتماء «Believing, but not belonging». لكنّ تقهقر الممارسة المسيحية تزامن مع نمو عقائد دينية أخرى كانت حتى ذلك الحين أقلوية في القارة الأوروبية، وخاصة الإسلام.


الحضور الديني في الخطاب الشعبوي

في المشهد نفسه، أخذ اللجوء إلى المرجعية والمخيال الديني -المسيحي في الحالة الأوروبية- يستعيد الفضاء العام. أتى جزء من هذه العودة، بدون الذهاب إلى حد توصيفها بـ«انتقام الله» «جيل كيبيل- Gilles Kepel»، جنبًا إلى جنب مع استيلاء الحركات الشعبوية اليمينية.

لكن ما يحدث ليس إعادة تنصُّر اجتماعي، وإنما استخدام سياسي حتى ضد المؤسسات الكَنَسية. بدون أن ننسى السمة شبه المسيحانية التي تكتسبها القيادات في الحركات الوطنية المختلفة: سلالة لوبان  (Le Pen)، أوربان (Orban)، فيلدرز (Wilders)، إلى آخره.

لا ينصب الاهتمام الشعبوي بالدين على قيمه، ولا مخياله. فمساعدة المهاجرين كانت مطلبًا من البابا فرانسيسكو، وهو ما واجهته حركات شعبوية مختلفة. الهدف النهائي يتوافق مع البحث عن ملمح مميِّز آخر يسهِّل تحديد هوية المجتمع العدو. وهكذا، يكتسب مفهوم الوثن (Fetiche) صفة القداسة، متجاوزًا حتى الطابع شبه السري- المقدس الذي يكتسبه بالنسبة للشعبوية.

مثال تقليدي على الاستخدام الشعبوي للدين هو الجبهة الوطنية الفرنسية (التجمع الوطني، حاليًا) واللجوء المستمر إلى شخصية جان دارك. ففي الأول من مايو/ آيار من كل عام يكرِّم هذا التشكيل من اليمين المتطرف القديسةَ في ذكرى يوم ميلادها، ليس بسبب أمثولتها الإيمانية، وإنما كرمز لهوية فرنسية شديدة التحديد. إنها تُقدَّم كنموذج للمناضل ضد الغازي؛ الذي كان بالأمس إنجليزيًا وأصبح يتجسد اليوم في المجتمع ذي الإيمان الإسلامي.


العدو المشترك: الإسـلام

حولت الشعبوية اليمينية الإسلام تحديدًا إلى العدو الجديد الذي ينبغي أن يقف بوجهه الشعب الوطني «الحقيقي». الاستفتاء الشعبي السويسري بشأن بناء مآذن المساجد، وتصريحات نائب رئيس حزب الرابطة الإيطالي بشأن اللاجئين، ومقترحات الإصلاح الدستوري المجري، أو اقتراح حزب بوكس (Vox) بجعل الثاني من يناير/ كانون الثاني (الاستيلاء على غرناطة من قبل الملوك الكاثوليك) يومًا وطنيًا للأندلس، هي أمثلة جلية على هذا الاختطاف للدين.

تقدَّم الجانب غير المادي (التقاليد، الهوية، الخ) في خطاب الشعبويات اليمينية بهدف خلق مجتمع متماسك ذي إحساس بالانتماء (شعب) وآخر «عدو»، استنادًا إلى الحقيقة الدينية: المسيحية مقابل الإسـلام/ البقية.

قصارى القول: مع تنامي القوة الشعبوية ومقترحاتها المناهضة للتعددية، قد ينتهي هذا الانزلاق إلى الانغلاق الاجتماعي والثقافي للمجتمعات الأوروبية. فالعودة إلى الحقائق/ الوقائع المتجانسة اجتماعيًا هو موقف معاكس تمامًا لروح المشروع الأوروبي الذي بُنِيَ على التنوع والتكامل.

(المصدر: موقع إضاءات)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى