مقالاتمقالات مختارة

ابن تيمية شيخ الإسلام يعجزهم فيفترون عليه!

بقلم أ. أسامة شحادة

بدايةً لا بد من التنبيه على أن وصفَ ابن تيمية بشيخ الإسلام وصفٌ قديم من عدد كبير من كبار العلماء وقد ألّف الإمام ابن ناصر الدين الشافعي (ت 842هـ) كتاباً حول أحقية ابن تيمية بلقب شيخ الإسلام سماه: “الرد الوافر على من زعم أن من سمى ابن تيمية شيخ الإسلام كافر” جمع فيه شهادة أكثر من 80 إماما وعالما لابن تيمية باستحقاقه للَقب شيخ الإسلام منهم: العلامة قاضي قضاة مصر والشام، محمد بن الصفي الحنفي، الإمام الذهبي الشافعي، الإمام ابن سيد الناس، الإمام السبكي، العلامة السيوطي، العلامة ابن دقيق العيد، الإمام ابن حجر، وغيرهم كثير.

لقد كان ابن تيمية عالماً شجاعاً يصدع بكلمة الحق ويواجه خصومه بالحجة والبرهان بينما يواجهه خصومه بالكذب والبهتان وتأليب السلطة عليه حتى سجن عدة مرات، لعجز خصومه عن مواجهة الحق الذي حمله ونشره ودافع عنه، ولا يزال هذا هو منهج خصوم شيخ الإسلام للطعن فيه بعد وفاته بأكثر من 800 عام!

فمن هذه الافتراءات القديمة عليه ما حكاه تلميذه الإمام ابن كثير في حوادث سنة 702هـ، في كتابه “البداية والنهاية”: “وفي جمادى الأولى وقع بيد نائب السلطنة كتابٌ مزور، فيه أن الشيخ تقي الدين ابن تيمية، والقاضي شمس الدين بن الحريري، وجماعة من الأمراء والخواص الذين بباب السلطنة، يناصحون التتر ويكاتبوهم، ويريدون تولية قبجق على الشام، وأن الشيخ كمال الدين بن الزملكاني يعلمهم بأحوال الأمير جمال الدين آقوش الأفرم، وكذلك كمال الدين بن العطار، فلما وقف عليه نائب السلطنة عرف أن هذا مفتعل، ففحص عن واضعه، فإذا هو فقير كان مجاورا بالبيت الذي كان إلى جانب محراب الصحابة”.

ولا يزال الكذب والتزوير والاستعداء للسلطنة هو نهج خصوم ابن تيمية من المعروفين بالشر والفضول في عصرنا! ومن ذلك ما يروج في رسائل وسائط التواصل الاجتماعي من كون ابن تيمية شيخ الإسلام يفتى بكفّر وقتل المسلمين بسبب تصرفات لا تستحق التكفير والقتل، وللأسف أن يصدق هذا الافتراء بعض حملة الشهادات ويأخذون في ترديدها دون تثبت أو تحقق بدلاً عن استنكار صدورها عن فقيه فضلاً عن شيخ الإسلام!

ومن خلال البحث في محرك “جوجل” وجدت أن محمد حبش زعم أن ابن تيمية له 428 فتوى تكفير وقتل على هذا النسق! وطبعاً حين تغوص في التثبت من دقة هذا الكلام تجد أن هذا غير صحيح، فابن تيمية وغيره من الفقهاء لا يكفّرون على أفعال بسيطة، بل هم يتجاوزون هذا الفعل الظاهر على عادة القدماء في الاستطراد للحديث والحكم على قضية مختلفة تماماً وهي حكم من عُلّم وفُهّم أن ما يقوم به خطأ شرعاً لا يجوز فعله، لكنه يصرّ على ادّعاء شرعية هذا الفعل ونسبته للشرع، وبذلك ينتقل من جاهل مرتكب لخطأ إلى مرحلة التشريع بالباطل في الدين، وهذا منازعة لحق الله عز وجل بالحكم والملك والأمر والألوهية، وهذا كفر بالإجماع، ولكن المفترون عمداً يقصون بداية الكلام ويلصقونه بجوار خاتمة الكلام وهما موضوعان مختلفان!!

ومما يؤكد بطلان هذا الافتراء والبهتان على ابن تيمية أنه يكفّر ويقتل على أفعال لا تستحق ذلك، أن أنصار ومتّبعي ابن تيمية في العالم اليوم بالملايين وفي مختلف أنحاء العالم، ومع ذلك لا وجود لمثل هذا التكفير والقتل في ثقافة هذه الملايين ممن تتبع اجتهادات ابن تيمية ونهل من كتبه وعلومه!!

وقد أثبت الكثير من الباحثين والمختصين أيضاً بطلان دعوى جماعات العنف والغلو بانتسابهم لابن تيمية وكشفوا عن تباين طرح هؤلاء الغلاة والمتطرفين مع فكر ومنهج ابن تيمية، ومن هؤلاء د. هاني نسيرة في رسالته للدكتوراه، والتي طبعها مركز دراسات الوحدة العربية مؤخرا بعنوان “متاهة الحاكمية: أخطاء الجهاديين في فهم ابن تيمية”، وقبل أسبوعين نوقشت في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية رسالة ماجستير متميزة من إعداد الشيخ غالب الساقي بعنوان: “الفكر التكفيري المعاصر دراسة نقدية مقارنة مع فكر ابن تيمية” بيّن فيها التناقض الكبير بين فكر أهم منظري التكفير والتطرف (أبو محمد المقدسي، د. فضل إمام) وبين فكر ابن تيمية في الحاكمية والتكفير والولاء والبراء.

وكي نعرف حجم المهزلة التي يُدخلنا إليها خصوم ابن تيمية بكذبهم وافترائهم تعالوا نطالع كيف ينظر العقلاء والمنصفون ممّن ليسوا في صف ابن تيمية لدوره وعبقريته ودوره المركزي في خدمة البشرية والعالم، فالمفكر الشيعي الإيراني مصطفى طباطبائي في كتابه “المفكرون المسلمون في مواجهة المنطق اليوناني” يقول عنه: “إن القراء الكرام إذا رجعوا إلى فصل نقد ابن تيمية لمنطق أرسطو في هذا الكتاب سيلاحظون في نقد ابن تيمية عن المنطق جميع آراء ستيوارت مل التي ذكرها قبله بخمسة قرون”، أما المفكر الشيعي العراقي علي الوردي فيقول في كتابه “منطق ابن خلدون”: “وصل نقد المنطق على يد ابن تيمية إلى القمة”، ويقول محمد إقبال: كان ابن تيمية هو أول من قام بتفنيد المنطق الأرسطيّ تفنيدًا منظمًا فى كتابه “نقد المنطق”، من أجل ذلك رأينا المفكر الفلسطيني المسيحي وائل حلاق يحتفي بفكر ابن تيمية في كتابه “ابن تيمية ضد المنطقيين اليونانيين” والذي لم يترجم للعربية بعد، ونقد وهدم منطق أرسطو هو الذي فتح الباب لتقدم أوربا بعدة خمسة قرون من زمن ابن تيمية واعتماد المنهج التجريبي.

ولذلك تأسف الدكتور سامى النشار والشيخ مصطفى عبد الرزاق على عدم مواصلة جهود ابن تيمية في هذا المجال وكيف أن المسلمين فقدوا الريادة بسبب ذلك فيقول النشار في كتابه “مناهج البحث”: “ترك ابن تيمية بما كتبه عن المنطق تراثا علميا لا يقدر، وقام بمحاولة لا تجد لها شبيها في تاريخ العصور الوسطى، بحيث يقول الأستاذ مصطفى عبد الرازق: “إن الدراسات المنطقية لو سارت منذ عهد ابن تيمية على نهجه في النقد بدل الشرح والتعمق؛ لكنا بلغنا بها من الرقي مبلغا عظيما” هذا هو التراث المنطقي التيمي”.

ومن أراد معرفة حقيقة فكر ومنهج شيخ الإسلام فأنصحه بمطالعة كتاب د. عائض الدوسري “هكذا تحدث ابن تيمية”، وكتاب الأستاذ عمر فروخ “ابن تيمية المجتهد بين أحكام الفقهاء وحاجات المجتمع”.

فمتى يكفّ المفترون عن افترائهم على شيخ الإسلام ابن تيمية وينشغلون بما ينفعهم وينفع أمتهم، وينتفعون من ابن تيمية كما انتفعت أوربا ومفكروها من عبقريته؟!

(المصدر: موقع أ. أسامة شحادة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى