إيذاءَ المؤمنين والمؤمنات من أعظم الكبائرِ والموبقات
بقلم د. محمد عبد الكريم الشيخ (خاص بالمنتدى)
﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب ٥٨] .
? بيَّنت الآيةُ أنَّ إيذاءَ المؤمنين والمؤمنات؛ من أعظم الكبائرِ والموبقات؛ ويكون ذلك بما هو آتٍ :
☑️ أوَّلاً : أذاهم في دينهم؛ بالسخرية من الله تعالى؛ أو نبيِّهِ ﷺ ؛ أودينه الحقِّ؛ أو بمنع المؤمنين من أداء عباداتهم؛ أو برميِ علماءهم بالتهم الكاذبةِ لصدِّ الناس عنهم؛وبثِّ الفتاوى الباطلة، ونشرِ الأفكار المُضلَّة، والترويجِ للبدع والخرافات ، وغيرها .
☑️ ثانياً : أذاهم في أجسادهم وأعراضهم وأهليهم، بشتْمهم وسبِّهم أو غَيبتهم، أو احتقارهم وازدراءهم، أو تَتَبُّعِ عوراتهم بالتلصُّصِ عليهم، والتنقيبِ عن عثراتهم لإسقاطهم وتعييرهم؛ أو بالتضييق بالسعي إلى ايقافهم وسجنهم بغير جريرة ارتكبوها .
☑️ ثالثاً : أذاهم في أموالهم؛ وممتلكاتهم، بسلبها بالطرق المحرمة، والحيل الماكرة، والغش والسرقة، والغُبنِ والخداعِ، وسنِّ الضرائبِ المجحفة، والجماركِ الظالمة، والمخالفاتِ الجائرة، واستنباطُ مصطلحاتٍ وتقنينها وفرضها ظلماً وعدواناً على المؤمنين، لاغتصاب أموالهم .
وغير ذلك من أنواع الأذى لأهل الإيمان .
? ﴿بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا﴾ أي: بغير جناية موجبة للأذى؛ والقصاص منهم .
? هذا ويشتد الذنب؛ وتعظم الجريمة؛ في الأذى للمؤمنِ أو المؤمنةِ؛ إذا كان في حق ذي مكانةٍ بسبقهِ إلى الإيمان؛ كالصحابةِ الكرام؛ أو عالمٍ أو داعيةٍ؛ يستفيد الناس مِن علمه، أو دعوتهِ إلى الإسلامِ؛ بسجنهِ أو رميِه بما هو بريء منه؛ لصدِّ الناس عن علمهِ، ودعوتهِ .
? وأيمُ الله؛ إنَّ هذا لمن أعظم الفساد؛ والصدِّ عن سبيل الله ربِّ العباد؛ قال السعدي :” ولهذا كان سب آحاد المؤمنين، موجبًا للتعزير، بحسب حالته وعلو مرتبته، فتعزير من سب الصحابة أبلغ، وتعزير من سب العلماء، وأهل الدين، أعظم من غيرهم.”
? ﴿ فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ مثيلُها قولُ الله تعالى في سورة النساء :﴿ومَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أوْ إثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتانًا وإثْمًا مُبِينًا١١٢﴾ فاجتمع في ذنبهم بأذى المؤمنين والمؤمنات وصفان ذميمان :
☑️ أحدهما : احتمال البهتان؛ أي تحملهم الكَذِبَ الصُّراحَ الفاحِشَ؛ تَمْثِيلًا لِحالِهم بِحالِ عَناءِ الحامِلِ وتعبها ثِقْلًا .
☑️ والثاني : اثماً مبيناً : أي إثْمًا ظاهِرًا لا شُبْهَةَ في كَوْنِهِ إثْمًا؛ لأنَّهم جمعوا بين الخطيئة والكذبِ برمي غيرهم، ولهذا كان إثمًا مبينًا.
روى الإمام أحمد وأبو داود والطبراني عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : “مَنْ رَمَى مُسْلِمًا بِشَيْءٍ يُرِيدُ شَيْنَهُ بِهِ، حَبَسَهُ اللهُ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ”.
وروى الإمام أحمد وأبو داود أيضاً عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبيِّ ﷺ قال: ” وَمَنْ قَالَ فِى مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ؛ رَدْغَةَ الْخَبَالِ -أي: عصارةَ أهلِ النارِ -حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ ” .
? فلا مخرج لمن آذي المؤمنين والمؤمنات؛ إلّا بأن يتوب إلى الله تعالى، الذي يقبل التوبةِ من عباده ويعفو عن الزلّات؛ويستحلل ممَّن آذاهم؛ قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه الندم، وليس هناك إلا الحسنات والسيئات، كما قال رسول الله ﷺ: (مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلِمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لا يَكُونَ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ) (رواه البخاري).
?? هذا ويجب على كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ؛ نصرةُ المظلومين؛ وخاصةً العلماءَ منهم؛ والدعاةَ الصالحين؛ وَلْيعلموا أنَّ خذلانهم مع القدرة على نصرهم؛ إثمٌ عظيم؛ وَمَرَدٌ وَخيمٌ؛ عنْ أبي طلحةَ الأنصاريِّ وجابرِ بن عبد الله، رضي الله عنهمْ عن النبي ﷺ: قال: « ما من امرئ يَخْذلُ امرءاً مسلماً في موطنٍ يُنتقصُ فيه من عرضه , وينتهكُ فيه من حرمته , إلا خذله الله تعالى في موطنٍ يحبُّ فيه نصرتَهُ ، وما من أحدٍ ينصرُ مسلماً في موطنٍ ينتقصُ فيه من عرضِهِ , ويُنتهكُ فيه من حرمتِهِ , إلّا نَصَرَهُ الله ُفي موطنٍ يحبُّ فيه نُصْرتَهُ » رواه أحمد؛ وأبو داود؛ بسندٍ حسن .