مقالاتمقالات مختارة

إن الله لا يُضَيّع أهله

إن الله لا يُضَيّع أهله

بقلم حمدي شفيق

من المعلوم أن إبراهيم عليه السلام لم يُنجب فى شبابه. وبعد أن نجّاه الله تعالى من النار،سار بأهله من العراق إلى الشام.. ثم إلى مصر،حيث حاول ملكها الفاجر أن ينال من زوجته “سارة” وطرًا، فأذلّه الله، وشُلّت يده المَرّة تلو الأُخرى. واستبدّ به الرُعب، فأمر بإخلاء سبيلها، ووهب لها أميرة مصرية من أرفع البيوت، هى “هاجر” لتخدمها. وكانت”سارة”عجوزًا عاقرًا، فوهبت “هاجر” لزوجها، لعله يُنجب منها ولدًا. وهو تصرف نبيل من زوجة أبى الأنبياء. وقد كافأها الله تعالى عليه لاحقًا. وبالفعل قَدّر الله تعالى أن يُرزق إبراهيم عليه السلام بولده البكر إسماعيل من “هاجر” المصرية.. ولحكمة يعلمها المولى، أوحى إلي الأب أن ينقل الرضيع وأمّه “هاجر” إلى صحراء الجزيرة العربية..

وأطاع الخليل أمر ربّه.. وذكرت الروايات أن إبراهيم عليه السلام سار بهما حتى بلغوا مكة، فتركهما فى موضع بئر “زمزم” وهى -فى ذلك الوقت- صحراء ليس بها أحد ولا ماء.وترك لهما جرابًا فيه تمر وماء، ومضى عائدًا إلى الشام.

راحت هاجر تناديه، ولا يلتفت إليها. وكرّرت السؤال: يا إبراهيم أبن تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟! فلم يرد.. فسألته أخيرًا: ألله أمرك بهذا؟ قال: نعم.قالت رضى الله عنها بعزم ويقين وإيمان: إذًا لا يضيعنا.. وانطلق أبو الأنبياء، حتى إذا بلغ موضع”الثنية” دعا قائلًا: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) سورة إبراهيم : ٣٧.

وظلت أم إسماعيل تأكل من التمر وتشرب مما معها من ماء وترضع وليدها. حتى إذا فنى ما فى الجراب عطشت وعطش ابنها..نظرت إليه و هو يتلوّى من شدّة العطش،فكرهت أن تراه هكذا،و انطلقت هائمة على وجهها.. صعدت “الصفا” فلم تر أحدًا.. فنزلت حتى بلغت “المروة” فلم تجد أحدًا أيضًا.. فعلت ذلك سبعة أشواط. ثم قالت لنفسها: لو نظرت ما فعل الصبي، فذهبت إليه، فإذا هو على حاله، يكاد يحتضر..

وبعد الصبر على الابتلاء جاء الفرج.. وأرسل الله الرحمن الرحيم بعباده “جبريل” عليه السلام عند موضع زمزم، فضرب الأرض بجناحه، فانبعث الماء بقدرة الله. وجعلت هاجر تحوّضه (تجعل حوله حوضًا من الرمال) وتغرف في سقائها والماء المُبارك يفور. ويروى ابن عباس رضي الله عنهما -والحديث في صحيحى البخاري ومسلم- قول النبي صلى الله عليه وسلّم: ((رحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم، أو قال لو لم تغرف من الماء، لكانت زمزم عينَا معينًا.. قال: فشربت وأرضعت وليدها.. فقال لها الملك: لا تخافوا الضيعة،فإن هاهنا بيتًا لله،يبنيه هذا الغلام وأبوه..وإن الله لا يُضَيّع أهله)) وهذه هى الحكمة الكبرى فى نقل إسماعيل وأُمّه إلى موضع بيت الله الحرام، ليبنيه الرضيع ،عندما يكبر،مع أبيه عليهما السلام. وبالفعل لم يمض وقت طويل حتى جاءت قبيلة “جرهم” لتسكن إلى جوار زمزم، بإذن من أم إسماعيل، ثم تلتها قبائل أخرى. وهكذا تكوّنت “مكّة” أم القرى، وموضع الكعبة المُشرّفة. وعندما بلغ إسماعيل الصبا، كان الابتلاء الثانى، وهو أمر الله لخليله إبراهيم بذبح ولده الوحيد -قبل أن يرزقه الله من سارة بإسحاق لاحقًا- فأطاع الأب و الابن والأُمّ. وما كاد يضجعه على الرمال، ويهم بوضع السكين على رقبته، حتى ناداه ربه، مُثنيًا على طاعة أهل البيت وإحسانهم و صبرهم على البلاء العظيم، وافتدى إسماعيل من الذبح، بكبش عظيم جاء به جبريل عليه السلام.فهو الذبيح و ليس إسحاق،كما يزعم اليهود حسدًا وحقدًا على العرب والمسلمين.. ومن نصوص التوراة التى لم تتعرّض للتحريف، يُوجد نص على أن الذبيح هو (ابنه البكر) والثابت أن البكر، أى أوّل ولد إبراهيم وأكبرهم، هو إسماعيل جدّ العرب عليه السلام. وبعد أن شبّ إسماعيل تزوّج من نساء “جرهم” وأنجب العديد من الأبناء والبنات. وكثرت ذّريته.. وفى إحدى الزيارات أخبر الخليل إبراهيم ولده بأن الله أمره أن يبني بيتاً له فى مكة، فسمع إسماعيل وأطاع.. وجعل الخليل يرفع القواعد من البيت، وإسماعيل يأتيه بالحجارة. و يحكى القرآن الكريم قصة بناء بيت الله الحرام فى آيات كريمات منها: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)} سورة البقرة.. واستجاب الله للنبيين الكريمين، فأرسل من ذريتهما خاتم الأنبياء والمرسلين، الصادق الأمين، صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين.

(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى