بقلم د. وصفي عاشور أبو زيد
كتب الكاتب المعروف الأستاذ داوود الشريان مقالا في صحيفة الحياة اللندنية الخميس 3 ديسمبر 2015م ينعي فيه على اتحاد علماء المسلمين وعلى كاتب هذه السطور ذكر البعد الديني في الصراع الحاضر لا سيما بين روسيا وتركيا، وأن استحضار هذا البعد العقدي يؤثر سلبا على الأبعاد الوطنية، وأن الاتحاد يريد أن يكون جماعة أو حزبًا، وتحولت بياناته إلى بيانات سياسية….
وأنا أتعجب صراحةً من هذا المنطق لأمرين:
الأول: أن العالم الغربي كله صريح في عدائه معنا، وأنه يعلن بكل سفور أن القضية عقدية دينية، واقرءوا إن شئتم ما كتبه المفكر الاستراتيجي الأمريكي “فوكو ياما” – في العدد السنوي “للنيوز ويك” (ديسمبر 2001 م – فبراير 2002م)، يقول: “إن الصراع الحالي ليس ببساطة ضد الإرهاب، ولكنه ضد العقيدة الإسلامية الأصولية، التي تقف ضد الحداثة الغربية وضد الدولة العلمانية، وهذه الأيديولوجية الأصولية تمثل خطرا أكثر أساسية من الخطر الشيوعي، والمطلوب هو حرب داخل الإسلام، حتى يقبل الحداثة الغربية والعلمانية الغربية والمبدأ المسيحي “دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله”!.
ولقد فسر الرئيس الأمريكي الأسبق “نيكسون” في كتابه “الفرصة السانحة” مراد الأمريكان من “الأصولية الإسلامية”، فقال: “إنهم هم الذين يريدون بعث الحضارة الإسلامية، وتطبيق الشريعة الإسلامية، وجعل الإسلام دينا ودولة، وهم وإن نظروا للماضي فإنهم يتخذون منه هداية للمستقبل، فهم ليسوا محافظين، ولكنهم ثوار”!.
وعلى درب هذه الشهادات، قالت “مارجريت تاتشر” -رئيسة الوزراء البريطانية الأسبق- : “إن تحدي الإرهاب الإسلامي إنما يشمل حتى الذين أدانوا أحداث 11 سبتمبر وابن لادن وطالبان، يشمل كل الذين يرفضون القيم الغربية، وتتعارض مصالحهم مع الغرب”!. أ.هـ.
.. فإذا تحدثنا نحن عن البعد العقدي للصراع وأنه ينبثق عنه كل أنواع الصراع استنكر قومنا هذا الحديث، ورأوه ضارا بكل شيء، ويريدون منا أن نتعامى عن حقيقة الصراع، ونضع رؤوسنا في التراب.
الأمر الثاني: أن استحضار البعد العقدي لا يهدد الأبعاد الوطنية ولا يلغيها، لو كان يعلم أ. داوود الشريان وغيره ممن يرون ذلك، ولكن البعد الوطني لا يحافَظ عليه بحق، ولا يعزَّز بقوة إلا إذا انبثق عن البعد العقدي، وهذا ما حدث في دولة الرسول عليه السلام، وبعدها، وهو ما يستنبط من عشرات المواضع في القرآن الكريم والسيرة الشريفة..
وقد رأينا في الوقت الحاضر مع ثورات الربيع العربي وموجات الثورات المضادة مَن الذي باع وطنه: هل المستمسكون بدينهم وإسلامهم وعقيدتهم، أم أدعياء الوطنية والعلمانية والليبرالية وغيرها من التيارات التي تقف من الدين موقف العداء، أو على الأقل تعادي من يحملون العقيدة والإسلام، هذه التيارات التي سقطت، وفضحت مواقفَهم الأحداثُ المعاصرة؟! حيث باعوا مبادئهم وفضلوا خراب الأوطان على أن يحكمهم إسلاميون، وركبوا دبابة العسكر في مقابل إهدار نتائج الصناديق التي لفظتهم وجاءت بهؤلاء الإسلاميين.
صحيح أن الاتحاد لا غنى له عن النصيحة في تطوير خطابه، وهذا واجب كل عمل بشري، أن يتقبل النصيحة ويطلبها ويسعى لها طلبا للتحسين والتجويد والتقويم، لكن ليس معنى هذا أن نخلط الأوراق، ولا نميز بين ما هو ثابت وما هو متغير!
إلى متى يصرح الغرب بعدائه السافر لنا المبني على البعد العقدي والديني، ونحن نتعامى عن ذلك وندس رؤوسنا في التراب؟!!