مقالات مختارة

إغلاق السجل الدعوي..!

بقلم د. حمزة آل فتحي

ذو لمسات دعوية، وجهد لامع، وحاضر غالبا في المشهد الدعوي، ورايته غراء مرفوعة بذلا وفكرا ومشورة،،،،!

وفجاءة يتغير ويتراجع، وينتقل لمستودع الانقباض والانكفاء الذاتي، أو الفتور والإخلاد الاجتماعي،،،

ونسأل الله العلي الأعلى الثبات وحسن الختام،،،! (( ولولا أن ثبتناك لقد كدتَ تركن إليهم شيئا قليلا )) سورة الإسراء .

وكان في السبق للإصلاح زاملةً// يقلّد الفضل شيبانا وشبانا

له المحامدُ لكنْ بعدها انطفأت// نجومُه ومضى للوهم حيرانا

ظاهرة نناقشها، ونرجو المولى تعالى العون والتوفيق.

ولكن يحزننا غياب بعض المحبين، ودخولهم في إجازة مفتوحة، أو تنحٍ غريب ، وخروج من الساحة بلا معاذير واضحة،،،!

سوى ما نراه من غطاء ضبابي، وصورة رمادية تجعلك تتعجب، وتدعو الله كثيرا كثيرا بالثبات دنيا وأخرى…

وحين التأمل ومحاولة تحليل أسباب ذلك، يبدو الآتي :

١/ عدم التجديد الدعوي: قراءة وبحثا واطلاعا وآلات، وتواصلا مع المشيخة والبرامج الماتعة المفيدة ، بحيث يكتفي بمخزون قديم، ويكرر المعهود، ولا يطور خطابه وذاته وتعاطيه مع البرامج الدعوية، إلى أن يتراجع الاهتمام ، وينفر الناس عنه، فيعتقد فساد الجيل وتخلفهم، وانعدام الرغبة التدينية، فيضعف ويتقلص دوره وحماسته . أو أنه يمر بظروف خاصة ولا يتعاهد نفسه، فيبتلى بشيء من ذاك، والمهم أن لا تفضي لسوء، قال ابن القيم رحمه الله : (تخلل الفترات للسالكين أمر لا بد منه، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد، ولم تخرجه من فرض، ولم تدخله في محرم؛ رُجي له أن يعود خيرًا مما كان) .

٢/ الانفتاح الدنيوي: سفرا وسياحة، أو توسعا واستعمالا، أو جمعا ومتاجرة، فيشغل المرء، وتأتيه الدنيا من كل مكان، وتؤمه الأفكار من كل حدب وصوب، فيتصوب لعلاقات جديدة، ويضيع مخزونه الإيماني السابق، ويتناسى تجديده ومضاعفته،،!

ومن الانفتاح الظهور الإعلامي الفسيح، وولوج قنوات مشبوهة، والزهد في الوعظ المسجدي، بحجة الجماهير المليونية، إلى أن يبدو الحرص والانفتاح والاتصال بما لا يحسن ويليق.! فتقع الضريبة والتِرة، والله المستعان .

٣/ البيئة العلائقية: من أصدقاء مشغلين، أو رفقاء فارغين، أو ندماء تائهين،،،! ولا ريب ((أن المرء على دين خليله)) ، وحتى لو كان متدينا، فالضعف الإيماني والتراجع الفكري من شأنهما أن يُنتجا من خلال المخالطة والمجالسة الدائمة ، وفي المثل( الصاحب ساحب )، ونظموا شعرا،،، ولا تصحب الأردى فترد مع الردي…!

وعلى المستوى المؤسسي تهرم بعض المؤسسات والدوائر وتصاب بالترهّل من جراء إهمال التجديد والمواكبة العصرية، وتأهيل العاملين، واكتفائها بشكلية دعوية مكررة، لا تصنع آمالا، ولا تشعل قناديل، فتخسر أكثر مما تربح، والله المستعان .

٤/ ضعف التزكية: بسبب تقليديتها وعدم تطويرها، وتهذيبها بالإصلاح النفسي والتزكية المتعاقبة عملا وذكرا وأورادا، قال تعالى (( قد أفلح من زَكَّاهَا )) سورة الشمس .

ولابد للداعية من خلوات يديمها ويتعاهدها، ولا يكاد يعرفها أحد، وانهماكه الدنيوي وحتى الدعوي، لا يحق أن يفوت عليه ذلك، وكما قال تعالى (( ولكن كونوا ربانيين بما كُنتُم تعلمون الكتاب )) سورة آل عمران .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( هذه غدوتي لو لم أتغدها سقطت قواي )!

ومن المؤسف تركيزنا على الغذاء الجسدي، وتقصيرنا في الغذاء الروحي، والذي هو مدد الأزمات، وغياث المشاكل، وتثبيت المعكرات، قال تعالى في قصة يوسف عليه السلام:(( كذلك لنصرفَ عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين )) سورة يوسف .

والإخلاص تصنعه عبادة خفية، أو نية زكية، أو مجاهدة علية، أو طاعات مرضية…!

٥/ الملالة البلاغية الإصلاحية: لا سيما مع تغير الأجيال، والشعور بكِبر السن، وتوالي الأشغال، فتجتمع عليه عدة عوامل، تورث له الملل والزهادة، والتي ينتج منها ترك السبيل، والبحث عن خندق انعزال، أو مشاريع تجارية، تزين له حب المال والاستثمار، وأحلام مستقبل الذات والأولاد،،،!

فيخلد ربما لما يسمى بظاهرة الفتور الدعوي، ولنعلم أن الضعف والفتور الدعوي ظاهرة طبيعية بعد جد واجتهاد، يناله الداعية، ففي المسند  عن عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لكل عمل شرة ، ولكل شرة فترة ، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح ، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك)) وصححه الألباني رحمه الله .

٦/ التجارب الخاطئة: والتي نشأت من قلة الفقه الدعوي، ووهاء البناء التأصيلي، والاعتداد الذاتي، والاستبداد البلاغي، وحب السيطرة والاغترار المظهري ، سواء كانت من جهة فردية، أو أخرى مؤسسية، ولكنها ذات ترهل وضعف، وتقليدية تورث اليأس والإحباط،،،! فلا تطوير مثمر، ولا تجديد مستقطب،،،! وتتوالى الأسقام الإدارية، وتشيع التشوهات المجتمعية، والتي تهد كيان كل مؤسسة، لم تقم على أقدام إدارية راسخة، وخطط استراتيجية راقية،،،!وفق الحديث (( المتشبع بما لم يعط، كلابس ثوبي زور )).

٧/ الأهداف المبطنة: من نحو عدم تجريد الدعوة، وإدخالها في متاهات شخصية، أو التعلق بالحزبية، وشغل الجهد بالتصنيف والتقطيع الدعوي، وقد يحوط ذاك بردود علمية، وتتبع شطحات منهجية بزعمه، فيملأ بها الفراغ والوجدان والعقل، حتى تأخذه عن رسالته الحقيقية وهدفه السامي المجيد ،،،!

ولا تخلو في الختام من تضخيم مصغرات، أو تتبع عثرات، وجني أوزار وسيئات، والله المستعان، وقد صح حديث (( لا تتبعوا عثرات المسلمين )).

٨/ الصرامة الرقابية: تدينا وسلوكا، مع الذات والآخرين، جفاء للسنة ، بحيث يغلب جانب العزائم على الرخص، والشدة على اللين، والعنف على الرفق ، اجتهادا منه أن ذاك هو الأليق والأحسن تربية وإصلاحا وإنتاجا ،،!

ولكنه مع مرور الأيام يحدث ردودا سلبية ، من شانها تحقيق النفور والفتور، وخسران بعض المكاسب،،! ولذلك الفقه الشرعي والتهذيبي مراعاة القلوب وإقبالها، (( ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب )) سورة ق .

قال علي بن موسى: (إن للقلوب إقبالًا وإدبارًا ، ونشاطًا وفتورًا، فإذا أقبلت أبصرت وفهمت، وإذا انصرفت كلَّت وملَّت، فخذوها عند إقبالها ونشاطها، واتركوها عند إدبارها وفتورها) .

ومضة/ لا شيء أشد على الداعية المؤثر من إغلاق تاريخه الدعوي..!

المصدر: الاسلام اليوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى