مقالاتمقالات مختارة

إعدام بقطع الشريان

إعدام بقطع الشريان

بقلم د. محمد الصغير

تفاعل كثيرون مع قضية الحكم بالإعدام على اثني عشر شخصا فيهم رموز وعلماء وشباب أبرياء، فيما يعرف بقضية فض رابعة، ولكن هناك ثمة حكمٌ آخر بالإعدام على أكثر من مئة وثلاثين مليون مصري وسوداني تم التوقيع عليه في الخرطوم تحت مسمى (اتفاق المبادئ)، والذي مكن إثيوبيا من العمل بكل أريحية في بناء سد ضخم على نهر النيل، يشكل خطرا محققا على أهل وادي النيل جميعا، بل يمثل حقيقةً قضية حياة أو موت، لأن وصف النيل بأنه شريان الحياة ليس وليد الأحداث الراهنة، ولكنه قديم قدم الحضارة والتاريخ، ولا بيان بعد قول القرآن (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ).

وبعيدا عن ثنائيات الثورة والانقلاب والعسكر والإخوان، فالأمر لا يحتمل القسمة الثنائية، ولا استمرار التخندق أو التربص، لأننا أمام خطر داهم سيقضي فعلا على الأخضر واليابس، لذا فهذه فرصة الشعب المصري للاتحاد على هذه القضية المصيرية، لأنه وحده من سيدفع الثمن، الذي سيتعدى بوار الأرض وانهيار الاقتصاد، إلى تهديد وجود الإنسان نفسه، وستكون قوافل النازحين بالملايين إلى حدودنا مع ليبيا وفلسطين، وستبحر بكل قوة قوارب الهلاك والهجرة إلى الغرب وأوربا.

الوقوف أمام استكمال سد الخراب، ووضع حد لأطماع إثيوبيا في احتكار مياه النيل، وتحويلها إلى سلعة وبيعها لمصر، ومن ثم إلى الأرض المحتلة في فلسطين، واجب الوقت والفريضة الراهنة، لا سيّما بعد تصريح إثيوبيا أنها تنوي بناء سلسلة سدود أخرى على النهر العظيم، وتعاملها بغطرسة شديدة وعنجهية مفرطة في مسار التفاوض، الذي يصر عليه الجانب المصري متخذا من مفاوضات الفلسطينيين مع المحتلين أسوة وقدوة، وإن كانت عبثية المفاوضات مع الصهاينة أقرب إلى الحرث في الماء، فإن مفاوضات إثيوبيا ستضيع الماء نفسه، وتقضي على النسل والحرث!

وإن كانت أخطاء النظام المتكررة، ومسلسل فشله المستمر، كان يقع من نفسي قبل ذلك موقعا “وما زلت”، إلا أنني في أمر سد إثيوبيا أتمنى له النجاح

وعندي ثمة تلازمٌ بين قضيتين، وشعور يتعاظم أن اتفاق المبادئ والتنازل عن حقوق مصر التاريخية في مياه النيل التي حافظ عليها كل من حكم مصر أو حتى احتلها -وموقف البريطانيين خير دليل- لم يكن عن خطأ أو غفلة، وإلا لتم الرجوع عن الخطأ والعودة من الغفلة، لكني أراه فعلا مقصودا وجزاء مرصودا، وهو جزء من أحلام إسرائيل وخطتها للسيطرة على النيل والفرات، ومع ذلك أتمنى أن يخيب ظني، ويتخلف حدسي، ويتحرك الشرفاء أو العقلاء داخل المؤسسات المصرية ليكون للنظام الحالي ردة فعل تليق بعظم الخطر وعظمة النهر وأهميته.

أما على صعيد ما يسمى بالملأ أو النخب، فقد ظهرت بوادر إفاقة واستشعارللمسؤولية وإحساس بالخطر، من قِبل كتاب وأكاديميين ومؤثرين لكنها ما زالت في حدود المواقف الشخصية، وهذا أمر يتطلب هبَّة الكل ووحدة الجميع، وأنا إذ أقول ذلك وأقرره فإني أُؤكد على وقوفي في صفوف الشعب المصري في المحافظة على حقوقه وموارده، وأتمنى أن يكون النظام الحالي على قدر المسئولية، ولا يكرر جرائمه السابقة في التنازل والتفريط، لأن هذه المرة لا تتعلق بحدود مائية أو جزر نائية، وإنما مسألة حياة أو موت.

وإن كانت أخطاء النظام المتكررة، ومسلسل فشله المستمر، كان يقع من نفسي قبل ذلك موقعا “وما زلت”، إلا أنني في أمر سد إثيوبيا أتمنى له النجاح، وردع إثيوبيا وكبح الجماح، وحفظ حياة المصريين، ثم بعدها يكون لكل حدث حديث.

(المصدر: الجزيرة مباشر)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى