مقالاتمقالات مختارة

إضاءات شرعية على طريق نصرة القدس والأقصى

إضاءات شرعية على طريق نصرة القدس والأقصى

بقلم د. نواف تكروري

أولاً: لا يخفى على أحد ما يتعرض له المسجد الأقصى المبارك من محاولات التقسيم والتهويد والتدمير والتخريب منذ أكثر ما يزيد عن نصف قرن من الزمن، وهذه المحاولات تؤكد على أن الكيان الصهيوني يعيد الأقصى في عين العاصفة والاستهداف ومحور الصراع.

ثانياً: لا شك أن الجهاد لنصرة المسجد الأقصى المبارك قد صار فرض عين على كل مسلم ومسلمة في كل أرجاء الأرض لتخليصه من الأسر ورده إلى المسلمين، وأنه لا فرق بشأنه بين الفرض الكفائي والعيني، لأن الكفاية بحقه تعني تحريره وتخليصه، ولما لم تتحقق بعد فإن دائرة المسؤولية استمرت بالتوسع حتى ما عاد يعذر أحد بالتخلي.

ثالثاً: يتساءل كثير من الناس كيف لنا بهذا الواجب العيني – كما تقولون – ودوننا ودون مقارعة العدو الصهيوني هموم كثيرة وحوائل من الحكام والحدود والقدرات، فكيف نحمل حملاً لا نقدر عليه والله تعالى يقول: ” لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا “

ولتوضيح هذا الأمر أقول إن هذه آية محكمة قاطعة ولكن فهمنا لها هو الذي يحتاج مراجعة، فكما أن هذه الآية آية تخفيف فإنها آية تكليف، فهي تدفع عن المسلم حملاً لا يقدر عليه، وبالمقابل تكلفه كل ما يقدر عليه، فإن الله سبحانه عند اشتداد المحن وتسلط الأعداء يكلف كل نفس وسعها تاماً غير منقوص، وهو معنى قوله تعالى: ” وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ” الأنفال/6.

رابعاً: إن المخرج من التناقض الموهوم في هذه المسألة بين التكليف والواقع حيث العوائق في وجه مقارعة العدو كبيرة وكثيرة، يكون بوعينا بمفهوم الجهاد.

فإنَّ الجهاد المتعين أوسع من أن يكون هو حمل السلاح ومقارعة العدو أو حتى الرباط على ثرى القدس الطهور، وإنما يشمل كل عمل يخدم هذا الجهاد ويقوى دعائمه ولا شك أن المقارعة هي ذروة السنام، ولكن على الجميع أن يكون في ساحة الجهاد بصورة من الصور، اعلامياً وسياسياً وتعبوياً ومادياً، جهاد باللسان والقلم والأموال والأفكار والأوقات والأنفس.

خامساً: وبهذا الصدد يمكن القول إن كل من ليس لديه شغل لخدمة هذه القضية ولا بوجه من الوجوه فإنه تارك لفرض عيني ومخل بدوره المنوط به تجاه هذه الفريضة التي اتسعت حتى شملت كل مسلم وصارت كفرض الصلاة.

سادساً: إنَّ ألوان الجهاد متعددة وكل واحد من المسلمين يقدر على بعضها ويعجز عن بعضها الآخر، وقل من يستطيع القيام بكل ألوان الجهاد في وقت واحد.

ولا شك أن أعظمها هو الجمع بين كل صور الجهاد وأنواعه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم – كما ذكر ابن القيم – وعند انفراد أحدها فأعظمها الجهاد بالنفس، ومع ذلك فكل لون من ألوان الجهاد عظيم ومهم، ولا يستغنى عنه، وله سهم في تحقيق ذروة السنام.

سابعاً: إن من رحمة الله تعالى بنا أنه من المقرر شرعاً أن من عجز عن لون من ألوان الجهاد بعد محاولاته والحرص عليه سقط عنه وهو ضمن قاعدة (إذا ضاق الأمر اتسع).

ثامناً: ومن عظيم رحمة الله تعالى بنا أن من أدى المقدور عليه من ألوان الجهاد المقررة وتشوف للمعجوز عنه كتب الله تعالى له أجر ما عمل وأجر ما تشوف له ودعا به، وهذا مصداق قوله عليه السلام: لقد ترَكْتُمْ بالمدينةِ أقوامًا ما سرتُمْ مسيرًا ولا أنفقتُمْ من نفقةٍ ولا قطعتُمْ من وادٍ إلَّا وَهُم معَكُم قالوا: يا رسولَ اللَّهِ وَكَيفَ يَكونونَ معَنا وَهُم بالمدينةِ؟ قالَ: حبسَهُمُ المرضُ” وفي رواية العذر. (أخرجه البخاري (2839) وأبو داوود (2508) واسناده صحيح).

تاسعاً: ويقابل ذلك أيضاً أن من ترك مقدوراً على فعله من الواجبات ثم تمنى معجوزاً عنه ودعا به كان مدعياً لا داعياً وليس له عذر فيما ترك ولا أجر فيما دعا به، إذ لو كان صادقاً لقام بالمقدور عليه فمن ادعى الرغبة ببذل نفسه دفاعاً عن الأقصى والباب دونه موصد، ولكنه قادر على النصر عينة أو بالكلمة أو بالمال ولم يفعله فليس له أي منها وهو مؤاخذ على تركه لما يقدر عليه.

عاشراً: إنَّ تضافر جهود جميع أبناء الأمة للدفاع عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمر لا بد منه، وإن كل من يسد ثغراً إنما يقوم بأمانته ومهمته ويؤدي الواجب الذي أنيط به ويجاهد بالمتاح له، وليس هو متفضلاً على أحد من الخلق بل الله متفضل عليه بأن وفقه واستعمله في أعدل قضية وأوضح معركة مع أخبث عدو يجب دفعه وصد عدوانه.

وإن الأمة إذا أدت الذي عليها في حربها مع هذا العدو الغاشم فإنها تكون قد سارت على طريق استحقاق معية الله ونصره.

الحادي عشر: إن من كان مشغولاً حقاً بمقارعة عقبة من عقبات الطريق من الطغاة والمحتلين الآخرين وقلبه متعلق بالقدس والمسرى وعينه الأخرى ترنوا إليه، فهو مع حملة لواء الحق والجهاد، بإذن الله تعالى، ولكن لا يجوز لمسلم مجاهد على ثغر من الثغور أن يكون منتهى همه وفكره ما هو فيه دون أن يتذكر الأقصى ويعده مشروعه وقضيته التي هو في طريق المسير لحملها.

(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى