إسلاميو الجزائر بين الآمال والواقع
بقلم رمضاني سيف الدين
يحس الإنسان بكينونته الشخصية من وجوده المكون من عناصر متعددة ويحس بها أيضا من خلال الآخرين، هده هي الحياة، وبما أن الدولة مزيج من الحياة السياسية والاقتصادية والتاريخية والثقافية، فهي أيضًا تتطابق في المفهوم تمامًا مع الإنسان، والدولة أيضا حياة سياسية تخلق دومًا ديناميكية تنافسية من أجل تحقيق تصورات ومشاريع، والتنافس المعتاد هو بين الحاكم والمعارض، وكلاهما يحس بوجوده من خلال الآخر.
في الجزائر ومند بزوغ نجم الحركات الإسلامية، باعتبارها الحاضنة الطبيعية المتأصلة في الضمير الجمعي للجزائريين، الذي ساعدها كثيرًا في وجود القبول الديني والثقافي، دأبت هده الأحزاب على تقديم نفسها حاميًا للدين الذي هو من مقدسات المجتمع، ونجحت في ذلك عندما سنحت فرصة التنظيم الحزبي والغطاء السياسي الذي وفرته لها التعددية الحزبية بعد فتح الحكومة الجزائرية للحياة السياسية بعد أحداث 1988، وآنداك استطاعت التموقع بقوة لأسباب أهمها:
أولاً: أن الحزب الواحد وما أفرزه من أحزاب مشابهة له في توجهاتها بعد التعددية الحزبية، جعل الشارع الجزائري ينفر منها.
ثانيًا: ويجد أمامه نموذجًا جديدًا بأطروحات جديدة في ظل ظروف عالمية استدعت الصحوة الدينية وصورت التهديد العالمي للإسلام من خلال حرب الخليج، والتسويق الممنهج لتخاذل الأنظمة العربية لنصرة الإسلام.
ثالثًا: أيضًا حب التغيير الضروري لوجوه السلطة التي ثار عليها الشعب بسبب البطالة وتفشي مظاهر الانسداد الاقتصادي في البلاد، مما أرغم الشارع على اللجوء إلى الإسلاميين نكاية في الحكومة المتسببة في الانهيار الاقتصادي حسب رأيهم، بالرغم من أن الإسلاميين لم يكن لهم تصور واضح يقدمونه كمشروع لإخراج البلاد من أزمتها، إلا الكلام المعوم والفضفاض في سب الحكومة وتبيين فسادها.
أما اليوم وبعد تغيرات كثيرة وإعادة رسم لخريطة العالم سياسيًا وثقافيًا ونشوء تحالفات جديدة وانهيار المشروع الإسلامي العربي وفشل العديد من الحكومات الإسلامية، مع تقديم مشاريع عنيفة لإسلام عنيف فقد تغيرت المعطيات وأصبح من الصعب جدا جدا على الإسلاميين تحقيق ما حققوه في التسعينات سياسيا، وعلى الرغم من الحراك الشعبي المطالب بالتغيير إلا أن وجود أحزاب ذات شعبية وقبول بسبب معارضتها النسبية أو الكاملة للنظام الجزائري، سيقطع الطريق على الأحزاب الإسلامية، على الأقل من حيث تحقيق أي نتائج من الممكن أن تمكنها من السيطرة على المجالس المنتخبة، أو أن يكون لها صوت مسموع في الحكومة.
إن تورط أغلب الأحزاب الإسلامية في الحكومات السابقة مما يحملها المسؤولية أمام الشعب جزئيا فيما حدث من شبهات حول تسيير البلاد، قد أضر ذلك بشدة في ما لديها من سمعة، وعجزها عن تقديم المبررات الأخلاقية والسياسية لمحاولتها التمثيل يل الصوت عن طريق المشاركة والمحاصصة التي يلجأ لها النظام في أحيان كثيرة لمناورة الداخل والخارج.
الإخفاق الدي حققه الإسلاميون رغم محاولتهم الاتحاد والصمود في وجه التيارات السياسية الأخرى بتوقيعهم على وثيقة تحالف استراتيجي أطلق عليه اسم «الاتحاد من أجل العدالة والنهضة والبناء»، استعدادًا لخوض الانتخابات التشريعية السابقة، هو مجرد انتفاضة ميت.
ورغم أن بعض القيادات الإسلامية علقت إخفاقاتها المتكررة على شماعة التزوير، والتشكيك في نزاهة العملية الانتخابية، وهو ما ذهب إليه رئيس حركة مجتمع السلم، إلا أن قيادات أخرى من نفس التيار اعترفت ولأول مرة بالإخفاق والفشل، وأبرز هؤلاء رئيس حركة النهضة سابقا الذي نصح الإسلاميين عشية الإعلان عن نتائج الانتخابات -مثلما جاء في صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك- بقوله «أتمنى أن يلغي الإسلاميون من قاموس خطابهم هذه الأيام لفظ تزوير الانتخابات، ويفكروا مليا في أسباب الإخفاقات». ونصح قيادات التيار الإسلامي بضرورة النظر بجدية وصدق وعمق في أسباب الإخفاقات، وأن يتسم هذا التيار بالواقعية السياسية، ويستمع إلى «الأصوات الناقدة ولا يصم عنها الآذان، مثلما فعل في مرات عديدة، وأدى ذلك إلى استقالات جماعية في صمت».
هناك عدة أسباب هيكلية، وفكرية ساهمت في إضعاف شوكة التيار الإسلامي في الجزائر وأدت إلى تراجعه، منها عجز هذا التيار على التوسع بين الأوساط الشعبية والجماهيرية، بسبب اعتماده على سياسة انتقاء أفراده، واعتماده على الطبقة المثقفة، وعلى الجامعيين بشكل خاص. كما أحالت ثقافة الزعيم الملهم بين أفراد هذا التيار، دون بروز قيادات جديدة بين أوساطه، وخاصة بين فئة الشباب الذين يبقى تواجدهم في المناصب القيادية محتشما جدا.
الحركة الإسلامية بفهومها العميق اعتبرت ورقة محترقة وأصبح حتى التحالف معها أو استخدامها غير مطلوب إقليميا أو دوليا ولم يعد لها ذلك التأثير المرجو في رسم السياسات العامة للدول، وأصبحت ينظر لها بأنها خطر على وجود الدولة الوطنية، التي هي مطلب ملح أن ينتهجه أي حاكم للجزائر، باعتبار الظروف الهشة التي تعيشها المنطقة العربية، التي أصبحت تبحث عن التقوقع الداخلي وعدم المجازفة بأي تحالفات قد تزج بها في صراع مصيري وجودي، وهدا الطرح مخالف لما يراه الإسلاميون عموما من أن وجود الدول الإسلامية يكون من خلال التحالف مع بعضها والوقوف الصدامي في وجه العولمة والهجمة الشاملة على الإسلام.
يجب على الإسلاميين الولادة من جديد بعد المرور بالمخاض العسير، ليبنوا صورة جديدة تماما عند الشعب، عندها ربما سيكون لوجودهم أثر ملموس، فلولا المؤتمرات التي لا يحضرها إلا مناصروهم لما شعر أحد بوجودهم.
(المصدر: ساسة بوست)