إسلامي تشادي: جهات استعمارية تؤجج الصراع الديني ببلادنا
إعداد الحسين بن عمر
في الوقت الذي تنشط فيه حملات التبشير والتنصير في أفريقيا جنوب الصحراء ولا تزال، فإن اهتمام المسلمين بتحولات المنطقة الثقافية والدينية، الإعلامي على وجه الخصوص، يبدو رغم العمق الاستراتيجي والسياسي، دون السقف المطلوب عموما. ففي حين تنشط مراكز بحث كثيرة في تناول مباحث الإسلام الحضارية وعوائق تعايش المسلمين في أوروبا والغرب عموما، فإنّه يندر أن نجد الاهتمام نفسه في تحديات المسلم المعاصر في أفريقيا جنوب الصحراء.
ولئن لم يعد خافيا الأبعاد السياسية والاستعمارية الفجة لحملات التنصير والتبشير في أفريقيا، فإنّ تخلّف الاهتمام الإعلامي العربي والإسلامي بالتحوّلات الثقافية المتسارعة في أفريقيا في ظلّ عولمة الصورة من شأنه أن يفاقم الصورة النمطية المغلوطة عن سماحة الإسلام وهديه أو المغالاة فيهما، بل إنه يفسح المجال واسعا لترسيخ النظرة المركزية الأوروبية، التي لا تزال تفكّر بعقليّة استعمارية متخلّفة والتي ترى في نفسها الأهلية دون غيرها من الأمم على إسناد معايير الحضارة والهمجية.
إن تطور الظاهرة الإرهابية في العشريتين الأخيرتين وما ترسّب في المخيلة الإعلامية الغربية من ربط لصيق بين تعاليم الإسلام وطقوسه وبين التطرّف أو التشدد، يفرض على المشتغلين في الحقلين الدعوي والإعلامي جهودا أكبر من أجل إنارة الرأي العام العربي والإسلامي بعظم الفجوة وأهمية تداركها.
في هذا الإطار، التقى الكاتب والإعلامي الحسين بن عمر، بالدكتور محمد بن محمد آدم، رئيس حزب “النهضة” التشادي المعارض، بمدينة إسطنبول وأجرى معه حوارا حصريا لـ “عربي21”.
والدكتور محمد بن محمد آدم طبيب في مجال الطب البديل، والسجين السابق لدى وكالة الاستخبارات التشادية (AGENCE SECURITE NATIONALE: ANS) بين 2004 و2006 بعد تسليمه من معتقلات الأمن الخارجي الليبي التي لبث فيها قرابة السنتين.. وذلك بتهمة تأسيسه تنظيما سياسيا غير معترف به في تشاد ومعاديا للمصالح الليبية.
الدكتور محمد بن محمد آدم سليل عائلة سياسية ودينية، فوالده الحاج محمد آدم شغل مسؤولا في اللجان الشعبية للرئيس التشادي الجنرال حسين حبري. وهو مؤلف كتاب “واقع التشاد المعاصر” و”حقوق الطفل التشادي”، إلى جانب كتب علمية أخرى في مجال الطب البديل تنتظر النشر.
نستفسر الدكتور محمد بن محمد آدم عن المشروع الفكري لحزب النهضة التشادي وعن عوائق نشر الإسلام وقيمه السمحة في أفريقيا والتعاطي الإعلامي في تشاد وفي أفريقيا جنوب الصحراء مع ظاهرة التشدد الديني ما بعد الـ11 من أيلول (سبتمبر) 2001، ومدى تأثيرها على عمل الجمعيات الخيرية الإسلامية والدعوية.
س ـ دكتور محمّد، هل من تعريف بحزب “النهضة” التشادي وخلفياته المجتمعية؟
ـ حركة النهضة التشادية حركة قومية وطنية ديمقراطية، وكما يشير قانونها الأساسي فهي حركة تسعى إلى إقامة دولة العدل والقانون وتؤمن بأن التشاد وطن للجميع وتحترم كل مكوناته الثقافية والعرقية والدينية. وتحترم الحركة المبادئ الكونية لحقوق الإنسان بما لا يتنافى والخصوصيات الثقافية لشعب التشاد.
تناصر حركة النهضة التشادية، التي تضم مسلمين وغير مسلمين (مسيحيين ولادينيين) مختلف قضايا التحرر في العالم، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. وتنادي الحركة بتحرير الشعب التشادي من التبعية الاستعمارية الفرنسية الثقافية والاقتصادية واستقلال قراره الوطني وعدم استغلال ثرواته.
تؤمن الحركة بأن الدين الإسلامي مصدر إلهام روحي ودافع تحرر وطني ضد كل أشكال الهيمنة الخارجية، كما أنها تدين كل أشكال العنف والتطرف الدّيني، وتنتصر لخطاب الاعتدال الإسلامي.
س ـ هل من تذكير لقرّاء “عربي21” بتاريخية الإسلام داخل دولة تشاد ومدى حضوره المجتمعي؟
ـ اعتنقت دولة التشاد، وقديما كانت تسمى دولة السودان الكبرى أو “مملكة كانم الإسلاميّة” (كانت تضم مملكة “دار ودّاي” ومملكة “شارباقربي”)، الإسلام منذ العام 46 للهجرة الموافقة لـ 666 ميلادية وهذا بفضل فاتح إفريقيا التابعي عقبة بن نافع. ومنذ ذلك التاريخ وإلى حين دخول الاستعمار الفرنسي سنة 1900، لم يعرف التشاد دينا غير الإسلام.
إلا أنه بدخول الاستعمار الفرنسي نشطت حملات التبشير والتنصير تحت غطاء الجمعيات الخيرية أو المساعدات الإنسانية وهو ما أعقب تغيير الخارطة الدينية لشعب التشاد المسلم. ووفق آخر تعداد رسمي للسكان في التشاد فإن الديانة الإسلامية تشمل 55 بالمائة من السكان، فيما تمثل المسيحية (الكاثوليك والأرثودكس) فقط 40 بالمائة رغم جهود التنصير الكبيرة التي وصلت حد إنفاق 3 مليارات دولار في التشاد وحدها من جملة 3.5 مليار دولار لكامل إفريقيا وذلك وفق المركز الإسلامي للملك فيصل في دولة تشاد.
وتشاد هي موطن لأكثر من 200 مجموعة عرقية ولغوية مختلفة. ولغتها الرسمية الفرنسية والعربية. ورغم أن العربية هي لغة الشارع في تشاد بما في ذلك بين السكان المسيحيين فإنّ القرار السياسي التابع لفرنسا الاستعمارية يحول منذ سنين دون انضمام التشاد إلى جامعة الدول العربية. والتشاد عضو في منظمة التعاون الإسلامي.
س ـ في عصر الصورة والرقميات، وبغض النظر عن حملات التنصير الكبيرة، ما الذي يحول دون انتشار الإسلام في تشاد؟
ـ لا شك أنّ الدول الواقعة في حزام منطقة الساحل والصحراء (تشاد ـ النيجر ـ مالي وإفريقيا الوسطى) تمر بأحداث شبه مشتعلة وتحوّلات سياسية واجتماعية متسارعة بسبب عجز أنظمتها التابعة لقوى الوصاية الفرنسية عن إدارة السلطة في بلادها وتهميش قواها الوطنية الحية والعمل على إقصائها من دائرة الفعل السياسي والمجتمعي، وعلى رأسها القوى الوطنية المسلمة.. كان لها الوقع الكبير في تضييق مساحات الفعل الاجتماعي للمسلمين كما هو الحال في “تشاد”.
الواقع الاجتماعي المذكور بدولة تشاد لا يسمح للجمعيات الدعوية والمنظمات الإنسانية الإسلامية بالعمل بأريحية عكس ما هو متوفر لجمعيات التنصير التي تحظى بكامل الدعم الأجنبي والمحلي. ومما زاد في تعقيد العمل الإنساني الإسلامي داخل تشاد ودول الساحل والصحراء هو توسع الظاهرة الإرهابية المعولمة وعمل الإعلام الغربي على ربطها بالإسلام.
س ـ في ظل توسع الظاهرة الإرهابية في العالم وربطها إعلاميا بالإسلام، كيف تقيّم الخطاب الدعوي الإسلامي؟
ـ رغم الجهود الدعوية المبذولة فإنّ حساسية الجغرافيا والتاريخ بدول شريط الساحل والصحراء ومتغيرات ما بعد 11 أيلول (سبتمبر)، فضلا عن ترابط العرقي بالديني والتعدد المذهبي والعقدي (المذهب الصوفي المتطرف [الفايدة جارية] ـ الطرق الصوفية التيجانية والمدرسة السلفية الوسطية والمدرسة السلفية المدخلية والسلفية العلمية) حالت دون إرساء خطاب دعوي فاعل، بل إنها زادت في حدّة التجاذب المذهبي والعقدي وهو ما يعطّل مسيرة الدعوة الإسلامية بتشاد. كما أن الخطاب الدعوي الإسلامي يحتاج إلى تأهيل متواصل يسمح له بمواكبة مستجدات العصر الثقافية والعلمية بما يسمح بنشر الثقافة الإسلامية السمحاء.
كما أن تواصل العلاقة التاريخية الملتبسة بين أوروبا والإسلام، والتي تختزلها علمانية فرنسا اليعقوبية المتوترة، في علاقة عدائية تمتزج فيها الكراهية بالانبهار على حدّ وصف محمد أركون، فضلا عن غلبة ما يسميها إدوارد سعيد بـ”منظومة التخييلات الأيديولوجيّة التي لم تنطلق فقط من الهيمنة والمواجهة، بل ومن منطلق الكراهية الثقافية”، كان لها الأثر المعطّل لمسيرة الدعوة الإسلامية بدول الساحل والصحراء، على وجه الخصوص بدولة تشاد.
س ـ هل من جهود لفرق البحث الإسلامي المسيحي في أفريقيا جنوب الصحراء؟
ـ هناك لقاءات متعددة ينظمها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في تشاد والجهات الكنسية في داخل تشاد وهو ما ساعد في خفض التوتر بين المسلمين والمسيحيين بل وأسهم في وجود تعايش ديني مثالي. بيد أن جهات استعمارية لا تزال تعمل على تأجيج الصراع الديني وبالذات جنوب البلاد ذات الأغلبية المسيحية. لكن وعي الشعب التشادي يحول دوما دون السقوط في المخططات الاستعمارية. وإنه لمن المؤسف أن نسجّل أن حدّة الصراع المذهبي والعقدي بين المسلمين أنفسهم هو أكثر حدة من الصراع بين المسلمين والمسيحيين. وهو ما يلقي بالمسؤولية كاملة على رجال الدعوة ومنظماتها من أجل العمل أكثر على نشر دين الوسطية والتعايش بين سكان تشاد.
س ـ أيهما أكثر انتشارا في دول الساحل وجنوب الصحراء: الخطاب الإسلامي المتشدد المبرر لما يسميه الدكتور علي صالح المولى “ثقافة النحر وحرفة قطع الرؤوس”، أم خطابات التعايش وفقه الأقليات؟
ـ رغم كل حملات التشويه للدين الإسلامي الحنيف ولرجال دعوته، في فضاء الإعلام الأوروبي ودوائر صنع القرار الرسمي وحفنة متعصّبة من الفنانين الغربيين، فضلا عن انتشار الخطاب “الإسلاموي” المتشدد، فإن خطاب التعايش الديني في دول الساحل وجنوب الصحراء هو الغالب وهذا من فضل الله وإخلاص رجال الدعوة الحنيفة.
المصدر: عربي21