مقالاتمقالات مختارة

إسلام وإلحاد!!؟ (الشيوعية)

بقلم فضيلة د. مهران ماهر عثمان

بسم الله الرحمن الرحيم
إسلام وإلحاد!!؟ (الشيوعية)

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
أما بعد؛
فهل يشكُّ عاقلٌ في أن الشيوعيةَ كفر بالله؟ وفي أنَّ مَن انتمى إليها فهو كافر؟ وماذا نقول في الذي ينتمي إليها وهو يصلي صلاتنا، ويستقبل قبلتنا؟
ثلاثة أسئلة أجيب عنها، وعن غيرها مما يتعلق بها في هذا المقال بإذن الله ..

هل الشيوعية كفر بالله؟
لما ترجمَ الإمامُ الذهبي رحمه الله لابن الفارض في سير أعلام النبلاء (22/368) قال: “صاحب الاتحاد الذي قد ملأ به التائية … فإن لم يكن في تلك القصيدة صريح الاتحاد الذي لا حيلة في وجوده فما في العالم زندقة ولا ضلال، اللهم ألهمنا التقوى، وأعذنا من الهوى، فيا أئمة الدين ألا تغضبون لله؟! فلا حول ولا قوة إلا بالله”.
وأقول: إن لم تكن الشيوعيةُ كفراً فلا كفرَ بالله, وإن لم يكن الشيوعيُّ الذي يعتقدها كافراً فليس في الأرض من كافر.
الذي يقول: “لا إله والحياة مادة. الدين أفيون الشعوب. نؤمن بثلاثة: ماركس، ولينين، واستالين، ونكفر بثلاثة: الدين، والله، والملكية الخاصة” إن لم يكن كافراً فهل يصح شيء في الأذهان بعده!؟
ورد في كتاب: فتاوى إسلامية (1/196) ما يلي: “الفكرة الشيوعية تقوم على إنكار وجود الخالق عز وجل، وتقول بمادية الحياة، وأن أصل المخلوقات هي الطبيعة، فهل معتنق المبادئ والأفكار الشيوعية من الشباب وغيرهم في عالمنا الإسلامي مرتدون، وخاصة من يعتقدون بأفكار الشيوعية؟
الجواب:
الظاهر لي أن هذا السؤال كمن يسأل هل الشمس شمس؟ وهل الليل ليل؟ وهل النهار نهار؟ فمن الذي يشكل عليه أن منكر الخالق لا يكون كافراً، مع أن هذا -أعني إنكار الخالق- ما وُجد فيما سلف من الإلحاد، وإنما وجد أخيراً، وكيف يمكن إنكار الخالق والأدلة على وجوده -جل وعلا- أجلى من الشمس؟
وكيف يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل؟
وأدلة وجود الخالق -والحمد لله- موجودة في الفِطَر والعقول، والشاهد والمحسوس، ولا ينكره إلا مكابر، بل حتى الذين أنكروه قلوبهم مطمئنة بوجوده، كما قال الله تعالى عن فرعون الذي أنكر الخالق وادعى الربوبية لنفسه، قال: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلو}. وقال جل ذكره عن موسى وهو يناظر فرعون: {لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر}… وبناء على ذلك فإنه لا شك أنَّ من أنكر الخالق فإنه مختل العقل، كما أنه لا دين عنده، وأنه كافر لا يرتاب أحد في كفره. وهذا الحكم ينطبق على المقلدين لهذا المذهب الذين عاشوا في الإسلام، لأن الإسلام ينكر هذا إنكاراً عظيماً، ولا يخفى على أحد من المسلمين بطلان هذا الفكر وهذا المذهب، وليسوا معذورين؛ لأن لديهم مَن يعلمهم، بل هم لو رجعوا إلى فطرهم ما وجدوا لهذا أصلاً “.

فإن قيل: لماذا نكفر الكافر؟
سلمنا بكفر هؤلاء.. فلماذا نكفرهم ونصدع بذلك؟
والجواب: أن الله تعالى رتب أحكاماً على هذه المسألة..
أوجب الله علينا موالاة المؤمنين..
أوجب علينا بغض ومعاداة الكافرين ..
أوجب علينا التبرء من المشركين ..
أوجب إقامة الحد على المرتدين ..
حرم زواج المؤمن من الكافرة، والكافر من المؤمنة ..
لا يجوز دفن الكافر في مقابر المسلمين ..
لا يرث مسلم كافراً، ولا كافر مسلماً..
فإذا لم يُكفر الكافر فكيف السبيل إلى إعمال هذه الأحكام؟؟
ولذا مما قرره علماؤنا رحمهم الله: أن من لم يكفر الكافر فهو كافر..
ورد إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
نريد معرفة حكم من لم يكفر الكافر.
فكان ردهم: “من ثبت كفره وجب اعتقاد كفره والحكم عليه به، وإقامة ولي الأمر حد الردة عليه إن لم يتب، ومن لم يكفر من ثبت كفره فهو كافر، إلا أن تكون له شبهة في ذلك، فلا بد من كشفها”(فتاوى اللجنة الدائمة 2/142.رقم الفتوى 6201).

فهل يوجد مسلم في صفوف هؤلاء؟
فهل يجوز انتماء المسلم إلى هذه المذاهب؟
يقول الشيخ الفوزان حفظه الله: “الانتماء إلى المذاهب الإلحادية كالشيوعية، والعلمانية، والرأسمالية، و غيرها من مذاهب الكفر، ردة عن دين الإسلام، فإنْ كانَ المنتمي إلى تلك المذاهب يدّعي الإسلام، فهذا من النفاق الأكبر، فإن المنافقين ينتمون إلى الإسلام في الظاهر، وهم مع الكفار في الباطن، كما قال تعالى فيهم: { إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا و إذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون} (البقرة: 14).
وقال تعالى: {الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين} (النساء: 141).
فهؤلاء المنافقون المخادعون؛ لكل منهم وجهان: وجهٌ يَلقى به المؤمنين، ووجه ينقلب به إلى إخوانه من الملحدين، وله لسانان: أحدُهما يقبله بظاهره المسلمون، والآخر يُترجم عن سِرّه المكنون: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون}.
قد أعرضوا عن الكتاب والسنة؛ استهزاءً بأهلهما واستحقارًا، و أبوا أن ينقادوا لحكم الوحيين؛ فرحًا بما عندهم من العلم الذي لا ينفع الاستكثار منه إلا شرًا واستكبارًا، فتراهم أبدًا بالمتمسكين بصريح الوحي يستهزئون: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} (البقرة: 15).
وقد أمر الله بالانتماء إلى المؤمنين: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} (التوبة: 119).
و هذه المذاهب الإلحادية مذاهبُ متناحرة؛ لأنها مؤسسة على الباطل، فالشيوعية تنكر وجود الخالق -سبحانه وتعالى- وتحارب الأديان السماوية، ومن يرضي لعقله أن يعيش بلا عقيدة، و ينكر البدهيات العقلية اليقينية، فيكون مُلغيًا لعقله؟ والعلمانية تنكر الأديان، وتعتمدُ على المادية التي لا موجِّهَ لها، ولا غاية لها في هذه الحياة إلا الحياة البهيمية ؟ والرأسمالية همها جمع المال من أي وجه، ولا تتقيد بحلال ولا حرام، و لا عطف ولا شفقة على الفقراء والمساكين، وقوام اقتصادها على الرِّبا الذي هو محاربة لله و لرسوله؛ والذي هو دمارُ الدول والأفراد، وامتصاصُ دماء الشعوب الفقيرة، وأي عاقل -فضلًا عمن فيه ذرة من إيمان- يرضى أن يعيش على هذه المذاهب، بلا عقل ولا دين، ولا غاية صحيحة من حياته يهدف إليها، ويُناضل من أجلها وإنما غزت هذه المذاهبُ بلاد المسلمين؛ لما غاب عن أكثريتها الدين الصحيح، وتربت على الضياع وعاشت على التبعية” (كتاب التوحيد، ص: 57-58).
وهنا يتأكد القول: إن من شروط لا إله إلا الله الكفر بالطاغوت. فهل حقق هذا من ينتمي إلى هذه المذاهب؟ اللهم لا.
قال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (البقرة: 256). وقال نبينا صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ» رواه مسلم.فهذان النصان دالان على أن من شروط لا إله إلا الله: الكفر بالطاغوت.
والطاغوت: ما تجاوز به العبد حدَّه من متبوع، أو معبود، أو مطاع، كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله، ومنه: هذه الأفكار الهدامة، لابد من الكفر بها، وهذا ما لم يحققه أتباعها.. قال ابن القيم رحمه الله: “وَالطَّاغُوتُ كُلُّ ما تَجَاوَزَ بِهِ الْعَبْدُ حَدَّهُ؛ من مَعْبُودٍ، أو مَتْبُوعٍ، أو مُطَاعٍ. فَطَاغُوتُ كل قَوْمٍ من يَتَحَاكَمُونَ إلَيْهِ غير اللَّهِ وَرَسُولِهِ، أو يَعْبُدُونَهُ من دُونِ اللَّهِ، أو يَتْبَعُونَهُ على غَيْرِ بَصِيرَةٍ من اللَّهِ، أو يُطِيعُونَهُ فِيمَا لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ طَاعَةٌ لِلَّهِ” (إعلام الموقعين: 1/50).

والكفر بهذه المذاهب الطاغوتية يتحقق بأمور ستة:
1. عدم اعتقادها.
2. اعتقاد بطلانها.
3. بغضها.
4. إعابتها وذمها.
5. معاداة أهلها.
6. تكفير من يعتقدها ويدعو الناس إليها.

ومما يجب اعتقاده: أن من ينتمي إلى هذه المذاهب لا تحل معاونته:
إن من أقبح الآثام أن يضع المؤمن يده على يد الأحزاب العلمانية، والحركات اليسارية، وقد دلت كثير من آي القرآن الكريم على تحريم ذلك وتجريم أهله، فمن ذلك :
قوله تعالى:{ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة:2). وكل من وقف على دعوات هؤلاء ومبادئهم لا يشك في أن التعاون معهم تعاون على الإثم والعدوان .
ومن أدلة التحريم جميع الأدلة التي تنادي بالبراءة من الكفر وأهله .
ومنها : { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعً} (النساء: 140). فالآية تحرم الجلوس في المكان الذي يُكفر فيه بآيات الله ويستهزأ بها . ولا أدري إذا لم تكن مجالس الأحزاب العلمانية مُتناوَلةٌ بهذه الآية فأي مجس تتناوله؟! والآية المُشار إليها في هذه الآية هي :{وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} (الأنعام: 68).
وقد توعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كل من ظاهر مبطلاً بقوله: «من أعان ظالماً ليدحض بباطله حقاً فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله» رواه الحاكم، والطبراني.
وممن لعنهم النبي صلى الله عليه وسلم : من آوى محدثاً كما في صحيح مسلم، فكيف بمن عاونه ؟!
ولا يُغتر بطرحهم لبعض البرامج التثقيفية، أو الإنسانية الخيرية، أو غير ذلك، مما يصدق عليه: باطنه فيه الرحمة، وظاهره من قبله العذاب .. لأنهم يريدون بها التدليس والتلبيس على الناس .

بقي تذكير بأهم المراجع التي تناولت هذا المذهب..
– السرطان الأحمر، د. عبد الله عزام.
– حقائق الشيوعية، نهاد الغادري.
– الشيوعية والشيوعيون في ميزان الإسلام، د. عبد الجليل شلبي.
– السراب الأكبر، أسامة عبد الله الخياط.
– المذاهب المعاصرة وموقف الإسلام منها، د. عبد الرحمن عميرة.
– حوار مع الشيوعيين في أقبية السجون، عبد الحليم خفاجي.
– لهذا نرفض الماركسية، د. عبد الرحمن البيضاني.
– الشيوعية وليدة الصهيونية، أحمد عبد الغفور عطار.
رب صل وسلم على سيدي محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

(المصدر: رابطة علماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى