كتب وبحوث

إدارة الإعلام كما ترويها السيرة النبوية.. قراءة في كتاب (1من2)

إدارة الإعلام كما ترويها السيرة النبوية.. قراءة في كتاب (1من2)

تأليف د. أسامة الأشقر

الكتاب: “الإدارة النبوية للحملات الإعلامية”
الكاتب: الدكتور أسامة الأشقر
الناشر: دار أكيول للنشر والتوزيع، تركيا، 2020

يفحص هذا الكتاب المواكبة الشعرية لأحداث السيرة النبوية بين فريقين متناقضين فكرياً وسياسياً ونتائجها ومعالجاتها، كما تفحص الأداء الإعلامي للشعر في تلك الحقبة الحساسة من تاريخ العرب والمسلمين، وتكشف عن جوانب لم يجر التركيز عليها في تناول فقه السيرة، وسلوكها الواقعي على الأرض من المنظور الإعلامي؛ وتظهر الدراسة الفقه الإعلامي الميداني للأحداث من خلال التسجيل الشعري لها، والمضامين الأساسية للمادة الإعلامية المستخدمة في الحرب الدائرة بين المسلمين وخصومهم وأعدائهم؛ ومدى الاستثمار العسكري والفكري والدعوي للشعر في إطار الدراسة الزماني والمكاني.

وتستخرج الدراسة أصول الإعلام الإسلامي الذي عاش في كنف النبي عليه الصلاة والسلام، ونما برعايته وإشرافه، من خلال نماذج تطبيقية كثيرة لم يتعامل معها فقهاء التشريع أو دارسو الإعلام، وتبيّن نتيجة ذلك الفروق الكبيرة بين المستوى النظري لمفهوم الإعلام الإسلامي الشائع لدى الدارسين اليوم، والمستوى التطبيقي والواقعي لهذا المفهوم.

وتأتي الأهمية الاستثنائية لهذه الدراسة في أنها الدراسة التطبيقية الأولى لوسيلة إعلامية في عصر يمثل أزهى عصور الإسلام، وأكثرها حضوراً واقتداءً وتأثيراً، وهو العصر النبوي، هذه الوسيلة التي لم تحظ بعناية الدارسين الإعلاميين المحترفة في تلك الحقبة المهمة.

وتكمن أهمية هذا الكتاب أيضاً في أنه يتجاوز نظرتين إعلاميتين تتناولان قراءة النصوص القديمة: نظرة الإعلام الإسلامي المتداول التي تتوقف عند بحث المشكلة الإعلامية وتحليلها والوعي بها مع تجريدها عن سياقاتها السياسية والاجتماعية في كثير من الأحيان، وهي المدرسة الأكثر انتشاراً في أدبيات الإعلام الإسلامي؛ ونظرة الحتمية القيميّة في الإعلام التي أطلقها الأكاديمي الجزائري عبد الرحمن عزي في نحو ثلاثين دراسة، والتي تنحاز إلى قيمة الخطاب، ومقدار القرب منه أو البعد عنه، في الإطار الحضاريّ العام، وليس إلى ظلاله ومقارباته مع التعاليم الإسلامية .

مشكلة البحث

كان علينا أن نفتتح دراستنا الموسعة بجملة كبيرة من الأسئلة التي شقّت لنا مسار البحث والتحليل؛ هذه الأسئلة في مجموعها شكلت لنا مشكلة البحث وقضيته التي حملها عنوان الرسالة؛ وتفرعت عنها مشكلات كانت بحاجة إلى بيان وجه الإشكال فيها، لتفكيك عقدتها بعد ذلك:

1 ـ ما حقيقة انتماء الشعر إلى منظومة الإعلام؛ وطبيعة العمل الإعلامي، ودرجة حضوره، والاهتمام به في العصر النبوي؟

2 ـ وما حقيقة الأداء الإعلامي الشعري واستخداماته في الحرب المادية والمعنوية؟

3 ـ ما مدى تأثيره في مجريات الأحداث، وحجم هذا الأداء، وحضوره؟

4 ـ ما مدى التطابق بين الخصوم (مشركين ويهودا ومنافقين) في مادة الحملة وإدارتها؟

5 ـ كيف أثرت قلة تسجيل شعر الخصوم والأعداء، وروايتهم في مصادر السيرة على دراسة الأداء الإعلامي؟

6 ـ كيف استطاع الإعلام النبوي الجمع بين مقتضيات الحملة الإعلامية الحادة المضامين، وبين المستوى الأخلاقي للتعاليم الإسلامية؟

7 ـ ما هي مبررات تجاوز المستوى الأخلاقي الشرعي في الحملة؟

8 ـ هل يمكن التدليل على وجود حملة إعلامية منظمة ذات إدارة محكمة؟

9 ـ هل هناك تجربة إعلامية إسلامية محترفة في العصر النبوي يمكن دراستها بتوسع، أم إن الأمر مجرد استخدام محدود وثانوي للإعلام بتوظيف الشعر في سياق الأحداث؟

10 ـ هل يمكن الحديث التفصيلي عن معالم الإعلامي الإسلامي وأصوله وتطبيقاته وتجربته؟

11 ـ هل يمكن القول إن مفاهيم الإعلام الإسلامي النظرية المدوّنة في كتب هذا الفن تختلف في مضامينها عن التجربة الإعلامية النبوية؟

12 ـ ما مدى نجاح فريق الحملة من خلال حملة حسان بن ثابت الشعرية في أداء مهمتها الإعلامية، وما هي مواصفات هذا النجاح، وكيفية تحقيقه؟

أهداف البحث:

1 ـ الكشف عن وظيفة الشعر في حماية الدعوة الإسلامية الأولى والدفاع عنها والتعريف بها.

2 ـ دراسة التجربة النبوية في قيادة العمل الإعلامي المنظم في معارك الإسلام الأولى.

3 ـ الكشف عن أصول الإعلام الإسلامي وتطبيقاته بعيداً عن التنظير العام غير المستند لدراسة تطبيقية وواقعية.

4 ـ تقديم تجربة إعلامية إسلامية خالصة رعتها القيادة النبوية.

أسئلة البحث:

5 ـ ما العلاقة بين الشعر والإعلام؟ 6 ـ هل كان الشعر وسيلة إعلامية حاضرة ومؤثرة؟ 7 ـ وكيف يتحول هذا الشعر إلى نمط إعلامي خاص من خلال منظومة حملة إعلامية؟ 8 ـ كيف كان يُعبَّر عن مدلول الحملة؟ وما ألفاظها الشائعة آنذاك؟ 9 ـ ما مدى الاهتمام النبوي بحملة الشعر في إدارة المعارك النبوية؟ وكيف أدار النبي صلى الله عليه وسلم الحملة الإعلامية الشعرية؟ ـ 10 من هم أعضاء الفريق الشعري في كل جبهة من جبهات الصراع؟ وما هي أبرز مميزاتهم الوظيفية في هذا المجال؟ 11 ـ ما هو المحتوى المعنوي والفني لهذه الحملات الإعلامية لدى كل فريق؟ 12 ـ ما هي الخصائص العامة للحملات الإعلامية ؟ وكيف يمكن أن تقدم لنا تصحيحاً عن مفهوم الإعلام الإسلامي الشائع؟ 13 ـوهل كانت تتجلى عناصر الحملة في قصائد حسان بن ثابت؟ وكيف نثبت ذلك؟

الإطار الزماني والمكاني لمباحث الكتاب:

الإطار المكاني للبحث هو جغرافية السيرة النبوية التي كان معظمها في مكة والمدينة وما حولهما، وفي وسط الجزيرة العربية وشمالها وجنوبها، حيث بعض السرايا والغزوات والأحداث، وهي جغرافية واسعة رافقها حسان واستوعبها في حملاته، أو بَلَغته أخبارها من نقلٍ أمينٍ صادق؛ وباعتبار مكان المرسِل أو الشاعر، فإن حسان بن ثابت أنشأ معظم أشعاره في المدينة، ولم أقف على مواضع أخرى أطلق فيها حملته بنفسه، إذ كانت إذاعة الحملة ونشرها من مهام فريق التواصل.

أما الإطار الزماني للبحث فقد كان في عصر النبوة، وتحديداً قبل هجرة النبي بنحو عامين كما سنشرح مفصلاً، واستمر حتى فتح الطائف في شوال من السنة الثامنة للهجرة، وفي داخل المكان والزمان الواسع توجد أمكنة خاصة، وأزمنة خاصة، لخطاب الحملة الإعلامي سنوضحها في خلفيات النصوص.

الإطار التطبيقي للبحث:

جرى اختيار شعر حسان بن ثابت خاصةً للدراسة الموضوعية التطبيقية لكونه الأكثر إنتاجاً شعرياً، والأكثر حضوراً في هذا المجال، والأكثر تأثيراً في المخالفين، والأكثر اهتماماً من جانب النبي صلى الله عليه وسلم بأدائه توجيهاً وتشجيعاً، كما أنه وُوجِه بحملات مضادة كثيرة من مخالفيه مقارنة بشعراء آخرين، كما أنه شاعر مخضرم ذو تجربة شعرية كبيرة في الجاهلية والإسلام مما يجعله مادة خصبة للدراسة.

وليس معنى أن تكون الدراسة تطبيقية أن يكون هدفها الوعي بالمشكلة فحسب، فإننا هنا نقف على تحليل تجربة غنية استثنائية تتجاوز في تطبيقاتها مفاهيم القيم العليا المثالية في الإعلام الإسلامي، فتنحاز إلى واقعية استثنائية اضطرارية، أي أننا إزاء نصوص معرفية تشكّل ظاهرة إعلامية كبيرة لم يَجرِ البحث فيها، تحوي صورة مختلفة كثيراً عن الصورة النمطية.

منهج البحث:

كان لابد قبل الشروع في الدراسة التطبيقية أن نتبيّن بعض المسائل الخافية في موضوع الدراسة، والتي يجب حسمها قبل أن تثير النقاش السالب لدى بعض الدارسين غير المستندين إلى بحث علمي مستفيض، إذ كان علينا أن نكشف العلاقة بين الشعر والإعلام، وأظهرنا أسباب اعتبار الشعر أنه من الجنس الإعلامي؛ ثم بيّنّا مفهوم الحملة بين القديم والحديث، وأسبابَ اعتبارنا قصائد بعينها في شعر حسان منتميةً إلى مفهوم الحملة، وتجلّيات هذا المفهوم.

تستخرج الدراسة أصول الإعلام الإسلامي الذي عاش في كنف النبي عليه الصلاة والسلام، ونما برعايته وإشرافه، من خلال نماذج تطبيقية كثيرة لم يتعامل معها فقهاء التشريع أو دارسوا الإعلام، وتبيّن نتيجة ذلك الفروق الكبيرة بين المستوى النظري لمفهوم الإعلام الإسلامي الشائع لدى الدارسين اليوم، والمستوى التطبيقي والواقعي لهذا المفهوم.

ولم يكن لنا أن ندخل في الدراسة التطبيقية قبل أن نكشف الإدارة الإعلامية للحملة في أطراف الصراع، فخصصنا الفصل الثاني لكشف جوانب الإدارة النبوية للحملات الإعلامية في الرؤية والتخطيط والتنظيم والإدارة الميدانية والتشريعات الإعلامية والحصانة الإعلامية؛ ثم كشفنا جوانب إدارة الحملة الإعلامية لدى الأطراف الأخرى، والتمثيل لجوانب الحملة وتظهير مستوياتها، وهو ما فصّلناه في الفصل الثالث؛ وقد قمنا قبل ذلك بعملية جمع واسعة لكل ما يدخل في مجال الدراسة، وتصنيفها، ثم وضع سيناريوهات البحث فيها، مراعين حقيقة قلّة المعلومات المتوفرة، والحاجة إلى تركيب سيناريوهات مقبولة تنسجم مع المعلومات المتوفرة وفق تركيب منطقي مقنع يعتمد طريقة الاستدلال المتواصل في اتجاه تصاعدي وصولاً إلى النتيجة الختامية، وهي تختلف كثيراً عن أسلوب حشد المعلومات والتعليق عليها في نقاط منفصلة مفككة لا تصل بنا إلى نتائج كلية مستقرة ومقنعة.

ولذلك استخدمت منهج الوصف والتحليل التاريخي الذي يبدأ بالجمع الغزير للمادة العلمية وتصنيفها، ثم رسم سيناريوهات افتراضية لها، ثم عزل السيناريوهات التي تبتعد عن النتائج المدوّنة والتفصيلات الداخلية، وصولاً إلى توصيف أكمل للمشهد التاريخي من جانبه الإعلامي.

ثم خصصنا الفصل الرابع والأخير للدراسة التطبيقية حيث اعتمدت الدراسةُ استقراءَ مادة الحملة الشعرية لحسان بن ثابت في حقبة الدراسة، وتصنيفها في مجموعات، ثم تحليلها بنيوياً وتعبيرياً وصولاً إلى كشف الظواهر العامة للحملة الإعلامية التي شنّها حسان على خصوم المسلمين، وهي عملية معقدة أشرنا إلى صعوبتها في عوائق الدراسة؛ وقد شرحتُ منهجية الدراسة التطبيقية باستفاضة في صدر الفصل الرابع، ولم أضعها هنا نظراً لارتباطها الوثيق بمجال التطبيق من حيث كثرة التوضيحات والبيانات والتنبيهات، بحيث لا يصلح عزلها المكانيّ.

خلال ذلك كله قمنا بعملية طويلة من التوثيق والترتيب والبناء، كان من ملامحها:

1 ـ تخريج جميع الآيات والأحاديث والآثار الواردة في الرسالة. 2 ـ نسبة كل قول أو نقل إلى مرجعه وفق المعمول به في الدراسات المشابهة. 3 ـ عرض روايات عدة للحديث الواحد إذا كانت الزيادات تضيف معاني جديدة. 4 ـ لم ألتزم ذكر اختلاف ألفاظ روايات قصائد حسان بن ثابت أو غيره، لأن ذلك مما يبعد الرسالة عن تخصصها الإعلامي، إلا إن كان ذلك الاختلاف يفيد في موضع الاستدلال، أو يضيف منظاراً إعلامياً جديداً. 5 ـ الاهتمام بعلامات الترقيم، إيماناً بدورها في خدمة المعنى المقصود، ولم ألتزمها في نصوص الشعر لخصوصية القراءة الشعرية المرتبطة بالإيقاع.

6 ـ لم أتوسع في الهوامش، فتجاهلتُ بيان كثير من الأعلام والمواضع التي لا تفيد مادة الكتاب وموضوعها مباشرة، خشية التطويل والحشو وإرهاق القارئ بما لا يضيف له إضافة جديدة في موضوع الدراسة، لاسيما أن كثيرين منهم ترجمنا لهم في مواضع خاصة؛ ولكنني أعوّض عن تراجم الأشخاص وبيان الأماكن بذكر لاحقة تعريفية أو سابقة بيانية توضّح ما ينبغي توضيحه من إيراد الاسم، ككونه صحابيّاً أو تابعياً أو خليفةً أو مؤرِّخاً أو محدّثاً أو شاعراً أو معاصِراً؛ أو كون المكان في موضع كذا أو في جهة كذا… وكثيراً ما أورد زمان وفاة العلَم إذا كان في ذكر ذلك فائدة في موضع الاستشهاد أو الإيراد.

7 ـ اعتمدتُ في شرح الكلمات الغريبة والغامضة، ولاسيما في الشعر على مراجع عديدة من كتب اللغة والأدب وشروح المحققين، لكنني تدخّلتُ كثيراً في الشرح بالاختصار، أو شرح خلفيات المعنى المراد، أو إعادة بيان المعنى بما يتناسب مع لغة عصرنا، ولم أورِد مصادر الشرح لئلا تطول الدراسة وتتضخم في غير مجالها واختصاصها.

عوائق البحث:

إن هذا البحث يطرح موضوعاً شائكاً وعميقاً وطويلاً لم تجر دراسته من قبل، وهذا ـ بحد ذاته ـ كان من التحديات الكبيرة التي أرهقت الباحث في وضع إطاره المنهجي الذي يتضمن محاور مختلفة لكونها دراسة تنظيرية وتطبيقية معاً، واشتمل البعد التنظيري على أفق فلسفي حول علاقة الشعر بالإعلام، وهو ما لم يحظ بدراسة خاصة مسبقة، ثم خصوصية الحملات داخل المفاهيم الإعلامية، حيث إن الحملة الإعلامية في تنظيراتها وتطبيقاتها تختلف كثيراً عن الأسس النظرية للإعلام العام، ثم محاولة التقارب مع مفاهيم إعلامية شائعة كالدعاية والدعوة والإعلان؛ ثم يكتب الباحثُ لأول مرة عن الإدارة النبوية للحملات الإعلامية، وهو ما استلزم طوافاً واسعاً في كتب السنة والسيرة والتاريخ والتراجم والأنساب ودواوين الشعر ومدونات الأدب، وتسجيل مئات الإشارات والمعطيات ومراجعة الروايات والزيادات فيها التي لا يكاد يجمعها جامع، ثم التأليف بينها، وجمعها في خيوط ناظمة وفق رؤية إعلامية جديدة لا مثال سابق لها، وهي العملية الأكثر عسراً في فصول الدراسة.

وتأتي الدراسة التطبيقية في المرتبة الثانية في العسر والصعوبة لضخامة المادة المدروسة، وحصرها في مجموعات متشابهة الخصائص تكفل قراءة تحليلية عميقة للمجموعات وصولاً إلى قراءة أعمق للمجموع العام؛ ويكفي أن يقال إن الدراسة التطبيقية جرى تجريب ست طرق مختلفة ومباشرة للكتابة فيها قبل الاستقرار على الشكل النهائي المعتمد.

ولا يمكن إغفال حقيقة صعوبة التعامل مع مادة البحث وهي الشعر ـ الذي هو من أرقى أنواع التعبير الإنساني ـ في مستواه اللفظي والتركيبيّ، لاسيما في حقبة الدراسة التي تعدّ من عصور الاحتجاج اللغوي وأعمدة المتن اللغوي القديم، وهو ما سبّب إرهاقاً في فهم النص الشعري ابتداءً، ولولا تخصص الباحث الأول في دراسات متن اللغة، واهتماماته التأليفية في علم اللغة والصوتيات لكانت المهمة أعسر.
كما كانت الحاجة ماسّة لعلم التاريخ في فهم الخلفيات السياسية لإدارة الحملات الإعلامية، لاسيما مع تلازم خطوط السياسة والإعلام والعمل العسكري في الأداء النبوي نحو إدارة الحملات الإعلامية؛ وقد تجاوز الباحث هذه الإشكالية من خلال اهتمامه الشخصيّ أيضاً بتاريخ الأدب المتصل اتصالاً وثيقاً بالتاريخ، بحكم تخصصه القديم وعمله أيضاً في مجال البحث التاريخي والتأليف فيه لاسيما في حقبة صدر الإسلام.

كما برزت إشكالية أخرى في منهجية اعتماد النصوص الشعرية التي سيجري عليها التطبيق الإعلامي، ولاسيما أن شعر حسان بن ثابت مجموع في ديوان ضخم كثير القصائد والمقطوعات؛ وقد أوضحنا في الفصل الرابع من هذه الدراسة المنهج الذي اعتمدنا لضمان صحة عينة التطبيق؛ ثم أتت المهمة الصعبة الثانية في إبداع منهجية دراسة تطبيقية لهذه النصوص، في ظل عدم صلاحية مناهج الدراسة المعروفة للتطبيق على العينة الكبيرة والشديدة الاختلاط؛ وسنجد شرحاً مفصلاً لهذه المنهجية في الفصل الرابع.

ومن أصعب المشكلات وهي ذات بعد نفسيّ يتعلق بالباحث أنه سيجري تركيز الضوء على مواضع في الحملة مسّت بعض الشخصيات في أعراضها بغرض كشف مضامين الحملة، وهي شخصيات أسلمت وحسن إسلامها بعد ذلك، مما قد يُفهَم منه لدى بعض الناس بأنه تغذية مذهبية وطائفية؛ وهو أمر أنفيه تماماً هنا، وأبرأ إلى الله من كل ما يمسّ بهم من تجريح؛ ولكن إيراد ذلك هو من حق المعرفة العلمية، إذ يجوز للباحث المتخصص فتح بعض الجروح المستورة بغرض الفحص والكشف والبيان، التزاماً بالحقيقة العلمية التي هي رأس مال البحث المنهجي الموضوعيّ.

وأؤكد هنا أنني لم أتعامل مع البحث من منظور فقهي، فتوصيفات البحث ونتائجه هي إعلامية محضة باستخدام أدوات ومناهج تاريخية ونقدية وإعلامية، التي قد تتفق نتائجها أو تختلف مع التنظير الفقهي؛ إذ إن إقرار هذه النتائج فقهياً له قواعد أخرى في الاستدلال والنظر والاستخراج؛ وهذا الأمر تجده واضحاً في تنظيراتي بالفصل الرابع كما في منهجي بعدم التشدد في قبول النص واعتماده وأسباب ذلك، حيث أبرزتُ قناعاتي بأن قواعد إعلال الحديث لا تطبّق على مشهور الأخبار والأشعار، وأنه من الخطأ أن نخلط معايير نقد فنٍّ ما بمعايير نقد فن آخر، ويكفينا في صحة أشعار حسان ما ارتضاه أهل الفن من علماء الأدب والشعر والتاريخ من روايته ولم يصرّحوا بردّه، أما ما صرّحوا فيه بالرد أو التشكيك فإننا نبعده لأمرين: للمنهجية العلمية التي تقتضي منا التوثّق وصحة الاستدلال، وللمسؤولية الدينية التي تفرض علينا التشدد المناسب في وضع استنتاجات تتعلق بالسيرة النبوية لاتصالها بالتشريع.

(المصدر: عربي21)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى