إحدى عشرة رسالة في الذّكرى الحادية عشرة للثّورة السورية
بقلم د.محمد خير موسى (خاص بالمنتدى)
أولًا: الثّورة السوريّة ثورة حقّ في مواجهة باطل، وثورة عدلٍ. في مواجهة ظلم، وثورة حريّة في مواجهة استعباد، وثورة كرامة في مواجهة استبداد شامل؛ ومن انتمى لها وناصرها فقد حاز شرف الانحياز إلى الحقّ والعدل والحريّة والكرامة.
ثانيًا: أخطاء الثورة وأخطاء الثّوار وأخطاء المعارضة ووجود مرتزقة في صفوف المعارضة ووجود انتهازيّين سفلة؛ كلّ ذلك لا يغيّر من حقيقة أنّ الثّورة السوريّة في وجه آل الأسد وحلفائهم هي من أعظم الثّورات التي شهدها التاريخ البشريّ المعاصر
ثالثًا: قد يكون الباطل أعلى رأسًا وأعلى صوتًا؛ لكنّ هذا لا يغيّرُ من صفة أنّه باطل، ولا يغيّر من حقيقة أنّ الحقّ أرسخُ وأثبتُ، ولا يغيّرُ من حقيقة أنّ الثّورة في وجه هذا الباطل والطّغيان عملٌ من أعظم أعمال البشر على الإطلاق.
رابعًا: من الطّبيعيّ أن يتفوّق الباطل في جولاتٍ ويغلب في معارك، ولكنّ غير الطّبيعيّ وغير المقبول على الإطلاق أن ينهزم أهل الحقّ أمام أنفسهم في ميدان الفكرة؛ فكرة الثّورة التي يتبنّونها، ويرتكسوا في ساحة الحق الذي يحملونه في قلبوهم ونفوسهم ويذودون عنه.
خامسًا: إنّ إحياء ذكرى الثّورة دون إحياء الثّورة والسّعي إلى النّفخ في جمرها يغدو نوعًا من البكاء على الأطلال الذي يتقنُه كلّ أحد، ولا يليقُ بالثّائر أن يكون فقط باكيًا على أطلال ثورته كلّما مرّت ذكراها.
سادسًا: إنَّ وضع اليد على موضع الخلل، والضّغط على موطن الألم، والولوج إلى عمق الأسباب التي أوصلت الثّورة السّوريّة إلى ما هي عليه الآن؛ هو واجب الوقت على أبناء الثّورة، فإنّ أوجب الواجبات في ذكرى الثّورة أن يسارع العقلاء في المجالات كافّة، العسكريّة والسياسية والفكريّة والشرعيّة والأخلاقيّة إلى عقد مراجعاتٍ شاملةٍ تستند إلى مكاشفاتٍ عاقلةٍ ومصارحاتٍ جريئةٍ لتشخيص الخلل ومواطنه، ولا بدّ بعد المراجعات من إعلانها وبيان نتائجها، وتحمّل المسؤوليّة عن الهزيمة بجرأة وشجاعة.
سابعًا: إنَّ “تجمُّد الّزمن” الذي يعتري العديد من الرّموز والكفاءات والقيادات الثّورية يتنافى مع روح الثّورة والعقل الثّائر، وتجمّد الزمن هو أن يتوقّف الزمن عند لحظةٍ معيّنة لا يستطيع الثّائر مغادرتها أو الخروج منها، كأن يتوقّف الزّمن عند البعض في عام 2011م فيتعاملون مع القضايا في عام 2022م بالمنطق ذاته الذي ثاروا فيه وانطلقوا فيه من قمقم الاستعباد.
ثامنًا: ليسَ ثائرًا من يكون ضدّ الاستبداد والطّغيان في سوريا لكنّه يطبّل للطّغيان والاستبداد في ساحةٍ أخرى؛ وليسَ ثائرًا من يناهض الاستبداد ثمّ يمارسُه حين يمكنه ذلك، وليسَ ثائرًا من يرهن قراره لغيرِ مصلحة ثورته، وليسَ ثائرًا من يوجّه سلاحه إلى غير صدرِ قاتليه، وليسَ ثائرًا من يبيع لسانه وقلمه للموّل.
تاسعًا: قد ينهزمُ الثّائرُ في المعركة العسكريّة، وقد يخفق في المعركة السّياسيّة، لكنّه لا يجوز على الإطلاق أن ينهزم في المعركة الأخلاقيّة، فالثّائرُ الذي ينهزمُ أمام جحافل الاستبداد والطّغيان في المعركة الأخلاقيّة، ويمارسُ من الأفعال والسّلوكيّات ما تأباه الأخلاق، ويجاري المستبدّ في منهجه السّلوكيّ؛ لا يكون ثائرًا على الإطلاق.
عاشرًا: إنّ المنهج التّحطيميّ الذي طغى على شباب الثّورة؛ فلم يُبقِ كيانًا إلّا تمّ تدميرُه، ولا رمزًا إلّا جرى تقويضه، ولا صديقًا من الأشخاص أو الكيانات إلّا سُلّطت سهام الألسنة والكلمات عليه؛ هو من أولى الأمور التي تحتاج في ذكرى الثّورة التوقّف معها وإعادة التّعامل معها بكثيرٍ من الرّشد والوعي.
حادي عشر: العودةُ إلى الله تعالى، والالتجاء إليه، والتّجلبب بجلباب العبوديّة له وحده، والاعتقاد أنّه هو النّاصر وحده، لا الدّول الدّاعمة ولا السّواعد المقاتلة؛ هو أوّل وأوسط وآخر ما ينبغي على الثّائر أن يعتقده وأن يفعله في أحواله كلّها، وفي الذّكرى الثّورة لا بدّ من التأكيد على هذا المعنى الذي يغيب في زحام الشّعارات والكلمات.