هل هناك وسيلة تواصل نتلقى منها كمًّا من المعلومات والأخبار والمقاطع تتفوق على الوتساب؟ لا أظن ذلك! بالنسبة لبعضنا على الأقل!
صارت رسائل الوتساب المصدر الأسرع في إبلاغنا بما يدور في مجتمعنا، وبأحداث العالم، وبالتحليلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، إضافة إلى المقاطع الوعظية والتوعوية والتحذيرية والطريفة والغريبة وغيرها. هذا كله خلاف النقاشات وتبادل الآراء والأخبار الخاصة في المجموعات العائلية وبين الأصدقاء أو الزملاء والمتخصصين.
من المعلوم أن هناك فوائد كثيرة وجمّة للوتساب، حيث قلّل الحاجة لكثير من الاتصالات الهاتفية، ويسّر تناقل المعلومات المهمة بين الناس، وصار وسيلة مناسبة لتداول الرأي بين مجموعة محددة حول قرار ما، إلى غير ذلك من الفوائد التي لا يتسع المجال لحصرها. ولكن -في المقابل- ظهرت سلبيات كثيرة لمثل هذا التطبيق، السبب فيها هو في الغالب طريقتنا في التعامل معه في المقام الأول.
ولعل من السلبيات التي ترتبط بأنماط التعامل مع هذا التطبيق أسلوب “انشر تؤجر” والتي يرى “كل” مقطع مرئي أو صوتي أو نصي (توصف أحياناً بالصكوك بسبب طولها) فرصة لنشر الفائدة بين من يوجد في قائمة الاتصال لديهم. أحياناً، يرسل هؤلاء الحريصون ما يصلهم دون تثبت أو تأكد من دقة المضمون، وخاصة ما يتعلق بالأحاديث الضعيفة أو المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبعضهم لا يكتفي بإرسال المادة، بل يستحلفك بالله ألا تدع اسماً في قائمة الاتصال لديك إلا وأرسلتها إليهم. آخرون يلجؤون للتهديد غير المباشر بالدعاء عليك إن لم ترسلها، قائلين “الله لا يسامحك إن لم تنشرها”. وهناك أساليب أخرى عديدة تتجدد من حين لآخر!
ومع أن نشر الخير والفائدة مطلوب، إلا أن الإكثار منها يؤدي في الغالب إلى عكس المقصود، فيصبح الناس أقل حرصاً على الاطلاع على تلك المقاطع، فضلاً عن الاستفادة منها. ولعلنا نستحضر قول الصحابي عن الرسول صلى الله عليه وسلم إنه كان “يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهية السآمة علينا”، فقد يكون الأجر أعظم في انتقاء المميز والمفيد، وإن كان قليلاً.
وهناك فئة أخرى يغلب على رسائلها التحذيرات، فمرة يحذر من ذلك المطعم، وأخرى من بعض المأكولات أو المشروبات، ومرة ثالثة يشحن رسالته بالتحذير من العمالة من جنسية معينة. ثم يندفع محذّراً ومُهوّلاً من مؤامرة دولية نُذرها لن تُبقي ولن تذر! يغلب على رسائل هذه الفئة “التنكيد” على مستقبِلي رسائلهم، فتجدها خالية من التفاؤل، مغرقة في التشاؤم، لا تصيب من يستقبلها إلا بالضيق وتكدير المزاج! وكأنهم قطعوا على أنفسهم عهداً أن يتابعوا الأخبار المزعجة والسلبية لإيصالها إليك!
أما الفئة التالية فهي التي لا تترك خبراً طبياً، سواء كان من مصدر موثوق أو من تجربة شخصية، إلا وأرسله لكل من يوجد لديه في القائمة، دون تثبت حول صحة ما تتضمنه رسائله! فتارة يرسل لك علاجاً لمرض السكري، ومرة لعلاج الروماتيزم، وأخرى لعلاج السرطان، وتستمر القائمة، هذا غير العلاجات التي تفيد الجسم وتنقيه من السموم وتنشط عمل القلب والرئتين والكبد والكلى! والمشكلة أن معظم هذه الأخبار إما تجارب شخصية محدودة، يلعب فيها توهمُ الشفاء دوراً كبيراً، أو أنها دعايات تروج لمعالجين شعبيين غالباً غير مرخصين، كبعض الحجامين الذين يتكئون على كونها سُنة نبوية؛ فيعطون وعوداً بعلاج الأمراض جميعها مستشهدين بنجاحات منقطعة النظير، لأُنَاس عالجوهم فانتقلوا من كراسي الإعاقة إلى السير على أقدامهم مباشرة بعد معالجتهم! وأحياناً تكون أخباراً مختلقة من الأصل لأغراض مختلفة تتنوع حسب توجهات الأشخاص الذين قاموا بإطلاقها ابتداءً!
وهناك من يعشقون الأخبار الغريبة ولا يهتمون بمدى صدقها من كذبها، حتى وإن كانت شواهد الزيف ظاهرة فيها. بل تجدهم يتحمسون لها وكأنها تمثلهم شخصياً. ولعل أطرف مثال عليها ما وصل كثيرين منا محذراً من الكتشب، زاعماً أنه يحتوي على الكوكايين! وغاب عن أذهانهم أن سعر الكوكايين أغلى من أن يوضع في قارورة سعرها بضعة ريالات!
ومن إشكالات بعض الوتسابيين أولئك الذين يعشقون إنشاء المجموعات، وإضافة أشخاص إليها دون استئذانهم. بل ربما أضافوك إلى عدد من المجموعات المتشابهة، بحيث تصلك المادة نفسها بضع مرات يومياً، من الشخص نفسه، ولكن في مجموعات مختلفة، ويزيدون على ذلك بأن يبعثوها لك مباشرة! ولا يكلف هؤلاء أنفسهم بإنشاء قائمة يتجنبون فيها التكرار، بل وكأنهم يتمثلون المثل القائل “زيادة الخير خيرين”، وربما خيرات أكثر! لذلك لم أعد أستغرب أن أجد أحدهم وقد كتب في الحالة (الرسائل الجماعية سبب للحظر)! بل وصل الأمر ببعض الناس أن ألغى الوتساب تماماً من هاتفه، رغبة في التخلص من تلك السلبيات التي لم يعد قادراً على تحملها!
(موقع تواصل)