مقالاتمقالات مختارة

أيها الحكام أين أنتم من سيرة سلفكم في رفع المعاناة عن الأمة؟!

أيها الحكام، أين أنتم من سيرة سلفكم، في رفع المعاناة عن الأمة؟!

 

بقلم فضيلة البروفيسور/ الأمين الحاج محمد ( رئيس رابطة علماء المسلمين )

 

الحاكم في الإسلام له وظيفتان أساسيتان هما:
1. التمكين للدين وحمايته، وتطبيق شرعة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.
2. وصلاح أمر الرعية؛ بتأمينهم وإقامة العدل بينهم، ورفع الظلم والمعاناة عنهم، ونصحهم وإرشادهم، وعدم غشهم.
قال تعالى: “الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وللهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ” [سورة الحج: 41.]. وقال: “إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ” [سورة النحل: 90.].
وقال صلى الله عليه وسلم: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته: الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته…” الحديث [متفق عليه، مسلم رقم: [1829].].
وعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة” [متفق عليه، مسلم جـ3/1460.].
وعن أبي مريم الأزدي رضي الله عنه أنه قال لمعاوية رضي الله عنه: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من ولاه الله شيئاً من أمور المسلمين، فاحتجب دون حاجتهم وخَلـَتهم وفقرهم، احتجب الله دون حاجته وخَـلَّته يوم القيامة”. فجعل معاوية رجلاً على حوائج الناس) [أبو داود رقم: [2948] والترمذي رقم: [1332] وقال محقق رياض الصالحين ص240: وإسناده صحيح.].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: “اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشفق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرق بهم فارفق به” [مسلم رقم: [1828]].
وعن عائذ بن عمرورضي الله عنه أنه دخل على الطاغية عبيد الله بن زياد لا رحمه الله، فقال له: أي بني، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن شر الرعاء الحطمة” [مسلم رقم: [1830].]. فإياك أن تكون منهم.
الرعاء: جمع راع، والحطمة: العنيف برعيته بدرجة قد تؤدي إلى هلاكها، وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك مثلاً لحاكم السوء، القاسي القلب، الظالم الباغي الذي نزعت الرحمة من قلبه.
فويل لهؤلاء الطغاة، وويل لبطانة السوء المحيطة بهم.
النموذج الذي نود أن نُذَكِّرَ به ليس من الخلفاء الراشدين والأئمة المهتدين الخمسة، فسيرة أؤلئك الأخيار دونها ودون الكثير من الحكام الأخيار دعك عن الطغاة الشرار خرق القتاد.
إنما نموذجنا الذي نريد أن نقارن بين سيرته وسيرة حكام اليوم، في رفع المعاناة عن الرعية ورفع راية الجهاد، والعناية بأمر الدين، هو الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك [توفي سنة 96هـ وكان عمره أربعاً وأربعين سنة تقريباً.] رحمه الله الذي كان من أفضل خلفاء بني أمية في هذا الشأن. كما روى ابن جرير عن ابن المدائني: (كان الوليد بن عبدالملك عند أهل الشام أفضل خلفائهم).
ثم سرد أعماله الجليلة لا سيما فيما يتعلق برفع المعاناة عن الرعية.
إليك ملخصها كما نقلها الحافظ ابن كثير رحمه الله عنه في البداية والنهاية [المجلد الخامس جـ9/164 ـ 166.]:
أولاً: عنايته بدور العبادة، المساجد:
1. وسع المسجد النبوي الشريف وأدخل الحجرة النبوية فيه 84هـ.
2. بنى الجامع الأموي بدمشق الذي لم يكن له في الدنيا نظير.
3. بنى صخرة بيت المقدس وعقد عليها القبة.
4. ووضع للمساجد المنائر.
ثانياً: عنايته برفع المعاناة عن الرعية، وتفقد أحوالهم:
1. أعطى الناس وأنفق عليهم، ووسع عليهم، وخص أصحاب الأعذار بمزيد عناية.
2. أعطى المجذومين، وقال لهم: لا تسألوا الناس.
3. أعطى كل مقعد خادماً.
4. أعطى كل ضرير قائداً.
5. كان يبر حملة القرآن، ويكرمهم، ويقضي ديونهم.
6. كان يمر على البقال، فيأخذ حزمة البقل بيده ويقول: بكم تبيع هذه؟ فيقول: بِفَلـْس، فيقول له: زد فيها فإنك تربح.
ثالثاً: عنايته واهتمامه بالفتوحات، وتوسيع رقعة الدولة المسلمة
1. قام بفتوحات كثيرة عظاماً، وكان يرسل بنيه في كل غزوة لبلاد الروم؛ كان لبني أمية غزوتان لتهديد الروم وإرهابهم، إحداهما في الصيف وتسمى الصائفة، والثانية في الشتاء وتسمى الشاتية.
2. فتح الهند، والسند، والأندلس.
3. توغلت جيوشه في وسط آسيا حتى وصلت إلى الصين وغيرها.
الناس على دين ملوكهم
• كانت همة الوليد في البناء كما قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: وكان الناس كذلك، يلقى الرجل الرجل، فيقول: ماذا بنيت؟ ماذا عمرت؟
• وكانت همة أخيه سليمان في النساء. وكان الناس كذلك. يلقى الرجل الرجل فيقول: كم تزوجت؟ ماذا عندك من السراري؟
• وكانت همة عمر بن عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ في قراءة القرآن وفي الصلاة، وفي العبادة، وكل الناس كذلك، يلقى الرجل الرجل فيقول: كم وردك، كم تقرأ كل يوم، ماذا صليت البارحة؟
والناس يقولون: الناس على دين ملوكهم: إن كان خماراً كثر الخمر، وإن كان لوطياً فكذلك، وإن كان شحيحاً حريصاً كان الناس كذلك، وإن كان جواداً كريماً شجاعاً كان الناس كذلك. وإن كان طماعاً ظلوماً غشوماً فكذلك وإن كان ذا دين وتقوى وبر وإحسان كان الناس كذلك. وهذا يوجد في بعض الناس وبعض الأشخاص، والله أعلم) [المصدر السابق.].
اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا ذا الجلال والإكرام، ربنا لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا يا أرحم الراحمين. وصلى الله وسلم على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه والتابعين.

 

 

(المصدر: رابطة علماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى