مقالاتمقالات مختارة

أين فصائلنا من طالبان، ومن منظمة التحرير الفلسطينية، ومن حماس والجهاد؟ 1من 2

أين فصائلنا من طالبان، ومن منظمة التحرير الفلسطينية، ومن حماس والجهاد؟ 1من 2

بقلم أ. د. عبد المجيد الحميدي الويس

تأسست منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1969م، على يد مجموعة من الشباب الفلسطيني الثائر .. وعلى الرغم من محاولة بعض الأنظمة العربية تمزيقها بفصائل تابعة لها، ومرتبطة فيها ماليا وأيديولوجيا، ومن تصارعها أحيانا، وقد نجحت في بعض الأحيان، لكنها فشلت في المحصلة، ولقد حاولت بعض الأنظمة العربية العميلة القضاء على المنظمة بتوجيه صهيوني أمريكي بعد أن شبت عن الطوق، وبدعم مالي خليجي، تمثل في مجازر أيلول الأسود على يد الملك حسين، وتل الزعتر على يد حافظ الأسد، إلا أن شخصية عرفات ووعي قادة الفصائل، ووجود شخصيات وطنية مثقفة واعية مؤمنة، كانت أقوى من كل تلك المحاولات.

      ومع ظهور منظمة حماس والجهاد، وتبنيهم الخط الإسلامي، إلا أن عرفات استطاع أن يبني علاقة متميزة مع أحمد ياسين، ومع قادتها الآخرين، ولم يستطيعوا اختراق منظمة التحرير وتدميرها إلا بعد أن قتلوا خيرة قادتها الأوائل، كأبو جهاد، وأبو إياد، وأخيرا ياسر عرفات، ومن جهة أخرى قتل الصهاينة أحمد ياسين ويحيى عياش وعبد العزيز الرنتيسي.

      عندها استطاع أبو مازن وعصابة أوسلو من تمرير مخططهم في تفتيت المنظمة، وإنهاء قوة فتح السياسية والعسكرية والمالية التي بناها عرفات بحنكة وذكاء، وقادها بشجاعة وحكمة.

      وبالمقابل استلام قيادة حماس من المتشيعين هنية وشلح، ومع ذلك مازالت قواعد حماس وبقية قادتها تمسك بزمام الأمور في غزة، ولا سيما الورقة العسكرية والسياسية، بعد أن طردت شلة عباس منها، وضبطت أمن القطاع وفصائله، ومكنت لنفسها فيه..

      وكل محاولات عباس بدعم صهيوني عربي له، وضغط منهم على شعب غزة، وفصائل غزة لعودة شلة عباس إليها، ضغطا وصل حد الحصار والقصف والقتل والتدمير وعدم الاعتراف، إلا أن المفاوضات بين فتح وحماس كانت تفشل في كل مرة، لأن حماس تريد سحب البساط من تحت عباس بإصلاح المنظمة ودخولها هي والجهاد فيها، وهي تعي ما يريد عباس ومن يقف خلفه في العودة إلى غزة، وتنفيذ مخططهم الخياني فيها، واختراقها من الداخل..

      أبو مازن وعصابته يعلم أن دخول حماس والجهاد وتغيير تركيبة المنظمة، وإجراء انتخابات حرة ديمقراطية في الضفة وغزة قد يعيد فوز حماس، وينهي وجوده ووجود عصابته وسلطته العميلة للصهاينة اليهود والعرب، وهذا ما تخافه إسرائيل ومصر والأردن، ومن خلفهم أنظمة الدعم المالي الخليجي المتصهين.

     على الرغم من كل ذلك، مازال الفلسطينيون يتمسكون بالحد الأدنى من التنسيق خارج غزة، والحد الأعلى من التنسيق داخل غزة، والأهم من كل ذلك أنهم مازالوا يمسكون بالورقة الفلسطينية، والقرار الفلسطيني، والسلاح الفلسطيني في غزة، وهم من يقرر السلم والحرب، على الرغم من ربطهم بإيران، وتقديم المال العربي الخليجي لهم عن طريق إيران.

      وقد استطاعوا في الحرب الأخيرة أن يجبروا السيسي ربيب الصهيونية وابنها البار الذي كان جعل اتصال مرسي بغزة جريمة استوجبت قتله، جعلته حماس يركع خانعا ويتوسط لإنقاذ الكيان الصهيوني من الانهيار، بعد أن غطت صواريخها كل أرض فلسطين المحتلة، معلنة تحريرها من المغتصب الصهيوني..

     هذه الصواريخ الفلسطينية جعلت السيسي يتدخل شخصيا لوقف إطلاق الصواريخ، ويرسل مدير مخابراته للوساطة، ومازالت المفاوضات جارية، وستفرض غزة وحماس شروطها، بغض النظر عن تصريحات قادة حماس المخزية تجاه سليماني، ونفاقهم الرخيص تجاه إيران.

     أما ما حصل في إفغانستان وطالبان فعلى الرغم من التدخل الأمريكي العسكري السافر، واستخدام آلة البطش والتدمير الغاشمة، والحصار المالي والسياسي والعسكري، ومقتل أسامة بن لادن، وبعض قادتها الكبار، ووفاة الملا عمر، إلا أن حركة طالبان استطاعت أن تحافظ على قوتها ووحدتها وتماسكها واستقلال قرارها السياسي والعسكري والمالي، بعد أن أزاحتها القوات الأمريكية عن السلطة في كابل، ونصبت الكرزايات الأمريكية مكانها.

       ظلت حركة طالبان تقاوم ببسالة وشجاعة، وتخوض حرب عصابات ناجحة، حتى أجبرت الأمريكان من الركوع، وتوسيط قطر للتفاوض معها، واستطاعوا بقوتهم العسكرية، وتماسكهم السياسي، وتمسكهم بقرارهم وثوابتهم، من إذلال أمريكا وهزيمتها، وتخليها عن عملائها وكرزاياتها، وعقد اتفاق مع طالبان بانسحاب قواتها، وعودتها إلى الحكم ظافرة، مع حفظ ماء الوجه لأمريكا، والتخلص من عملائها بطريقة سلسة، ومزاولة الحكم مرة أخرى كدولة ذات سيادة, وكسلطة حرة معترف بها عالميا ودوليا وأمميا.

     ما فعلته فصائلنا المقاتلة بثورتنا العربية السورية المباركة، وبشعبنا الثائر البطل كان مهزلة المهازل بكل أسف، وقدموا أسوأ نموذج ثوري عرفته البشرية منذ وجودها إلى اليوم حتى تجاوزوا ملوك الطوائف في الأندلس، وأمراء الإقطاعات في عصر الصليبيين وصلاح الدين، وأفسدوا كل فضيلة سبقت، وشوهوا الصورة الوردية الجميلة الرائعة التي رسمها شعبنا الثائر، وثواره الأبطال على مدى سنوات عديدة خلت، بدماء ملايين الشهداء والجرحى والمغيبين، ودموع الثكالى والمشردين والمهجرين والمهاجرين.

      لقد استطاعت دول النفط الخليجية المتصهينة، اختراق ثورتنا بأموالها، ونفوذها، وشراء قادة فصائلنا ومعارضتنا بخداعها والاحتيال عليها، حيث أظهرت لها أنها تدعمها لإسقاط بشار الأسد، وهي بالحقيقة تشتريها، وتنصب عملاءها عليها، وتبعد القادة الشرفاء منها، لتصادر قرارها، وتعمل من خلالها على تمزيق الثورة، وقتل الثوار الشرفاء، وإبعاد السياسيين الأحرار، وتمكن للجهلة والمتخلفين والانتهازيين والسفلة الذين لم يكن همهم سوى تحقيق ذاتهم المسخ، وبناء مجد شخصي منتفخ، وجمع ثروة مالية كبيرة، تبعد عنهم شبح الجوع والحرمان والفقر الذي صوص في بطونهم، وتبني لهم قوة عسكرية تصنع منهم أمراء حرب، ورجال عصابات قتل وجريمة منظمة، وتشبع في نفوسهم شهوة الانتقام، والتخلص من عقدة الذل التي كانوا يعيشونها، وعقدة الانتقام التي يعانون منها، ويفرغونها في أقرب الناس إليهم.

   نسوا الثورة، وتخلصوا من الثوار، وأذلوا الشعب الثائر، ورهنوا أنفسهم للخارج يعبث بهم ويلهو، ويجرهم صاغرين إلى حيث يريد، ويوقعون على ما يقرره ويمليه عليهم بما تقتضيه مصلحته فقط دون الرجوع إليهم، ويوقعون على اتفاقات يبقونها سرية حتى لا تفضح عمالتهم وخيانتهم.

   طاردوا القادة الشرفاء وصفّوهم، وقدموا ويقدمون الجنود للمحرقة في القتال العبثي الوهمي أحيانا، وأحيانا أخرى بمعارك متفق عليها مع أسيادهم وأولياء أمورهم ونعمتهم، أو مع النظام نفسه، ومن يقف معه عن طريق طرف ثالث.

    ثم ما لبثوا بعد أن استقرت الجبهات بالاتفاق مع الأطراف الإقليمية والدولية التي ترعى تدمير الثورة السورية وقتل الثوار، والتمكين لهم في الأرض السورية، والتحكم بالبلد وثرواته وممتلكاته وقراره السياسي والعسكري والأمني والأهلي، ثم ما لبثوا أن تحولوا إلى مرتزقة يقاتلون خارج الحدود بالأجرة، وأحيانا يقاتلون إخوانهم السوريين الذين أرسلهم الطرف الآخر مجبرين للقتال على نفس الجبهات، حين توقفت آلة القتل في سورية، لمصلحة الأطراف المتحكمة بالورقة السورية التي فقدها النظام والمعارضة والفصائل المرتزقة على السواء، ليقتتلوا ويقتلوا بعضهم بعضا خارج سورية..

(المصدر: رسالة بوست)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى