أوجه الشبه بين أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام وخاتمهم محمد ﷺ
بقلم د. علي الصلابي (خاص بالمنتدى)
كم يشدك القرب بين إبراهيم الخليل وابنه خاتم النبيين رسول الله محمد صلّى الله عليه وسلّم، إنه قُرب لصيق برغم آماد الزمان، وأبعاد المكان، حتى لكأنهما الأبوة المباشرة القريبة، ولذا يتلقى إبراهيم ابنه محمداً في منازل الملأ الأعلى ليلة الإسراء والمعراج بترحاب الآباء بالأبناء قائلاً: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح، وعند التأمل في سيرة إبراهيم ومحمد عليهما الصّلاة والسّلام، نجد هذا التشابه والتوافق في مشاهد عظيمة، نذكر منها:
- النشأة:
كان إبراهيم – عليه السّلام- راشداً منذ نشأته الأولى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ} و {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، فلم يكن إبراهيم مشركاً ولا متحيراً في أي مرحلة في حياته. وكذلك كان النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلم يؤثر عنه قبل النبوة أنه عبَد صنماً أو شارك في وثنية.
- التفكر في ملكوت الله:
فتح الله لإبراهيم – عليه السّلام- آفاق التفكر في آياته الكونية {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}. وكذلك الرسول صلّى الله عليه وسلّم يتحنث في غار حراء تفكراً في آيات الله الكونية.
- عداوة الأقارب:
واجه إبراهيم – عليه السّلام- الخصومة الشديدة من داخل أسرته مع أبيه آزر، سواء قلنا إن آزر كان أباه أو عمه، {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}.
وكذلك واجه الرسول صلّى الله عليه وسلّم الخصومة الدينية من عمه أبي لهب، ونزل القرآن يحكي هذه الخصومة، ولم يُعيَن أحد من المشركين في القرآن إلا أبا لهب.
- استغفار إبراهيم لأبيه:
استغفر إبراهيم – عليه السّلام- لأبيه فنُهي عن ذلك {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ}.
واستغفر النبي صلّى الله عليه وسلّم لعمه أبي طالب فقال: “لأستغفرن لك ما لم أنه عنك”، فأنزل الله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى}.
- إبراهيم والقرابة المؤمنة:
آمن مع إبراهيم ابن أخيه لوطاً – عليهما السّلام- وهاجر معه {فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}. وآمن مع محمد ابن عمه علي وهاجر وجاهد معه وقال له: “أما تَرْضَى أنْ تَكُونَ مِنِّي بمَنْزِلَةِ هَارُونَ، مِن مُوسَى”.
- إبراهيم وبناء الكعبة:
بنى إبراهيم – عليه السّلام- الكعبة ورفع قواعدها: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ}، وأذّن في الناس بالحج: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}.
وكذلك الرسول صلّى الله عليه وسلّم شارك في بناء الكعبة حين بنتها قريش ثم كان على يديها تطهيرها من أرجاس الجاهلية وشعائرها الوثنية، وإعادتها إلى ما كانت عليه حين بناها أبوه إبراهيم، فأرسل نداءه في الناس سنة تسع: “ألا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان”، ونادى في حجة الوداع: “كونوا على مَشاعرِكُم، فإنَّكمُ اليومَ على إِرثٍ، من إرثِ إبراهيمَ”، فالكعبة نسب بين محمد وأبيه إبراهيم كنسب الأبوة.
- قيادة البشرية:
كان إبراهيم – عليه السّلام- إماماً للناس كلهم، جيله والأجيال من بعده: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}.
وكذلك كان محمداً صلّى الله عليه وسلّم رسول الله إلى الناس جميعاً: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}.
- الهجرة:
هاجر إبراهيم – عليه السّلام- من العراق وترك بلده وقومه وقال: {إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، فانتقل إلى الشام وتوفي بها. وكذلك الرسول صلّى الله عليه وسلّم هاجر من بلده مكة المكرمة إلى المدينة المنورة وتوفي بها.
- الرحمة العامة:
مع أن قوم إبراهيم – عليه السّلام- حاولوا إحراقه بالنار، فاعتزلهم وهاجر عنهم، لكنه لم يدع عليهم، وعندما جاءته الملائكة تبشره بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب – عليهما السّلام- لم يشغله فرحه بالذرية على الكبر أن يجادلهم في قوم لوط ويستدفع عنهم العذاب {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ}.
وكذلك الرسول صلّى الله عليه وسلّم لما عرَض عليه ملك الجبال أن يطبق على أهل مكة المكرمة جبليها الأخشبين ويدفنهم تحت أحجارها، استدفع عنهم العذاب وقال: “بل أرجو أن يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصلابِهِم مَن يعبدُ اللَّهَ، لا يشرِكُ بِهِ شيئًا”.
- الصلاة الإبراهيمية:
أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أمته أن تسأل الله صلاته وبركته عليه وعلى آله كما صلى وبارك على إبراهيم وآله، فقال: “قُولوا: اللَّهُمَّ صَلِّ علَى مُحَمَّدٍ وعلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كما صَلَّيْتَ علَى إبْرَاهِيمَ، وعلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ علَى مُحَمَّدٍ وعلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كما بَارَكْتَ علَى إبْرَاهِيمَ، وعلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ”.
- حرم إبراهيم وحرم محمد:
حرّم إبراهيم – عليه السّلام- مكة، وحرّم محمد صلّى الله عليه وسلّم المدينة، قال صلّى الله عليه وسلّم: “اللهم إنَّ إبراهيمَ حرَّم مكةَ فجعلَها حرامًا، وإني حرّمتُ المدينةَ ما بين مأْزَمَيْها”.
- الدعاء بالبركة:
دعا إبراهيم – عليه السّلام- لأهل مكة بالبركة، في قوله تعالى: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}.
ودعا الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالبركة المضاعفة للمدينة فقال: “اللهم إن إبراهيم كان عبدك وخليلك دعا لأهل مكة بالبركة، وأنا محمد عبدك ورسولك أدعوكَ لأهل المدينة أن تبارك لهم في مُدّهم وصاعِهم مِثلَي ما باركت لأهل مكة، مع البركة بركتين”.
- حفظ الله لهما:
حاول قوم إبراهيم – عليه السّلام- قتله بالإحراق فأنجاه الله منهم {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98)}.
وكذلك الرسول صلّى الله عليه وسلّم حاول المشركون قتله فأنجاه الله من مكرهم {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.
- النسب المصريّ:
تَسَّرى إبراهيم – عليه السّلام- بهاجر المصرية وولد له منها إسماعيل- عليه السّلام-، وتسرّى محمد صلّى الله عليه وسلّم بمارية المصرية، وولد له منها إبراهيم- عليه السّلام-.
- فتح آفاق التساؤل:
فتح إبراهيم ومحمد آفاق التساؤل والتفكير من غير حجر على العقل، فكان إبراهيم – عليه السّلام- سائلاً ومحمد صلّى الله عليه وسلّم مجيباً.
فإبراهيم – عليه السّلام- يسأل: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}.
ومحمد صلّى الله عليه وسلّم يتلقى السؤال: “إنِّي سائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ في المَسْأَلَةِ، فلا تَجِدْ عَلَيَّ في نَفْسِكَ؟ فيجيبه برحابة وترحاب: “سَلْ عَمَّا بَدا لكَ”.
- حسبنا الله ونعم الوكيل:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: حَسْبُنَا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ، قالَهَا إبْرَاهِيمُ عليه السَّلَامُ حِينَ أُلْقِيَ في النَّارِ، وقالَهَا مُحَمَّدٌ صلّى الله عليه وسلّم حِينَ قالوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}.
- الهيئة والشبه:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أشبه الناس بأبيه إبراهيم- عليه السّلام-، وقد وصف صلّى الله عليه وسلّم الأنبياء الذين رآهم فقال: “رَأَيْتُ مُوسَى: وإذَا هو رَجُلٌ ضَرْبٌ رَجِلٌ، كَأنَّهُ مِن رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيْتُ عِيسَى، فَإِذَا هو رَجُلٌ رَبْعَةٌ أَحْمَرُ، كَأنَّما خَرَجَ مِن دِيمَاسٍ، وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ صلّى الله عليه وسلّم بِهِ”. وقال صلّى الله عليه وسلّم: ” أمَّا إبْراهِيمُ فانْظُرُوا إلى صاحِبِكُمْ”.
وعن ابن عباس: ” أَنَّ قُرَيْشًا، أَتَوُا امْرَأَةً كَاهِنَةً فَقَالُوا لَهَا أَخْبِرِينَا أَشْبَهَنَا أَثَرًا بِصَاحِبِ الْمَقَامِ . فَقَالَتْ إِنْ أَنْتُمْ جَرَرْتُمْ كِسَاءً عَلَى هَذِهِ السِّهْلَةِ ثُمَّ مَشَيْتُمْ عَلَيْهَا أَنْبَأْتُكُمْ . قَالَ فَجَرُّوا كِسَاءً ثُمَّ مَشَى النَّاسُ عَلَيْهَا فَأَبْصَرَتْ أَثَرَ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم . فَقَالَتْ هَذَا أَقْرَبُكُمْ إِلَيْهِ شَبَهًا . ثُمَّ مَكَثُوا بَعْدَ ذَلِكَ عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صلّى الله عليه وسلّم.
ولهذه القربى وهذا التوافق نرى الحب والقرب بين محمد صلّى الله عليه وسلّم وأبيه إبراهيم، ولذا سمى ابنه إبراهيم باسم أبيه إبراهيم، فقال مبشراً أصحابه: “وُلِدَ ليَ اللَّيلةَ غُلامٌ، فسَمَّيْتُه باسمِ أبي إبراهيمَ”.
وكانت عائشة تحلف حيناً بربِّ إبراهيم- عليه السّلام-، وحيناً تحلف برب محمد، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “إنِّي لَأَعْرِفُ غَضَبَكِ ورِضَاكِ قالَتْ: قُلتُ: وكيفَ تَعْرِفُ ذَاكَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: إنَّكِ إذَا كُنْتِ رَاضِيَةً قُلْتِ: بَلَى ورَبِّ مُحَمَّدٍ، وإذَا كُنْتِ سَاخِطَةً قُلْتِ: لا ورَبِّ إبْرَاهِيمَ قالَتْ: قُلتُ: أجَلْ، لَسْتُ أُهَاجِرُ إلَّا اسْمَكَ”.
إنها لا تهجر اسمه إلا إلى اسم أبيه إبراهيم- عليه السّلام-، وهو ما تعلم أنه يشعره بغضبها ولا بغضبه، فمحمد صلّى الله عليه وسلّم هو الأقرب إلى إبراهيم وهو الأولى بإبراهيم عليه السّلام.
- الملَّة الإبراهيميّة
أولى الناس بإبراهيم – عليه السّلام- محمد صلّى الله عليه وسلّم والذين اتبعوه {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}. فهو صلّى الله عليه وسلّم الذي أعاد لملة إبراهيم جِدّتها ونقاءها، وطهّرها من تحريف اليهودية، وانحراف اليهودية، وانحراف النصرانية، ووثنية الجاهلية.
وليس في شيء من بقايا الأديان المحرّفة إتباع لإبراهيم – عليه السّلام- ولا ولايةٌ له، وكل محاولة للمزج بين الأديان بمسمى الإبراهيمية، فإن إبراهيم وموسى وعيسى ومحمداً منها براء، قال تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، وقال تعالى:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}.
فملّة إبراهيم – عليه السّلام – هي دين محمد صلّى الله عليه وسلّم التي أمره الله باتباعها، قال تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
وكان من أذكاره صلّى الله عليه وسلّم كل صباح: “أصْبَحْنا عَلَى فِطْرَةِ الإسْلاَمِ، وَعَلَى كَلِمَةِ الإِخْلاَصِ، وَعَلَى دِينِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلّى الله عليه وسلّم، وَعَلَى مِلَّةِ أَبِينَا إبْرَاهِيمَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ”.
إنَّ دعوة مزج الأديان وتوحيدها لا يمكن أن تنطلق من المؤمنين الحقيقيين بأي دين؛ فالنصارى لا يمكن أن تتحد كنائسهم المختلفة فضلاً عن أن يتّحدوا مع دين آخر غير دينهم، واليهود لم تتّحد طوائفهم فضلاً أن يتّحدوا مع غيرهم من الأمم، والمسلمون لا يمكن أن يمزجوا بين توحيد وشرك، وإسلام وكفر.
ولكن المطلوب بين أهل الأديان هو التعايش، والتعاون على الحق المتفق عليه {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.
وكما قال صلّى الله عليه وسلّم عن كفار قريش: “لا يَدعوني اليوم إلى خُطة يعظّمونَ فيها حُرمة، ولا يَدعوني فيها إلى صِلةٍ إلا أجًبتهم إليها”.
وقال عن حلف الفضول – وهو حلف قبل الإسلام على نصرة المظلوم على من ظلمه-: “لَقَدْ شَهِدْت فِي دَارِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبّ أَنّ لِي بِهِ حُمْرَ النّعَمِ وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْت”.
ومساحة التعايش والتعاون واسعة بين الأسرة البشرية كافة من غير عبث بالأديان ولا انسلاخ عن شيء من أسس الملة وقواعد الدين المحكمة، قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}.
____________________________________________________
المصادر والمراجع:
- أبو عبد الله البخاري، صحيح البخاري، دار ابن كثير، دمشق، بيروت، ط 4، 2002م.
- الإمام أحمد بن حنبل، مسند أحمد، الإمام أحمد بن حنبل، تح: شعيب أرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 2008م.
- علي الصلابي، إبراهيم عليه السلام خليل الله، دار ابن كثير، ص 1338-1353.