تقارير وإضاءات

أمريكا وحتمية الاعتراف الدولي بنظام طالبان في ظل وساطة تركية – قطرية

أمريكا وحتمية الاعتراف الدولي بنظام طالبان في ظل وساطة تركية – قطرية

إعداد عثمان أمكور

ما شهدهُ العالم مؤخراً في أفغانستان من انسحابٍ “محرجٍ” للقوات الأمريكية والغربية من الأراضي الأفغانية بفعلِ حيازة قوات طالبان لزمام السلطة يثيرُ أسئلة عديدة وإشكالات كبيرة للمجتمعِ الدولي، أحدها مرتبطٌ أساساً بإمكانية الاعتراف الدولي بطالبان.

الغربُ يعي جيداً أنه خرجَ بشكلٍ محرجٍ من أفغانستان ويدركُ كذلك أن الأوراق المتبقية له للضغطِ على طالبان تتمثلُ أساساً بارتهان أفغانستان واعتمادها على المساعدات التنموية لتخفيف الأزمة الاقتصادية الداخلية الخانقة لديه، وكذا الحاجة إلى الاعتراف السياسي الدولي بالنظام الجديد الذي يهيمنُ على كابل والمتمثلِ بتنظيم طالبان، وحينما نتحدثُ هنا عن الاعتراف الدولي يجبُ ربطهُ بشكلٍ مباشر باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي بالنظام الجديد الذي بات يسودُ اليوم أفغانستان.

قد يتبادرُ في الذهن أن الولايات المتحدة الأمريكية ستعارضُ وبشدة الاعتراف بطالبان باعتباره نظاماً رسمياً في أفغانستان، ولكن المتتبع لسياسة بايدن التي يمكنُ اعتبارها امتداداً لسياسة ترمب في هذا الملف يدركُ أنهُ على الرغم من “الإحراج” الذي حدث جراء انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، فسياسة بايدن واضحة تجاه أفغانستان، وملامحها ستبدأ بالظهور شيئاً فشيئاً، فسياسة الولايات المتحدة الأمريكية الجديدة هي إنهاء الحرب التي استمرت 20 عاماً وهو فعلاً “قرار صحيح حكيم لأمريكا” حسب تعبير بايدن في أحد خطبه، وذلك لو نُظر إلى المشهد في مجمله الذي يشملُ تحديات جديدة للولايات المتحدة الأمريكية في مناطق جغرافية جديدة مثل “بحر الصين الجنوبي” الذي بدأ يعرفُ هيمنة صينية داخله ليقلل من الهيمنة الأمريكية في بحر تمرُّ عبره ثلث التجارة الدولية.

من الواضح أن تركيا وقطر مؤهلتان لقيادة وساطة يمكن أن تسهم في تسريع وتيرة حدوثِ الاعتراف الدولي بالنظام الجديد في أفغانستان

كان الانسحاب أحد أعمدة رؤية بايدن للسياسة الخارجية لسنوات القامة، وهنا يجدرُ الإشارة إلى أنه قبل تولِّي بايدن منصبه كان موقفُ الأمريكيين من الانسحاب يحظى بدعم كبير في أغلب استطلاعات الرأي وهو الأمرُ الذي أيدهُ كل من دونالد ترمب والعديد من الجمهوريين، وكذلك معظم الديمقراطيين.

هذه السياسة الحاسمة لمسها الجانبُ الأوروبي جراء طريقة انسحاب أمريكا ورفضها لأي تمديد مقترحٍ من الأوروبيين داخل الأراضي الأفغانية، بل وعدم تشاورها مع “الشركاء” الأوروبيين فيما يخص الانسحاب وطرق تنفيذه ناهيك بسياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه أفغانستان مستقبلاً، التي تخالفُ في جوهرها سياسة الاتحاد الأوروبي، فهو لا يزال بنفسِ نظرته تجاه تلك الرقعة الجغرافية بحكم إيمانه بأنها تزودُ الجماعات الإرهابية بالعدة اللوجيستية والأيديولوجية، وكذا إيمانه بأن أي تفجير للوضع داخل أفغانستان سيجعلها تتعامل مع ملف جديد للهجرة.

ستظهر الأشهر والأسابيع المقبلة تطورات الوضع بأفغانستان وأثرها على شركاء الناتو، فالوضع اليوم في أفغانستان يؤكدُ وجود أزمة عميقة بين الولايات المتحدة وشريكها التقليدي الأوروبي، هذه الأزمة سترخي بظلالها على مسألة الاعتراف الدولي الذي سيحظى به نظام طالبان، فالولايات المتحدة هي الأقرب ضمن القوى الغربية من تقديم اعترافٍ دولي لطالبان، إلا أن هذا الاعتراف سيكونُ مشروطاً في الغالب، كما تعملُ الولايات المتحدة الأمريكية على توظيف ورقة الاعتراف وورقة المساعدات الدولية والاحتياطيات المالية الأفغانية الموجودة في البنك الدولي من أجل الضغط على طالبان لبلوغِ تسوية تسمحُ للولايات المتحدة بحكم بعض الملفات الداخلية بأفغانستان، وهنا يجدرُ الإشارة إلى أن طالبان الآن غير قادرة على الوصول إلى نحو 9 مليارات دولار من احتياطيات العملات الأجنبية المجمدة، كما أوقفت الدول المانحة ومنها الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي التمويلات الممنوحة لأفغانستان، والتي تمثلُ عادة ما يقربُ من 40% من الناتج المحلي الإجمالي لأفغانستان.

هذا التوقيف يجعلُ النظام الاقتصادي الأفغاني اليوم مهدداً بالانهيار، وعملته مهددة بالتضخم الشديد. وهو ما تدركهُ الولايات المتحدة الأمريكية وطالبان، لذلك سيسعى الطرفان لبلوغِ تسوية تضمنُ مصالحهما، فطالبان تدركُ صعوبة تسييرها لأجهزة الدولة في ظل الوضع الاقتصادي الراهن الذي يغلبُ عليه الأزمة والولايات المتحدة رغم انسحابها، تريدُ منع هيمنة صينية أو روسية مرتقبة بتلك المنطقة، ما سيجعلهما يبلغان تسوية فيما بينهما سيحظى بموجبها الجانب الأفغاني (طالبان) على الاعتراف الدولي ولو بعدَ حين.

من الواضح أن تركيا وقطر مؤهلتان لقيادة وساطة يمكن أن تسهم في تسريع وتيرة حدوثِ الاعتراف الدولي بالنظام الجديد في أفغانستان اليوم. كما سيسرع وجود مثل هذه الوساطة من الاعتراف الدولي بنظام طالبان، فقد رحبت أنقرة بالتصريحات المعتدلة الصادرة عن قادة حركة طالبان وذكر الرئيس أردوغان أن “الوقوف بجانب أفغانستان في السراء والضراء أحد متطلبات الوفاء بالعهد والأخوة أياً كانت الجهة الحاكمة”. أما الموقف القطري فقد تجسد في تصريحات الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني وزير خارجية قطر بخصوص وساطته في أزمة مطار كابل، فالسياسة ساهمت بتقريبِ وجهات النظر بين طالبان والولايات المتحدة بشكل خاص، وسبق أن أشارت تركيا إلى أنها قد تساعد بتشغيل مطار كابل، وفي هذا الصدد فإن تركيا وقطر تنسقان جهودهما لحل أزمة المطار وقد حققتا نجاحاً على أرض الواقع، ومن ثم السعي لتسوية دولية تستحضر اعترافاً دولياً بالنظام الحالي في أفغانستان.

فبعد أن تتمكنِ طالبان من تشكيلِ حكومتها الأولى ستجتمعُ مع القوى الغربية بالتدريج لعقد محادثات ستنتهي بحصولها على الاعتراف الدولي، وسيحدث ذلك بسلاسة إن جرى مع وساطة قطرية-تركية تسهل هذا المسار الذي ستنخرطُ به الولايات المتحدة أولاً ثم ستنخرطُ فيه دول الاتحاد الأوروبي بأثرٍ رجعي.

هذه الوساطة القطرية-التركية قد تضمنُ التعامل مع نسخة مغايرة لطالبان أكثر مرونة وقدرة للتعامل مع الغرب في ملفات حقوق المرأة والهجرة والإرهاب، وهي أهم الملفات التي تؤرق الجانب الأوروبي بخاصة، أما الجانب الأمريكي فما يهمهُ بشكلٍ أساسي ضمان عدم تمدد النفوذ الروسي-الصيني بتلك الرقعة الجغرافية بعد انسحابه، لذلك من المتوقع أن يسبق الاعتراف الأمريكي نظيره الأوروبي. فعلى طالبان أن تطلب من تركيا وأنقرة التوسط لدى المجتمع الدولي مع تهيئة الأجواء والبيئة الداخلية لذلك بالحرص على تكوين حكومة تمثل كل أبناء أفغانستان وخلافه.

وخلاصة، فإن مسألة الاعتراف الدولي لطالبان هي مسألة وقت فقط في ظل السياسة الأمريكية الحاسمة في تعاملها مع الملف الأفغاني، وفي ظل وجود تطورٍ بفكر طالبان السياسي المتسمِ بالمرونة والواقعية والبراغماتية في تعاملها ونظرتها إلى الخصوم والأعداء السابقين، وبخاصة أن طالبان وأمريكا والاتحاد الأوروبي يعرفون وجود أعداء مشتركين كتنظيم الدولة الإسلامية بـ”خراسان”، وفي الواقع كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي خلص إلى دروسٍ مهمة من حربِهِ أفغانستان، فإن كانت أمريكا استفادت ضرورة وجودِ مرونة تسمحُ لها بالخروج من حروب خاسرة كما وقع لها بأفغانستان، فإن الاتحاد الأوروبي تأكد من ضرورة تأسيس قوة دفاعية مستقلة له لما بعد حقبة “حلف الناتو”، وهو الأمر الذي يمكنُ لمسهُ من خلال نقاش وزراء الاتحاد الأوروبي في سلوفينيا وكذلك في اجتماع مجلس الشؤون الخارجية في أكتوبر/تشرين الأول الرامي إلى رسم استراتيجية دفاع مشتركة بحلول مارس/آذار 2022، وإلى أن يحدث ذلك سيظل الموقف الأمريكي تجاه أفغانستان لإحداث تسوية تشمل اعترافاً دولياً بنظام طالبان الجديد هو المؤطر للموقف الأوروبي والمشكّلِ في ملفات عديدة منها الملف الأفغاني.

المصدر: تي آر تي TRT عربي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى