أليس الشعب التونسي الشقيق شعبا مسلما؟
بقلم أ. د. عمار طالبي
نقرأ ونسمع ما يجري في تونس المسلمة الشقيقة من محاولات لسلخ هذا الشعب العريق في اسلامه وعروبته عن هويته، وثقافته وتاريخه، وخصوصيات وجوده.
وتزوير تشريعاته، لتحل محلها قوانين فرنسية أو غيرها، ذلك أن أقلية متغربة، أهواؤها ووجدانها عجن عجنا وسلخ سلخا ومسخ مسخا خارج ثقافة الشعب التونسي، وأصبح ذلك حجابا يحجبها أن ترى حقيقة هذا الشعب العريق وخصائصه، ولا ترى إلا بمنظار آخر غريب لا يرى إلا ما هو غربي غريب عن هذا الشعب، وشاذ عن قيمه، ودينه، يفصلون بين ما هو ديني منغرس في القلوب عما هو دنيوي في الحياة، كما هو تصور الغرب الديني، وهو تصور خاص بهم وبتاريخهم وبطبيعة الكنيسة وصراعها مع المفكرين الأحرار. وقوام الإسلام أنه لا فصل فيه بين الدين والدنيوي، وهذا الذي لم يدركه الغربيون ولا يتصورونه بسهولة، وأصبح في العالم الاسلامي عموما جماعات انسلخوا عن مجتمعهم، وأصبحوا وكلاء للثقافة الغربية ودعاة لها كأنها الحق الذي لا يناقش، ولا سبيل إلى إنكاره. في حين أن الحداثة الغربية لوثها ما بعد الحداثة وتنكر لها وأطاح بكثير من مسلماتها ومقولاتها.
قد قرأنا تقرير اللجنة الذي قُدم لرئيس جمهورية تونس، والردود عليه، وبيان الجامعة الزيتونية وأساتذتها، والبلاغ الذي نشره رئيس جامعة الزيتونة، الأستاذ الدكتور هشام قريشة حفظه الله، ونحن نحييه، وزملاءه على هذا الموقف المشرف لهذه الجامعة العريقة في الدراسات الاسلامية وما أنتجته من مؤلفات أصيلة، ورجال دافعوا عن وطنهم ودينهم، وحرروا القوانين والتشريعات المهمة، كالشيخ عبد العزيز جعيط والشيخ محمد الطاهر بن عاشور وغيرهما من كبار علماء الزيتونة كالشيخ الخضّر حسين الذي تولى مشيخة الجامع الأزهر، وهم الذين أسسوا الحركات الوطنية والدفاع عن الحرية كالشيخ عبد العزيز الثعالبي.
وجاء اليوم هؤلاء الذين كُوِّنوا تكوينا استشراقيا مقلدا ويحسبون أنهم على شيء من الابتكار غرورا وتعنتا، وخدمة لثقافة أسيادهم وتبعية مقلّدة تريد أن تعبث بثوابت الأمة الاسلامية قاطبة لا بوضع تونسي خاص:
فالتبعية السياسية والاقتصادية لا تحتاج إلى دليل في العالم الإسلامي، وهؤلاء يسعون الى ترسيخ التبعية الثقافية والدينية والأخلاقية، وقولبة الشعب التونسي في قالب غربي غريب عنه، وكما قال مالك بن نبي فإن المجتمع الاسلامي يقاوم الاستعمار، ولكنه لم يتخلص من القابلية لهذا الاستعمار، ونحن نرى اليوم كيف يخدم هؤلاء ثقافة المستعمر ويحاولون غرسها بقوة ووحشية والدفاع عنها عن شعور أو لا شعور لما في نفوسهم من القابلية للاستعمار وعشقه والذوبان فيه متمسكين بالإيديولوجية الأنثوية واستعمالها لأغراض هم يعلمونها ويدركون ما يختفي وراءها.
نحن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين نقف موقفا صريحا مع إخواننا أساتذة جامعة الزيتونة وغيرهم ممن أعلن رفضه لما يراد بالشعب التونسي.
وفي الوقت نفسه، نقول: إن الشعب التونسي في مجمله لا يقبل مثل هذه التبعية، والمساس بهويته الدينية والثقافية.
يقول ابن خلدون وهو تونسي في مقدمته:
“من فقَد دينه وخلقه فقد مُسخت إنسانيته”
وكفى بمقولته هذه هؤلاء المغرورين الذين ينطقون بلسان غيرهم، فهم مسكونون بمن يمثلونه، وينوبون عنه في مسخ واقع المجتمع التونسي، ولم يحترموا قيمه، فهذا عدوان ثقافي جائر وليس مجرد قوانين وتشريعات، وكل إصلاح يتجاوز رموز المجتمع ومقوماته فمآله إلى الفشل الذريع، ولا يجد أي تجاوب.
(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)