مقالاتمقالات المنتدى

أكذوبة الإلحاد (22) غضب الله وإهلاكه للمفسدين وأرباب الإلحاد

أكذوبة الإلحاد (22)

غضب الله وإهلاكه للمفسدين وأرباب الإلحاد

 

بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)

 

وصلنا في مقالات هذه السلسة إلى المحطة التي يظهر فيها الحق ويزهق فيها الباطل، وتظهر أكذوبة الإلحاد، وأنها هباء وأن الله المنتقم قد أخر فرعون إلى أجل لم يتأخر عنه ولم يتقدم.

سار موسى عليه السلام بأتباعه ليلاً، متوجهاً نحو البحر، للخروج من مصر إلى الأرض المقدسة، ولحق بهم فرعون وجنوده الكثيرة ولما أشرقت شمس الصباح اقترب فرعون وجنوده من المؤمنين. (القصص القرآني، ٣/٨٢).

قال تعالى: ﴿فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (٦٠) فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢)﴾ ]الشعراء:٦٠-٦٢[.

  • ﴿فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ﴾ ]الشعراء:٦٠[:

أي: وصلوا إليهم عند شروق الشمس، بينما كانوا متوجهين نحو الشرق، لأن البحر الأحمر واقع شرق مصر، فكلمة مشرقين تتضمن معنيين: جهة الشرق وشروق الشمس.

وأصبح موسى وقومه أمام البحر ليس معهم سفناً ولا قوارب لتقلهم إلى الجانب الثاني من سيناء، وقد قاربهم فرعون بجنودهم شاكي السلاح يطلبونهم ولا يرحمون وقال دلائل الحال كلها أن لا مفر والبحر أمامهم والعدو خلفهم، وسجل القرآن الكريم ما قاله بنو إسرائيل لموسى عليه السلام. (في ظلال القرآن، ٥/٢٥٩٨).

  • ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ﴾:

لما رأى كل فريق منهما الفريق الآخر، حيث رأى قوم موسى جند فرعون، فخافوا وفزعوا، ورأى جند فرعون قوم موسى محصورين بينهم وبين البحر ففرحوا واستبشروا، لأنهم أيقنوا بالقبض عليهم والخلاص منهم.

  • ﴿تَرَاءَى﴾: فعل ماض، مشتق من “رأى” لكنه يدل على الرؤية المشتركة بين الطرفين الرائيَيْن. (القصص القرآني، ٣/٨٣).
  • وقول أصحاب موسى ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾: معناه أن جنود فرعون قد أدركونا وظفروا بنا، و “مدركون”: اسم مفعول من الفعل الماضي: أدرك.
  • وقولهم: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾: يسجل خوفهم الفطري من الخطر الداهم الذي ينتظرهم على يد فرعون وجنوده ولا يلامون عليه، ففي الحساب البشري المادي ليس أمامهم فرصة نجاة، فكيف ينجون من جند فرعون وكل الحسابات البشرية المادية تقرر أنهم مدركون وأنه قد انتهى أمرهم وقضي عليهم وليس أمامهم فرصة نجاة، لكن للإيمان والتوكل على الله حساب آخر، يعرفه نبيهم موسى عليه السلام ولهذا طمأنهم وأزال خوفهم وهدّأ من روعهم وقال لهم:
  • ﴿كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾:

كلا: في شدة وتوكيد.

كلا لن نكون مدركين

كلا لن نكون هالكين

كلا لن نكون مفتونين

كلا لن نكون ضائعين

﴿كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ بهذا الجزم والتأكيد واليقين. (في ظلال القرآن، ٥/٢٥٩٩).

وهذه معية خاصة من الله عزّ وجل لموسى عليه السلام، وهي مقتضى النصر والتأييد والحفظ والعناية والتوفيق واللطف، وهي من الصفات الفعلية، لأن مقتضياتها تابعة لأسبابها، وهي مختصة بمن يستحق ذلك من الرسل وأتباعهم وهي ظاهرة في هذا الموقف وفي هذه الآية الكريمة إسناد المعية إلى الرب ﴿إِنَّ مَعِيَ رَبِّي﴾ على معنى مصاحبة لطف الله به وعنايته بتقدير أسباب نجاته من عدوه، ومعية الله عزّ وجل لخلقه من أبرز سمات الربوبية لله عزّ وجل. (منهج الدعوة إلى العقيدة في ضوء القصص القرآني، منى داود، ص٣٧)

إن حياة موسى عليه السلام كلها ترجمة عملية لمعية الله وحفظه وعنايته ورعايته، لقد كان معه في كل خطواته وساعاته، أدام عليه توفيقه وتأييده، من كان مع الله فإن الله معه ومن نصر دين الله فإن الله سينصره ومن تحدى أعداء الله فإن الله سيحميه وهذا ما أيقن به موسى عليه السلام.

ويلاحظ أنه عليه السلام لم يقل: إنّ الله معنا، كما قال النبي ﷺ لأبي بكر عندما كانا في الغار، ولعل السبب أن موسى عليه السلام كان يعلم حقيقة ما تنطوي عليه قلوب كثير من بني إسرائيل من النوايا السيئة وسوء الظن بالله تعالى التي أظهرتها بعد تلك الأحداث اللاحقة كعبادتهم العجل، وتخاذلهم عن تنفيذ أمر موسى بالجهاد، وجاء الفرج من الله تعالى في اللحظة الحاسمة الحرجة: (التفسير الموضوعي، ٦/١٦٣).

قال تعالى: ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (٦٣) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (٦٤) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (٦٥) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٦٦)﴾ ]الشعراء:٦٣-٦٦[.

  • ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ﴾:

أي: أمرنا موسى عليه السلام بواسطة الوحي أن يضرب البحر بعصاه، عصاه المعروفة التي جعلها الله آية من قبل، فأمره أن يأخذ بالأسباب وأن يقوم بحركة بسيطة منه، وهي أن يضرب البحر بعصاه، ونفّذ موسى عليه السلام أمر الله، وضرب بعصاه البحر وكان الوقت صباحاً عند شروق الشمس. (القصص القرآني، ٣/٨٦-٨٧).

  • ﴿فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾:

أي: ونظر بنو إسرائيل إلى البحر أمامهم، فإذا به يتأثر بضربة موسى عليه السلام فانشق عن طريق يابس وأصبح الماء على جانبيه كالجبل الراسخ، وهو كما قال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى﴾ ]طه:٧٧[، وقد مرّ معنا تفسيرها. (القصص القرآني، ٣/٨٦-٨٧).

وفي قوله: ﴿فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ في الآية حذف فيه إشارة إلى سرعة امتثاله عليه السلام وسرعة ترتب الانفلاق على الضرب وإنما أمر عليه السلام بالضرب فضرب، وترتب عليه الانفلاق إعظاماً لموسى عليه السلام بجعل هذه المعجزة العظيمة بفعله، ولو شاء الله لفلقه من دون ضربه بالعصا. (روح المعاني، ١٩/٨٦).

وقد أمر الله البحر أن يتجاوب لضربة موسى، فوقف ماؤه على جانبي الطريق بدون سدّ أو حاجز، وتعبير القرآن عن انشقاق البحر بالفلق: ﴿فَانْفَلَقَ﴾ مقصود، لأن الفلق فصل شيئين عن بعضهما، قال الإمام الراغب: الفلق: شق الشيء وإبانة بعضه عن بعض.

فالمراد بيان انفصال جزئي البحر عن بعضهما انفصالاً حقيقياً مادياً مشاهداً، وابتعاد أحدهما عن الآخر وكأن الجزئين فلقتان حقيقيتان، كما تفلق الحبة إلى فلقتين، وتقسمها إلى قسمين منفصلين وشبه القرآن كل فلقة من فلقتي البحر بالجبل: ﴿فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾، و “الطّود” هو: الجبل العظيم، الذاهب صُعُداً في الجو ويشبّه به غيره من كل مرتفع أو عظيم أو راسخ.

وتشبيه كل فرق بالطود العظيم لوحظ فيه استقرار ماء البحر وثباته وانفصاله وعدم تداخله وانسيابه، كما لوحظ فيه ارتفاع ذلك الفرق ارتفاعاً عالياً يقدر بمئات الأرقام.

  • قال تعالى: ﴿وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ﴾ ]الشعراء:٦٤[:

والمراد بالآخرين هنا فرعون وجنوده الذين وقفوا بعيدين قليلاً عن شاطئ البحر يرقبون المنظر ومعنى: ﴿وَأَزْلَفْنَا﴾: قرّبنا وقدمنا.

و﴿ثَمَّ﴾ بفتح الثاء: اسم إشارة بمعنى هناك. (القصص القرآني، ٣/٩٤).

  • ﴿وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ﴾ ]الشعراء:٦٥[:

أنجى الله موسى ومن معه، من فرعون وجنوده، أنجاهم من القتل والتعذيب على أيديهم، كما أنجاهم من الغرق في مياه البحر، وأنجاهم من انقلاب الماء عليهم وهم يسيرون في الطريق اليَبَس، وأنجاهم من أن يكونوا طعاماً للأسماك، ولما وجدوا أنفسهم على الشاطئ الآخر ناجين حمدوا الله وشكروه على هذه النعمة الغامرة.

  • ﴿ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ﴾ ]الشعراء:٦٦[:

ومكر الله بفرعون وجنوده، وتمّ ما أراده لهم فلما شاهدوا الطريق يَبساً سالكاً مأموناً، ولما شاهدوا نبي إسرائيل قد عبروه آمنين أيقنوا أنهم سيعبرونه أيضاً، ولهذا أصدر فرعون أمره لجنوده بالدخول للحاق ببني إسرائيل، فنفذوا أمره ودخلوا الطريق ودخل فرعون معهم.

ولما كانوا وسط الطريق يسيرون في قاع البحر، والماء عن يمينهم وشمالهم واقفاً كالطود العظيم، أمر الله الماء أن ينطبق عليهم، وأن يتحد جُزءاه على جانبي الطريق، فنفّذ الماء أمر الله، وما هي إلا لحظة حتى كان فرعون وجنوده جميعاً تحت الماء غرقى، كانوا على عمق عشرات الأقدام تحت الماء فهلكوا جميعاً، وقد سجلت آيات القرآن الكريم مشهد غرقهم العجيب المثير، بينما كان بنو إسرائيل ينظرون معجبين مبهورين شاكرين الله.

وبنفس السبب الذي أنجى الله به موسى وقومه أهلك فرعون وقومه؛ لأنه وحده سبحانه القادر على أن ينجي وأن يهلك بالشيء الواحد. (تفسير الشعراوي، ١٧/١٠٥٨٢).

وقد مرّ معنا ذلك في سورة القصص وطه، وسيأتي بإذن الله تعالى في سورة الذاريات والأعراف والزخرف ويونس.

ملاحظة هامة: اعتمد المقال في مادته على كتاب: “موسى كليم الله”، للدكتور علي محمد الصلابي.

 

المراجع:

  • القصص القرآني؛ عرض وقائع وتحليل أحداث، صلاح الخالدي، دمشق، دار القلم، ط4، 2016م.
  • موسى عليه السلام كليم الله، د. علي محمد الصلابي، دار ابن كثير، الطبعة الأولى، 2022م.
  • في ظلال القرآن، سيد قطب.
  • تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي.
  • السيرة النبوية: عرض وقائع وتحليل أحداث؛ دروس وعِبر، دمشق، دار ابن كثير، ط9، 2019م
  • التيسير في أحاديث التفسير، الناصري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى