مقالاتمقالات المنتدى

أفول الاحتلال الأمريكي

أفول الاحتلال الأمريكي

بقلم د. أنور الخضري (خاص بالمنتدى)

كانت جيوش الاحتلال القديم تقوم على فكرة الاستيطان، أي نقل عوائل وأسر الجنود وغيرهم من ذوي المصالح المختلفة إلى أرض العدو وإقامة مجتمعات استيطانية مرتبطة بالأرض المحتلة كي تتحول هذه المجتمعات مع الوقت إلى قوى مقاتلة عن وجودها ومصالحها التي تشكلت في الأرض الجديدة وبالتالي توجد دوافع عدة للقتال.

هكذا كانت الحملات الصليبية تتحرك وتستوطن المناطق الإسلامية وهكذا كانت معظم دول الاستعمار تفعل، أسبانيا والبرتغال وفرنسا وبريطانيا وغيرهم. حتى تشكلت بؤر استيطانية كبيرة وأفرزت مجتمعات كاملة في الأراضي المحتلة.

الاحتلال الأمريكي يختلف عن غيره. فأمريكا العدوانية لا تحمل عقلية الاحتلال القديم ولكن عقلية عصابات النهب والسلب. كما أن دستورها وقوانينها لا يسمح بممارسة الاستعمار الاستيطاني، وشعبها أساسا يحمل ثقافة الرفض للاستعمار، لذلك فهي تقوم باحتلال عسكري  مؤقت لتنصيب قوى محلية موالية ومن ثم تنسحب قواتها عائدة لأرض الوطن.

والجنود الأمريكان في القانون الأمريكي يتمتعون بكل الامتيازات والرتب والعناية التي يتمتعون بها على الأراضي الأمريكية وهذا يرفع كلفة الوجود العسكري للجنود الأمريكان خارج الوطن. فالأجواء المكيفة والخدمات والترفيه والتغذية والألبسة ووسائل الأمان والتنقل وغيرها.. تخضع لمعايير دقيقة. وأي إهمال أو تقصير يوجد نفورا لدى المجندين.

لذلك فالجندي الأمريكي يقاتل لعلة واضحة ولا يرى البقاء خارج وطنه لفترات طويلة ولا يعمل الجنود لنقل أسرهم خارج أوطانهم. فحلمه دائما العودة للوطن الأم. فالجندي الأمريكي المحتل لا يمتلك عقيدة استيطانية وإن أعطي المبرر القانوني لقتاله خارج وطنه.

هذا فارق جوهري في النظر للوجود الأمريكي بالعراق وأفغانستان وغيرها، وينبغي وضعه في الحسبان ونحن نقرأ قضايا الانسحاب الأمريكي من تلك الدول.

حتى دعاوى “دعم الديمقراطية” أو “مكافحة الإرهاب” لا تعطي الحكومة الأمريكية حق الاحتلال المباشر والاستعمار الدائم لأي بلد تفترضه هدفا لعمل عسكري مشروع وما يتم هو استدعاء عدوان “ما” -فعلي أو مفترض- للقيام بضربة استباقية وهجوم كاسح.

هذه السياسة تضعف الولايات المتحدة الأمريكية وتجعل من ثقافة الممانعة المجتمعية للمشاركة في القتال الخارجي ترتفع، إذ يرى الشعب أن التضحيات لا توازي النتائج المعلنة، فلا الديمقراطية تتحقق -كما هو حال العراق، ولا الإرهاب يقضى عليه -كما هو حال أفغانستان.

إن خروج الولايات المتحدة الأمريكية وانسحابها من المنطقة سيفضي إلى ضعفها لأن بقاء جيوشها في الخارج للقتال فقط وليس للاستيطان والاستعمار مكلف جدا، مع بقاء تلك الجيوش هدفا ثابتا للمقاتلين والمقاومين. ولو اختارت القوى الأمريكية الاستيطان فإنها بذلك ستنهي النظام العالمي وتفتح الباب على مصراعيه لتغيير خرائط العالم.

لذا فإنه بعد هزيمة الجيش الأمريكي في العراق وفي أفغانستان لن تكون لديه جرأة للقتال في بلد جديد، وإذا فكرت الإدارة الأمريكية في ذلك فإن ذاكرة الجنود المقاتلين ستكون محملة بذكرى الهزيمة أمام جماعات مقاتلة بدائية فكيف سيكون الحال أمام جيوش نظامية.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى